تعز تلك المدينة الحالمة والثائرة في أحضان جبل صبر الشامخ وقاهرتها التاريخية تمر اليوم بأسوأ كارثة بيئية كما هي تمر بأسوأ مسؤولين جاءوا إليها، وتحولت إلى مقلب قمامة ومستنقع لمياه الصرف الصحي، ولم تعد شوارعها التي تحمل تلك المسميات العظيمة ذات المدلول القومي الثوري والتاريخي مثل شارع جمال وشارع 26 سبتمبر كما كانت، حيث تحولت تلك الشوارع إلى مأوى للكلاب والقطط المشردة لتكدسها بأطنان القمامات التي سدت الكثير من الشوارع بسبب تراكمها وعدم ترحيلها. فتعز اليوم لم تعد تلك المدينة ذات الروح الحضاري بعد أن غزتها ثقافة وافدة تحمل معول الهدم الثقافي والقيمي والأخلاقي لتقضي على كل ما هو جميل، وتشوه مرآتها المصقولة وتكتب عليها بقلم "حمرة الشفايف" أنها مصابة بداء نقص المناعة المكتسبة لتحل الكارثة بهذا الفيروس، الذي يحمل الفساد الأخلاقي الذي جاء به بعض مسؤوليها من مستنقع السقوط ومجاري الفساد ليصيبوا هذه المدينة الطاهرة بعفنهم ورجسهم، وليحفروا في وجنتها أخاديد فيها البؤس والقهر والشيخوخة المبكرة بعد ان تنكر لها مشائخها ومسؤولوها وأبناؤها المحسوبون عليها، وهم في حقيقة الأمر الذين تخلقوا في رحمها وهي اليوم تدفع الثمن غالياً من حضارتها وثقافتها ونظافتها. ففي الوقت الذي تضمد فيه تعز جراحها الغائرة يقوم محافظ تعز الهمام بإصدار قرار تعيين لشخص فاسد، يحمل تاريخاً أسود وقضايا منظورة في أروقة النيابات والمحاكم، وكأن تعز ناقصة فاسدين بعد أن حولها حمود المخلافي إلى قطعة من شرعب تسودها ثقافة القتل والنصب والسلب لممتلكات الآخرين من الأراضي، وأصبح الفرد يمر من تعز وهو غير آمن على نفسه وممتلكاته، فوادي عصيفرة ووادي صالة تحولا إلى واديين للذبح، وكم من دماء سفكت وأراضي نهبت تحت قوة السلاح المدعوم من مسؤولين في السلطة المحلية ومشائخ المليشيات المسلحة المحسوبين على "الثورة" وحماتها، وأصبحت تعز واقعة بين سلطة محلية تأوي فاسدين وسلطة مشيخية تحمي متقطعين، وكل من ارتكب جريمة احتمى بهم حتى عطلوا النظام والقانون الذي لم يعد له ذكر، وعطلوا دور القضاء في الاقتصاص من هؤلاء القتلة والسفاحين، ولا يدري المواطن بمن يحتمي وصار كالمستجير من الرمضاء بالنار، بعد ان كانت تعز قطعة من باريس تتصف بروح المدنية، وها هي تتحول اليوم إلى ظاهرة مسلحة يسرح ويمرح فيها البلاطجة والقتلة في شوارعها المكدسة والملوثة بأطنان القمامة، لتصبح مثخنة ببيئة ملوثة وإدارة منخورة بالفساد، حتى غابت عن تعز تلك الابتسامة خلف أوجاعها وأنَّاتها.. فلك الله يا تعز كم تئنين من الفساد وكم تعانين اليوم من التلوث البيئي، وكيف تحول خنجر القبيلة إلى خنجر مسموم في قلبك الطاهر وبقدرة قادر بطريقة ممنهجة تسلحت تعز وتمدنت عمران.. تعز مهبط وحي المدنية والتقدم والثقافة والسياسة، فمن يمسح عنها دمعة حزنها ومن بيده القرار لتنظيف تعز مما حل بها من قمامات الفضلات والفساد؟!!.