هل سيقبل الحوثيون بعودة الحكومة الشرعية وقوات الأمن والجيش لأداء أدوارها الدستورية؟ وهل سيتقيدون باتفاق السلام والشراكة الوطنية وملحقه الأمني؟ أكتب هذا المقال من نيويورك، حيث يحتدّ الحديث عن استيلاء الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر، وعن سرّ سرعة سقوطها وعدم تدخل الجيش وقوات الأمن لمنعهم، ومن هي القوى الداخلية والخارجية التي تدعمهم؟ وبالصدفة عقد الاجتماع الوزاري الثامن لمجموعة "أصدقاء اليمن" في نيويورك يوم 24 سبتمبر، بعد ثلاثة أيام من الحدث، وشارك فيه نحو خمسين دولة ومنظمة دولية وإقليمية، وكان هدفه كالعادة التعبير عن الدعم الدولي للرئيس هادي والانتقال السلمي للسلطة. وكان لافتاً أن المشاركين في الاجتماع، وكثير منهم خبراء في الشان اليمني، صدمتهم الأحداث، خاصة هزيمة قوات الأمن والجيش. وتخلف وفد اليمن الرئيسي عن حضور المؤتمر بسبب إغلاق مطار صنعاء، كما غاب عنه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وكان البعض ينتظر حضوره لسؤاله عما إذا كان الحوثيون قد استغلوا مهمته للتغطية على خططهم للاستيلاء على صنعاء. فصنعاء سقطت بيد الحوثيين بعد زيارته لمعقلهم صعدة، ومنها أعلن عن التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والحوثيين. وتبنّى الحوثيون خلال استعداداتهم لغزو العاصمة أسلوباً مخاتلاً لإقناع الآخرين بأن أهدافهم محدودة، لا تتعدى تعزيز معاقلهم في الشمال، أو تعديل حدود مقاطعتهم والحصول على منفذ بحري. ولكن كانت ثمة مؤشرات منذ فترة بأن الحوثيين يخططون لهدف بعيد، فبعد سقوط عمران في 8 يوليو، كتبتُ في الوطن (قراءة في سقوط عمران والمشروع الحوثي، 15 يوليو 2014) عن مخاوف البعض بأن هدف الحوثيين التالي هو صنعاء. وكان لسقوط عمران والمنطقة المحيطة بالعاصمة، بما في ذلك المطار الدولي، دور في رفع قدرة الحوثيين على تغيير الحسابات الأمنية والسياسية لجميع الأطراف، وهو ما يفسر التردد في انتقادهم فضلاً عن استخدام القوة لوقف زحفهم المتسارع. ولم تخفِ إيران ابتهاجها باستيلاء الحوثيين على صنعاء، مفشية بذلك عُمق علاقتها بهم. وفي حين كانت التعليقات الرسمية معتدلة نسبياً، أظهر بعض السياسيين حقيقة مشاعرهم. فقال ممثل طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زكاني، حسبما نقلته الصحافة "سقطت ثلاث عواصم عربية في يد إيران وأصبحت جزءاً من الثورة الإيرانية، والآن أصبحت صنعاء رابعتها". وقال، على عهدة الرواة، "إن إيران تعتبر ثورة اليمن امتداداً لثورتها، وإن 14 مقاطعة يمنية من أصل 20 ستصبح قريباً تحت سيطرة الحوثيين، مضيفاً أن الهدف التالي هو المملكة. كانت بعض ردود الفعل الدولية على سقوط صنعاء قوية، في حين التزم بعضها الحذر. ففي البيان الختامي الذي أصدرته الرئاسة المشتركة لمجموعة أصدقاء اليمن (السعودية، المملكة المتحدة، اليمن) أدانت المجموعة "بأقوى التعابير القتال الذي قامت به مجموعة الحوثيين والمليشيات الأخرى في صنعاء" كما أدانت "استخدام العنف لتحقيق الأهداف السياسية". وفي إشارة لاستيلاء الحوثيين على مؤسسات الحكومة المدنية والعسكرية، طالبت المجموعة بأن "تكون للسلطات الحكومية الشرعية السلطة الكاملة والوحيدة على مؤسسات الدولة العامة والعسكرية في صنعاء". واشتمّ البعض من سقوط صنعاء السريع وعدم تدخل القوات اليمنية والأمن رائحة التواطؤ. وأكد الرئيس عبدربه منصور هادي ذلك حين أشار إلى مؤامرة شاركت فيها أطراف داخلية وخارجية لم يسمّها، ولكنه في الأرجح يقصد الرئيس السابق علي عبدالله صالح وإيران. إذ يُعتقد أن لصالح دوراً في إقناع الأمن والجيش بعدم التدخل، زعماً بأن هدف الحوثيين ليس الاستيلاء على السلطة بل القضاء على خصومهم (وخصومه)، قادة تجمع الإصلاح وأنصاره، أما إيران فتقدم الأموال والأسلحة والدعم الأيديولوجي والتنظيمي. أما الأميركيون فبدوا مذهولين بهذه التطورات، واستغرقوا أياماً للخروج ببيان واضح عنها. والذي صدر في 25 سبتمبر، واقتصر على تحذير الأميركيين من السفر إلى اليمن، وعلى ذكر تخفيض عدد الموظفين الأميركيين هناك، موقتا، مع بقاء السفارة مفتوحة بطاقم أصغر. في 27 سبتمبر ظهر بيان أميركي أكثر تفصيلاً، أدان "الأعمال العدوانية المستمرة ضد الحكومة اليمنية والأهداف السياسية"، ودعا "جميع الأطراف إلى تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية، خاصة تسليم جميع الأسلحة المتوسطة والثقيلة إلى الدولة". وشجب البيان "العناصر التي تسعى لاستغلال الوضع الأمني الراهن لتأجيج الأوضاع، خاصة أعضاء النظام السابق للرئيس علي عبدالله صالح، والقيادة الحوثية، الذين ما زالوا يستخدمون العنف لتحقيق أجنداتهم الخاصة على حساب الشعب اليمني"، وأضاف أن الولاياتالمتحدة ستعزز من جهودها لفرض العقوبات على "الأشخاص الذين يهددون سلام اليمن واستقراره وأمنه". وعبر عن دعم جهود الرئيس هادي لتنفيذ اتفاق السلام والشراكة الوطنية المبني على المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني. ونلاحظ اختلاف اللهجة الهادئة نسبياً في هذا البيان عن الانتقاد الشديد الذي وجهته الإدارة الأميركية للحوثيين في بيان صدر في 29 أغسطس، حين "أدانت بشدة" أفعال الحوثيين، وسمّتْ قائدهم عبدالملك الحوثي، وأدانت "الأعمال الاستفزازية والعدوانية التي تهدد الاستقرار وتحرض ضد الحكومة"، وذكرت من تلك الأعمال "نصب المعسكرات المسلحة في صنعاء وحواليها، وسيطرتهم غير الشرعية على عمران". وطالبت "الحوثيين أن يقوموا حالاً بتفكيك معسكراتهم المسلحة ونقاط التفتيش في صنعاء وحواليها، وسحب قواتهم من عمران وإعادتها إلى سيطرة الحكومة، وإعادة الأسلحة التي تم نهبها من معسر الفرقة 310. وربما استنتج البعض من بيان 27 سبتمبر أن أميركا لم تحزم أمرها بشأن الأمر الواقع الجديد الذي يهيمن فيه الحوثيون على القرار السياسي اليمني. ولكن الحوثيين يستمرون بتعزيز سيطرتهم على صنعاء، على الرغم من توقيعهم لاتفاقات بخلاف ذلك.. ولا أحد يعرف بالتأكيد ماذا ينوون عمله في الفترة القادمة. وعلى وجه الخصوص، هل سيقبلون بعودة الحكومة الشرعية وقوات الأمن والجيش لأداء أدوارها الدستورية؟ وهل سيتقيدون باتفاق السلام والشراكة الوطنية وملحقه الأمني؟ وهل سيلتزمون بالإجماع اليمني (والإقليمي والدولي) كما عبرت عنه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، أم سيسعون إلى تغييره؟ وهل سيقومون بتبني مواقف وسطية متوازنة أم يعيدون اليمن إلى حكم الأئمة بعد خمسين عاماً من الثورة اليمنية التي أنهت ذلك الحكم؟