مهما حاول الحاقدون تتبع أخطاء وعيوب القائد فإنها لن تكون بقدر ما حققه لنا من تحولات في البداية أشكر منظمي هذه الندوة.. وفي حقيقة الأمر حاولت أن أعتذر عن تقديم هذا الموضوع، وذلك لسببين السبب الأول أهمية هذا الموضوع والسبب الثاني هو وجود نخبة مشاركة من الرعيل الأول، وممن زاملوا وعملوا مع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، ربما لأنني لست منهم لكنني من الجيل الذي نشأ وترعرع في ظل العهد الميمون لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح. وقد قرأت الكتاب واطلعت عليه فوجدته كتاباً ممتعاً وغنياً، وقد نشرنا عنه في الأشهر الماضية في صحيفة «الجمهورية» واستفدت منه كصحفي في هذا الميدان، فأشعر أن هذا الكتاب غير مسبوق لسببين أولاً: عرضه شخصية الرئيس، وثانياً: طباعته الفاخرة واهتمامه بالصورة والألوان، فجمع ما بين الطباعة الفاخرة والإخراج، لذلك فأنا اعتبره من الكتب المهمة الذي تشكر عليه دائرة التوجيه المعنوي.. نأتي إلى موضوع الورقة التي طلب مني فيها أن أتكلم حول موضوع «علي عبدالله صالح.. القائد الانسان» وفي حقيقة الأمر كنت أتمنى أن يكون الحديث حول القيم النبيلة من تواضع وخلق يتمتع بها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح على اعتبار أن مُسمى الانسان مسمى عام.. قال تعالى: «والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» صدق الله العظيم.. فاعتقد أن القيم النبيلة التي يتمتع بها الرئيس هي العنوان الأفضل الذي يمكن أن نختصره في عنوان «القائد الانسان».. حقيقة من الصعب أن نحصر هذا العنوان في فصل من الفصول، لأن كل الكتاب يتحدث حول قيم سامية ونبيلة لدى الرئيس سواءً في المحور الديمقراطي السياسي أو في جانب الحوار والتسامح، فلذلك يصعب أن نلمّ به في فصل من الفصول. تيس الضباط قرأت في الكتاب أن فخامة الرئيس عاش يتيماً ومات أبوه وهو ابن ثمانية أشهر، لهذا فقد كانت نشأته يتيماً وفي بيت فقير وبيئته الفقيرة هي البيئة اليمنية العامة إبان حكم الإمام، الذي عاشت اليمن في عهده فقراً مدقعاً، وفخامة الرئيس علي عبدالله صالح -كما قال عنه البردوني- خرج من بيئة فلاحية، وهذا أثّر على الرئيس في الجانب الانساني والجانب الخلقي النبيل.. وقرأت أيضاً معلومة في الكتاب ربما تختلف عن السائد والمشاع لدى كثير من الناس وهي مصطلح «تيس الضباط»، فالكثير من الناس يقولون بأن هذه التسمية أطلقت عليه من قبل الرئيس السابق إبراهيم الحمدي، لكن ما أورده الكتاب وقرأته بأن هذه التسمية أو هذا اللقب أطلق عليه إبان عمله العسكري وإنما وصلت هذه التسمية أو هذا اللقب إلى الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي، فقام الحمدي باستدعاء الضابط علي عبدالله صالح آنذاك، وقال له: يقال عنك «تيس الضباط»، فأنا أريد أن تبرهن لي بالفعل أن هذه المقولة تنطبق عليك، فعرض عليه الحمدي تجربة وقال له بألا يحضر الاحتفال العام، وأنه سيأمر الحراسة بمنعه من الدخول، لذلك أريد منك أن تدخل المنصة وتحضر الاحتفال وتخترق الحراسات إذا كنت «تيس الضباط» كما يزعمون.. وبالفعل فقد وجه الرئيس السابق ابراهيم الحمدي أوامره للحراسة وطلب منهم ان يقوموا بمنع علي عبدالله صالح من الدخول الى المنصة، إلا أن الحمدي فوجئ بأن علي عبدالله صالح كان أول من يستقبله في المنصة.. فهذا الموقف يدل على حنكة هذا القائد ودهائه وأسلوبه المتميز. الحكمة.. والكرامة أذكر أن علي عبدالله صالح تولى الحكم وأنا طفل في التاسعة من عمري لذا أنا ممن تربى في ظل هذا الحكم الفريد وقد كنت في السعودية.. وهنا أذكر موقفين مؤلمين للشارع اليمني، فقبل أن يتولى الرئيس علي عبدالله صالح زمام الأمور وبالتحديد في عام 1977م عندما قتل الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي، فقد كان المغتربون اليمنيون في السعودية يتجاوزون المليون مغترب، وكنا نشكل رقماً كبيراً أذكر أن الشارع في العاصمة السعودية بكى وجهش عندما قتل الشهيد الحمدي، وذلك لأن اليمنيين لم يتعودوا على الغدر لأن كل الرؤساء الذين سبقوا الحمدي خرجوا من الحكم بطريقة ليست دموية، لذلك فإن هذا الموقف جعل اليمنيين منذهلين ومستغربين.. وفيما بعد جاء أيضاً الرئيس الراحل الغشمي والذي هو الآخر اغتيل في نفس العام، لذلك أصبح كرسي الرئاسة في ذلك الوقت يُشكل خوفاً، فمن يريد أن يتولى الرئاسة سوف يعرض حياته للخطر، ليكون هذا الرئيس الذي يعرض حياته للخطر هو علي عبدالله صالح، ليهب بذلك روحه فداء للوطن ويتسلم قيادة الوطن في وقت تبرأت كل الشخصيات السياسية في البلد من كرسي الرئاسة، مؤمناً بقضاء الله وقدره مقتنعاً بذلك الأثر «اطلبوا الموت توهب لكم الحياة».. المهم ما أريد أن اقوله هو أنني أتذكر وأنا طفل صغير، أننا كنا نشعر بالمذلة وأننا في الهامش، وأننا شعب طريد مشرد لا قيمة له ونحن مغتربون، الا أننا بدأنا نكبر ونشعر بأننا شعب له عزته وكرامته ومجده إبان حكم الرئيس علي عبدالله صالح، لا أقول أننا لسنا بدون كرامة من قبل، لكنني أريد أن أؤكد كلام الأستاذ راشد حين ذكر في حديثه قول الرسول صلى الله عليه وسلم «بأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، ونحن العرب نؤمن بهذا الحديث ونطبقه.. لذلك فإنني أقول وأنا ممن تغرّب خارج الوطن أننا شعرنا بأن الرئيس علي عبدالله صالح أعاد لنا العزة والكرامة والمجد طيلة فترة حكمه.. الموقف الآخر هو أن اليمنيين عاودوا البكاء، واجهشوا الشارع بالبكاء في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م، الذي بالفعل كان يوماً عظيماً لكل أبناء اليمن ربما خروج اليمنيين بمئات الآلاف من دول الخليج آنذاك كان له أثر، إلا أن هذا اليوم جسد لليمن العزة والكرامة التي جاءت مع علي عبدالله صالح، فحقق لنا ما كنا نحلم به، والفقهاء يقولون: «إذا بلغ الماء القلَّتين لا يحمل النجس» فمهما كانت أخطاء وعيوب الرئيس علي عبدالله صالح فإنها لن تكون بقدر ما حققه لنا من مميزات. هذا جزء بسيط من أخلاق هذا القائد ولا يتسع الوقت لسرد الكثير من المواقف، لكنني أكتفي.. وأريد أن أختم ورقتي هذه بملاحظتين.. الملاحظة الأولى: هي ظهور صور في الكتاب لفخامة الرئيس ظهر فيها وملامحه مغبرّة أشعث الشعر، وهذا أعجبني وأتمنى أن يسود إعلامنا هذا، لأن مشكلة إعلامنا في الدول العربية أنها تبدي الزعماء بصورة ربما على ما يحب البعض فقط أن يروه.. الملاحظة الثانية: هي ظهور صورة لفخامة الرئيس كانت شبه ممنوعة في الاعلام الرسمي منذ عام 1994م, وهو يرفع علم الوحدة مع شركائه في عدن.. كنت أتمنى أن أتحدث أكثر لكن الوقت قد أزف .. أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله. * ورقة عمل في ندوة حول كتاب "قائد ووطن.. ثلاثة عقود من التحولات" نظمتها دائرة التوجيه المعنوي وصحيفة «26سبتمبر» بالتعاون مع الهيئة العامة للكتاب، بتاريخ 22 أكتوبر 2008م