في الأيام القليلة الماضية، شيع حزب الله اللبناني ثلاثة من أعضائه قال إنهم قتلوا في ما أسماه «مهمات جهادية»، وهو مصطلح غريب لم يعتد عليه الحزب حين كان في حرب مفتوحة مع العدو الصهيوني؛ إذ كانت أسماء قتلاه تنشر بالمهمات التي قاموا بها ضد العدو في جنوب لبنان. ولعل ما يؤكد عدم صدقية ادعاء حزب الله وإخفائه مكان مقتل هؤلاء –وربما غيرهم– أن الثوار في سوريا أكدوا أنهم قتلوا اثنين من حزب الله في بلدة القصير الحدودية السورية بريف حمص، حيث ينشط الثوار للهيمنة على البلدة في إطار صراعهم مع نظام بشار الأسد. أما القتيل الثالث، فقد أكدت مصادر أمنية لبنانية أنه قتل في معركة مع الجيش السوري الحر، فيما لم يفصح حزب الله عن المنطقة ولا الكيفية التي قتل بها، إضافة إلى من سبقاه، حيث أكد الحزب أن احدهما عضو بارز في جناحه العسكري. ربما لم نكن نصدق قبل نحو سنة أن يشارك حزب الله في مواجهة انتفاضة الشعب السوري، ولكن مع ضعف الجيش السوري وسقوط العديد من المدن والبلدات من يده، وتضعضع حكم بشار الأسد –الحليف القوي لحزب الله وإيران- فإن هذه الرواية باتت تحظى بمصداقية عالية، خصوصاً أن الثوار يعتقلون هذه الأيام عددا من ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين جاؤوا لنجدة بشار الأسد، فيما يعمل عدد من قيادات الحرس على توجيه خطط الجيش في مواجهة المعارضة. ويعتقد على نطاق واسع أن جيش القدس الذي يقوده قاسم سليماني -وهو الرجل الثاني في إيران بعد المرشد- هو الذي يشكل القيادة الحقيقية للجيش السوري المفتت الآن، ويحاول استجماع الدعم له من إيران، وحتى من العراق. وبالعودة إلى حزب الله ودوره في سوريا، فإن التحليل المنطقي يقول: إن هذا الحزب سيستجمع كل ما في يديه لإنقاذ النظام السوري المتهاوي، الذي يشكل الداعم الأساسي للحزب في المنطقة العربية، وممر العبور للنفوذ الإيراني في المنطقة، وساحة التزود الأساسية بالسلاح. وإذ يحاول حزب الله أن يبقي النظام السوري حياً وفاعلاً، فإن معطيات الواقع تقول إن هذا النظام زائل لا محالة؛ بسبب فقدانه الشرعية، فضلاً عن ضعف سيطرته على أنحاء البلاد، الأمر الذي يستدعي توجهاً آخر لحزب الله يتمثل بفك الارتباط مع هذا النظام؛ لأن سقوطه على هذه الحالة سيضعف الحزب في لبنان وإقليميا في مواجهة «إسرائيل». إلا أن التفكير في التخلي عن سوريا ليس وارداً على الإطلاق لدى الحزب، بحكم نفوذ النظام في سوريا الذي يشكل له عنصر القوة للحزب في لبنان، بحكم ضعف الطائفة الشيعية التي يعوضها حزب الله بقوته العسكرية والتي تأتي للحزب عن طريق سوريا. وفي المقابل، فإن سقوط النظام في سوريا سيضعف إيران وحزب الله الذي ستتراحع قوته إلى ما يتناسب مع وزنها الطائفي في لبنان. كل هذا يجعل حزب الله بين خيارين أحلاهما مر، ولا يمكنه من التفكير السليم والتمييز بين مصالحه في مكان تواجده الجغرافي والمصالح الإقليمية حوله؛ وبالتالي فإنه يسير نحو خسارة محققة في لبنان، مكبلا بحساباته الطائفية بعد أن تمكن من الوصول إلى عقول وقلوب الناس في المنطقة؛ بفضل صموده أمام العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان عام 2006. إن الخسارة الشعبية للحزب في المنطقة هي مقدمة لخسارته السياسية والعسكرية في لبنان. وهذا الأمر وإن كان لا يسر أي مخلص، إلا أنه يبدو نتيجة حتمية لسياسات قاصرة للنظام الإيراني الذي وضع كل إمكاناته لدعم نظام الأسد المجرم في مواجهة شعبه.