حين تحاول التكتلات القفز على الواقع: قراءة سياسية وقانونية في خطاب استنساخ الماضي .    مئات الوقفات في صعدة بمناسبة عيد جمعة رجب وانتصارا للمقدسات    سوريا: ارتفاع حصيلة انفجار مسجد في حمص إلى 8 قتلى و27 جريحًا    الذهب يقفز لمستوى قياسي جديد    بتوجيهات قائد الثورة .. اطلاق 21 سجينا من "الحربي" بمناسبة جمعة رجب    شاهد / حضور كبير لاحياء جمعة رجب في جامع الجند بتعز    السيّد القائد يحذر من تحركات "طاغوت العصر"    الرئيس المشاط يعزي عضو مجلس النواب علي الزنم في وفاة عمه    ندبة في الهواء    نتنياهو يعلن في بيان الاعتراف بإقليم انفصالي في القرن الأفريقي    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    مقتل مهاجر يمني داخل سجن في ليبيا    في بيان صادم للشرعية: قطر تدعم التهدئة في اليمن وتتجاهل وحدة البلاد وسلامة أراضيه    عاجل : بيان مهم صادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    إعلام الانتقالي: طيران حربي سعودي يقصف هضبة حضرموت وقوات النخبة تسيطر على المنطقة    احياء مناسبة جمعة رجب في مسجد الإمام الهادي بصعدة    ريال مدريد يعير مهاجمه البرازيلي إندريك إلى ليون الفرنسي    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات ونصائح للمزارعين ومربي الماشية والنحل والدواجن    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    طيران العدوان السعودي يستهدف "أدواته" في حضرموت وسقوط قتلى وجرحى    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة تحت النار (11)
نشر في الخبر يوم 20 - 07 - 2014

إنها معركة الكرامة من جديد، والفيصل بين الحق والباطل مرةً أخرى، فطوبى لمن كان من المقاومين أو وقف معهم، وساندهم وأيدهم، وساعدهم وأعانهم، وانتصر لهم وخذل عنهم، وأمدهم أو دعا لهم، في الصلاة أو في جوف اليل، وكان جندياً معهم في السر أو العلن، في الميدان أو خارجه، بالسلاح أو بالقلم، بالدم أو بالكلمة، بالموقف أو بالبيان، بالتصريح القاطع، أو بالتعبير الساطع، في السياسة أو في الإعلام، بين العرب أو عند الغرب، ولدى الأخوة والأشقاء، وعند الخصوم والأعداء، فهذا يومٌ ينبغي أن يمتاز فيه الحق وأهله، وأن تبين فيه المواقف، وتنكشف الحقائق، وتظهر طباع النفوس، وخبايا القلوب، ويبرق فيها معدن الرجال.
المقاومة اليوم هي الشرف والكرامة، وهي الحامي والواقي، وهي القلعة والحصن، والسور والجدار، وهي التي تقاتل وتدافع، وهي التي تصد وترد، وهي التي تصنع الهيبة، وتحافظ على الهوية، وهي التي ترفع الذكر، وتبقي على الوجود، وتصون البلاد وتحفظ الحدود، وهي التي تضع حداً للعدو، وتحول دون اعتداءاته، وتمنعه عن مغامراته، وتجبره على التردد والإصغاء، والتفكير والحساب، وبدونها ذلٌ وصغارٌ، ومهانةٌ واحتقار، وتفريطٌ وضياع، وتخلي وتولي، وضعفٌ وخور، وخضوعٌ وخنوعٌ واستكانة.
لا عذر اليوم لمن لا يقف إلى جانب المقاومة وينتصر لها، ويحول دون سقوطها، ويعمل دون هزيمتها أو انكسارها، فالأعداء والخصوم يرومون بها شراً، ويحيكون لها سوءاً، ويدبرون لها مكيدة، وقد اجتمعوا ضدها، وتآمروا عليها، واتفقوا بليلٍ على ما يضرها، إذ يريدون أن يجردوها من سلاحها، ويحرموها من خير ما عندها، ويسقطوا من يدها سيف الشرف، ليعود الفلسطينيون ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، ولا سلاح عندهم ولا منعة، يتسولون الدول، ويسألون الأمم الحاجة والمساعدة، بينما يصعرون الخد للعدو، ويخفتون في حضرته الصوت، ولا يقوون على المطالبة أمامه بحق، وهو الذي شعر بقوة المقاومة وقدرتها، وأنها في صعودٍ دائم، تتحدى وتواجه، وتهاجم ولا تخاف، وترد ولا تتردد.
إن من يتخلى عن المقاومة اليوم، إنما يتخلى عن الوطن، ويترك الشعب وحده نهباً للعدو، يعتدي عليهم ويقتلهم، ويعتقلهم ويظلمهم، ويغتصب حقوقهم ويصادر أرضهم، ويحرمهم من مستقبلهم ويضيق عليهم في وطنهم، فلا يوجد حرٌ شريف، صادقٌ مخلصٌ غيور، ينتمي إلى شعبٍ ووطن، وعنده انتماء ونسب، وله في الأرض جدٌ ووالدٌ وولد، وفي ترابها له نسيبٌ وقريبٌ وحبيب، يقبل أن يسلم لعدوه، أو أن يتخلى له عن سلاحه، أو يتآمر معه على شعبه وأبناء وطنه، وهو يعلم أن هذا العدو غاصبٌ وماكر، وكاذبٌ ومخادع، وأنه لا يتمنى لهذا الشعب خيراً، ولا يسعى لصالحه في شئ.
لا عذر لمن يتخلف، ولا تبرير لمن يقصر، ولا غفران لمن يخون ويفرط، ولا ينتظر من يساوم عدوه، ويفاوض قاتل شعبه، ليكون معه ظهيراً ونصيراً، وسنداً ويداً ومعيناً، أن يغفر له شعبه هذه الجريمة، وأن يتجاوز له عن هذه الخيانة، وأن يصدقه إن نصح، أو يصغي له إن فسر وبرر، أو قدم عذره ووضح، بل إن عدوه لن يحترمه ولن يقدره، وسينظر إليه على أنه خائنٌ لشعبه ووطنه، ومن يخون أهله لا ثقة فيه، ولا أمان له، ولا يخدم عدوه، بل إن يوم التفريط به قادم، ويوم التخلي عنه والاستغناء عن خدماته ليس ببعيد.
المقاومة ليست ضعيفة، وقد أثبتت أنها قوية، وأن تؤذي وتضر، وتجرح وتقتل، وتخيف وترعب، وتهدد وتتوعد، وتعد وتفي، وتصل وتطول، ولا يفلت من يدها أحد، لطول باعها، وقوة ساعدها، ومتانة صفها، وبراعة رجالها، ومضاء سلاحها، وعزم أهلها، وإرادة أبنائها والمنتسبين إليها.
إنها المقاومة تستصرخ شعبها وأهلها، الشرفاء والرجال، أبطال التاريخ وصناع المجد، أصحاب الشعلة ورواد العاصفة، الطلقة الأولى والشرارة المدوية، ألا يسمحوا لأحدٍ أن يعبث بمقاومة هذا الشعب، وألا يقبلوا بتمرير أي اتفاقٍ يجيز نزع السلاح، وتجريد الشعب من قوته، وحرمانه من حقوقه وانجازاته، فهذه أمانةٌ على عاتق الأولين، الذين سبقوا بالمقاومة وكان لهم شرف الطلقة والشرارة، أن ينتصروا لها، وأن يقفوا إلى جانبها، فهي امتدادٌ لتاريخهم، ووصلٌ لمستقبلهم، وهي حفظٌ لوجودهم، وبقاءٌ لاسمهم، ورفعٌ لرايتهم، فإن من حافظ عليها بقي، ومن تركها وتخلى عنها زال ونسي واندثر.
الهدنة الإنسانية هي آخر شئ ممكن أن يتصوره الفلسطينيون من العدو الإسرائيلي، فهذا عدوٌ لا يعرف الرحمة ولا يؤمن بالإنسانية، ولا تسكنه المودة، ولا يعيش في ذهنه الخير، ولا يتوقع منه الآخرون سلاماً أو أماناً، ولا ينتظرون منه وفاءً أو احتراماً، إنه قاتلٌ أبداً، ومجرمٌ دوماً، لا يتوقف عن القتل والإجرام إلا ليستأنفه من جديد، أو ليبحث عن هدفٍ آخر وضحيةٍ أخرى.
العدو الإسرائيلي يقتل بدمٍ بارد، ولا يؤنبه ضميره إن قتل، ولا يشعر بندمٍ أو بحزنٍ إن هو سفك الدماء، وارتكب المجازر، وأثخن الجراح، وهو يشعر بمتعة قتل العرب، ويرى في قتلهم رفعة بين قومه، ورضاً لربه، وسعادةً لأمه، التي يبش وجهها إن عاد إليها ابنها المجند يبشرها أنه قتل عربياً، وسعادتها ستكون أكبر لو أنه قتل أكثر، ولا يهمها من قتل، وإن كان يسعدها أن يكون قربانه طفلاً أو صبياً صغيراً، فقتل الأطفال عندهم متعة وعبادة، وسلوكٌ وعادة، وتقليدٌ واتباع.
الإسرائيليون لا يقبلون بالهدنة الإنسانية، أو بوقف إطلاق النار المؤقت إلا لأحد سببين، ليس منها أبداً أنه إنساني، ويحترم القوانين والأعراف، وأنه يستجيب للمبادرات الدولية، وجهود الوساطة الإقليمية، وأنه يقدر حاجات المواطنين والسكان، وأنه يحاول أن يوقف إطلاق النار ليمكنهم من شراء حاجاتهم، وتوفير ضروريات العيش في ظل المعارك والقتال، خوفاً عليهم من المجاعة والحاجة، أو حرصاً على الأطفال الرضع والنساء الحوامل، والمرضى والمسنين، وكل من هم بحاجةٍ إلى رعاية ومعاملةٍ خاصة.
إنهم لا يقبلون بالهدنة أو بالتهدئة إلا إذا شعروا أنهم بحاجةٍ لها، وأن مصالحهم قد تضررت، وأن سمعتهم قد ساءت، وأن حياة مواطنيهم أصبحت في خطر، وأن الأمر بات يتطلب وقفاً لإطلاق النار لوقف الخسائر، وتجنب المزالق، وترميم الأضرار، ورتق الخرق إن اتسع عليهم، ولم يعد عندهم قدرة على تحمله، خاصة إذا تعذر عليهم هزيمة الخصم، وكسر إرادته، وإملاء شروطهم عليه، وإكراهه على القبول بها، والنزول عندها، تحقيقاً للنصر الذي يدعيه، أو خوفاً من أن تنقلب الأمور عليه، فيحقق الخصم عليه نصراً، ويوقع به هزيمة، ويجبره على التراجع عن شروطه، والتنازل عن أهدافه التي وضعها لعدوانه.
في هذه الحالة يلجأ العدو إلى الوسطاء، ويحرك الحلفاء، ويطلب منهم العمل على فرض هدنة، أو طرح مبادرة، لإنقاذه من الخطر، وإخراجه من أزمته، ووضعِ حدٍ للخسارة التي مني بها، وهو يقبل بها وإن بدا أمام الخصم والآخرين أنه رافضٌ لها، وغير راضٍ عنها، إلا أنه في النهاية يوافق عليها، ويلتزم بها، خاصةً أنه غالباً الذي يضع شروطها، ويحدد بنودها، أو يكون شريكاً في صياغتها، وحاضراً عن اقتراحها.
أما السبب الثاني الذي يدفع بالعدو للقبول بالتهدئة، والموافقة على الهدنة الإنسانية المؤقتة، فهو حاجته إلى أهدافٍ جديدة، فنجده يلجأ إليها عندما ينضب بنك الأهداف عنده، ويعجز عن الوصول إلى أهدافٍ حقيقية موجعة في صفوف الخصم، في ظل حالة الحذر الشديدة والحيطة العالية التي يلتزم بها المقاومون، إذ يغيب المطلوبون والنشطاء عن الأنظار، ويمتنعون عن استخدام الهواتف ووسائل الاتصال، في الوقت الذي يحسنون فيه إخفاء وتمويه مقراتهم ومستودعات السلاح، ومخازن الصواريخ، وغير ذلك من الأهداف الحقيقية التي يعمى العدو عن الوصول إليها في ظل استمرار المعارك.
يطمع العدو الإسرائيلي في ظل الهدنة، ووقف إطلاق النار، أن يتخلى المقاومون عن بعض سلوكهم الأمني، وحذرهم الشديد، فيخرجون من مكامنهم، ويظهرون أمام العامة، أو يقومون ببعض الأنشطة، أو يتفقدون بيوتهم ويزورون أسرهم، الأمر الذي يمكن العدو من متابعة وتحديد أماكنهم، تمهيداً لاستهدافهم وقتلهم، وقد نجح العدو الإسرائيلي للأسف في الوصول إلى بعض القادة السياسيين والعسكريين خلال الهدنة، أو بعدها بقليل، وهو ما كان يصعب عليه تحقيقه في ظل استمرار القتال.
لا يتورع العدو الصهيوني أن يستهدف أحداً خلال الهدنة، أو أن يقصف هدفاً، إن أتيحت له الفرصة، فهو ليس محترماً ولا شريفاً، ولا يلتزم بهدنة ولا يضبطه إتفاق، ولكنه صيادٌ ماكرٌ خبيثٌ مخادع، يختلق الوسائل والسبل، ليتمكن من استدراج فريسته، أو تطمين ضحيته، ثم يغير عليها في وقتٍ يشعر فيه المقاومون بالأمان والطمأنينة، ولا يتوقعون أن يخترق العدو الهدنة لاقتناص صيدٍ أو ضرب هدف، ولكن التاريخ أثبت لنا أن العدو الصهيوني يستغل الهدنة في الرصد والمتابعة، وجمع المعلومات وتعقب الأشخاص، أي أنه لا يلجأ إليها إلا خدمةً لأهدافه، وتحقيقاً لمصالحه.
ينبغي على المقاومة أن تأخذ حذرها، وأن تنتبه إلى عدوها، وألا تنساق وراءه، وألا تستجيب إلى شروطه أو رغباته، وألا تنطلي عليها خدعه ومكره، إذ لا أمان له، ولا صدق عنده، وهو لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة، ولا يحفظ لنا عهداً ولا وداً.
كأن بين الإسرائيليين وأطفال فلسطين ثأرٌ قديم، وحسابٌ متراكمٌ عبر السنين، يصرون على تصفيته بكلِ دمويةٍ وهمجية، ودون رحمةٍ ولا رأفة، وقد منح قانونهم الجائر، حق الثأر والانتقام، وتحصيل الحق المدعى، ورد العدوان المفترى، وصد الخطر المتوقع، للجنود والمستوطنين وعامة المواطنين على السواء، فهو حقٌ يكفله القانون لهم، وتحميهم التشريعات من نتائجه.
فأصبح من حق جنود الاحتلال أن يطلقوا النار بكل بساطةٍ ويسرٍ على أي طفلٍ فلسطيني، دون خوفٍ من مساءلة أو محاسبة، فالقانون معهم وإلى صفهم، ينصفهم ولا يظلمهم، ويبرؤهم ولا يدينهم، بل يحاسبهم إن قصروا، ويعاقبهم إن هم تأخروا عن استخدام القوة والعنف، ضد أي هدفٍ يرون أنه يهدد سلامتهم، ويعرض حياتهم وغيرهم للخطر.
القانون الإسرائيلي أعطى الحق للمستوطنين الإسرائيليين أن يرضخوا رؤوس الأطفال الفلسطينيين بالحجارة، وأن يطلقوا النار عليهم من سياراتهم المارة، وأن يدوسوهم بعجلات سياراتهم المسرعة، وأن يعيدوا الكرة عليهم دهساً من جديدٍ مراتٍ عدة، لضمان قتلهم، والتأكد من موتهم، ولو كان ذلك بتسجيل وتوثيق الإعلاميين، وفي حضرة كاميرات الصحافيين.
وسمح لهم قانونهم الباغي أن يطلقوا النار عليهم إن شعروا بالخطر، وألا يفرقوا أبداً بين طفلٍ صغيرٍ وآخر رضيع، ولعل رجال دينهم وحاخاماتهم، يمارسون القتل بأنفسهم، ويحرضون غيرهم على فعله، ويرون في اعتداءاتهم على الأطفال مفخرة، وأن أفعالهم ضدهم ليست منكرة، ولا هي مستنكرة، ولعل حادثة قتل الحاخام موشيه ليفنغر لطفلٍ فلسطيني، خير شاهدٍ على هذه العقلية الإجرامية اليهودية البشعة.
إنه القانون الذي سمح للمستوطنين بخطف الأطفال الفلسطينيين من أمام منازلهم، أو أثناء العودة من مدارسهم، وغض الطرف عن إيذائهم وتكسير أطرافهم، وتهشيم عظامهم، قبل أن يأذن لآخرين بأن يسكبوا البنزين في جوف فتىً ويشعلون به النار حياً، وينطلق غيرهم نحو طفلٍ آخر ليعيدوا التجربة، ويكرروا الجريمة، لأنهم يعلمون يقيناً أن القانون لن يجرمهم، والمحاكم لن تدينهم، ولن تحكم عليهم، وإن أدانتهم وقضت بحبسهم، فإن قوانين الرحمة، ومحاولات الاستعطاف والتوسل، ومشاريع العفو والإفراج المبكر، كفيلة بإطلاق سراحهم، أو تخفيف أحكامهم، أو تمكينهم من الاستفادة والاستمتاع من قوانين السجون المدنية.
إنه ذات القانون العسكري الصهيوني الذي قتل محمد الدرة وهو بين يدي والده يستغيث ويصرخ، ويحاول الاحتماء بصدر أبيه العاري، إلا أنهم قتلوه أمام عدسات الكاميرات، وعلى مرأى ومسمعٍ من العالم كله، رغم أنه كان في حالة ضعفٍ واستغاثة.
وهو القانون الذي استهدف بقذائف الدبابات الطفل الفارس فارس عودة، والرضيعة إيمان حجو وفرح الحلو، وهو الذي استهدف ببوارجه الحربية الأطفال الأربعة الذين كانوا يلهون على شاطئ غزة، ليتبعهم بثلاثةٍ آخرين كانوا يقفون على سطح منزلهم، وهم الذين قتلوا في حربٍ سابقة على شاطئ البحر أيضاً، سبعةً من أسرة الطفلة هدى غالية أمام عينيها.
إنهم اليهود أنفسهم الذين كانوا في التاريخ، وعاشوا في الأزمنة الغابرة، فكما كانوا يكرهون أطفال غير اليهود ويقتلونهم، ويصفون دمهم في أوعيةٍ ويشربونه، فإنهم ما زالوا حتى اليوم على نفس الطبيعة، وذات الجبلة العفنة، والنفوس المريضة، والحقد المتأصل، والخبث المتجذر، لم يغيروا شيئاً من سلوكهم، ولم يبدلوا طباعهم الشاذة، بل ازدادوا بطشاً وحقاً، وأصبحت آلة القتل عندهم أكثر قسوةً ومضاء، وأكثر عنفاً وإيغالاً، فلا يتأخرون عن قتل الأطفال وغيرهم، ولا يمتنعون عن الإساءة إليهم، وإلحاق الضرر بهم.
لا أدري كيف يصنف قادة العدو الإسرائيلي جيش كيانهم بأنه الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم، وأن جنوده متحضرين وإنسانيين، وأنهم يتمتعون بمناقبية عسكرية عالية، تمنعهم من قتل الأطفال والشيوخ، والإجهاز على المرضى والأسرى، ومهاجمة المدنيين والآمنين، وتحول دون استخدامهم للمدنيين دروعاً بشرية، ومتاريس لصد الهجوم ورد الاعتداء.
بينما الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أو إنكارها، أن جيش العدو يفتقر إلى أبسط القيم العسكرية، وتعوزه أخلاق المحاربين الشرفاء، فجنوده المدججون بكل أنواع السلاح، والذين يحملون أعتى الآلات الحربية، لا يتوانون عن قتلٍ طفلٍ صغير، ولا آخر رضيع، ولا يترددون عن قتل امرأةٍ حامل، أو اجهاضها وقتل جنينها، وقد أزهقوا بغازاتهم السامة، وقنابلهم الدخانية، أنفاس عشرات النساء الحوامل، وقتلوا خنقاً مئات الأجنة في أرحامهن، وتسببوا بموت عشرات الأطفال على حواجزهم الأمنية.
إنه العدو الصهيوني البغيض، تاريخه القبيح مع شعبنا يشهد على الكثير من الصفحات السوداء، والجرائم المريرة التي ارتكبها بحق أطفال فلسطين وصغارها، واليوم تشير الاحصائيات الأخيرة، أنه قتل في عدوانه الأخير على قطاع غزة، خلال عشرة أيام أكثر من ستين طفلاً، وجرح وأصاب بجراحٍ مختلفة ما يزيد عن ستمائة طفلٍ وطفلة، وما زالت آلته الحربية تقتل وتدمر.
لا شئ يشفع عند الإسرائيليين، ولا خير يرتجى منهم، وتكرار التجربة معهم ليست إلا مزيداً من السفه والغباء، وقلة الوعي وضحالة الخبرة فيهم، فبراءة الأطفال لا تمنعهم من القتل، وطهر قلوبهم لا يردعهم عن الإجرام، ونقاء نفوسهم لا يحرضهم إلا على قتلهم واغتيال طفولتهم البريئة، والدوس بأقدامهم الثقيلة على زهرات الحياة الغضة الطاهرة البريئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.