قبل أكثر من نصف قرن، كان المشايخ أشد أعداء حكم الإمامة، وقد دخلوا معها في صراعات مسلحة مريرة لعقود عديدة؛ لأنهم كانوا يحاولون مقاسمة تلك الإمامة السلطة والثروة والجاه، فكان أن جاءت -بعد ترقب طويل- ثورة 26 سبتمبر 1962م، محاولة اجتثاث هذين الداءين معا، غير أن المشايخ كانوا يحتجون برصيدهم النضالي ضد حكام الإمامة واستلّوا كل الحِراب لبلوغ تلك الغاية، فأُفسح لهم المجال للمشاركة في الحكم وتوابعه، وكادوا أن يستولوا عليه برمته. الآن، عادت الإمامة بحال كتلة المشايخ آنذاك، لتتقارعا معا، على مرأى من سلطة مهزوزة الثقة بنفسها؛ لاستعادة السلطة والثروة والجاه المسلوب، بعدما ابتدأ الصراع من آخر نقطة هروب لكائن إمامي ناجٍ من الثورة، ليتحقق ما تحقق للإمامة على المشايخ من تقدم عجيب، وبتشفٍّ شعبي مخدوع، في عودة أكيدة لحكم العنصرية والتمايز، بعد تمرد دام قرابة عقد، وها هي حوافر الغزاة تمر على رفات جنودنا الذين سقطوا بالآلاف دفاعا عن سبتمبر، وها هي عيون الخونة وعشاق المذلة تملأ شوارعنا بترصد، كما تملأ الأموال المدنسة جيوبهم! فكم بقي، يا ترى، لنتحول إلى "عبيد أنجاس مناكيد" كما قال المتنبي؟ وكم بقي ليتحول كل طفل من أطفالنا إلى "دويدار" أو "رهينة" في قصور القادمين؟ وكم بقي لنسائنا ليتحولن إلى جوارٍ ذليلات ونحن نرقب ببَلادة جحافل "السيد" المدجج بالصرخة والسلالة؟ أيها اليمنيون .. ها هم خصومكم يتقاتلون للظفر بكم، فانهضوا، لعن الله غباءكم.