درجت العادة في أغلب بلدان العالم النامي ومنها البلدان العربية على أن تصدر الكتب والمذكرات التي توثق حياة ومسيرة زعماء وقادة لا زالوا يتبوأون مقاليد السلطة في قالب رسمي ومتحفظ وخالية من الحكايات والطرائف التي ظلت تردد في الشارع وفي الأوساط الشعبية عن هؤلاء القادة. دائرة التوجيه السياسي والمعنوي بالقوات المسلحة اليمنية ، كسرت هذه العادة وأصدرت كتاباً مثيراً وجريئا يرصد مسيرة ثلاثة عقود من حكم الرئيس علي عبدالله صالح ، أماط اللثام عن حكايات ظل يرددها الناس همساً وبخوف شديد وكان البعض يعتقد أنها نوع من النكات السياسية، ومن ذلك حكاية شهيرة فحواها أن الرئيس اليمني الأسبق "إبراهيم الحمدي" أطلق على الرئيس صالح ، وكان لا يزال ضابطاً في الجيش ، بأنه "تيس الضباط" كناية عن شجاعته وإقدامه ومغامرته، الكتاب الذي جاء بعنوان ( وطن وقائد .. ثلاثة عقود من التحولات) أعطى اعترافا رسمياً بهذه الحكاية عندما تناولها بالإشارة إلى أن "هذه التسمية أطلقت على الضابط علي عبد الله صالح ومتعارف عليها في الأوساط العسكرية والسياسية والشعبية اليمنية ، بأنها تكون سمة مميزة لواحد فقط من بين جميع الضباط تقديراً وإقراراً من قبل الجميع بما يتفرد به صاحب هذا الاسم من ملكات ومميزات عسكرية خاصة كالشجاعة والإقدام والمغامرة والمهارة القيادية والقتالية والخبرات والمعارف العسكرية. تحدي الرئيس الحمدي؟ الكتاب أشار إلى أن الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي 74( - 1977م) تنامى إلى سمعه الصفات التي يتفرد بها "تيس الضباط" وحاول أن يضعه ضمن دائرة الاختبار ليتأكد مما إذا كان علي عبد الله صالح كذلك حقاً أم أنها دعاية ، ولأن هذا الاختيار لا يخلو من عنصر التحدي والمراهنة فقد استدعى الرئيس الأسبق الحمدي الضابط صالح إلى مكتبه وخاطبه قائلاً: (يقولون عنك أنك تيس الضباط ، وأضاف بنبرة فيها الكثير من التحدي الواضح) إذا كنت كذلك حقاً فأنا أتحداك أن تتخطى غداً الحراسات العسكرية وتصل إلى المنصة الرئيسية في ميدان الاحتفالات للمشاركة في الاحتفال ((بعيد ثورة سبتمبر)). وبموجب هذا التحدي أعطى الرئيس الحمدي تعليماته المشددة إلى القوات العسكرية والأمنية في العاصمة صنعاء ومنافذها والقوة المكلفة بحراسة الميدان والمنصة ، بعدم الوصول إلى ميدان الاحتفال ومنعه من دخول المنصة ، وكانت المفاجأة المذهلة للرئيس الحمدي عندما وصل إلى منصة الاحتفالات الرسمية في صباح اليوم التالي ، أن وجد الرئيس علي عبد الله صالح جالساً أمامه ويستقبله فيها فقال له أنت فعلاً "تيس الضباط" وأصدر بعد ذلك قراراً بتعيينه قائداً للواء تعز وقائداً لمعسكر خالد بن الوليد بمحافظة تعز 276( كلم جنوب صنعاء). الكتاب كشف أيضاً عن حكايات مثيرة في حياة الرئيس الصالح الذي ولد عام م1942 في أسرة فقيرة هو ثالث أبنائها ، ومن ذلك فشله في الالتحاق بأحد الكتاتيب لتعلم القراءة والقرآن الكريم بسبب عجز أسرته عن دفع عشرة ريالات من فئة (ريال ماريا تيريزا النمساوية) وهي العملة التي كانت متداولة في اليمن إبان الحكم الملكي ، وفشله في الالتحاق بإحدى ثلاث مدارس حكومية كانت موجودة في العاصمة صنعاء وحكرا على أبناء الصفوة من الأسرة الحاكمة والمقربين منها. الالتحاق بالجيش بكفالة، وكان لافتاً بين أبرز ما كشف عنه الكتاب الوثائقي ، القصة المثيرة عن الطريقة التي التحق بها الرئيس الصالح في صفوف القوات المسلحة اليمنية.. وكان من ضمن شروط الالتحاق بالجيش إحضار كفالة أو ضمانة من شيخ المنطقة - أو العاقل - فكفله أحد مشايخ سنحان (إحدى ضواحي صنعاء) ويدعى الشيخ علي صالح علوان ، وبعد أن أجرى صالح الكشف الطبي وتقدم بأوراقه إلى مسؤول شئون الأفراد بالجيش ، وكان يدعى أحمد طاهر كانت المفاجأة بأن رفض أحمد طاهر ضمه بحجة صغر سنه، فلجأ مرة أخرى إلى الشيخ علي صالح علوان الذي خاطب مسؤول شؤون الأفراد قائلاً: هذا الرجل نريده أن يلتحق بالجيش ولا يغرك صغر سنه لأن شجاعته وقوته وكفاءته تفوق سنه. مضيفاً القول: (هذا الفتى سيصبح أمير الجيش) وتم قبوله حينها وكان ذلك عام 1958م. ويروي الكتاب أن مسؤول التجنيد الملكي الذي قبل بصعوبة علي عبد الله صالح في سلك الجندية ، التقى الشيخ علي صالح علوان (الكفيل) عام م1978 بعد انتخاب علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية (الشطر الشمالي آنذاك) وقال له: "صاحبك صار رئيسا لليمن وليس أميرا للجيش كم أيدت كفالتك عليه". فبعد اغتيال الرئيس الحمدي في 11 أكتوبر - تشرين اول م1977 تولى القيادة المقدم أحمد حسين الغشمي الذي اغتيل هو الآخر في 24 يونيو - حزيران م1978 ومن ثم أصبح الرائد علي عبد الله صالح رئيساً بانتخاب أعضاء مجلس الشعب التأسيسي في 17 يوليو - تموز 1978م. ووفقاً للكتاب فقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية يوم 19 يوليو - تموز م1978 تقريراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA جاء فيه أن رئيس الدولة الجديد لن يكمل الستة أشهر كحد أقصى. *(الدستور الاردنيه)