لم يعد خافياً على أحد أن الظروف المعقدة والشائكة التي طرأت خلال العقود الثلاثة الأخيرة على العالم العربي والمنطقة وعلى العلاقات الدولية، والتي أدت إلى تغيّرات وتحولات حملت أبعاداً استراتيجية كانت لها تداعيات مباشرة على القضية الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني في الداخل وفي أماكن لجوءه، وبدا واضحاً التراجع في مكانة القضية الفلسطينية وفي الدعم العربي الرسمي للنضال الوطني الفلسطيني والفراغ الاستراتيجي وحالة الشلل في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وإختفاء المؤسسات الوطنية التي كانت تجمع مكونات الشعب الفلسطيني، إضافة إلى حالة التردي والإنحدار التي عصفت بالحركة الوطنية الفلسطينية والعربية، وكذلك مجيئ مرحلة "اوسلو" وما تبعها من إرباك وتشظٍ في الحلول السياسية وإخراج فلسطينيي الخارج من حسابات المفاوضات والمساومات واستبعادهم عن القرار الفلسطيني الداخلي، لا سيما أنهم يمثلون جزءاً أصيلاً من النسيج الفلسطيني ولهم الدورالمتقدم في النضال والصمود طوال عشرات السنين لاستعادة حقوقهم وفي مقدمة ذلك حقهم في العودة إلى أرضهم التي اُقتلعوا وهُجّروا منها، وإيمانهم أن شرط العودة إلى ديارهم هو مسلكاً إجبارياً لأي حل، بل إصرارهم وتمسكهم بكافة الحقوق الوطنية ، ورفضهم القاطع لمشاريع التوطين بكافة أشكاله. لهذا كان من الضرورة التداعي والمبادرة لانعقاد مؤتمر شعبي لفلسطينيي الخارج يشارك فيه شرائح المجتمع الفلسطيني كافة، يولي فئة الشباب، والمرأة والطفل اهتماماً خاصاً، كذلك مؤسسات العمل النقابي والمجتمع المدني، وتفعيل دورهم وتطوير قدراتهم وآلياتهم لتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني والمساهمة في معالجة همومه ومشكلاته، واستعادة دوره على المستوى الجماهيري والإعلامي والسياسي في إطار الصمود والمقاومة وعدم الرضوخ لإملاءات العدو أو مشاريع التسوية، وتكاملاً مع دور الداخل في فلسطينالمحتلة لإقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ومن الأهمية الإشارة إلى أن المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي عقد في مدينة اسطنبول التركية يومي 25 -26 شباط ( فبراير ) وبمشاركة نحو 5000 آلاف فلسطيني توافدوا من 50 دولة، لم يطعن بشرعية المنظمة كونها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ولم يطالب بإلغائها، بل طالب بإعادة هيكلتها وبإجراء انتخابات للمجلس الوطني وتجديد شرعية هيئاتها، والحرص على شمولية التمثيل الوطني وعدم تهميش وتغييب هذا العنصر الأكبر من أبناء الشعب الفلسطيني من المعادلة الوطنية الفلسطينية . ومن الجدير بالذكر تشكيل هيئة متابعة تم انشائها بالتوافق مع جميع الشخصيات الفكرية والسياسية القائمة على المؤتمر، وإقرارتحويل هذا المؤتمر إلى مؤسسة تمثل فلسطينيي الخارج شعبياً، باسم "المؤتمر العام لفلسطينيي الخارج"، وإقرار موقع رسمي لهذا المؤتمر، وهو العاصمة اللبنانية بيروت. وأيضاً الإعلان عن لجان الهيئة في فترة انتقالية، سيتم بعدها إجراء إنتخابات حرة بعد سنة من الآن، حيث ستكلف هذه اللجان بانتخاب أمانة عامة جديدة، تقوم على هذا المؤتمر، وتمثل طموحات وآمال الشعب الفلسطيني في الخارج وسيولي عناية خاصة بأفواج اللاجئين من الشعب الفلسطيني حول العالم. وتأكيد المؤتمرون أن "الشعب الفلسطيني في الخارج ليس طرفاً في التجاذبات الإقليمية في دول الطوق"، مطالبين بتحييد المخيمات الفلسطينية في المنطقة عن دوائر الصراع فيها". ومما لاشك فيه، ورغم كل الظروف المعقدة والتحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، أثبتت التجارب أن الشعب الفلسطيني قادرعلى أن يتغلب على الصعوبات، بل وباستطاعته تقديم المبادرات التي تسهم في النهوض بالواقع الفلسطيني وبالأوضاع العامة للاجئين الفلسطينيين، كيف لا ؟ وهو صاحب الحق والمؤهل لصناعة التغيير وتكثيف الجهود الرامية لاثبات نفسه ورسم الأمورفي إطارها الصحيح، والقادرعلى اطلاق المبادرات التي من شأنها إعادة تصويب البوصلة في اتجاه الهدف الأساسي ألا وهو التحرير والعودة وتقرير المصير. *كاتب وصحفي فلسطيني │المصدر - الخبر