ارتفع عدد التونسيين والمصريين الذين يزورون بانتظام عيادات الطب النفسي بشكل ملحوظ في فترة ما بعد الثورة. وهي ظاهرة تعكس حالة القلق والخوف من المستقبل في ظل الفوضى التي يعيشها البلدان، وفق ما يذهب إلى ذلك محللون نفسيون وسياسيون. وقال الدكتور فاضل مراد مدير مستشفى الرازي "المتخصص في العلاج النفسي" إن عدد التونسيين الذين يترددون على المستشفى ارتفع بنسبة 15 بالمئة قياسا بما قبل الثورة. وذكر مراد أنه خلال سنة 2011 استقبل المستشفى الحكومي المختص 138 ألف حالة بينما كانت الزيارات سنة 2010 في حدود 120 ألفا، أي بزيادة 18 ألف حالة. وأضاف أن الرجال أكثر عرضة للهزات النفسية "87 ألف حالة" بينما النساء "51 ألف حالة". وقال محللون نفسيون إن ذلك مرتبط بصدمات شديدة نتيجة فقد العمل في ظل إغلاق عشرات المؤسسات الاقتصادية الأجنبية أبوابها نتيجة انعدام الأمن، وتواصل الإضرابات المطلبية، أو بسبب الخوف على الأمن الشخصي أو الأسري في ظل رواج أخبار الاغتصاب والقتل والسلب والابتزاز وقطع الطرق وهيمنة البلطجية. وفي ذات سياق الخوف من المستقبل أكد مراد أن 12 بالمئة من التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية، وهو مؤشر يراه مختصون بمثابة ناقوس خطر على هشاشة الوضع النفسي لمجتمع تونسي عُرف بالاستقرار . وفي نفس اليوم الذي صدرت فيه الأرقام التونسية التي تطلق صيحة فزع، أي 5 تشرين الأول/ اكتوبر، صدرت بمصر دراسة تؤكد أن 60 بالمئة من سكان القاهرة يعانون من الضغط النفسي، وأن 50 بالمئة منهم على استعداد لتلقي تأهيل نفسي. الثورات حملت التوتر والاكتئاب والخوف من المستقبل في ظل الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية، وعبّر القاهريون – وفق الدراسة التي أصدرها مركز جرهرد لخدمة المجتمع وقسم علم النفس بالجامعة الأميركية بالتعاون مع الأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة – عن شعورهم بالحيرة والارتباك والقلق وقلة الشعور بالأمان خاصة مع زيادة معدلات الجريمة. وقالت الدراسة إن سكان العشوائيات عبروا عن حنينهم إلى مرحلة ما قبل الثورة نظرا لارتباطها باستقرار حالتهم المادية نسبيا، وقدرتهم على التأقلم مع ارتفاع الأسعار خلال تلك المرحلة. وفي سياق متصل قال الدكتور عارف خويلد، أمين عام الصحة النفسية بوزارة الصحة المصرية، إن أحداث العنف والانفلات الأمنى والبلطجة وطول المرحلة الانتقالية أثرت بشكل أو بآخر في الحالة النفسية للمواطنين، ومن ثم زيادة عدد المترددين على العيادات الخارجية للطب النفسي. وفسر خويلد هذه الزيادة بكون المواطن بعد الثورة كان يتوقع أن تتحسن حالته المعيشية وتنخفض الأسعار، ويجد العاطلون فرصا كثيرة للعمل، لكن مع الوقت اكتشفوا خلاف ذلك، فأصيبوا بنوع من الإحباط، ثم عادوا مرة أخرى يتفاءلون بتحسن الأوضاع، ومع مرور الوقت يكتشفون غير ذلك، واستمر الوضع كذلك بين التفاؤل والإحباط، وهو ما انعكس على الحالة النفسية. وبخصوص الفئات المعرضة للإدمان ذكر خويلد أن هناك فئات جديدة بدأت تدخل دائرة الاضطرابات بخلاف الشباب والمراهقين، وهي فئة ربات البيوت، حيث يلاحظ تردد الكثير منهن على العيادات الخارجية في الفترة الماضية. وتعيش تونس ومصر على وقع احتجاجات مستمرة ضد حكم الإخوان الذين عجزوا عن تقديم حلول لمختلف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن اتساع دائرة الفوضى الأمنية. ويقول محللون إن الفرد يمكن أن يتعايش مع أزماته الخاصة ويلقى لها الحلول، لكنه لا يمكن أن يشعر بالاستقرار في ظل أزمة عامة لا يستطيع التأثير فيها أو المساهمة في حلها، وهذا ما يفسر ارتفاع حالات المرضى النفسيين الذين يشهادون المخاطر أمام أعينهم ولا يقدرون على درئها. *العرب اون لاين