وكان الله في عون من سوف يجلس على كرسينا هذا حتى ولو اختاروا بديلا مصنوعا من الخشب، فو الله إن وقف هذا البديل أمام ذاك الرجل فسوف يحيي فيه ضميره الخشبي" بهذه الكلمات الوضيئة اختتم القاضي زركار أمين استقالته المسببة مما سمي بمحكمة الرئيس صدام ورفاقه .. لكن الذي لم يكن يتوقعه القاضي الكريم أن إبليس اللعين الذي خطط لغزو العراق مهبط النبوة والمجد والإيمان قد تجنب أن يضع أي مخلوق من غير ذريته الخالصة كقاضي بعد استقالة القاضي زركار، وكان إبليس اللعين يعلم أن غير ذريته النارية الملعونة من سائر المخلوقات سواء كانوا بشراً أو حجراً أو خشباً لا يمكن إلا أن تدب في ضمائرهم الحياة من مواجهة الحق.. الضمير الذي يرتفع ويعلو على كل التأثيرات والضغوط .. *** العراق العظيم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه يضج برجاله الأخيار.. العراق العظيم مهبط الرسالات.. أرض خليل الله إبراهيم عليه السلام، لا يزال يكرر لنا برجالاته من معاني المروءة والنخوة والإيمان الكثير.. زركار أمين قاضٍ مثلا .. لننظر ماذا يقول في رسالة الاستقالة قبل تلك العبارة التي افتتحنا بها هذه الوقفة مخاطباً رئيس المحكمة الجنائية العليا .. مسببا استقالته بالتالي: "1 - انتم تعلمون سعادتكم مدى فداحة الضغوط التي تمارس على إدارة المحكمة من قبل السلطة الحاكمة الحالية.. ضغوط دولية وسلطوية لا يمكن للفرد ومهما يكن أن يتحملها، ولا يمكن لأي فرد يملك قليلا من الشرف ان يتقبلها.. فهؤلاء - يا أصاحب السعادة - لا يريدون محكمة تحاكم الرئيس صدام حسين وأصحابه، بل يريدون منّا أن نأخذ دور ممثلين في مسرحية يتم تأليفها وإخراجها من قبلهم. 2 - عظمة هذا الرجل (صدام حسين) وشيبته ووقاره والحق الذي يقف به أمام المحكمة تجعل من إدارة المحكمة في موقف ضعف لا تحسد عليه، وتجعلنا في حيرة من أمرنا وصراع عظيم بين ضمير عاشق خالص مع بعضه لهذا الرجل العظيم، وبين ما يملى علينا من رغبات لمجاميع طائفية لا تملك في تلك المحكمة غير الحقد والكراهية والطائفية. 3 - وفوق عظمة هذا الرجل تأتي عظمة القانون و الشرع الذي لا تملكه محكمتنا هذه.. فلا قانوناً سابقاً يؤهلنا لنحاكم هذا الرجل، ولا قانوناً جديداً يشّرع لنا محاكمته على أعمال قديمة، فانتهينا إلى شعور بأننا أصبحنا مفضوحين أمام ضمائرنا وعيون الشعوب الشريفة. هذه أسباب وهناك أسباب أخرى كثيرة قد استطيع أن اذكر منها إجلالي وتقديري لشخص هذا الرجل وثقتي بنزاهته وتجرده من أطماع يتقاتل عليها الفرقاء" ويختم الاستقالة بالتأكيد على اعتبارها نهائية ولا رجعة فيها مهما كانت الأسباب.. *** نهدي هذه الكلمات وهذا الموقف إلى كل رجال القضاء في كل بلاد العرب والمسلمين، وإلى الشرفاء من هذه الأمة الذين يتصدرون لقضاياها لينصروا الحق ويبطلوا الباطل .. ويكفي لنا نحن معشر الناس بعد أن نتأمل هذه الكلمات أن نصمت إجلالاً وتوقيراً للقاضي أمين وكل من على شاكلته، وسواءً نصروا عظماء هذه الأمة وأبطالها أم نصروا ضعفاءها وطالبي العدل فيها ضد الظلمة والمستكبرين وأرباب المال والنفوذ والسلطان والمتاجرين بدماء الناس وأعراضهم وأموالهم .. *** أخاطب القاضي المؤمن زركار أمين فأقول مستعيرا قول نزار قباني رحمه الله: كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال فإذا وقفت أمام حسنك صامتا فالصمت في حرم الجمال جمال وليشهد الله بعد هذا أننا نحب القاضي زركار أمين ونحب أمثال هذه القمم العالية في أمتنا المعطاءة بالخير والعظمة..