شيئا فشيئا تتكشف سيناريوهات الحلول المتوقع الإعلان عنها مع نهاية مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي من المقرر أن ينهي جلسات أعماله في منتصف سبتمبر2013. وخلال هذا الأسبوع شهدت حوارات فرق العمل بمؤتمر الحوار تقدما ملحوظا، رغم الجدل الصاخب بشأن هوية الدولة وإسلامية مصادر التشريع، الذي وصل ذروته حد تقديم 3 من أعضاء فريق بناء الدولة استقالاتهم احتجاجا على " التكفير" قبل أن يقرر الفريق تأديب أحد أعضائه المتهمين بالتحريض وتعليق عضويته بالمؤتمر لمدة 3 أيام. تسارعت مستجدات الرؤى في أعمال 3 فرق كانت متعثرة إلى حد ما، فسرعان ما عرضت المكونات السياسية رؤاها لمعالجات وحلول قضية صعدة، في الوقت الذي كانت المكونات ذاتها تطرح رؤيتها لمعالجة القضية الجنوبية، لتشمل قضايا هي من صميم عمل فريق بناء الدولة، الذي كان يتعذر بالموقف من القضية الجنوبية، مبررا عدم إنجاز المهام المناطة إليه. في هذا الأسبوع و قبيل إجازة رمضان، تبدو الصورة مبشرة بتوافق وطني حيال مخرجات لم تتجلى تفاصيلها بعد، و لكنها تشي في خطوطها العريضة بتفاهم سياسي حول شكل الدولة و نظامها السياسي و الإنتخابي. بيد أن اللافت أن مخرجات الرؤى تشير إلى ضرورة التمديد للفترة الإنتقالية القائمة، بالإعلان عن فترة ثانية، يتم خلالها تهيئة البلاد للإنتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة. فقد نصت معظم رؤى المكونات السياسية على الإتجاه نحو دولة إتحادية، حددها البعض بإقليمين، و رأى البعض أن يكون العدد مفتوحا، وفقا لدراسة علمية يتم على ضوئها تقسيم اليمن إلى أقاليم لها صلاحيات كبيرة في إدارة الشأن المحلي، وفقا للنظام الفيدرالي المتعارف عليه دوليا. هذا الإنتقال "يفرض اتخاذ جملة من الخطوات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية لتطبيق نظام الأقاليم خلال فترة مدتها من (3-5) سنوات من تاريخ الاستفتاء على الدستور الجديد"، بحسب رؤية المؤتمر الشعبي العام. ما لمح به حزب المؤتمر، قاله الحزب الإشتراكي بنص صريح يدعو فيه إلى " مرحلة انتقالية ثانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الحالية تحدد بفترة ثلاثة أعوام، يتم خلالها وضع الجنوب في مستوى الندية مع الشمال في المعادلة الوطنية من خلال إجراء انتخابات لمجلس نيابي جديد يقوم على مبدأ المناصفة في المقاعد بين الشمال والجنوب، يوفر لهما نواب منتخبين ومفوضين شعبياً للتباحث بين الطرفين بشأن شكل الدولة الاتحادية التي تضمن للجنوب أن يبقى موحداً متماسكاً واليمن موحدا في شكل جديد ". قد لا يكون مفهوما كيف بالإمكان انتخاب مجلس تشريعي على قاعدة المناصفة بين الشمال و الجنوب في الظروف الراهنة، وهل تكون هذه الخطوة متزامنة مع الإستفتاء على الدستور أم أن المجلس المنتخب هو المعني بإقرار صيغة الدستور الجديد قبل تقديمه للإستفتاء الشعبي؟ رؤية أنصار الله هي الأخرى لم تقدم إجابات بهذا الشأن، إلا أنها ربطت بين الحاجة إلى الفترة الإنتقالية الثانية، و تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، " فبما أن الفترة المتبقية من المرحلة الإنتقالية لا تكفي لتنفيذ الاستحقاقات المنوطة بها من صياغة الدستور الجديد، و من ثم الإستفتاء الشعبي عليه، و إقرار قانون للإنتخابات بناء على الدستور الجديد، وسجل إنتخابي جديد، فإنه لا مناص من التوافق على مرحلة انتقالية جديدة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني و على رأسها مخرجات قضية صعدة، و القضية الجنوبية، وبناء الدولة". الدخول في هذه الفترة الثانية يتطلب من وجهة نظر أنصار الله، إعلان دستوري تتوافق القوى السياسية الممثلة في الحوار الوطني على تفاصيله. و مجلس تشريعي انتقالي، وحكومة وحدة وطنية ( إنقاذ وطني ) تشرف على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ويكون التمثيل فيها مناصفة بين أبناء الشمال و الجنوب. الحزب الإشتراكي هو الآخر يدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية [ جديدة ] مناصفة بين الجنوب والشمال، وكذلك بالنسبة للمؤسسات السيادية ودواوين الوزارات. لم تتجرأ بقية القوى السياسية( كالإصلاح و العدالة و البناء) على الخوض في حديث " الفترة الإنتقالية الثانية "، لكنها بدعوتها إلى إعتماد الشكل الإتحادي للدولة تكون قد هيئت قواعدها للقبول بفترة انتقالية ثانية، تفرضها الوقائع المستجدة، وضرورات مخرجات الحوار الوطني، التي يتعين أن تكون توافقية بنسبة كبيرة، ما يساعد على الإنتقال باليمن إلى الدولة الإتحادية المدنية المنشودة. الأحزاب اتفقت كذلك على النظام البرلماني، عدا تنظيم العدالة الذي أشار بوضوح إلى أن " إعتماد النظام البرلماني يفرز حكومات إئتلافية عادة ما تكون ضعيفة وغير مستقرة بسبب الاختلاف الطبيعي في رؤى و برامج القوى المكونة لها ، لذلك سيكون من الضروري وجود نظام رئاسي يتمتع بالإستقرار، ويعمل على تحقيق توازن بين سلطات المركز والأقاليم و بالذات خلال مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها ، على أن يحدد الدستور آليات توازن السلطات بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسات الأخرى ويضع ضمانات لعدم تجاوز الفترات الرئاسية المحددة في الدستور". في كواليس مؤتمر الحوار يبدو أن هناك توجه إلى مراجعة الموقف من النظام الرئاسي، حيث أن النظام الفيدرالي يتطلب مركزا قويا، و رئاسة بصلاحيات أوسع، على عكس ما هو متبع في النظام البرلماني. لا يبدو في هذه المستجدات على أهميتها ما هو مفاجيء تماما، فسبق أن كشف عضو مؤتمر الحوار الوطني, قبل أيام عن " مبادرة إضافية " توقع عليها المكونات السياسية بمؤتمر الحوار الوطني تنص على أن تكون الدولة المقبلة دولة اتحادية ، وإجراء انتخابات لرئيس الجمهورية وتشكيل جمعية تأسيسية بالتساوي بين الجنوب والشمال, بحيث تتولى هذه الجمعية سلطتين هما التشريع خلال المرحلة الانتقالية الثانية بهدف نقل الدولة من الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة, والثاني استكمال إعداد الدستور وإجراء الاستفتاء عليه. كما كشف خبراء أجانب عن محاولة لتقريب وجهات نظر اليمنيين باتجاه دولة اتحادية من 5 أقاليم، اثنان منها في الجنوب و اثنان في الشمال، والثالث إقليم مشترك. وسبق أيضا أن طرح عبدالملك الحوثي في لقائه الأخير بمبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر، ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ من كفاءات وطنية تتولى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. (أسرار برس).