الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    تزامنا مع ذكرى عيد الوحدة.. عيدروس الزبيدي يتحرك عسكريا في عدن ويوجه رسائل صريحة بشأن مصير "الدولة الجنوبية"    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    رئيس تنفيذي الإصلاح بالبيضاء: قحطان أيقونة نضال واستمرار إخفاءه تأكيد على سقوط المليشيا    إصابة امرأه وطفلين بانفجار لغم زرعته المليشيات غرب تعز    الخدمة المدنية تعلن غداً الأربعاء إجازة رسمية بمناسبة العيد الوطني 22 مايو    العولقي: الانتقالي يتعرض لضغوط داخلية وخارجية    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    موقف جريء ل ''بن عديو'': تجربة الوحدة اليمنية تعرضت لسوء الإدارة.. وهذا هو الحل الذي سيحفظ لليمني كرامته!!    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي وديا منتصف يونيو استعدادا لبطولة غرب آسيا    أكاديمي اقتصادي: فكرة البنك المركزي للحد من تدهور الريال اليمني لن تنجح!    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    ناشط إيراني بارز يكشف معلومات صادمة عن الرئيس الراحل "إبراهيم رئيسي"    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة خلف القضبان«6» : احدهم عجز عن ايجاد ضمانة تجارية فانتحر.. ضحايا القوانين والتشريعات في السجون اليمنية
نشر في الخبر يوم 13 - 05 - 2014

في السجون عالم آخر تماماً، يتشكل من خليط متجانس ومتناقض من الناس بكافة فئاتهم وألوانهم وطبقاتهم.
وليس ثمة رابط يجمع هؤلاء سوى المعاناة، وانتظار رحمة القضاء، وإنصاف القانون، لكن للأسف يبدو هؤلاء كخيط رقيق إن أمسكته بقوة انقطع، وإن تركته لعبت به الرياح كيفما تشاء.
معظم القابعين خلف القضبان ليسوا ضحايا الجرائم والجنايات التي ارتكبوها، وكانت سبباً في دخولهم السجن فحسب، ولكنهم للأسف ضحايا القوانين والتشريعات اليمنية، وهنا تقع الكارثة.
بالرجوع للتشريعات اليمنية في مجال القضاء، نجد أنها حصنت القضاة ورجال النيابات ومأموري الضبط من المساءلة عن اهمالهم أو تقصيرهم وانتهاكاتهم، بينما استرسلت بالمواد والفصول القانونية التي تجعل من المواطن قطعة اسفنج تمتص كل أوساخهم وغبار عبثهم.
ففي الفصل الثاني من قانون الإجراءات الجزائية تحت عنوان في قيود رفع الدعوى الجزائية تقول المادة(25): لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على القضاة او اعضاء النيابة العامة الا باذن من مجلس القضاء الاعلى بناء على طلب النائب العام مع اخطار وزير العدل ويعين المجلس المحكمة التي تتولى محاكمة القضاة واعضاء النيابة العامة، وفي المادة(26): لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على احد رجال الضبط القضائي او موظف عام لجريمة وقعت منه اثناء تأدية وظيفته او بسببها الا بأذن من النائب العام اومن يفوض بذلك من المحامين العامين او رؤساء النيابة ويجب صدور الاذن في احوال القصاص والدية والارش وفي احوال القذف اذا تقدم المجني عليه بالشكوى واصر عليها، وهذا التحصين بحد ذاته منح هؤلاء حصانة كبيرة، ويدخل من يريد محاكمتهم دوامة كبيرة لاتنتهي.
وغالبية بنود مواد القانون اليمنية مطاطية، وغير قاطعة، مما جعلها مرنة خاضعة لمزاج وتفكير واحتيال القائمين على تنفيذها، وأغلب تلك القوانين تبدو قديمة، ولم تخضع للتجديد الذي يفرضه الواقع والتطور الذي يطرأ على المجتمع، وإضافة لذلك الجمود الذي أصابها زاد التهاون بها، والتقاعس في تنفيذها الوضع خطورة، ووحدهم من هم خلف القضبان من يدركون تلك الأوضاع ويعانون قساوتها ومرارتها.
الضمانة التجارية إجراء غير قانوني
في أغلب القوانين المتعلقة بالقضاء وأعمال النيابات ورد مصطلح الضمانات أو الضمانة، كوسيلة قانونية تمكن بعض أصحاب التهم من تقديمها مقابل الخروج المؤقت حتى صدور أحكام قضائية باتة بحقهم، لكن للأسف تحولت الضمانات الى عقوبة تأديب مؤلمة بحق البعض لدرجة أصبحت الضمانة نفسها سبباً للبقاء في السجن.
فكثير من السجناء الموجودين في السجون الاحتياطية، يقضون عشرات الأشهر والسنوات، ولم يستطيعوا الخروج من السجن لعدم وجود ضمانات يقدمونها للنيابات للإفراج عنهم، رغم حصول البعض منهم على قرارات واحكام بالأفراج عنهم لبراءتهم، مع أن القانون اليمني ينص على ضرورة الإفراج عن أي متهم تثبت براءته بنفس اليوم الذي يصدر فيه الحكم.
ففي الفصل الثامن من قانون الإجراءات الجزائية عن الإفراج المؤقت تقول المادة(194): للنيابة العامة في اي وقت سواء من تلقاء نفسها او بناء على طلب المتهم المحبوس احتياطيا ان تامر بالافراج عنه بضمان او بغير ضمان شريطة ان يتعهد بالحضور كلما طلب منه ذلك والا يرفض تنفيذ الحكم ضده، و المادة(195) تنص ايضا على: يجب الافراج عن المتهم في الجرائم غير الجسيمة اذا مرت على تاريخ استجوابه السبعة الايام المنصوص عليها في المادة (189) وكان له محل اقامة معروف في البلاد وكان الحد الاقصى للعقوبة المقررة لا تتجاوز سنة واحدة، وفي المادة(82): يجوز ان ينص في امر القبض على اخلاء سبيل المقبوض عليه اذا وقع تعهد بالحضور مصحوبا بضمان يحدد في الامر او بغير ضمان فيكون على منفذ الامر ان يخلى سبيل المقبوض عليه اذا نفذ الشروط ويرسل التعهد مصحوبا بالضمان الى الامر بالقبض، وهذه المادة سمحت لعضو النيابة الإفراج بغير ضمان، لكن هي الأخرى لا تنفذ إلا بشكل محدود ولمن لديهم وساطة كبيرة.
اما في القرار الجمهوري للقانون رقم (13) لسنة 1994م الصادر عن النائب العام وتعديلاته بشأن تعليمات عامة فتقول
المادة(94): اذا رات النيابة من ظروف المتهم الخاصة ان حالته لا تسمح بتقديم ضمان مالي فلها ان تلزمه بتقديم نفسه الى قسم الشرطة في مواعيد معينه من كل اسبوع تحددها في امر الافراج مع اخطار قسم الشرطة بذلك كما يجوز ايضا في هذه الحالة ان يطلب من المتهم اختيار مكان للاقامة فيه غير مكان وقوع الجريمة، او ان تحظر عليه التردد على اماكن معينه كالاسواق والشوارع المزدحمة، وهذه المادة سهلت عملية الضمانة على الأشخاص الغير قادرين دفعها، لكن للاسف لا يتم الإلتزام بها.
عجزه عن توفير ضمانة فانتحر..
أحد الأشخاص كان متهماً بقضية واحتجز في السجن الاحتياطي، وصدر حكم قضائي ببراءته، لكنه ظل في السجن أكثر من سبعة أشهر، بسبب عجزه عن توفير ضمانة تجارية يقدمها ليخرج من السجن رغم براءته، وبعد أن يئس من خروجه، وعدم حصوله على ضمانة، أقدم على الانتحار بقطع وريده، وانتبهت له إدارة السجن قبل أن يقضي نحبه، وبعد تلك الحادثة أفرج عنه وأطلق سراحه.
ثلاثة أشخاص آخرين في سجن المعلمي الاحتياطي، صدرت لهم أحكام قضائية بالإفراج عنهم، لكن لم يتمكنوا من المغادرة بسبب الضمانات التجارية، ولصعوبة وتعذر حصولهم عليها ظلوا في السجن فترة أخرى، تساوي فترة الاستحقاق القانونية التي صدرت بحقهم، ولم يفرج عنهم إلا بعد محاولاتهم الانتحار، وتعرضهم للأضرار الجسمانية نتيجة ذلك.
والحال نفسه ينطبق على أحد الأشخاص الذي لم يجد من وسيلة تمكنه من الخروج من السجن إلا ربط فكه، وإغلاقه بالخيوط تعبيرا عن ضيقه من الوضع الذي يعيش فيه داخل السجن وعدم إطلاق سراحه، وبعد محاولته تلك أفرج عنه.
صحيح أن إدارة سجن المعلمي الاحتياطي وإدارة السجون الاحتياطية الأخرى، لا يسمح لها بالإفراج عن السجناء إلا بموجب أحكام أو أوامر قضائية من نفس الجهة التي وجهت بسجنهم، لكنها –بحسب القانون- ملزمة بالرفع الدوري المستمر للنيابة العامة بالحالات التي مضى عليها فترات طويلة لتقوم بإجراء اللازم، والمسؤولية القانونية تقع على عاتق النيابة العامة وتحديداً النائب العام الذي خوله القانون بالتفتيش المستمر على السجون والسجناء ومراجعة أوضاعهم والاستماع لشكاويهم وتصحيحها.
فعن واجب اعضاء النيابات يقول قانون الإجراءات الجزائية في المادة(7) من قانون الاجراءات الجزائية تقول ان الاعتقالات غير مسموح بها الا فيما يرتبط بالافعال المعاقب عليها قانونا ويجب ان تستند الى القانون، وتفرج النيابة العامة فوراً عن كل شخص قيدت حريته خلافا للقانون او وضع في الحبس الاحتياطي لمدة اطول مما هو مصرح به في القانون او في الحكم او امر القاضي.
وتقول المادة(13) من نفس القانون: على كل من علم بالقبض على احد الناس وحبسه دون مسوغ قانوني او في غير الامكنة التي اعدت لذلك ان يبلغ احد اعضاء النيابة العامة . ويجب على عضو النيابة العامة ان ينتقل فوراً، وان يطلق سراح من حبس بغير حق، اما اذا ثبت ان حبسه كان بمسوغ قانوني نقله في الحال الى احدى المنشآت العقابية وفي جميع الاحوال يحرر محضراً بالاجراءات، اما المادة(192) من نفس القانون فتقول: يجب على كل عضو من اعضاء النيابة العامة زيارة المنشئات العقابية الموجودة في دائرة اختصاصه والتاكد من عدم وجود محبوس بصفة غير قانونية، وان يتصل باي محبوس ويسمع منه اي شكوى يريد ان بيديها له، وعلى مديري هذه المنشآت ان يقدموا له كل مساعدة لحصوله على المعلومات التي يطلبها.
اما في في القرار الجمهوري للقانون رقم (13) لسنة 1994م الصادر عن النائب العام وتعديلاته بشأن تعليمات عامة فتقول المادة(79): يجب على اعضاء النيابة العامة مراعاة احكام المواد من (184الى 193) من قانون الاجراءات الجزائية بشان الحبس الاحتياطي بكل دقه، لما للحبس الاحتياطي من خطر على حرية الاشخاص وعلى اعضاء النيابة مراعاة ظروف ما يعرض عليهم من القضايا وامعان النظر فيها اذا كانت هذه الظروف تستلزم حبس المتهمين احتياطيا او لا تستلزم ذلك، والامر في ذلك كله متروك لفطنتهم وحسن تقديرهم، وهذا الترك مطاطي فتح الباب واسعا للتأويل والإجتهاد من قبل كل عضو.
فمكتب النائب العام لديه شبكة إلكترونية مرتبطة بجميع النيابات، وترفع له باستمرار كل الحالات التي وصلت إليها، مع جميع بياناتهم والقضايا التي سجنوا بسببها، والجهات التي تدعي عليهم، فكيف لا يعمل على متابعة قضايا السجناء أولاً بأول، ويتابعها منذ وصول الملف القضائي إليه حتى آخر إجراء قضائي في المحاكم.
الضمانات المشؤومة
حالات كثيرة في السجون الاحتياطية تقضي فترات طويلة تصل إلى سنوات، على ذمة قضايا صدر بحقها أوامر بالإفراج عنها، ولم يتم الإفراج بسبب تلك الضمانات المشؤومة، ولم تكلف نفسها المحاكم لمتابعة الأحكام التي أصدرتها، أو النيابات العامة التي تعد من الفرق القانونية للتفتيش عن السجون والسجناء ومكلفة حسب القانون بالنزول إلى السجون في أي وقت للتفتيش عنها.
كل ما يتقنه هؤلاء هو إدخالك السجن، أما إخراجك منه فلا يستطيعون، ويتغافلون ويتناسون تماماً، بل إن الإجراءات الإدارية والروتينية عند حصولك على أمر إفراج تفوق بتعقيداتها إجراءات التقاضي نفسها، وتتحول إلى همٍ آخر يثقل كاهل السجين ويضاعف معاناته.
قوانين الجحيم
تبدو الحياة في السجن أشبه بالجحيم، وقيمة المرء فيها لا تساوي الريشة، ولو تم تطبيق القوانين اليمنية القائمة رغم سوئها لتحسن الوضع، لكن من يملك تطبيقها هو نفسه من يعمل على مخالفتها ودهسها، ولا غرابة في ذلك فالقوانين اليمنية ولدت مشوهة، وظلت قائمة وهي تعاني العاهات والضعف خاصة المتعلقة بالسجون والسجناء.
فقانون السجون مثلاً صدر في العام 1991م بعد تحقيق الوحدة المباركة، وهي الفترة التي صدرت فيها غالبية القوانين، لكن لائحته التنفيذية لم تصدر إلا في العام 1999م، أي بعد ثمان سنوات، ولم تكن تلك اللائحة كافية لشرح وتفصيل بنود ذلك القانون التعيس، ومنذ العام 1999م حتى اللحظة لم يحصل أي تعديل عليها رغم مرور 15 عاماً على صدورها، مع أن المجتمع شهد تطورات ومتغيرات في عالم الجريمة وحياة الناس، مثلما شهد تطوراً ونقلة نوعية في القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على مستوى الداخل والخارج.
فعلى سبيل المثال تنص المادة (31) من لائحة السجون ان للمحبوس احتياطيا مقابلة أهله وذويه بموجب إذن كتابي من الجهة المصدرة لأمر الحبس، فلماذا إذن اذن المسبق.
وبالنسبة للانظمة واللوائح الداخلية للسجن تركت اللائحة التنفيذية الأمر في هذا الجانب لوزير الداخلية، ولذلك جرى تفصيلها بطريقة تعكس العقلية الأمنية البوليسية القمعية التي لاتراعي اياً من حقوق وواجبات السجناء، وتنتقم منهم أكثر مما تعمل لمصلحتهم.
كل هذه التشوهات في القوانين والتشريعات اليمنية، ساهم بصورة أو بأخرى في إلحاق الظلم والضرر بالسجناء الذين لم يلتفت إليهم أحد، ولم تتناول قضاياهم إلا النذر اليسير من منظمات المجتمع المدني المحلية أو الأجنبية.
أمثلة وشواهد
في سجن المعلمي الاحتياطي يقضي أحد الأحداث عقوبة السجن كرهينة نيابة عن أبيه، ووصلت فترة سجنه حتى الآن ثلاثة أشهر، وهي مخالفة جسيمة في القانون اليمني، ووصمة عار في جبين النيابة العامة، فكيف يتم احتجاز حدث كرهينة؟ وما الشعور الذي سيخرج به هذه الحدث إلى المجتمع؟ بعدما عاش أياماً في حياته خلف القضبان؟ واطلع على أحوال السجن، واحتك بآخرين ممن ساقتهم الأقدار إلى السجن، كيف سيكون إحساسه بالمواطنة والولاء للوطن، وهو يشاهد والده خلف القضبان بلا عدالة تنصفه، وهو أيضاً يتجرع ويلات السجن بالنيابة عن أبيه رغما عنه، غالبية من يدخل السجون اليمنية لا يخرجون إلى المجتمع، إلا وهم متشبعون بالنقمة والتذمر والاستياء، خاصة مع غياب أي برامج إصلاحية أو تأهيلية، وللأسف لم يعد أياً من السجناء يطالب ببرامج إصلاح أو تأهيل ولكن بعدالة نزيهة وقضاء جاد.
أحد الأشخاص ظل في السجن أكثر من عامين ونصف، ثم خرج بحكم قضائي قضى ببراءته، فمن يتحمل تلك السنوات التي قضاها خلف القضبان.
القانون اليمني هنا يعتبر الأيام التي قضاها الشخص بالسجن أكثر من فترته المستحقة، رصيداً له في سجل حياته، فإذا اقترف ذنباً آخر يستحق عليه السجن تخصم تلك الأيام من رصيده في القضية الجديدة.
وهذه النص القانوني بحد ذاته يشجع على الجريمة، ويتساهل مع حياة وحقوق الأشخاص، ويغض الطرف عن المتسبب في سجن الأشخاص لفترات طويلة كأعضاء النيابات أو المحاكم ولا يعاقبهم.
أشخاص آخرون ظلوا في السجون الاحتياطية لأكثر من عام ولم تقم النيابات بتقديمهم إلى المحاكم، بل إن هناك قصصاً لأشخاص تقشعر منها الأبدان، أحد الأشخاص اختلف مع آخر وعضه في جسده، فأدخل السجن بسبب ذلك وقضى سبعة أشهر في السجن الاحتياطي.
وآخر اتهمه رب عمله بسرقة جواله، وعندما اعترف أدخل السجن، وطالب رب عمله بنفس الجوال المسروق، والذي كان العامل قد باعه، فظل في السجن أكثر من ثلاثة أشهر.
آخرون مسجونون على ذمة قضايا تافهة، كالسرقات أو الاعتداءات الشخصية، ويقضون أشهراً خلف القضبان دون أن يتابع قضاياهم أحداً.
في سجن المعلمي الاحتياطي شاهدت رجلاً يبدو في العقد السادس من عمره، فقضيته كما سردها لي من عرفوه أنه كان مرتبطا بعقود مع نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض قبل حرب الانفصال، لنقل مواد إلى عدن عن طريق البحر، كونه تاجر استيراد وتصدير، وبعد انتهاء الحرب تم العثور على تلك الوثائق التي كانت موقعه بينه وبين البيض، فقبض عليه، واتهم بالتواطئ مع قادة الانفصال، وأودع السجن، وتم الحجر على أمواله في البنك، والتي تصل إلى 85 مليون دولار، ومنذ ذلك الوقت في العام 1994م وهو في السجن، وأصدرت له أوامر بالإفراج عنه مقابل دفع مبلغ سبعمائة ألف ريال ونظراً لعجزه عن دفع المبلغ ظل داخل السجن ليقضي ما تبقى من عمره.
وهذه الحالة تشابه حالات كثيرة ممن دخلوا السجن على ذمة قضايا مالية، فلا أفرج عنهم كي يخرجوا الى الواقع، ويتمكنوا من تسديد ما عليهم من التزامات مالية، ولا أحيلوا إلى المحاكم لتصدر أحكامها بحقهم.
شخص آخر سٌجن منذ أكثر من أربعة أشهر بعد عجزه عن دفع مبلغ 30 ألف ريال، اقترضها من أحد الأشخاص، وحكم القاضي بتسديد المبلغ مقابل الإفراج عنه، ومع ذلك ظل داخل السجن لا يستطيع الخروج منه إلا بدفع المبلغ، فكيف يدفعه وهو داخل السجن؟!
اقترح أحدهم تجميع المبلغ من السجناء عن طريق التبرع الشخصي، كلاً حسب استطاعته، لكن لم ينجح ذلك بسبب الوضع المالي لغالبية السجناء، علق أحدهم بالقول: "يستطيع القاضي دفعها من راتبه الشخصي، أو إيجاد صيغة قانونية تمكنه من صرف المبلغ من خزينة الدولة" لكن للأسف لم يحدث ذك.
القصة التي تألمتُ لها كثيراً هي قصة أحد السجناء في سجن المعلمي الاحتياطي، والذي أصيب بحالة نفسيه جعلته يهذي، ويرى في أي شخصين يتكلمان وينظران إليه أنهما يتحدثان عنه.
هذا الشخص بحسب السجناء الذين عايشوه لفترة طويلة، قام غرماؤه في حوش المحكمة بالتهجم على والدته وشقيقاته وإزالة البالطوهات عنهن وهو يشاهد، فأصيب بصدمة نفسه جعلته يعتقد أن من يتحدثون بجواره يتحدثون عنه، ويشعر أنهم ينتقصون من رجولته، كونه لم يفعل شيئاً لمحارمه، فتراه يستيقظ نصف الليل ويبكي مطالباً بإخراجه، خاصة إذا لاحظ الهمس أمامه من الأشخاص الذين معه في ذات العنبر، وإذا ما عاد إلى رشده يجلس بجوارك ويخاطبك بقوله أنا راجل وهؤلاء مش رجال.
اكتوى الرجل بحريق السجن، وتحول إلى شبه مجنون، والتزم الصمت، ولا ينطقه إلا حوار الأشخاص بجواره، عندما يظن أنهم يتحدثون عنه، غرماؤه خارج الأسوار، ووالده مسجون بالسجن المركزي، وهُتك عرضه، وتحول إلى مريض نفسي، ومع ذلك قضى في السجن الاحتياطي فترة طويلة.
عندما أُطلق سراحه ظل خارج العنبر الذي خرج منه يبكي كالطفل، فلم يكن يملك في جيبه ريالاً واحداً كي يتمكن من السفر إلى أهله.
إصلاح القوانين
أمام هذا الوضع العبثي من القوانين الجامدة والشائخة، وأمام القصور الواضح في أداء النيابة والقضاء، والمعاناة التي يدفع ثمنها السجناء، يبدو من الضرورات العاجلة والملحة البدء بإصلاح منظومة القوانين اليمنية في مجال القضاء وأعمال النيابات، وإدخال التعديلات عليها، وتحديثها بمواد جديدة، تعزز كرامة الإنسان، وتنتصر لحقوقه، وتتضمن الأحكام القانونية التي تحاسب وتشدد العقوبات على من ينتهكون حياة الناس، وتسقط كل المواد التي تحصنهم وتبعدهم عن المساءلة والملاحقة القانونية، وتفصل تفصيلا دقيقا إجراءات التقاضي والعقوبات وما يرافقها من خطوات، انطلاقاً من التغيرات الجديدة في حياة المجتمعات، ومواكبة للتشريعات العالمية التي وضعت حدودا وفصولا قانونية لكل مناحي الحياة الإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.