يتسترون خلف كل شيء جميل. فخلف الدين بالتدين؛ وخلف النظام بتطبيق القانون؛ وخلف الوطن بالوطنية, وحقيقة أمرهم شيء آخر, وقد يُدْعىْ أحدهم طاهر وهو نجس أو محسن وهو محتال أو أمين وهو لص أو صالح وهو طالح أو صادق وهو كاذب. قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم السنة العرب, وبالرغم من أنهم يُحسبون على البشر إلا أن أفعالهم تُظهر حقيقتهم الحيوانية، فنشاهدهم على الطبيعة من دون اقفاص أو أسوار وعلى شكل نِمس أو ثعلب أو ضبع أو أبن عرس أو أبن آوى أو ذئب أو ثعبان أو أفعى حتى تشعر انك بينهم في غابة وبين حيوانات مفترسة وخطيرة. البعض منهم لا يمتلك خبرات إدارية أو مهارات لكنه يمتلك حس الصياد ولسان شبيه بمزلجة خشبية أو بساطور الجزار يُرضي به الأعلى منه شأنا.. يلف ويدور كالحية وهو لزج لا تستطيع أن تمسك به أو تأخذ منه حق أو باطل؛ وقد تتفق معه على شيء ويعمل خلافه بدعوى حدوث التباس في فهم مقصدك أو مقصده أو حتى ينكر أنكما اتفقتما على شيء, وقد يتم التبرير وسبب التمسك به أن المرحلة تحتاج لأمثاله ومن على شاكلته, وقد يكون خِرقة أو كفّ يد يتناول به الآخرون الأذى والأوساخ أو حتى يستخدمونه للنباح لمن يُراد إبعاده. لا يخلو من أمثالهم مكتب مسؤول أو صاحب شأن. يتشممون خلف كل جدار ووراء كل شخص؛ ويصغون لكل همسة؛ ويعدون كل هفوة لينقلوها كوشاية بعد إضافة البهارات والحوائج عليها ليصبح الحرف كلمة والكلمة عبارة والعبارة كتاب بمعني أن الحبة تصبح بمعيتهم قبة.. أمثال هؤلاء يستخدمهم علية القوم ليظهر الأخيرون بمظهر الطيبة والبراءة وأن الشر والعلة يأتي من أمثال هؤلاء الذين تحت أيديهم الأقل شأنا الذين يتصرفون دون علمهم ورضاهم. عند أن ينظر إليك تخال عينيه تخترق الحجب وتنظر الى جيوبك وإلى داخلك وتُشْرِّح جسدك؛ وحتى تجزم أنه ينظر إلى سوءتك؛ وهذا الخاطر يجعلني أمد يدي بلا شعور أمامي مغطيا قُبلي مع أحساس أني عاري أمامه لايسترني عنه شيء, وعند أن أجده أمامي فجاءة تكون الفاجعة وأحتار ولا أعرف ما أفعل- بالرغم من حرصي الشديد على تحاشيه والابتعاد عنه إلا للضرورة القصوى- هل أرجع القهقرى ووجهي مقابلا له متعرضا لسخرية زملائي! أم أغامر وأقفي بعيداً عنه! وأنا على يقين من أنه ينظر إلى من خلفي بعينيه التي تشبه أشعة أكس مُخترقا ملابسي متلصلصاً على مناطقي الحساسة, وأخيرا كحل أتكئُ على الجدار بمرفقي ويدي تمتد خلفي متحسسا له وأتراجع ببطيء دالفا لأقرب باب مني وارتباكي يَظهر للكل, وقد لا أستطيع استخدام التكتيك السابق إن كنت قريبا منه عند ذاك على اضطرار واتقاء لحقده أمد يدي إليه مسلما على أن أكون بعيدا عنه قدر المستطاع وكلامي معه مقتضب وبإقتصاد وأسحب يدي سريعا وعلى عجل متفقدا أصابعي ومحصيا لها بيدي اليسرى ابتدأ بالبنصر حتى الإبهام خوفا من أن ينشل أو يصادر إحداهما وأبتعد عنه سريعا متحسساً جيوبي لاماً أطراف كوتي بذراعي واضعا كفَّيْ يدي على جيوب بنطالي بالرغم من أني لا أمتلك شيء أخاف عليه. أحيانا ما أتساءل في نفسي هل أصابعه تشبهنا أم أنها أقرب ماتكون للمخالب فأنا لا أُبقي يدي في يده طويلا؛ فمصافحتي له أقرب ماتكون للمسحة السريعة, هذا الخاطر نقلني لخاطر أخر هل قدماه مثل قدمي الحمار فكما سمعت أن أقدام الشياطين وبخاصة إناثهم تشبه قدمي الحمار. لا يعرفه إلا من خبره, وطيبته المصطنعة التي تظهر على قسمات وجهه سرعان ما تصبح ملامح شيطانية لمن عرفه تزيد من انكشاف أمره شفته العليا التي تشبه منقار النسر المعقوف- الذي يستخدمها كسلاح لتقطيع لحوم الحيوانات الميتة-. ينفتح أن الّتقىْ بالمنفتحين وعلى الجهات الست، هو يساري حتى النخاع ومحافظ حتى الثمالة. ملتزم دينيا. مؤمن وملحد, وهي معادلة لا تحدها قوانين الكيمياء أو الفيزياء ولا يستطيعها إلا من هم على شاكلته. هو ناطق رسمي؛ وشرطي سير؛ وطباخ؛ ومهرج؛ ورجل أطفاء؛ ومهندس معماري؛ وساعي بريد ؛ وهو راقص شعبي- بكلمة عامية مبرعي-؛ وحتى بابا نويل. وبالرغم من أنه لص- يقول فيهم المثل الشعبي يسرق الكحل من العين أو يمص الذبابة ثم يخرجها من فمه حية تسعى- ألا أنه يضفي على نفسه ومهنته صبغة دينية؛ إذ أن الفارق بينه وبين اللص العادي أنه يسمي الله تعالى قبل السرقة ويطلب منه البركة باعتبار غنيمته المسروقة رزق. بينما اللص العادي لايُسمي الله تعالى ولايطلب بركته. هو كمن صام الدهر؛ جاع وعطش حتى بات يرى كل شيء تقع عليه عيناه طعاما أو شرابا. أصبح لديه جوع داخلي. نهم لكل شيء؛ لايقف عند حد معدته فقط. فهو كالثقب الأسود يبتلع كل ماجاوره. لقد جرت نحوه الدنيا محتضنة إياه وانفتحت أمامه طاقة الثراء, فقد اشترى سيارة جديدة, وهاهو يسعى لتغيير زوجته بأخرى تواكب وضعه الإقتصادي الجيد وبمواصفات خاصة تشمل الجنسية والطول والعرض والحجم والعمق والسعة والدرجة اللونية و… و… و… الخ, وتلفونه الريمي(1)- المربوط بإحكام بواسطة مطاط حتى لايتفكك ويذهب شذر مذر- قد غيره بتلفون لمس حديث؛ وإن كان بحاجة إلى أن يُبري رؤوس أصابع يده ليستطيع التعامل معه. الكلمات الدليلية: (1) التلفون الريمي: نسبة لمحافظة ريمة وهي من المحافظات اليمنية الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية نسب اليها احد تلفونات الجيل الاول الذي يتميز بالبساطة والقوة وسعره المتدني.