"ثم زار سوسو، حاكم مدينة الضرار، كهنة الربع العلويين، كبيرهم أبكم، والآخر من فئة الزواحف، وصغيرهم من فئة الخنازير، وباركوا له نمو أنيابه المتعطشة للدماء، ووعدوه بمزيد من الحشرات البشرية المتآخية ليستقر حكمه". سينبيه أمورتو – من توافه الأدب الكوري شمالي لا شك أنك عزيزي القارئ اعتبرت العنوان يحمل نوعًا من التناقض، فكيف يتوب المرء من أمر حسن كالإصلاح على سبيل المثال! ولكن لا تستعجل يا عزيزي، فعليك قبل كل شيء أن تؤمن بالنسبية في كل شيء، فلا يوجد قيمة مطلقة لدى البشر، بل كل شيء نسبي، حتى الإصلاح سيصبح نسبيا. الإصلاح هو الإفساد عزيزي القارئ، فما تعتبره أنت إصلاح لأجل ارتقاء الأمة ورفعتها، هو إفساد للحكام و"لولاة الأمر"، ومن الضلال تقديم الأمة على مصالح الحكام وولاة الأمور، فكما يقول لنا الحكام ليل مساء، إن وجودهم ليلة واحدة في حياتنا حتى لو كانوا ظلمة، خير من أربعين سنة بدون وجودهم. هكذا يجب أن نكون. علينا عزيزي القارئ أن نسعى لعدم الإفساد على الحكام وتجريدهم من سلطاتهم ومكاسبهم التي يتمتعون بها، فالسلطان هو ظل الله في الأرض كما يقول لنا علماء الحكام، ومن وهبه الله هذا السلطان لا يجوز لنا الاعتراض على قدره تعالى في منحه لهم هذه المزايا. ولا تردد شبهات علماء الأمة الذين يقولون لك "نفر من قدر الله إلى قدر الله" بالتنغيص على حياة الحكام وما يسمونه الإنكار عليهم، وينسون أن الحاكم يحكم بأمر الله، والنصيحة له بالسر وبالهمس، هذا مع افتراض أن الحاكم يحتاج إلى نصيحة الغوغاء من الناس الذي لا يدركون بواطن الأمور. إننا يا عزيزي القارئ نعيش في هذه الحياة الدنيا وهي دار ابتلاء، وتدافع الخير والشر من سننها التي لا يمكن تغييرها، فمن أنت أيها العامي الغوغائي الذي تريد مواجهة سنة الحياة وتغيير مسيرتها. فالآخرة هي دار البقاء والدنيا كما نعلم هي دار فناء. إنك بمحاولتك إفساد حياة الحكام، وبزعمك تريد الإصلاح، إنما تتدخل في الحكم على الناس، وكأنك بذلك تدخل في شبهة كفرية والعياذ بالله، أفلم تسمع بحكمة "دع الخلق للخالق"؟ فإنك إن لم تدعهم للخالق فإنك تقع في تهمة كفرية حيث أنك بزعمك تقوم بدور الإله –أستغفر الله العظيم-! ثم إنك يا عزيزي تحاول جاهدًا بث أفكارك الإفسادية بين الناس، فعليك هجرهم وترك مخالطتهم، فأنت محكوم عليك بالفسوق والبدعة، ولا تجادل في وجهة نظرك وطريقة تصورك للأمور، فما يقوله قضاة الحكام وعلمائهم هو الحق وهو الصواب، وما تعتقده من نفسك فهو من الشيطان. ألم تفهم المعادلة حتى الآن؟ نعم إن الحكام ظل "الله" وإن دعوتك هي نزعة "الشيطان". عزيزي القارئ لا تتذمر ولا تحتج إن حوسبت على إفسادك الذي تسميه دعوة الإصلاح، فإن الحاكم قد جعل له عونة على جلب الخيرات له من قضاة وعسكر وكُتَّاب إعلام، وإنه من حقه أن يفعل ذلك، بل يجب عليه فعل ذلك، فلا يمكن ترك الناس لهؤلاء المفسدين في الأرض. إن المفسدين الذين يظنون أنهم يدعون للإصلاح بشعارات من قبيل "محاربة الفساد" يجب أن يُجتثوا من الأرض، بل يجب أن تُسحق جماجمهم! تخيل عزيزي القارئ أن هؤلاء المفسدين يزعمون أنهم يحارب الفساد! سبحان الله لقد تغيرت المفاهيم علينا فأصبح الإفساد إصلاحًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. هؤلاء المغرر بهم يغرقون في الماديات عزيزي القارئ، فهم يطوفون حول الأموال، ويريدون أن ينتزعوا من الحكام أموالهم التي رزقهم الله إياها، فلا يعلمون أن المال مال الله يرزقه من يشاء، وهؤلاء ينازعون هؤلاء الحكام في أرزاقهم وأموالهم، فبرأيكم.. أليسو لصوصًا؟ فلتتأمل عزيزي القارئ في مآلات هذه الدعوات التي تزعم الإصلاح، إنها تريد أن يتعلق الناس بفتات الدنيا، وأن يتركوا دينهم وعباداتهم التي تعلمهم القناعة بما في أيديهم، والزهد بالماديات، إلى التعلق بها والصراع عليها. ألا ترون كيف يتقاتل الناس في سوريا والعراق وليبيا على ما يسمونه حرية؟ هذه الحرية التي أصبحت شعار العصر ومدخل الفساد للدين. فلنتوجه أعزائي القراء إلى ولاة أمرنا، ولنقدم بين أيديهم قرابين الخضوع، ولنعلنها توبة صريحة صادقة من كل دعوة ومطالبة بحقوقنا، ولنعترف لهؤلاء الولاة بأن من حقهم أن يسحقونا ويسجنونا ويحاكمونا إذا ما ضايقناهم في عيشهم الرغيد وأنكرنا عليهم بطشهم الشديد. ورسالة إلى رجال جمعية "حسم" الإصلاحية.. رسالة إلى الحامد والقحطاني والرشودي والخضر والبجادي والحربي.. وكل إصلاحي يدعو لحقوقنا.. رسالة إلى وليد أبوالخير وكل الرفاق في السجون.. عليكم التوبة، فدعوتكم تعطل عجلة تنمية أرصدة السلاطين في البنوك، وتشكك الناس بدين الحكام، وتفضح تناقض علمائهم، وتكشف الوجه الكالح لقضاتهم. إنكم تغيرون مفهوم التدين لدى الناس، فتريدون دينًا فاعلًا في حياة الناس، ويدعو لعمارة الدنيا، ويرفض التدين السلبي الذي يترك الحكام وشأنهم في اغتصاب حقوق الأمة. وهذا بلا شك من أخطر الدعوات. هيا قدموا قرابين الخضوع، وأعلنوها توبة نصوحًا من هذه الدعوات الفاسدة التي سميتموها دعوات إصلاحية! ** ** ** هامش: عزيزي القارئ، ما قرأته أعلاه من قبيل الهراء الحكومي الذي يجب أن ترميه في أقرب سلة مهملات.