لا يوجد عاقل راشد على وجه الأرض يرفض مبدأ الحوار كوسيلة إنسانية وحضارية وقيّمة لتحقيق التوافق بين طرفين أو أكثر، بعد تجاوز النقاط المختلف عليها، أو تلك التي شابها سوء الفهم، وذلك عبر الحوار وحده، والذي بدونه ستظل الكثير من نقاط الاختلاف والقضايا والمشاكل عالقة بين الأطراف المختلفة، بل ربما تزداد سوءاً وتعقيداً في حالة غيابه، كونه مبدأ للنقاش وتبادل الآراء. ورغم اقتناعي الكامل بمبدأ الحوار، بل سأظل مع غيري مدافعاً عنه، إلا أنني أقولها وبالفم المليان: لا للحوار مع القتلة والمجرمين ممن يثيرون الفتنة ويسعرون الحروب ويعمدون إلى قتل المواطنين الأبرياء ويقطعون الطرقات ويوقفون عجلة التنمية والبناء، ولا حوار مع من يسعون لعودة الوطن إلى العهود الغابرة، وإلى أزمنة الظلام الإمامي الكهنوتي والاستعماري والسلاطيني البغيض. لا والف لا للحوار مع أي طرف من الثالوث الشيطاني التدميري، جماعة الحوثة المتمردة المارقة عن سلطة الدولة والقانون في صعدة، أو جماعة الحراك الانفصالي المشبوه في بعض مناطق المحافظات الجنوبية، أو شرذمة " تنظيم القاعدة" الساعي إلى تدمير الوطن وضرب نسيجه الاجتماعي والنيل من مقدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإحالة كل شيء إلى خراب ودمار. وإذا كان الحوار والحل السياسي ممكناً ومطلوباً مع أي كائن كان، إلاّ أنه مرفوض مع هؤلاء لأنه غير متكافئ وغير مجدٍ ولا قيمة له، لأنهم أعداء الوطن والتاريخ والسلام والوحدة والبناء والتسامح والإنسانية، ومثل هؤلاء فإن أي تحاور معهم يعتبر عملاً عبثياً لا أقل ولا أكثر، لأنه سيكون صكاً للاعتراف بهم وقبولاً لأعمالهم الشنيعة، وتكريساً لإرهابهم وتحفيزاً لسواهم ممن تسول لهم أنفسهم امتطاء الإرهاب والتطرف لتدمير الوطن ومقدراته واستهداف أبنائه ووحدتهم وأمنهم وسلمهم الاجتماعي. لا جدال أن الإرهاب أياً كان شكله وأهدافه وأساليبه يظل عدواً للحوار، والحوار مع الإرهابيين يعني أن المتحاورين الذين يجلسون معهم على طاولة واحدة للنقاش يشاركونهم - وبشكل مباشر- في الإرهاب والتطرف، حيث أن الحوار معهم إنما يمثل عبثاً بقضايا الوطن المفصلية، وحقوقه وثوابته العليا، كما أنه يمثل أيضاً فرصة لتضييع الوقت ، ومنح المنحرفين فرصة لمواصلة تجهيز أنفسهم للاستمرار في إرهابهم وجرائمهم ومخططاتهم الخسيسة الوضيعة. فالحذر الحذر من مجرد التفكير في الحوار مع هؤلاء وأمثالهم من المجرمين القتلة الخارجين عن القانون، أو التفكير في أي حل سياسي معهم، مهما كانت الظروف والأسباب والتداعيات، ولنا العبرة كل العبرة في الانجاز الكبير الذي حققته أجهزة الأمن ومكافحة الإرهاب في العمليات الأخيرة ضد تنظيم القاعدة وهو إنجاز يثير الاعجاب والتقدير، وكذا الانتصارات الكبيرة في الحرب ضد تمرد وعصابة الحوثة الذي تشير شواهدها إلى قرب ساعة الحسم النهائي، وهو ما يدفعنا إلى التمسك بكل ثقة وإرادة وعزيمة لا تفتر ولا تلين بمواصلة الحرب على الإرهاب والتطرف بكل قوة ودون هوادة حتى القضاء عليه واستئصاله من جذوره وإلى الأبد بغير رجعة. لا خلاف إطلاقاً أن الحوار مبدأ راقٍ وسامٍ، لكنه يجب ألا يخرج عن الثوابت الوطنية العليا، وألاّ يتجاوز مقدرات الوطن والشعب.. ليتحاور مع الإرهابيين والمتطرفين والمجرمين والقتلة والانفصاليين.. حينها سيكون جريمة في حق الوطن وأبنائه وأجيال المستقبل دون استثناء.