عناوينهم الطرقات، وهمهم نظافتها، وغايتهم بالتأكيد "لقمة العيش، والعمل الشريف"، لكن الكثير منا لم يفكر يوماً كيف يعملون، متى يبدأون العمل أو ينتهون، وما هي الإشكالات التي يواجهونها خلال يومهم الطويل.. معاناة لا تتوقف يقول كمال علي، أحد عمال النظافة بأمانة العاصمة: "معاناتنا لا تتوقف فبالرغم أننا نبذل جهوداً جبارة في نظافة المدن وإظهارها بمظهر حضاري إلا أننا نتقاضى مقابل ذلك الشيء اليسير، راتبي الشهري لا يتعدى 25 ألف ريال وأعمل منذ السابعة صباحاً وحتى الحادية عشرة والنصف ظهراً والفترة الثانية من الساعة الثانية بعد الظهر وحتى السادسة مساء, أضف إلى ذلك حرماننا من التأمين الصحي والتأمين الاجتماعي…". ويشير علي، البالغ من العمر 34 عاماً (أب لأربعة أطفال) إلى أن الوضع المعيشي لعمال النظافة يرثى له وأنهم يعانون الأمرين مرارة العيش ومرارة القهر جراء الظلم المرتكب ضدهم أمام مرأى ومسمع الجميع, يضيف علي: "رواتبنا لا تكفي لشيء من متطلبات العيش الأدنى، بالإضافة إلى أن بعض ضعفاء النفوس يقومون بخصم مبالغ من رواتبنا بين الحين والآخر لا تقل عن 1500 ريال في الشهر لأسباب نجهلها ونحن ملتزمون يومياً بالعمل ولا يسمح لنا بإجازات ونعمل طوال العام". إمكانيات ضعيفة من جهته يقول بدري أحمد نوري "34 عاماً" وهو عامل نظافة في العاصمة صنعاء: "هذا هو حالنا دائما زيما تشوف ذلحين في الشارع، المعاش ما يكفيش، إمكانياتنا ضعيفة جداً…".ويتابع بدري: "حتى أثناء إجازات الأعياد الدينية لا نحظى بها كبقية العمال، نحن نشتغل في كل الأوقات، يجيبوا لنا أثناء إجازة العيدين إضافي 2000 ريال في اليوم، نشتري بها غداء.. وبالتالي معظم عمال النظافة يدفعون بأطفالهم إلى التسول". فصل تعسفي قصص كثيرة مشابهة لما تم سرده سابقاً بل وأكثر مأساوية نسمعها ونشاهدها بأعيننا.. تخفي كثيراً من المعاناة والألم الذي يعيشه عمال النظافة في اليمن بحثاً عن "لقمة العيش، والعمل الشريف"، ويتقاضون مقابل ذلك كل ما هو سيئ وبذيء من مجتمع لا يعترف بالإنسانية ومسئولين لا يهمهم معالجة مشاكل هؤلاء أو غيرهم، فضلاً عن تعرض الكثير منهم للانتهاكات كالفصل التعسفي.. عزلة اجتماعية غالبية العاملين في مجال النظافة هم من الأسر المهمشة كما يُطلق عليهم في اليمن، وهي الفئة التي يتجاوز عدد أفرادها 3 ملايين مواطن، ويعيشون في الغالب في مناطق يطلق عليها "محوي"، بعيداً من الأحياء السكنية، ما يعمق عزلة اجتماعية لم تنجح الحكومات المتعاقبة في كسرها. ويطالب هؤلاء العمال بتحسين أوضاعهم وتثبيتهم أو زيادة أجورهم الشهرية, والمواطنون بمراعاة عمال النظافة والالتزام بالتخلص من النفايات في أماكنها وأوقاتها المحددة (أي أثناء سماع صفارة سيارة النفايات), إلى جانب عدم تحقيرهم والتقليل من جنسهم. إشكاليات قائمة في السياق أكد رئيس النقابة العامة لعمال البلديات والإسكان بأمانة العاصمة، محمد المرزوقي، أن إجمالي عدد عمال النظافة في عموم محافظات الجمهورية 35 ألف عامل وعاملة، عشرة آلاف منهم من ضمنهم الإداريون ما زالوا يعملون بالآجر اليومي ويتقاضى الكثير منهم رواتب ضئيلة جداً…". وأضاف المرزوقي: "خلال العام الماضي تم تثبيت عدد كبير من عمال النظافة في مدن المحافظات، وتبقى الإداريون وعامل النظافة بالمديريات خارج العواصم. وبعض المحافظات لم تستكمل إجراءات التثبيت والسبب تقاعس صناديق النظافة فيها عن استكمال إجراءات التثبيت، كما هو حال محافظة عمران التي يعمل فيها قرابة 300 عامل نظافة…". وأوضح المرزوقي أن بعض المحافظات تؤخر إجراءات صرف المرتبات، "في محافظة مأرب عمال النظافة لهم ثلاثة أشهر بدون رواتب وعندما قاموا يطالبون برواتبهم تم اعتقال رئيس نقابة عمال المحافظة والأمين العام…". ولم يخف رئيس النقابة العامة لعمال البلديات والإسكان بأمانة العاصمة، معاناة عمالة النظافة الذين يقول إنهم شريحة محطمة، يضيف: "ما زالت هناك بعض الإشكالات فيما يتعلق بالعمال الذين تم تثبيتهم، أبرزها على سبيل المثال غالبية المحافظات لم تطبق نظام التأمين (التأمين التقاعدي، والتأمين الصحي) لعمال النظافة، والأسوأ من ذلك أنه يتم خصم أقساط التأمين من رواتب العمال، بينما لا يتم توريد هذه المبالغ للجهة المختصة ولا موافاتها بأي بيانات حول العمال…". وتتفاوت أجور عمال النظافة في مختلف محافظات الجمهورية تحديداً أولئك الذين لم يتم تصحيح أوضاعهم حتى الآن، فهناك من يتقاضى 9 آلاف ريال شهرياً، والأسوأ أن ما يتقاضاه العمال الذين يتم إجبارهم على العمل الإضافي بما لا يقل عن أربع ساعات يومياً مقابل 3000 آلاف ريال شهرياً خاضعة للخصم والنهب أي مائة ريال لليوم الواحد. رفع الحد الأدنى للأجور وخلال العامين الماضيين، نفذ عمال النظافة في العاصمة صنعاء وعديد المحافظاتاليمنية عديد إضرابات أفضت إلى ترك القمامة تتراكم في الشوارع، ما دفع بالحكومة إلى تشكيل لجان فنية ووزارية ووعود بمنح هؤلاء العمال درجات وظيفية ولكن دون جدوى؛ وخلص الجدل المستمر إلى الاتفاق على رفع الحد الأدنى لأجور عمال النظافة والتحسين إلى مستوى الحد الأدنى في هيكل الأجور، مع شمولهم بالتأمينات الاجتماعية لضمان تحقيق الاستقرار الوظيفي لهم ومنحهم كافة الامتيازات التي يحظى بها زملاؤهم المثبتون في الخدمة المدنية، بما فيها حصولهم على البطاقة الوظيفية بنظام البصمة والصورة. ورغم ذلك اكتفت بعض المحافظات برفع رواتب بعض العمال إلى 20 ألف ريال شهرياً، غير أن الوضع يبدو مختلفا في أمانة العاصمة إذ يتقاضى عامل النظافة (سواء تحت مسمى مثبت أو متعاقد) 27 ألف ريال في الشهر، وهو ما أكده لنا رئيس نقابة عمال البلديات بأمانة العاصمة، محمد المرزوقي. وجدد المرزوقي مطالبته بضرورة تثبيت العاملين في هذا القطاع رسمياً واستيعابهم ضمن الهيكل الوظيفي في الدولة ومعاملتهم بحسب ما نصت عليه استراتيجية الأجور كغيرهم من موظفي الدولة، وأشار إلى أن عمال النظافة محرومون من أبسط الحقوق بما فيها راحة يوم السبت الأسبوعية والإجازات السنوية، محملاً الحكومة اليمنية والمكتب التنفيذي للنقابة واللجنة الوزارية مسئولية ذلك والمماطلة في حقوق العمال. جهود كبيرة بدوره قال رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر علي الجلعي، إن عمال النظافة الذين يبذلون جهوداً كبيرة مقابل أجور ضئيلة وحقوق مهدورة . تصحيح الأوضاع يشير أطباء متخصصون إلى أن العاملين في جمع ونقل النفايات العامة والطبية والعاملين على التخلص منها بالمكبات والمحارق العامة هم الأكثر عرضة للإصابة وانتقال الأمراض، لوجود عوامل تؤدي إلى ذلك منها: ميكروبات شديدة العدوى وفتاكة لوجود مواد شديدة السمية للخلايا البشرية تسبب موتها أو طفرات لها أو لوجود أدوية وكيماويات خطرة أو مواد مشعة مهلكة أو مواد حادة وقاطعة للأنسجة البشرية. وهذا ما يثير القلق ويعرض الكثير من عمال النظافة (خاصة عمال معدات الجمع المباشر والرفع الآلي) للخطر، خصوصاً وأنهم يعملون دون استخدام أي وقايات مثل الكمامات أو الكفوف، فضلاً عن الأمراض التي تواجههم خلال فصل الشتاء جراء موجة البرد الشديدة في المناطق الشمالية، الأمر الذي يتطلب رفع الظلم والقهر عن هذه الشريحة وتصحيح أوضاعها قبل أن تتحول إلى قنابل موقوته لا يحمد عقابها.