وقفات مسلحة في صنعاء القديمة والتحرير نصرة لغزة وتنديداً بجرائم العدو الصهيوني    انخفاض صادرات سويسرا إلى أميركا بأكثر من الخُمس بسبب الرسوم    سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا يثمنون دور الانتقالي والقوات الجنوبية    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي في صنعاء    مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالله الهادي    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    استمرار نزوح الفلسطينيين هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزه    المحرّمي يعزِّي في وفاة المناضل والقيادي في المقاومة الجنوبية أديب العيسي    مقتل مسؤول محلي بمدينة تعز    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    تغييرات مفاجئة في تصنيف فيفا 2025    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    شركة صهيونية :دفاعاتنا الجوية المتطورة مثقوبة أمام الصواريخ اليمنية والإيرانية    واشنطن تزود أوكرانيا بالباتريوت بتمويل الحلفاء    أصبحت ملف مهمل.. الحرب المنسية في اليمن والجنوب العربي    عاجل: غارة أمريكية تستهدف ارهابيين في وادي خورة بشبوة    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    قيادي في الانتقالي: الشراكة فشلت في مجلس القيادة الرئاسي والضرورة تقتضي إعادة هيكلة المجلس    حضرموت.. نجاة مسؤول محلي من محاولة اغتيال    حياة بين فكي الموت    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    واقعنا المُزري والمَرير    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    تعز.. وفاة صيادان وفقدان ثالث في انقلاب قارب    برنامج الغذاء العالمي: التصعيد الحوثي ضد عمل المنظمات أمر غير مقبول ولا يحتمل    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    الأرصاد: استمرار حالة عدم استقرار الأجواء وتوقعات بأمطار رعدية غزيرة على مناطق واسعة    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    دوري ابطال اوروبا: ريال مدريد المنقوص يتخطى مارسيليا بثنائية    كأنما سلخ الالهة جلدي !    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصائد جديدة للشاعر إبراهيم نصر الله
نشر في الجنوب ميديا يوم 29 - 10 - 2012


محاولة
محاولةٌ ليسَ أكثرَ
أزرعُ زهرةَ عبَّادِ شمسٍ لتتبَعَ خطوكِ إذ تعبرينَ
أنا ههنا شجْرَةُ الكيْنِيَاءْ!
محاولةٌ ليسَ أكثرَ
أكتبُ شِعراً لغيركِ
كي تقرئيهِ، ولو كانَ ذاكَ مُصادَفةً
أو تقولي رأيتُ فتًى شبْهَ طيفٍ
وذكَّرني فجأةً بالشِّتاءْ!
محاولةٌ ليسَ أكثرَ
أُنْشِدُ في آخرِ الليلِ أُغنيتي تحتَ شُبّاكِ بيتكِ
قد تسمعينَ
تظنِّينَ أن الطريقَ يَغَصُّ بعشرينَ ألفاً من الغرباءْ!
محاولةٌ ليسَ أكثرَ
أحمِلُ حَبَّةَ تينٍ
وإذ تعبُرينَ أَمدُّ يدي دونَ خوفٍ إليكِ
وأهمسُ: إنكِ مدعوَّةٌ للعشاءْ!
محاولةٌ ليسَ أكثرَ:
هذي الغيومُ البعيدَهْ
محاولةٌ ليسَ أكثرَ:
قلبي . . وهذي القصيدَهْ!
العصافير
لأرضِ الشّمال تطيرُ العصافيرُ:
خضراءُ حمراءُ سوداءُ بيضاءُ
لا فرْقَ
كلُّ الطيورِ تُغني وكلُّ الطيورِ تمرُّ
وكلُّ الطيورِ سترحلْ!
هنا مَقعدٌ، قهوةٌ أنتِ فيها
صباحٌ خفيفٌ تحفُّ به غيمتانِ
وريحٌ من البحرِ جاءتْ
وحطَّتْ على السِّلكِ مثلَ العصافيرِ
هل قلتِ: إنَّ هناك على السِّلكِ حطَّتْ رياحْ؟!
كلُّ شيءٍ هنا غامضٌ في الصّباحْ!
أُعيدُ قراءةَ هذي القصيدةِ سبْعاً
لتُفتَحَ نافذةٌ لم ترَ الشمسَ
نافذتي هيَ أو ربما هيَ نافذةُ الجارِ
تلكَ التي أعتَمَتْ فجأةً
مُنذ غابتْ وليفتُهُ
وعلى حافَّةٍ من رخامٍ
نمَتْ وحشةٌ مُرّةٌ
ثم سالتْ على حائطٍ من حَجرْ
الإقامةُ تصبحُ مجنونةً
حين تُوقِدُ فيها العصافيرُ شهوتَها للسَّفرْ!
العصافيرُ، كلُّ العصافيرِ
تأتي وتذهبُ
كي نتذكَّرَ بحراً بعيداً
بلاداً هنالكَ لم يرَها أهلُها
وقلوباً معلَّقةً كالقناديلِ فوقَ الشّجرْ
والعصافيرُ قُربَكِ، قرْبي تُغنّي
العصافيرُ ترحلُ في آخر الأمرِ تاركةً خلْفها طائراً واحداً ليُذكِّرَنا بالشمالِ . . الجنوبِ
وبالشَّرقِ والغربِ
أوْ ما نسيناهُ فينا وأظلَمْ
طائرٌ سيحطُّ على سَرْوَةٍ قربَ بابي، على عتْبةِ البابِ،
فوق السَّريرِ . . المِخَدَّهْ
طائرٌ يتأمَّلُني لحظةً
ثم يختارُ من برِّ هذا السّريرِ المُرتَّبِ وجهَكِ . .
يختارُ ورْدَهْ
طائرٌ مثلُ كلِّ الطيورِ يشقُّ ضلوعَكِ . .
يخفقُ في عتْم صدركِ
يشدو نهاراً وليلينِ حتى يقولَ كلاماً أخيراً لقلبِكِ:
إن العصافيرَ تمضي شمالا . . جنوباً
فلا تَطمئنِّي لغيرِ الجناحِ
اِطمئنِّي لهذي العصافيرِ تعلو
اِطمئنِّي لهذي العصافيرِ ترحلْ
ولا تترُكي غير ذِكْراكِ خلْفَكِ
كلُّ مكانٍ ستمضي إليهِ العصافيرُ أجملْ!
ثلج
على مَهَلٍ يسقطُ الثّلجُ في شارعٍ ضيِّقٍ
وعلى مَهَلٍ تستعيدُ البناتُ الجميلاتُ آخرَ صيفٍ
وينْسَيْنَ بعضَ التّفاصيلِ
والثلجُ يسقطُ مُلتجِئاً للزَّوايا الصغيرةِ أسفلَ سوري . .
على ذكرياتيَ والنّافذَهْ
بعدَ خمسِ دقائقَ قد يُصبحُ الشّارعُ . . الأفْقُ، أضيقَ
إذ تختفي الفتياتُ
ويسقطُ ثلجٌ جديدْ
ويبحثُ دُوْريْ عن الدّفءِ في رَعَشاتِ الحديدْ!
ويهرعُ قطٌّ لدفءِ مُحرِّكِ أولِ سيارةٍ وقفتْ،
وعلى عَجَلٍ سيغادرُها
رجلٌ فارعٌ لممرِّ البنايَهْ
في زمانٍ كهذا ستُوْلَدُ في الرِّيحِ ألفُ حكايَهْ
وتُولدُ في الدِّفءِ ألفُ حكايَهْ
تتجمَّدُ فوق السّطوحِ السّماءُ
الجواربُ فوق حبالِ الغسيلِ
ببابِ المُعسكرِ بعضُ الجنودِ وساريةٌ ونشيدٌ . .
وشبْهُ بلادٍ . . ورايَهْ!
يسقطُ الثّلجُ
سوف ينامُ المُغنّي
ويُغلِقُ هذا الرِّوائيُّ من فزعٍ دَفْتَرَهْ
كي يُدفِّئَ مَن وُلِدوا في الصباحِ
ولم يكْبَرُوا، بَعْدُ، في صفحاتِ الرِّوايَهْ!
المواعيد
لي موعدٌ مع كلِّ شيءٍ:
طائر يتأمَّلُ الشّباكَ . . صورتَهُ
يفكِّرُ هل في داخلِ البيتِ الصغيرِ هنا فضاءٌ؟!
ينقرُ الشُّباكَ: ما هذا؟! سماءٌ يابِسَهْ؟!
ويطير نحوَ شجيرة اللوزِ الطّريّةِ في حديقةِ جارنا
ويقول شيئاً غامضاً لشبيههِ في اللونِ . . والصوتِ . . الجناحِ
ويرجعانِ معاً إلى الشّباك ثانيةً
-أكونُ فتحتُهُ-
سيُحدِّقانِ ويبحثانِ عن السّماءِ، ويهمِسانْ:
لا شيءَ غير الليلِ في جوفِ المكانْ!
ويرْحلانْ!
الجحيم
غابتِ الشَّجَرَاتْ:
لوزةٌ، في البدايةِ،
زيتونةٌ . . سروةٌ . . نخلةٌ
ثم أصبحَ صوتُ العصافيرِ أخفضَ من أيِّ وقتٍ مضى
غابت الدُّوْرُ والبحرُ،
-كان الذي قد تبقّى لنا منهُ: زاويةٌ ضيِّقَهْ!-
وتدلَّتْ حِبالٌ من الرَّافِعَهْ
كم بدتْ مَشْنَقَهْ!
غابتِ الشمسُ مكسورةً قبل ساعَهْ!
هبطَ الليلُ منتشياً قبلَ ساعَهْ!
ترنَّحَ ضوءُ النجومِ . . اختفى
خلْفَ بُرج النُّيونْ
وبدا أنَّ كلَّ الذي هو لي حفرة مُظلِمَهْ
كنت سمَّيتُها وطناً ذاتَ يوم فصارتْ سَكَنْ!
لم يكن ذاك مشهدَ فيلمٍ
ولا مقطعاً من روايَهْ!
كنتُ أعرفُ أن الجحيمَ له ألفُ اسمٍ
أضفتُ لأسمائهِ واحداً
هوَ:تلكَ البِنايَهْ!
الحرب
عندما وصلَ البابَ بعد ثلاثِ ليالٍ وجُرْحينِ:
في الصَّدرِ والخاصِرَهْ
تذكَّرَ شيئاً هنالكَ في ساحةِ الحربِ خطْفاً
تردَّدَ هل يَطرقُ البابَ
أمْ قبْلَ ذلك يمضي ويُلقي السَّلامَ على من قَضَوا كي يَعيشَ
وساروا بلا موكبٍ أو نشيدٍ إلى عتمةِ المَقْبَرهْ؟
يستعيدُ نشيجاً يقولُ لهُ:
الحيُّ أفضلُ من ميِّتٍ عُدْ لنفسكَ
واتركْ لنا الآخِرَهْ!
. . . . .
عندما وصلَ البابَ أدركَ:
لا، لمْ يناموا
هنالكَ في الدَّاخل المُشْرَعِ القلبِ والعينِ ينتظرونَ
الشبابيكُ صامتةٌ ليس إلاّ
ولكنَّ بعضَ البكاءِ يجيءُ خفيضاً
كآخرِ أنفاسهِ
وسحابةِ أيلولِهِ المُمْطِرَهْ
لم يعدْ يتذكَّرُ كمْ ليلةٍ عبرتْهُ؟
وكم ذئبةٍ تبِعَتْهُ؟
وكم من نهارٍ قَطَعْ
كانَ أفضلُ ما تمَّ، فكَّرَ، أن الطريقَ انتهى
والحروبَ- الحِيَلْ
عند بوابةِ البيتِ قبلَ ثلاثِ خطًى يتحامَلُ
كي لا يقعْ
في البعيدِ هنالكَ تحتَ رمادِ الجنودِ ارتبكْ
حينَ لم يستطِعْ
أن يُعدِّدَ أسماءَ أبنائهِ!
خمسة ليسَ أكثر!
في أيِّ بئر ظلامٍ إذاً إسْمُ سادسِهم يغرقُ الآنَ؟!
أزَّ الرّصاصُ ودوَّتْ قذيفةُ هاوْنٍ على بُعد مترينِ من خندقِهْ
صاحَ بعضُ الجنودِ
سحابةُ لحمٍ أضاءتْ كبرقٍ
وسقفُ السّماءِ تمايلَ . . وارتجَّ . . ثمَّ . . انصَدَعْ
في احتدامِ المعاركِ يملأُ حنْجَرَةَ الوقتِ رجْعُ نواحِ البَجَعْ
حين تَنسى اسمَ آخرِ أبنائِكَ:
الولد الأطيب، الفارع، المُتثاقِل في الصُّبح دوْما
الذي سيقولُ: اتركوني أنامُ قليلا
سأصطادُ حُلْما!
خطوةٌ ليسَ أكثرَ
ينفتحُ البابُ
يهمسُ صوتٌ: وصلتَ إذاً؟!
ويئزُّ الرَّصاصُ
تُدوِّي قذيفةُ هاوْنٍ على بُعدِ مترينِ
أينَ المكانُ وأينَ الزَّمنْ؟!
تحتَ غيمةِ أيلولَ رفَّ الحمامُ وطارَ بعيداً
ولم يصِلِ البابَ مَنْ قد وَصَلْ!
هكذا تُكْمِلُ الحربُ لعبتَها دائماً:
عادَ . . لكنّهُ لم يَعُدْ!
تلك معجزةٌ أنه مَن نجا!
تلكَ مسخرةٌ أنه مَنْ قُتِلْ!
وتظلُّ الدوائرُ دائرةً:
الحروبُ تلوكُ فتاتَ الرِّجالِ
ليزهو السَّلامُ بإسمِ البطلْ!
شريط إخباري
سبعةٌ أسفلَ الشاشةِ المطمئنَّةِ قد سقطوا
الرِّيحُ في غربِ آسيا شماليَّةٌ
والحرارةُ مُعْتدِلَهْ!
الشريطُ يدورُ كمِرْوحةٍ في الفراغِ
المذيعةُ بعدَ قليلٍ ستختِمُ نشرتَها
بابتسامتِها . . وبشيءٍ خفيفْ
قد يكونُ سباقاً لثيرانِ مدريدَ عَبْرَ الشَّوارعِ، مُشتعِلَهْ
ربما . . باختراعِ مُرَطِّبِ جِلْدٍ لطيفْ!
ثمانيةً أصبحوا . . والشَّريطُ يدورُ
هناكَ دعايةُ شامبو
عطورٍ . . عصيرٍ . .
وسيدةٌ ربِحَتْ رحلةً للمنافي، بلا عودةٍ،
ظهرتْ وهي تنشِجُ مُنْفعِلَهْ!
تسعةً أصبحوا
والشريطُ يدورُ رفيعاً ويسقطُ في حفرةٍ بجوارِ الرَّصيفْ
. . . . . .
- سهرةُ الليلِ حافلةٌ، ستقولُ المذيعةُ حين تعودُ
سنبدأُها بعد خمسٍ بفقرةِ (حظِّكَ)
ثم تليها حكايةُ نجمِ المُسلسلِ . . هل سيعيشُ طويلا كما
قيلَ أم سيموتُ غريباً نتيجةَ جُرْحٍ طفيفْ؟!
عشرةٌ سقطوا والشّريطُ يدورُ
ثلاثُ دقائقَ . . ينتصفُ الليلُ
صاروا ثلاثينَ . .
وانتصفَ الليلُ
كانَ الحصادُ وَفيراً
وكانَ الشريطُ يدورُ . . ولا أسئلَهْ
. . .
- صباحٌ جميلٌ، تقولُ المذيعةُ
ها قد أطلَّ الصباحُ
وصاروا ثمانينَ . . ألفاً . . وألفينِ . .
والموتُ يرقصُ في نهر دمٍّ
على وقْعِ أحذيةِ القَتَلَهْ
هناك
(غزّة . . صباحا)
1
خطوةً خطوةً تتقدَّمُ في الليلِ حربٌ
تُسَجِّلُ أسماءَ من ولِدوا في المساءِ
ومنْ لم يموتوا لأنَّ الجراحَ خفيفَهْ!
وتعبرُ صمتَ الشوارعِ باحثةً عن حديقَهْ
لتُحصي براعمَ قد تتفتَّحُ في ساعةِ الفجرِ
زيتونةً خبَّأتْ ولداً خلْفها ساعةَ القصْفِ
مئذنةً لم تزلْ بعدُ واقفةً
وملابسَ فوقَ الحِبالِ نظيفَهْ!
حمَاماً يُرفرفُ في الجوِّ
ترقُبُهُ الفُوَّهاتُ
ويملؤهُ فزعٌ في الأعالي يلوكُ رُفُوْفَهْ
. . وها قد أطلَّ النهارُ
الضحايا كثيرونَ: حقلٌ من القمحِ!
والموتُ سوَّى صفوفَهْ!
2
النهارُ على حائطِ البيتِ من ساعتينِ
ولكنَّ مَن فيهِ لم ينهضوا بعْدُ
ثمَّ دخانٌ يحطُّ على شجرِ السَّرْوِ مثلَ غُرابٍ
وفي آخرِ الشّارع الضَّيِّقِ انكفأتْ وردةٌ كسؤالْ
كلُّ شيءٍ يدلُّ على ما تقلَّبَ في صمتهِ
من كلامٍ يُقالْ
وكلامٍ بطعْمِ الصّدى لا يُقالْ!
النهارُ تسلَّقَ سوراً وحطَّ على السَّطحِ
في باحةِ البيتِ كانت هناكَ ثلاثُ بناتٍ بعُمْرِ الدُّمَى
وثلاثُ حقائبَ من جوفِها خرجتْ مكتبَهْ!
من عصافيرَ زرْقاءَ
تبحثُ عن ظلِّها في المكانِ . . وأعْيُنِها
وأناشيدُ عن ظَهْرِ قلبٍ تُحدِّق مُستغْرِبَهْ
وعلى عتْبةِ البابِ كانت تُلوِّح كفٌّ بلونِ الظّلالِ . .
رماديةٌ . . كمْ بدتْ مُتْعَبَهْ
والنهارُ تسلَّقَ خمسينَ حائطَ دار وخمسينَ شجْرةَ حَوْرٍ وخمسينَ حُلْماً طريّاً وخمسينَ إسماً أليفاً وخمسينَ رُوحْ
ولكنَّ مَن في البيوتِ، هنالكَ، لم ينهضوا
كانت الطائراتُ المُغيْرةُ مرَّتْ
وما خلْفَها تركتْ غابةً من غيابٍ كثيفٍ
وصمتاً ينوحْ
لقاء عائلي 1
- . . . . . .!
- وأنا ابنتُهُ، قالتِ امرأةٌ في الثلاثينَ من عُمْرِها
وجهُها شاحبٌ كخريفٍ طويلٍ، وفي شَعرِها زهرةٌ ذابلَهْ
- وأنا إبنُهُ .
كانَ في العاشرَهْ
وعلى كتفيْهِ تفيضُ جدائِلُهُ السَّائِلَهْ!
- وأنا زوجتُهْ .
قالت امرأةٌ في الثلاثينَ أيضاً، ولم تلتفتْ .
نصفُ سمراءَ كانتْ وفي عُنْقِها قمرٌ يتأرجحُ في سِلسِلَهْ
- أنتِ تعنينَ أنكِ أنتِ العشيقةُ؟
- لا . أنا كنتُ العشيقةَ . . قالتْ فتاةٌ رمتْهُمْ بفتنتِها المُذهِلَهْ!
- أنتِ؟! من كان يمكنُ أن يتوقَّعَ هذا؟ أأنتِ؟!
- دعوْنا، سنُكْمِلُ، أنتِ العشيقةُ، لا بأسَ!
- أعرفهُ منذُ عشرِ سنينْ
- منذُ عشرِ سنينٍ؟! وكم عُمرُكِ الآنَ؟!
- ماذا يهمُّ، أَعُمْري هو المُشكِلَهْ؟
- استريحي!
- وأنتَ؟!
- أنا ظلُّهُ إن أردتُّم، وكاتمُ أسرارِهِ،
وأضيفُ، وأعرفكمْ أجمعينْ!
هتفوا: أجمعينْ؟!
- ولكنّني في الحقيقةِ لم أتشرَّفْ بمعرفتِكْ! قال كاتمُ
أسرارِهِ: أنا أعنيكَ، بالطَّبع أعنيكَ أنتَ!
- لماذا أُجيبُكَ؟ قال الغريبُ الوحيدُ
- لماذا؟! هنا نحنُ أحبابُهُ، الأصدقاءُ، العشيقةُ أيضاً
وأبناؤهُ، وهنا مَنزِلُهْ
- تريدونَ أن تعرفوا؟! أتريدونَ؟!
- بالطبعِ! قالوا جميعاً
تلعثَمَ في أولِ الأمرِ، قالَ: أنا قاتِلُهْ!
- أنتَ قاتِلُهُ؟!
- أنتَ قاتِلُهُ؟!
عمَّ صمتٌ . . وفي وجههِ حدَّقوا
- ولماذا إذاً لم تقُلْها، ومنذ البدايةِ؟!
كان غريباً ومرتبكاً: سوف أخرجُ!
لكنّهم عانقوهُ
ومن قلبِ بهجتِهمْ صفَّقوا!
2014
خلفَ نفسيَ سِرْتُ
خُطايَ أثيريَّةٌ
وملامحُ وجهيَ غامضةٌ خلفَ ليلٍ من الخيلِ والحسراتْ!
فجأةً صرتُ ذاك الصغيرَ الذي يتراكضُ خلفَ الطيورِ
يُحلِّقُ
تنهرُهُ أُمُّهُ: عُدْ هنا!
وتَغارُ الدّجاجاتُ منهُ كثيراً وشعبُ الحُفاةْ!
بعد عشرينَ عاماً، ثلاثينَ، خمسينَ عاماً، ركضتُ وقلَّدْتُهُ
حينَ أوقعَني الأُفْقُ في حبِّهِ
وسبتْني الجهاتْ
ولكنني، كلّما منحتْني الحياةُ جناحاً
يُحلِّقُ مَن كنتُ أعلى وأعلى
فلا أنا طيرٌ لأتبعَهُ
لا، ولا نجمةٌ تمتطي الصَّهواتْ
سيرحلُ مُدَّعياً: أنه لا يراني
المدى نصفُ سجادةٍ تحتَهُ، والغيومُ صلاةْ
ولكنني حين أَهْوَى يُجمِّعُ كلَّ شقاواتِهِ ويعودُ
يحطُّ على كتفي صافياً مثلَ شلالِ طِيْبَهْ
يُهدهِدُني لأنامَ
أنامُ
ويَسْرِقُ، للمرَّةِ الألفِ، منِّي، الحبيبَهْ!
نحن
. . وفي قَعْرِ يأْسي ويأسِكَ كانَ الأملْ
وما خلفَ قُضبانِ سجني وسجنِكَ
كانت سماءْ
في حصاري . . حصارِكَ
كان لنا شاطئٌ وجبلْ
ومواعيدُ رائعةٌ مع خيولٍ وأحلى نِساءْ!
بعد ستينَ عاماً
كما تعرفُ الآنَ لمّا نَزَلْ
نعيشُ هناكَ
ونحرثُ تلكَ الحقولِ نُمشِّطُ شَعْرَ الهواءْ
ننامُ ونصحو
ونعرفُ ما يَلزَمُ الرَّقصَ من خُطواتْ
وما يملأ الرُّوحَ من وَلَهٍ دافقٍ وغناءْ
كلَّ يومٍ نوسِّعُ، ثم نوسِّعُ هذا الطريقْ
كلَّ يومٍ على ولَدٍ طيِّبٍ يُطلِقونَ رصاصاتِهم
والدّماءُ هنالكَ تعلو . . وتعلو
وهمْ في المَضيْقْ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.