شهدت الساعات الماضية تحركات دبلوماسية مكثفة في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة الأوكرانية، في حين وصل مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى شبه جزيرة القرم، وبينما صعّد الرئيس الأميركي باراك أوباما لهجته واعتبر أن تصريحات نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن القرم "لن تخدع أحدا"، هددت موسكو باتخاذ إجراءات انتقامية إذا نفذت واشنطن التهديد بفرض عقوبات اقتصادية عليها. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لقناة "بي أف أم" التلفزيونية الفرنسية على هامش اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في باريس إن جميع الأطراف تعمل جاهدة لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية، مشددا على ضرورة استبعاد الخيار العسكري. وأعلنت السفارة الأميركية في باريس أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيلتقي اليوم مع نظيريه البريطاني وليام هيغ والأوكراني أندري ديشتشيتسا. وبموازاة ذلك، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا "لن تسمح بحمام دم" في أوكرانيا، وشدد على عدم السماح "بأي اعتداء على حياة وصحة أولئك الذين يعيشون في أوكرانيا، ولا على الروس الذين يعيشون هناك". وفي بروكسل أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو) اتفاقا مع روسيا لعقد محادثات ثنائية في قمة طارئة تعقد اليوم. وكان الأمين العام للناتو أندرس فوغ راسموسن قد اعتبر التدخل الروسي بأوكرانيا خرقا للمواثيق الأممية والأوروبية. يأتي ذلك في وقت وصل فيه مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى سيمفروبول عاصمة شبه جزيرة القرم بناء على دعوة من الحكومة الأوكرانية للاطلاع على الأوضاع والتطورات عن قرب. وقال مراسل الجزيرة في كييف رائد فقيه إن هذه الخطوة تشكل رسالة عملية على الأرض لتزويد الغرب بمعلومات عن الوضع في القرم وما تقوله موسكو عن تعرض مواطنيها لأعمال عنف أو اضطهاد. حرب كلامية ومن كييف وجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري انتقادات حادة لموسكو، متهما إياها بالسعي لإيجاد ذريعة لاجتياح أوكرانيا. وقال كيري في مؤتمر صحفي عقده أمس إنه "في حال لم تقرر روسيا وضع حد للتصعيد فلن يكون أمام حلفائنا خيار سوى الانضمام إلينا في الذهاب إلى ما هو أكثر من الإجراءات التي اتخذناها لعزل روسيا على الصعد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية". وندد الوزير الأميركي بما اعتبره "العمل العدواني" لروسيا ضد أوكرانيا، لكنه تدارك بالقول إن بلاده لا تسعى إلى "مواجهة مع موسكو". وفي الوقت نفسه، شكك الرئيس الأميركي بارك أوباما في نوايا الرئيس الروسي، مؤكدا أن تصريحاته "لا تخدع أحدا". وأوضح أوباما في تصريحات أثناء اجتماع لجمع أموال مساء الثلاثاء إن بعض المعلومات تقول إن الرئيس بوتين يأخذ وقته في دراسة ما جرى، مشددا على المصالح المشروعة لروسيا بما يجري في بلد مجاور لا يعطيها الحق في اللجوء إلى القوة لممارسة نفوذها في هذا البلد، لكن أوباما شدد على أن الباب مفتوح أمام حل دبلوماسي. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال إن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا إن تم فهو تدخل شرعي، لأنه جاء بناء على طلب ممن وصفه بالرئيس الشرعي لأوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش، لكنه قال إن خيار التدخل العسكري سيكون الأخير. وحذر بوتين من أن أي عقوبات ستكون لها أضرار على الطرفين، واحتفظ بالحق في اللجوء إلى القوة لحماية المواطنين الروس بأوكرانيا. من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية إن وزير الخارجية سيرغي لافروف أبلغ مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون أن الاتفاق الذي أبرم بوساطة الاتحاد في 21 فبراير/شباط يجب أن يكون الأساس لتحقيق الاستقرار بأوكرانيا. في المقابل، قال رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر إن الدول الصناعية السبع الكبرى تبحث عقد اجتماع في المستقبل القريب، وهي خطوة من شأنها استبعاد روسيا عمدا. في هذه الأثناء، يستعد رئيس جمهورية تتارستان روستين مينيخانوف لعقد محادثات مع سلطات شبه جزيرة القرم في وقت لاحق اليوم، ومن المقرر أن يلتقي برئيس مجلس الشعب التتاري رفعت تشوباروف لبحث تطورات الأوضاع في شبه الجزيرة. ويعد الشعب التتاري إحدى أهم القوى السياسية المؤيدة لسلطات كييف في القرم والمناهضة لإجراء استفتاء بشأن الوضع القانوني لشبه الجزيرة. الوضع الميداني وعلى الأرض، أفاد مراسل الجزيرة بأن قوات الأمن الأوكرانية أعادت السيطرة على مبنى الحكومة المحلية في مدينة دونيسك مسقط رأس الرئيس الأوكراني المخلوع، وقامت بإنزال العلم الروسي عن المبنى. وقبل ذلك أحكمت قوات روسية سيطرتها على قاعدة بلبيك الجوية الواقعة على مشارف سيفاستوبول في شبه الجزيرة. كما سيطرت تلك القوات على معبر بحري يربط القرم بروسيا، في حين أغلق مسلحون مؤيدون لموسكو منفذا بريا صغيرا يربط القرم بأوكرانيا بعد وصول تعزيزات من المدرعات إلى المنطقة، وتحدثت سلطات كييف عن دخول مروحيات عسكرية روسية إلى القرم دون إبلاغها طبقا للاتفاقيات الثنائية. في المقابل، أعلن الجيش الأوكراني أمس الثلاثاء أنه صد هجوما لقناصة ينتمون إلى القوات البحرية الروسية حاولوا مهاجمة سفينة راسية في ميناء سيفاستوبول بالقرم.