غادرت سيدة الزمن الجميل الذي لن يعود، فاتن حمامة، تاركة لنا صورة ذهبية تظل تعيش معنا.. ونعيش معها، مع أننا سنفقد حتماً بغيابها جزءا مهما من تفاصيل حياتنا.. من ذكرياتنا؛ مراهقتنا وشبابنا وطفولتنا وأحلامنا. لأجلك، أحببنا الحب، وصرنا أكثر ارتباطا بعالم الفن الذي أنت سيدته، هكذا دخلنا معك عوالم جميلة، تعرفنا فيها على معنى الحب الحقيقي، والبراءة الجميلة التي تلمع في عينيك منذ احترفت التمثيل، واستمرت معك حتى آخر أدوارك التلفزيونية والسينمائية النابعة من القلب. سيدة الشاشة العربية.. كنا نشاهد أفلامها بالأبيض والأسود بدهشة، فهي الفتاة التي تحمل كل معاني الأنوثة والرقة والأناقة الباهرة، نغار منها وهي تحمل كل هذا القدر من الجمال الذي يرافق احترافها وإمكاناتها الهائلة، تُجاري بها كل عمالقة الزمن الجميل. ملامح حزن وفرح.. ألم وسعادة.. خوف وقوة.. كلها متضادات نجدها ونستشعرها لدى هذه الفنانة التي لم تشعرنا يوما أنها تمثل أو تؤدي دورا ما، بل نشعر أننا معها نتابع مجريات حياة حقيقية؛ فنعيش ونحلم ونتعلم برفقتها، ونستلهم منها المبادئ والقيم الحياتية. في زمنها الجميل كانت تجسد الفتاة المبهورة بدهشة الحياة والحب.. فنعيش برفقتها مشاعر حقيقية، نبقى نستذكرها مع مرور الوقت، لاسيما ونحن نختبر الآن ملامح حب متغيرة وعاطفة مشتعلة سرعان ما تصير صقيعا، وحب تتبدل مفرداته لتصبح خاوية من معناها، وحكايات عشق اختلفت عن تلك التي مضت، كما أن الأحلام لم تعد تُنسج من خيوط المشاعر الصادقة كما كانت تنقلها لنا سيدة الشاشة. هي من علمتنا كيف نؤمن برسالة الفن الحقيقية عندما يغير أحداثا ومجريات وقرارات.. فلم يكن الفن لديها مهنة بقدر ما هو رسالة صادقة، تتسم بالسمو والأخلاق والمبادئ العظيمة، تلامس من خلالها القلوب، وتغير بقيمها واحترامها للمشاهد مسارات في حياته. كان الخير سيد أدوارها.. وكان صوتها قادرا على أن يعلو ويصدح في أعمالها بالحق، فكسبت حب الجمهور واحترامه، ليضعها في أعلى قوائم الشرف، وبات يبحث عن أعمالها ليشاهدها مرارا وتكرارا، ليستعيد معها فنا حقيقيا لا يكاد يكون له مكان بيننا الآن! كم نشتاق لك في زمن لا يستطيع فيه الناس التمييز بين الكذب والحقيقة، وبين الغث والسمين؛ ولا التفريق بين الرسالة الحقيقية وأخرى يملؤها النفاق والكذب والخداع! كم نحتاجك، فالفن متخم بأدوار تتغنى بالوطن كذبا، ليفقد من يسمون أنفسهم "نجوما" مصداقيتهم ورصيدهم في قلوب المشاهدين لأنهم ينحازون لمصالحهم الشخصية والانتهازية على حساب جمهور كان "يحترمهم"! كنت ضميرنا الحي في "ضمير أبلة حكمت".. وملامحنا الجميلة في "وجه القمر".. ونورنا الساطع في "لا تطفئ الشمس".. ومشاعرنا الصادقة في "نهر الحب".. ودهشتنا في "دعاء الكروان".. وأمنياتنا في "أرض الأحلام".. وتفاصيلنا في "يوم حلو يوم مر".. ونصيرة المرأة والباحثة عن حقوقها وتغيير القوانين المجحفة في "أريد حلا".. وكنت الأمل في "الباب المفتوح".. والأم المضحية الجميلة المعطاءة في "امبراطورية ميم". صاحبة التاريخ الكبير والعظيم رحلت ورحل الجميل معك.. إلا ذكراك. وداعا معشوقة الملايين.