لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع من نقابة الصحفيين ومنظمات أخرى، بيانات تضامنية مع من تسميهم صحفيين، وناشطين سياسيين، يزعمون أن هناك من يعتدي عليهم، مشيرين إلى السلطة بالتهمة حيناً، وإلى جهات مجهولة أحياناً أخرى. يحدث كل هذا من النقابة الموقرة في الوقت الذي لم تستبن، ولن تستبين، مّما إذا كان هؤلاء الذين تسميهم صحفيين هم المعتدى عليهم أم المعتدون، وكأن مجرد ادعاء مهنة الصحافة حجاب يجنب حامله أية تهمة، ويبرئه من أية جناية. أقول هذا دونما إنكار لما قد يتعرض له البعض من مضايقات – وهذا شيء طبيعي، والفيصل هو القضاء – إنما المشكلة تكمن أساساً في حالة القداسة التي تحاول هذه الجهات النقابية أو بعضها، إضفاءها على أناس يعرف الكثير من كبار الصحفيين والمثقفين في اليمن أنهم ليسوا على وفاق حقيقي مع أخلاقيات المهنة، بل وأدبيات المواطنة المستقيمة بشكل عام. هناك في الساحة الصحفية أسماء تكرس كل نشاطها لخدمة أطماع مادية ضيقة، والمتعارف عليه أن التهجم على مؤسسات الدولة، أو مسؤولين كبار فيما يعني لدى هذه الصحف وكتبتها ضغطاً على هذه الجهات لكسب مقابل مادي عن طريق: إعلنوا لدينا أو ادعمونا مادياً وسوف نسكت عنكم، أما إذا لم تلتفتوا إلينا بعين الدعم المادي فسوف نجعلكم عرضة للشتم والسب بمبرر أو من دون مبرر!!. هكذا تسير الأمور لدى كثيرين يسمون أنفسهم بالصحفيين، وحين يشتكي أحد ما من أن فلاناً المدعو بالصحفي - أو المطبوعة المسماة صحيفة - قد تهجم عليه وتطاول بالباطل ودونما دليل، تهب جهات نقابية وعلى رأسها بعض الصحفيين في نقابة الصحفيين للتباكي على حرية الصحافة، مع أن هؤلاء يدركون أن أعراض الناس وكرامتهم ليست مباحة لحامل قلم أياً كان، فضلاً عن أسماء تدعي انتسابها لمهنة الصحافة وهي منها براء. إن العمل الصحفي التزام أخلاقي وقيمي قبل أي شيء آخر، وعلى هذا الأساس فإنه لا حق لأي كان ركوب موجة الصحافة لابتزاز الغير، وجعل وسائل الإعلام منابر لسوءاته وشروره، يصفي حسابات مع الناس من خلالها، وبها يتمترس ليضغط على الغير من أجل تحقيق نزواته الآنية وأطماعه الذاتية.. فإن أي إنسان يعتلي المنبر الصحفي مستحضراً عداواته وصراعاته لن يكون إلا مصدر سباب وشتم وابتزاز، وسيكون المجتمع وقضاياه عن اهتماماته أبعد. إذاً فالالتزام القيمي والأخلاقي هو الأهم في مهنة الصحافة، ذلك أن إنساناً مجرداً عن قيم وثوابت وطنه وأمته لن يمثل بالنسبة لها إلا عامل هدم وخراب، ومن هنا فإن على البعض أن يوفروا بياناتهم التضامنية للذي يستحقها وهو الوطن المعتدى عليه، وعلى أناسه، من قبل بعض من يسمون أنفسهم للأسف بالصحفيين والإعلاميين، وهم عن رسالة الصحافة السامية وأهدافها العظيمة أبعد.