ما كان لي أن امسك القلم وأخوض في كتابة ما يختلج في النفس من ألم.. إلا بعد أن إشتدَّت بنا – نحن المعذبين في الأرض- حالة اليأس والاحباط الناجمة عن وضع غير مستقر نتقاسم العيش فيه تحت سقف الوطن.. ولكن بلا سكن!. قد يقول قائل: كيف لأسرة مكونة من سبعة أنفس أن تعيش بلا مأوى؟!.. هل يقصد كاتب السطور أن تلكم الأسرة تعيشُ وضعاً استثنائيا في العراء!.. تلتحف الثرى مثلها مثل الأسر المعدمة التي لا عائلَ لها ولا سند ولا عضد يوفر لها سكنا يأويها تحت سقف واحد؟!. هل هذا ما يقصده الكاتب؟.. طبعا لا.. وللغوص في تفاصيل المشهد الإنساني التراجيدي أوضح الآتي: كثيرة هي الأسر المعدمة في بلادي!.. وقد تتفاوتُ المعاناة من أسرة إلى أخرى ولكن البؤس والشقاء وقلة الحيلة تكاد تكون عناوين ثابتة وقاسماً مشتركاً يوحد معاناة الجميع!. أعرف شخصياً أرباب أسر تجمعني بهم علاقة أخوة قديمة.. فرغم أنهم يعملون في وظائف حكومية يتقاضون منها آخر كل شهر معاشاً بالكاد يفي لمصروف جيب أحد أولاد الذوات.. هؤلاء مزقتهم وعورة وصعوبة الظروف المعيشية.. فهم كالبدو الرحل الذين يتنقلون من منطقة إلى أخرى، طلباً لعيش أفضل وظرف حياتي أنسب..ولكن الصورة ليست بتلك الحالة التي يصفها المثال أعلاه..بل قد تكون أقل وطأة منها، كون وسيلة النقل ليست الجمال ولا البغال ولا الحمير!.. بل سيارات شحن كبيرة، تنقل عفش البيت من منزل الى آخر طلباً لايجار يتناسب ودخولهم الشهرية المهلهلة!. أليس وضع كهذا يمزق نياط قلب رجل سليم؟!. أليس حال تلك الأسر أسوأ بكثير من حال البدو الرحل الذين يلتحفون الصحراء، في ظلِّ مدنية ضاربة جذورها، في أعماق الجور الانساني؟!. وظيفة حكومية لا توفر لربِّ أسرة مكونة من خمسة أو سبعة أنفس، القدرة على مجابهة غلاء المعيشة والى آخره من متطلبات الحياة العصرية.. فماذا نتوقع أن تنتج هذه الأسرة، بل وتفيد المجتمع؟!. في ظل هكذا أوضاع معيشية وحياتية مزرية وقاهرة.. هل يستطيع ربُّ تلك الأسرة، أن يوِّفر لأبنائه تعليماً خالياً من زحمة الفصول الدراسية ، ذات الظاهرة (السردينية)؟!. هل يستطيع أن يقدِّم لهم علاجاً طبياً في مستشفيات حكومية بمواصفات (خاصة)؟. هل يستطيع، ان يمنحهم الأمل في غد أفضل؟!. كما رأت عيناي حالات أخرى أكثر وطأة وألما ومعاناة !..أذكر منها –على سبيل المثال- أسرة مكونة من ستة أنفس، جميعهم من الأطفال ما دون العاشرة.. طبعاً باستثناء الأب والأم!.. هؤلاء البؤساء، تجمعهم غرفة مساحتها (4×5)م.. بالكاد تفي لضم الأب والأم فقط دون الأطفال الأربعة!!. تصوروا أن هذه الأسرة التي قذفت بها أحوال عائلها المقعد العاجز عن الحركة إلى الدرك الأسفل من سوء الحال!.. يتسولون المارة ليل نهار حتى يستطيعوا أن يسدوا رمقهم ويوفروا ثمن الإيجار الشهري مقابل العيش في غرفة مهترئة قذرة ومتسخة!.. إنها مأساة مرة يندى لها جبين الانسانية الحقة!!.