تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    مُحَمَّدَنا الغُماري .. قصيدة جديدة للشاعر المبدع "بسام شائع"    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    أدميرال أمريكي: معركة البحر الأحمر كشفت هشاشة الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية    حكم قرقوش: لجنة حادثة العرقوب تعاقب المسافرين ومدن أبين وتُفلت الشركات المهملة    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    وقفة مسلحة لأحفاد بلال في الجوف وفاءً للشهداء وإعلانا للجهوزية    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    الأمم المتحدة: إسرائيل شيدت جداراً يتخطى الحدود اللبنانية    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    حلف الهضبة.. مشروع إسقاط حضرموت الساحل لصالح قوى خارجية(توثيق)    خطورة القرار الاممي الذي قامت الصين وروسيا باجهاضه امس    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    هيئة مكافحة الفساد تتسلم إقراري رئيس الهيئة العامة للاستثمار ومحافظ محافظة صنعاء    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    لحج تحتضن البطولة الرابعة للحساب الذهني وتصفيات التأهل للبطولة العالمية السابعة    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    وسط فوضى عارمة.. مقتل عريس في إب بظروف غامضة    مجلس الأمن يؤكد التزامه بوحدة اليمن ويمدد العقوبات على الحوثيين ومهمة الخبراء    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    مدير مكتب الشباب والرياضة بتعز يطلع على سير مشروع تعشيب ملاعب نادي الصقر    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    تنظيم دخول الجماهير لمباراة الشعلة ووحدة عدن    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا ننسى
نشر في الخبر يوم 13 - 03 - 2014

لا تسقط النازية بالتقادم، ولا يضيع حق وراءه افريم زوروف، ولن يستطيع شرطي أن يتوارى في ثياب مدنية من أعين القناصة اليهود مهما أجاد التخفي أو بلغ من العمر أرذله، ولا حصانة لأفراد الجستابو حتى وإن تابوا وحسنت توبتهم. فالصهاينة لا ينسون ثاراتهم ولا تأخذهم بحراس الهولوكوست رأفة ولا رحمة حتى وإن بلغوا من العمر سبعة وتسعين عاما.
عام 1944، وتحديدا في بودابست، وأمام معسكر حشر فيه اليهود أفواجا، وقف الضابط تساري لينظم الهياكل المضطربة استعدادا للترحيل أو الحرق، لكنه لم يكن مجرد حامل للأصفاد والكلاليب، وغالبا ما كان يتجاوز واجبات المناوبة الليلية، فكان يخلص في ركل اليهود بيديه وسوطه، ويتقن إذلالهم وتعذيبهم.
لكن المغرور بنجومه اللامعة لم يستطع البقاء في منصبه بعد أن وضعت الحرب أوزارها، واضطر إلى الهرب متخفيا بعد أن أدانته محكمة تشيكوسلوفاكية عام 1948، وحولت أوراقه إلى فضيلة العشماوي. واستطاع الرجل أن يغافل شرطة تورونتو ومونتريال خمسين عاما كاملة، بيد أنه اضطر إلى مواصلة رحلة الهرب بعد أن اكتشفت الشرطة أمره عام 1997. لكنه لم يستطع الإفلات من كلاليب الشرطة المجرية التي ألقت القبض عليه بعدها بعشر سنوات كاملة.
كان تساري على رأس المطلوبين يهوديا، ليس لأنه الأكثر دموية وحسب، ولكن لأنه أحد المعمرين من النازيين القلائل في القرن الواحد والعشرين. ولم يكن الرجل الآمن في سربه يعلم أن الملياردير اليهودي زوروف قد خصص قدرا لا يستهان به من ماله ووقته لمتابعة هيكله العظمي النخر. "حين دق المجريون بابه، خرج تساري في ثيابه الداخلية، فالتقطوا له صورا المخجلة،" يضحك زوروف حتى يستلقي على قفاه أمام الكاميرا. وفي عام 2012، سربت الصحف الصفراء صورا غير مغرية لرجل تجاوز الخامسة والتسعين من الحزن في سروال داخلي غير فضفاض.
كانت رحلة القنص التي بدأت عام 2011 مضنية للغاية، بدأت برسالة غامضة من مجهول مجري يطلب فيها ثمن رقبة تساري، ولأن زوروف يقدر الرؤوس جيدا، لم يساوم على رأس الرجل. وفي غضون أيام، اكتملت الصفقة، والتفت السلاسل الحديدية حول ساقين نخرتين معروقتين، ووجد التسعيني نفسه فجأة في قبضة التاريخ.
قد تأتي العدالة متأخرة بعض الشيء، وإن ظن المتلذذون بفرقعات سياطهم أن ذلك رجع بعيد. وقد تجد من الجالسين تحت كفتي التاريخ تراخيا وتوانيا، لكن رجال الأعمال المستعدون لتسخير أموالهم في خدمة قضاياهم المصيرية قادرون على استعجال النطق بالأحكام المتأخرة رغم أنف القضاة والقوانين العاجزة.
لما وجد زوروف من العدالة المجرية ما يريبه، قرر تسخير الإعلام لقضيته المشكوك في سندها، فحول صحيفة ذا صن البريطانية إلى متحدث رسمي باسم ضحايا الهولوكوست، وفوضهم لمتابعة القضية، وهكذا تحولت قضية تساري إلى قضية رأي عام، وانشغل ما لا يقل عن مليوني قارئ بحديث قد لا يكون لهم فيه ناقة ولا عقال. ورغم ما أثارته الصور المقززة لتساري من انتقادات واسعة، لم يراجع الملياردير اليهودي ولا عماله في الصحيفة البريطانية مسلماتهم الإنسانية ليرحموا عزيز قوم هرم وأكل على جسده الدهر وبال.
في أغسطس الماضي، رحل تساري بما يملك من ذاكرة مشوشة، لكنه ترك آلاف الروايات المنشورة في الصحف الناطقة بالمصالح والهبات في مشفى بائس في بودابست، لكنه ترك حسرة وكمدا في قلب الملياردير اليهودي الذي لم يتمكن من التشفي بضحيته المسنة وقتا أطول. وحتما وصلت رسالة زوروف العابرة للتاريخ إلى من تبقى من النازيين والمشككين بأمر المحرقة من كتاب الزمن الأخير.
قد تكون قصة تساري من وحي خيال قناص يهودي محترف، وربما تكون رواية مدفوعة الثمن في زمن تشترى فيه الحكايات والخرائط والتاريخ، وربما يحق للمتابعين التشكيك في صحة ما جاء من روايات متضاربة من شهود لم تعد جماجمهم صالحة للقص، لكنها حكاية تستحق الالتفات من شعوب تحمل ذاكرة ذبابة، ولا تجد في عروق التاريخ ما يستحق الرواية.
في أغسطس من عام 2013، حمل المشيعون جدث مئوية كاملة إلى اللحد، لكن اليهود الذين يجيدون استنطاق العظام النخرة، لم ينفضوا أياديهم فوق جثة تساري، وينصرفوا إلى شئونهم الصغيرة، بل عادوا إلى حواسيبهم المتقدمة لتلقي ما تبقى من رسائل، وفي جيوبهم آلاف النذور وفاء لمن رحل. أما الذين لم تجف دماؤهم بعد عند أسلاك العروبة الشائكة، فمستعدون للمقايضة والمبادلة وقبض الثمن ونسيان تاريخ لم يجف حبره دون ثمن. مسكين تساري الذي ظن أن ثارات اليهود كعنتريات العرب، فوقف عند مداخل معسكرات التعذيب شاهرا سوطه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.