على غير المعتاد، يستقبل اليمنيون شهر رمضان هذا العام، ببرود تام، وبكثير من القلق والهموم المعيشية التي تستفحل يوماً بعد آخر، في بلد لايجيد مسؤولوه غير سياسة الإفقار والتجويع. وبدلاً من أناشيد الترحيب برمضان، التي اعتاد على ترديدها الأطفال والكبار والنساء في الأسبوع الأخير من شعبان، صار الهم الاقتصادي هو الشغل الشاغل لأرباب الأسر، الذين لم تعد كواهلهم قادرة على تحمل المزيد في ظل ارتفاعات متتالية لأسعار السلع والمواد الغذائية والخدمية، والتي تزداد حدتها مع قدوم الشهر الفضيل. الأمر الذي أفقد معظم الاسر اليمنية بهجتها بقدوم شهر رمضان، وأثار قلقاً بالغاً لدى محدودي الدخل. يقول أحمد فرحان -وهو رب أسرة مكونة من 5 أبناء، الى جانب زوجته ووالدته- إنه لايعرف من أين سيوفر متطلبات رمضان هذا العام، ولو بحدودها الدنيا، وسط ما وصفه بالغلاء الفاحش للأسعار. لكنه يستدرك: «رمضان شهر الخير والبركة. والله كريم». فرحان الذي يعمل كسائق تاكسي في العاصمة صنعاء، أكد أن إجمالي ما يكسبه من مال طوال أيام الأسبوع، بالكاد يكفي لشراء كيس دقيق، وهي المدة ذاتها التي تستهلكه فيها أسرته، ليعدد بعد ذلك قائمة طويلة من المتطلبات الضرورية للأسرة، التي أقسم إنه يأخذ ثمنها من أصدقاء كديون تراكمت عليه بشكل كبير، خصوصاً في الشهور القليلة الماضية. يضاف الى ذلك إيجار المنزل وفواتير الكهرباء والمياه التي تحمل أعباءها مؤخراً الابن الأكبر للرجل، الذي اضطر لترك مدرسته والخروج للعمل وهو لايزال في ال21 من عمره. تخاذل رسمي غير أسرة فرحان، هناك العديد من الأسر اليمنية التي ضاق بها الحال، وتحولت لقمة العيش بالنسبة لها حلماً بعيد المنال، بفعل الجرع السعرية التي توالت بشكل مخيف، خلال الشهور القليلة الماضية، وبنسب تجاوزت ال001%، لتشتعل الأسعار مرة أخرى قبل حلول رمضان، وبنسب خيالية، وهو ما ضاعف من معاناة المواطن الذي لم يشهد متوسط دخله أية زيادات تذكر، إن لم يتراجع الى الوراء. وأمام وضع مخيف كهذا، وما قد يحمله من إفرازات كارثية؛ أقلها المجاعة أو الفوضى والاقتتال من أجل لقمة العيش، بعد أن يصل الجوع بالمواطنين الى مستويات لايستطيعون تحملها، وهي قاب قوسين أو أدنى مما هو حاصل اليوم.. أمام ذلك كله، تقف حكومة الحزب الحاكم موقف المتفرج، بل والمشجع لتجارها ومسؤوليها على جني أكبر قدر ممكن من أموال المواطنين، ولو كان ذلك على حساب أمن واستقرار البلد وسلمه الاجتماعي. وغير اسطوانة ارتفاع الأسعار العالمي، الذي يبرر به رئيس الجمهورية وحكومته موجة الغلاء المجنونة في البلد، فإن الإجراءات والمعالجات الواجب تنفيذها في مثل هكذا وضع، لاتزال بعيدة عن أجندة الحكومة. وإن كان مبرر الحكومة بارتفاع الأسعار عالمياً عذراً أقبح من الذنب، إلا أننا سنخوض في هذا الأمر لتبيان حقيقة فشل السلطة، وافتقارها لأسس القيادة الناجحة ومقومات الحكم الرشيد. إذ أن ارتفاع الأسعار عالمياً لم يطل سوى مادتي القمح والدقيق، وبنسب لاتتجاوز ال51%، حسب تأكيدات خبراء اقتصاد، فيما ارتفع سعر هاتين المادتين في اليمن بنسبة تجاوزت ال001%. كما أن تلاعب التجار ومسؤولي الدولة لم يقتصر على رفع أسعار الدقيق والقمح بنسب خيالية بحجة الارتفاع العالمي وحسب، بل وصل حد الغش في الأوزان، وبشكل فاضح. وببساطة يمكن للمواطن العادي إعادة وزن كيس الدقيق الذي من المفترض أن يكون 05كجم، ليكتشف أن هناك نقصاً من 5 الى 01 كيلو في الكيس الواحد. ولأن سلطة البلد قائمة في الأساس على مبدأ الغش والتزوير، وهو الشعار الذي ينتهجه الحزب الحاكم منذ عقود، فلا غرابة أن تلجأ المؤسسة الاقتصادية اليمنية الى استيراد دقيق فاسد وغير صالح للاستخدام الآدمي، وبيعه للمواطنين بأسعار باهظة، كمعالجة وحيدة أقدمت عليها الحكومة لخدمة المواطنين. السلطة التي تبدو وكأنها تتعمد معاقبة الشعب دون ذنب ارتكبه غير طول صبره عليها، تريد إطعام المواطنين دقيقاً فاسداً تظهر السوس عليه بشكل واضح. وهي ماضية في ذلك، حيث باعت المؤسسة الاقتصادية جزءاً كبيراً من الدقيق الفاسد في العاصمة صنعاء، قبل أن تنتقل الى مدينة ذمار بعد اكتشاف أمرها بصنعاء، وهي تسوق دقيقها حالياً في عدد آخر من المحافظات. فشل ولئن كان سبب ارتفاع الدقيق والقمح عالمياً، كما تدعي الحكومة، فما المسوغ وراء ارتفاع بقية السلع والمواد الغذائية؟ الزيوت والألبان والسكر والأرز والبيض وغيرها الكثير لم ترتفع أسعارها عالمياً، فلماذا تصمت الحكومة أمام جشع التجار؟ أم أن علاقة الشراكة القائمة بين السلطة والتجار، والجمع بين المنصب الحكومي الرفيع والتجارة، سبب كافٍ لإحراق الشعب بنيران الأسعار؟! ثم لنفترض أن سعر كيس الدقيق أو القمح وصل عالمياً الى ما يعادل 01 آلاف ريال، أو حتى 02 ألفاً، فهل ستكتفي الحكومة بمبرر ارتفاع الأسعار عالمياً، وتترك الشعب ليأكل بعضه بعضاً أو الموت جوعاً؟ أين السياسات الاقتصادية الواجب اتباعها لتخفيف وطأه الأسعار على المواطنين؟ ألا تكفي فوارق أسعار النفط التي تتصاعد عالمياً لدعم السلع والمواد الغذائية، بما يتناسب وقدرة المواطنين؟ وألا يمكن تحويل جزء من مبالغ فوارق النفط لرفع دخل المواطن اليمني، أم أن الشعب يتحمل فقط سلبيات ارتفاع الأسعار عالمياً، فيما السلطة تجني ذلك من خلال نهب مليارات الدولارات من فوارق أسعار النفط التي لاتدخل في موازنات الدولة، ولا يعلم أحد أين تذهب؟! يبدو أن السلطة التي تعودت على إيرادات مالية تأتيها دون عناء من شركات النفط في بلادنا، لم تعد قادرة على اتخاذ إصلاحات اقتصادية من شأنها النهوض باقتصاد الوطن ومعيشة مواطنيه، مثلما فشلت في إقامة مشاريع استراتيجية لتنويع إيرادات الدولة، وعدم اقتصارها على عائدات النفط التي تأتي دون عناء يذكر. غير أن ذلك لايعفي السلطة من مسؤولياتها أمام ما يعيشه المواطنون اليوم، كونها مطالبة بتقديم استقالتها، وترك قيادة البلد للقدرات والكفاءات الاقتصادية والسياسية التي تستطيع إخراج البلد من أزمته الراهنة، والوصول به والشعب الى مستويات متقدمة من التطور والرفاهية، كما هو حاصل اليوم في عدد من الدول العربية والإسلامية.