اقتحم الحوثيون أمس، دار الرئاسة (وليس القصر الجمهوري) بعد معارك خاطفة مع ألوية الحماية الرئاسية التي تفاجأت بالهجوم، خاصة أنه تم في وقت كانت فيه الوساطة تجري لتثبيت وقف إطلاق النار. وفرض الواقع الجديد الكثير من الأسئلة حول الخطوات التالية التي سيمر إليها الحوثيون خاصة على المستوى السياسي، وسط تحاليل مختلفة تؤكد أن ما جرى انقلاب كامل الشروط وأن إيران استكملت سيطرتها على اليمن. وتمكنت ميليشيات اللجان الشعبية المدعومة من إيران من السيطرة على مجمع دار الرئاسة (السكن الشخصي للرئيس)، وقامت بنهب الأسلحة من المستودعات. وفي ظل الغموض حول مصير الرئيس عبدربه منصور هادي، قالت وزيرة الإعلام نادية السقاف على حسابها في تويتر إن الرئيس أصبح هدفا لهجوم الميليشيا الشيعية التي "تريد قلب النظام". وكشفت مصادر عن أن الحوثيين استغلوا الوساطات التي تجري بين مختلف الأطراف للسيطرة على ألوية الحماية الرئاسية الثلاثة التي تعد الأحدث تسليحا على مستوى الجيش اليمني، وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر. وقال دبلوماسي حضر جلسة مغلقة لمجلس الأمن حول اليمن أن بنعمر أبلغ مجلس الأمن أن الحوثيين أقنعوا الوحدات العسكرية الأخرى بعدم مقاتلتهم. ولفتت المصادر إلى أن هناك تعليمات صدرت للحرس الرئاسي بعدم مقاومة الحوثيين أثناء اقتحامهم لدار الرئاسة، ولم تستبعد أن يكون هناك اتفاق مسبق بين الحوثيين وأطراف محيطة بالرئيس. من جانب الميليشيات، اتهم عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة "أنصار الله"، الرئيس هادي، ب"حماية الفساد، وعدم الجدية في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة، وهو ما أوصل البلاد إلى الوضع الحالي". وفي خطاب بثته قناة "المسيرة" الفضائية المملوكة للجماعة، قال زعيم جماعة الحوثي إن "المطلوب حاليا هو توجيه كل الجهود لتنفيذ اتفاق السلم والشراكة وفق زمن محدد". وحاول الحوثي طمأنة الجميع على أنه لن يتم استهداف أي جهة سياسية أو أي منطقة من المناطق الرافضة لدخول الحوثيين لها (مأرب)، واعدا بأن تكون لهذه المنطقة أولوية في الاستفادة من آبار النفط. كما هاجم مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، معتبرا أنه يأتي تنفيذا لإملاءات خارجية. واعتبر محللون أن كلام الحوثي كان الهدف منه امتصاص حالة الغضب من الهجوم على دار الرئاسة والتطبيع معها كحالة عادية في الشارع اليمني ليمر بعدها إلى تطبيق خطوات أخرى تثبّت هيمنة الجماعة. وتوقع المحللون أن تمر الميليشيات الشيعية بعد فرض السيطرة الأمنية والعسكرية على دار الرئاسة إلى إعلان دستور انتقالي تحت عنوان الشرعية الثورية، وهو الدستور الذي كتبه منذ وقت مبكّر فريق تابع للحوثيين ويمنح زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي نفس الصلاحيات التي يمنحها الدستور الإيراني لمرشد الثورة الإسلامية. وأضافوا إن الدستور صيغ بأفكار إيرانية وليس مستبعدا أن تكون قد كتبته لجان في طهران على أن يتولى الحوثيون تبنيه علنا. ولفت المحللون إلى أن أبرز عناصر الدستور هو إنهاء مشروع الأقاليم الستة لصالح إقليمين فقط شمال وجنوب الأول تحت نفوذ الحوثيين والثاني سيعمل الحوثيون على تسليمه لتيار سالم البيض الموالي لإيران، وهو السيناريو الذي كشفت عن فحواه "العرب" منذ وقت مبكّر. وقد عمل الحوثيون في اليومين السابقين على نشر وثائق صوتية ونصية قالوا إنهم عثروا عليها بحوزة مدير مكتب هادي، وتصب في اتجاه تأليب الشارع الجنوبي على الرئيس هادي لصالح التيار الانفصالي. من جهة ثانية، توقع المحللون أن يكون الهدف الثاني للحوثيين هو الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد أن استفادوا من دعمه لهم مرحليا لضرب الخصوم، مستفيدين من نفس الأسلوب الذي اعتمده هو، أي التعاون مع الحوثيين أنفسهم لتأديب خصومه (حزب الإصلاح واللواء محسن الأحمر اللذين تخليا عنه في آخر لحظة خلال احتجاجات2011) . وقال المحللون إن صالح سيخير في أحسن الأحوال بين ترك اليمن أو التعرض للاعتقال، لافتين إلى أن الرئيس السابق يشكل أهم عقبة أمام الحوثيين في الوقت الراهن نظرا لمنازعته إياهم الشعبية في المناطق الزيدية.