إجمالي مساحات الأراضي الحكومية التي تم تخصيصها لمشاريع المجمعات السياحية المتكاملة في سلطنة عمان بلغ اثنين وستين مليوناً وخمسمئة ألف متر مربع، وكانت التكلفة التقديرية لهذه المشروعات عشرة مليارات دولار أمريكي . مساحة مشروع واحد فقط أطلقوا عليه اسم "المدينة الزرقاء" بلغت اثنين وثلاثين مليون متر مربع تكلفته الإجمالية ستمئة مليون ريال بما يعادل نحو مليار وخمسمئة مليون دولار، ويعد حالياً من أبرز المشاريع المتعثرة التي كانت قد رهنت الأرض لمؤسسات مالية عالمية ثم عجزت عن الوفاء بالدين المستحق في التوقيتات المتفق عليها، الأمر الذي أجبر الحكومة العمانية على شراء السندات الخاصة بالدين حتى لا "تحتل" هذه المؤسسات المساحة الساحلية المهمة . الخطوة الحكومية التي كان دافعها وطنياً كلفت خزينة الدولة مئتين وخمسين مليون دولار، وكما يقولون "رب ضارة نافعة" . . فأسعار هذه المساحة حالياً تفوق قيمتها المليار دولار، بما يعني أن الحكومة هي الرابحة في النهاية من زاويتين، أولاهما تعظيم العوائد المالية التي دفعتها لشراء السندات إلى أربعة أضعاف، والثانية أنها حمت هذه المساحة الشاسعة من سيطرة مؤسسات مالية عالمية لا يعرف أحد هوية توجهاتها على وجه اليقين . لكن الواقعة بحد ذاتها - إلى جانب غيرها من الوقائع المشابهة - تحتم التساؤل عن جدوى هذه النوعية من المشاريع التي يغلب عليها طابع الاستثمار العقاري أكثر من الصبغة السياحية، كما أنها هي ذات المواقع المسموح للأجانب بالتملك الكامل لوحداتها السكنية، خاصة أن العمانيين الذين اشتروا وحدات سكنية هم أقلية في بعض المشروعات، حيث لا تتجاوز نسبتهم أربعين في المئة، وأكثرية في بعضها الآخر حيث يقتربون من الستين في المئة . . وحتى هؤلاء المواطنون هم من القادرون جداً والمرفهون أكثر من اللزوم، والذين لديهم من الفوائض والملاءة المالية ما يؤهلهم لشراء مثل هذه النوعية من الوحدات السكنية سواء كانت شققاً أو فللاً مبالغ في أسعارها الحقيقية بفعل جريمة "الدعاية المضللة" التي كانت أداة فاعلة ومؤثرة في التحريض على اقترافها من جانب "قلة" خططت ودبرت ونجحت في تفعيل مقولة "اخطف واجري" وجدت طريقها إلى التنفيذ عبر سيناريوهات مستنسخة في أكثر من بلد عربي متسترة وراء أقنعة زائفة . . ربما تكون في ظاهرها الرحمة لكن باطنها مشحون بألوان من العذاب الأليم للبلدان والشعوب والحكومات أيضاً . لكن يبدو أن السلطنة - ومن حسن الحظ - أدركت هذه الحقائق قبل استفحال الأمر أكثر من ذلك حتى إن السلطان قابوس وجد نفسه مضطراً لتوجيه أوامره بوقف منح الموافقات لمثل هذه النوعية من المشاريع إلى حين التأكد من جدوى العملية برمتها بعد اخضاعها لدراسة متعمقة فاحصة لمختلف الأبعاد، إضافة إلى التوجيه بوضع استراتيجية مدروسة بشكل علمي وواقعي لكيفية التعاطي مع تنمية القطاع السياحي وتطويره بما لا يتعارض مع الخصوصية العمانية، وهي التي تعمل على إنجازها حالياً وزارة السياحة بالتعاون مع "بيوت خبرة أجنبية" يؤمل أن يتم وضعها موضع التنفيذ خلال السنوات الثلاث القادمة . السؤال اللغز الذي يدعو للاندهاش هو حجم الودائع الشخصية الذي يقترب من خمسة عشر مليار ريال عماني "نحو اثنين وأربعين مليار دولار" نائمة في خزائن البنوك، أو ربما مهاجرة في استثمارات ومضاربات خارج الحدود، وهي مبالغ تعادل أكثر من أربعة أضعاف التكلفة التقديرية لكافة المشاريع السياحية ذات المجمعات المتكاملة التي ذهبت ملكية عشرات الملايين من أمتارها المربعة أو حقوق انتفاعها لمدة خمسين عاماً إلى حوزة أجانب وجد "بعضهم" الفرصة سانحة ليلعب لعبته المفضلة مع بعض المؤسسات المالية والمصارف من خلال الحصول على تسهيلات مالية هائلة بضمان ملكية أرض أخذوها بأسعار تفوق الخيال، أو حقوق انتفاع مقابل درهم واحد للمتر المربع "يعني حاجة ببلاش كده"، بينما أصحابنا من الإخوة المواطنين المنتفخة حساباتهم البنكية والمتضخمة ودائعهم لا يزالون يتغنون بحب الوطن باعتباره فرضاً مفروضاً وقدراً مقدوراً في كل مناسبة يدعون من خلالها إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيزها بالغالي والنفيس . [email protected]