منذ أيام واليمن يعيش على وقع حروب مصغرة في المناطق الجنوبية والشمالية من البلاد، في الأولى خاض ويخوض الجيش معارك شرسة ودامية ضد عناصر تنظيم القاعدة، وفي الثانية يدافع الجيش عن سيادة دولة تريد جماعة الحوثي أن تقوضها عبر الهجوم المنظم للاستيلاء على محافظة عمران، البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء . لا أحد يخفي حقيقة الأوضاع الهشة التي يعيشها اليمن منذ بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغيير نظام الحكم عام ،2011 التي توجت بخروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الحكم، برعاية من دول مجلس التعاون الخليجي ودعم دولي، إلا أن من احتكموا إلى المبادرة الخليجية لم يستوعبوا أن اليمن مقدم على استحقاقات داخلية وخارجية مختلفة بعد التوقيع على المبادرة . صحيح أن جماعة الحوثي والحراك الجنوبي والقاعدة لم يشاركوا في المبادرة الخليجية، لكن الجهود التي بذلها الرئيس عبدربه منصور هادي أفلحت في إقناع الحوثيين والحراك الجنوبي بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، الذي يعد واحداً من أرقى الأعمال السياسية في تاريخ اليمن، والذي جنب البلاد مزيداً من الخضات العنيفة بعد أن اقتنع الجميع بأهمية الحوار للخروج من الأزمات التي يعانيها اليمن منذ عشرات السنين . مع الأسف لم يستوعب البعض تعقيدات مرحلة ما بعد مؤتمر الحوار، وعوضاً عن تطبيق نتائج المؤتمر، بخاصة لجهة التخلي عن السلاح الثقيل والمشاركة في العملية السياسية، ذهب إلى حد تحدي الدولة والاستقواء عليها مستغلاً رغبة الرئيس هادي بعدم إدخال البلد في أتون مواجهة مسلحة شاملة مع الأطراف التي تريد فرض أمر واقع عبر السلاح . يدرك الرئيس هادي أن الدخول في مواجهات مسلحة مع من يريدون فرض توجهاتهم بقوة السلاح لن يخدم سوى أعداء اليمن داخلياً وخارجياً، وقد ظهر ذلك من خلال توسيع تنظيم القاعدة لتواجده في المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، وكان التأخير في حسم المواجهة مع التنظيم كفيلاً بإدخال البلاد في دوامة من العنف لن يتمكن من السيطرة عليها لو تأخر هذا الحسم. وعوضاً من أن يساعد الحوثيون الرئيس هادي على تطبيع الأوضاع في شمالي البلاد، قرروا فتح حرب جديدة مع الجيش في محافظة عمران في إطار رغبتهم في أن يكون لهم اليد الطولى في المناطق الشمالية . ومنذ أكثر من أسبوعين تتوالى هجمات الحوثيين على مواقع الجيش في عمران بهدف إسقاطها، ما دفع الرئيس هادي إلى استخدام سلاح الطيران لمنع مخطط إسقاط البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء، بخاصة أن هادي سبق أن حذر الحوثيين قبل نحو أسبوع بالقول إن "أمن عمران من أمن صنعاء" . من هذا المنطلق يجب أن تتداعى الأحزاب والفاعليات السياسية لإيجاد حل سريع ونهائي لمعارك عمران واحتواء تداعياتها المدمرة .