تعد "مكةالمكرمة" و"المدينةالمنورة" أهم مدينتين في العالم الإسلامي، فهل يجب أن يتمتعا بالاستقلال وأن يرفع عنهما نفوذ وسطوة نظام آل سعود وتصبحان مدينتين مستقلتين عن المملكة؟ هذا سؤال يجب أن يطرحه كل مسلم كان شاهدا أو ضحية للمجازر والمآسي التي ارتكبها مسلحون يتسمون بأسماء إسلامية خلال العقدين الأخيرين. واقعية السؤال تأتي من أن الوهابية السعودية، بعقيدتها وتفسيرها الحرفي للقرآن الكريم باتت المرجعية لكثير من تلك الحركات المسلحة التي أدخلت بعض البلدان المسلمة في حروب داخلية، واشتبكت في معارك فكرية أخرى مع الحركات المعتدلة التي لم تلبس الحلة الوهابية. لذلك على كل مسلم وهو متجه إلى مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، عليه أن يتساءل: هل الأموال التي ينفقها في هاتين المدينتين من الممكن أن تؤول إلى دعم دعاة متشددين أو ربما تستخدم في تمويل بعض أعمال تلك الحركات التي يمكن أن يكون من أول ضحاياها مسلمين؟ المفارقة هي أن الوهابية في السعودية تعتمد في تمويلها على أنها تقوم بنشر الرحمة، بينما في الواقع تتسبب في موت الكثيرين. وعلاوة على ذلك، فقد تزايدت الانتقادات الخارجية لسياسات السعودية في الفترة الأخيرة، كما جاء في مقال رئيس الوزراء الفرنسي السابق "دومينيك دو فيلبان" بصحيفة لوموند، والذي اتهم فيه "المملكة الوهابية" بممارسة لعبة خطيرة في الشرق الأوسط قد تنقلب عليها في نهاية الأمر. في كثير من الأحيان، يتصدى البعض لهذا التطرف الفكري، ويقوم بعض المثقفين بانتقاد الدعاة المتشددين عن طريق كتابة المقالات، متخذين أسلوبا دفاعيا في كتاباتهم. واقعيا فإن هذا الأسلوب لا يجدي ولا يصد هجوما فكريا من قبل الأصوليين؛ لأنه كما أن التعليم والثقافة يمكن أن تكون وسيلة جيدة لمحاربة التطرف إلا إنها تخضع في نفس الوقت للمنافسة الشديدة، وخاصة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية وأشرطة الفيديو الممولة عن طريق "البترودولار". ويبدو هذا الأمر أكثر خطورة في العالم العربي، حيث تفتقد فيه الوسائل العلمية للبحوث والتوثيق والمقارنة العلمية وتبادل المعلومات بدقة وشفافية، فمثلا من الصعوبة بمكان أن تجد شرحا دقيقا للفرق بين المذهب المالكي والوهابية؛ وإن وجدت ذلك فسيحسم الأمر لصالح الوهابية بمجرد مشاهدة فيديو لرجل دين سعودي وفي خلفيته تظهر المدينةالمنورة أو مكةالمكرمة مما يشير إلى أن كل ما يقوله هو الإسلام الحقيقي. ولذلك فإنه من الضروري اعتماد استراتيجية أكثر فعالية لمنع فرض مذهب معين على مكةوالمدينة، فالوهابية التي يمكن أن نعتبرها مذهب كثير من السعوديين وعدد آخر خارج المملكة يتراوح إجمالي عددهم بين ثلاثين وأربعين مليون مسلم، لماذا يتم اعتبارها المذهب الرسمي لهذه المدن المقدسة التي من المفترض أنها تمثل أكثر من 1.6 مليار مسلم؟ لماذا يفرض على الماليكة أو الشافعية أو على غيرهم من أصحاب المذاهب الأخرى أن يتبعوا مذهب أقلية في العالم الإسلامي؟ هنا تظهر أهمية مطلب أن تتمتع هاتان المدينتان المقدستان "مكةالمكرمة" و"المدينةالمنورة" بالاستقلال بأن يتم إدارتها عبر منظمة جماعية يتم اختيارها بالانتخاب وتمثل غالبية المسلمين، ولا تكون حكرا على أصحاب الطريقة الوهابية. وإذا تم ذلك بسعة أفق من السعودية فإنه سيعود عليها بزيادة احترام وتقدير من العالم الإسلامي، ذلك أنها تفسح المجال لكل المسلمين بأن يعمقوا انتماءهم إلى هاتين المدينتين المقدستين. هافينجتون – رضا دالي – محلل جيوسياسي ترجمة وعرض: محمد بدوي – شؤون خليجية