قال الكاتب والسياسي اللبناني خير الله خير الله إن سيطرة الحوثيين على مدينة عمران يعتبر تطوّرا في غاية الأهمية على الصعيد اليمني، ومنعطفا تاريخيا في هذا البلد المهمّ بسبب موقعه الإستراتيجي أوّلا وحضارته القديمة ثانيا وأخيرا. وأكد خير الله، في مقال له، أن الحوثيين -الذين هم في نهاية المطاف لواء في "الحرس الثوري" الإيراني عناصره يمنية- أثبتوا أنّهم باتوا قوّة عسكرية قادرة على هزيمة الجيش اليمني. وأضاف : «جاء انتصار الحوثيين في عمران على اللواء 310، بكلّ ما يرمز إليه، والذي يعدّ بين أفضل ألوية الجيش اليمني تجهيزا ومن أكثرهم عديدا. واللواء بقيادة قائد عقائدي (من الإخوان) معروف جدّا هو العميد حميد القشيبي، والقشيبي، الذي يُعتقد أنّه قضى في المواجهات، من المحسوبين على اللواء علي محسن صالح الأحمر قائد الفرقة الأولى المدرعة سابقا والمستشار العسكري للرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد سعى عبد ربّه منصور، حتّى ما قبل سقوط عمران، إلى اللعب قدر الإمكان على حبال التوازنات بغية تأكيد قدرته على ممارسة دور محوري على الصعيد الوطني». وأوضح أن عبد ربّه منصور استخدم سلاح الجوّ، الذي في إمرته، بين حين وآخر لدعم القوة العسكرية التي كانت تدافع عن عمران والمرتفعات المحيطة بها والتي لديها قيمة استراتيجية كبيرة، مشيراً إلى أن تلك القيمة تتجاوز صنعاء نفسها ومطارها لتشمل كلّ الشمال اليمني، خصوصا محافظة صعدة نفسها، معقل الحوثيين، والتي باتت تتمتع بنوع من الحماية العسكرية القويّة لكلّ الطرق المؤدية إليها من العاصمة، منوهاً بأن صارت صعدة هي التي تؤثر على صنعاء وليس العكس. وأردف : «في السنوات القليلة الماضية كانت مواقع عسكرية معيّنة في صعدة موضوع المفاوضات بين الحوثيين والسلطة المركزية في صنعاء. كان الخلاف على تلّة هنا وأخرى هناك ومن سيكون في هذا الموقع أو ذاك»، مستدركاً : «الآن صارت الحرب على أبواب صنعاء وليس مستبعدا أن تصير في داخلها يوما. يمكن أن يحصل ذلك في حال طرأ تغيير على الإستراتيجية الحوثية التي تقوم على التحكّم باقليم يضمّ محافظات صعدة والجوف وحجة. مثل هذا الإقليم في حاجة، كي يصبح مستقلّا فعلا، إلى ميناء ميدي على البحر الأحمر. وهذا الميناء يقع في حجة وليس في أي مكان آخر واستيلاء الحوثيين على حجة ليس نزهة بسبب التركيبة السكّانية ذات الطابع القبلي للمحافظة». واستطرد الكاتب اللبناني قائلاً : «ولذلك، كانت الفكرة في الأصل استخدام عمران لمقايضتها بميدي. هل تزداد شهية الحوثيين الآن بعد حصولهم على كمية كبيرة من الأسلحة كانت في حوزة اللواء 310 الذي كان يمتلك نحو ثمانين آلية وفي معسكري الأمن المركزي والشرطة العسكرية»؟. ولفت إلى أن الإصلاح وعلي محسن صالح الأحمر وأبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كانوا من كبار الخاسرين في عمران، موضحاً أن محسن لم يستطع إرسال مساعدات إلى لواء كان يعتبر بإمرته. وتابع : «باختصار شديد، خسر الذين طوقوا علي عبدالله صالح ورفعوا شعارات "الربيع العربي" كلّ ما جنوه بعدما نقلوا المواجهة إلى داخل اسوار صنعاء التي أصبحوا أسرى لها. أصبحوا صراحة أسرى هذه الأسوار بعدما كان اليمن كلّه لهم يسرحون ويمرحون فيه»، مستفيضاً : «بعد معركة عمران، لم يعد من شكّ بأنّه بات على القوى الإقليمية، على رأسها المملكة العربية السعودية التي لديها حدود طويلة مع اليمن، أن تأخذ في الإعتبار أنّ ايران صارت موجودة في هذا البلد أكثر من أي وقت. يتكرّس الوجود الإيراني، عبر الحوثيين، في ظلّ نظام ضعيف وحكومة عاجزة حتّى عن معالجة أي جانب من الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والأمنية التي يمرّ بها اليمن». وتساءل خير الله قائلاً : «ماذا سيفعل الحوثيون بانتصارهم؟، هل يغامرون بالدخول في متاهات صنعاء؟، علما أنّهم موجودون فيها بقوّة منذ فترة طويلة، بعد تعزيز المواقع التي استولوا عليها». وفيما أكد أن الإصلاح سيسعى إلى تعويض ما خسره في الشمال بزيادة وجوده وتعزيزه بقوة في الوسط الشافعي، أشار إلى أن علي عبدالله صالح سيظل في موقع المتفرّج، أقلّه في المدى المنظور، مردفاً : «فقد تبيّن لخصومه، قبل مؤيديه، أن المحاولات التي استهدفت التخلص منه ثمّ تقليم أظافره إرتدّت على أصحابها الذين أرادوا الهرب من الواقع عن طريق ايجاد عدو وهمي… ارضاء لطموحاتهم المرتبطة بالإستحواذ على السلطة». وبيّن أن مشكلة اليمن تتمثل في أن مشاكله لا تنتهي كما أنّ لا حدود لها، وأنها ممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حيث الشعور بضرورة العودة إلى الإنفصال يتعمّق يوميا. ومضى قائلاً : «لا وجود حتّى لحكومة قادرة على صرف المساعدات في حال توافرها ولا وجود لقوات تستطيع بالفعل التصدّي لإرهاب "القاعدة" وغير "القاعدة"، حتى لو وجد من يدرب هذه القوات ويوفّر لها المعدات الحديثة اللازمة لذلك». واستدرك : «في اليمن، لم تعد الأزمة أزمة الوحدة ولا أزمة النظام الذي سقط يوم قبل علي عبدالله صالح المبادرة الخليجية وغادر دار الرئاسة، بعد سقوط صيغة "الشيخ والرئيس"، أي الحلف الذي كان قائما بينه وبين عبدالله بن حسين الأحمر وعلي محسن صالح الأحمر». وزاد : «في الماضي القريب، كان هناك بحث عن صيغة جديدة للدولة. عثر مؤتمر الحوار الوطني على صيغة "الدولة الإتحادية" ذات الأقاليم الستّة. لم يعد لهذه الصيغة وجود يذكر. بكلام أوضح، لم تعد هذه الصيغة قابلة للتطبيق في حال بقي الحوثيون في عمران أو سمح لهم بوضع اليد على ميناء ميدي أو ظلّوا على أبواب صنعاء، هذا إذا لم يدخلوها. لم يعد لهذه الصيغة من وجود في حال بقي الوضع في الجنوب على حاله متأرجحا بين من ينادي بالكونفيدرالية ومن يطالب بالإنفصال… ومن يسعى إلى إقامة دولة مستقلّة في حضرموت في ظلّ انتشار "القاعدة" وحال الفلتان على طول الحدود». ونوه بأن هناك لاعبون جدد كثر، على رأسهم ايران، دخلوا الساحة اليمنية في ظلّ غياب للسلطة المركزية القادرة في أسوأ الأحوال على الإستجابة للحدّ الأدنى من مطالب المواطنين، مؤكداً أن هناك الدولة انهارت وقد وجد من يستغلّ هذا الإنهيار إلى أبعد حدود على الصعيد الداخلي من جهة وبما يمكن أن يهدّد الأمن الخليجي في المدى الطويل من جهة أخرى.