اتحادات ومؤسسات ووسائل إعلامية محلية وعربية.. استهداف العدو الصهيوني للمؤسسات الإعلامية لن يحجب الحقيقة    القوات المسلحة تعلن استهداف مطار رامون والنقب ب 4 مسيّرات    الليغا: برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية نظيفة ويصعد لوصافة الترتيب    الأمم المتحدة تجدد مطالبتها بالإفراج عن موظفيها وإخلاء مكاتبها بصنعاء    عسكريون يختطفون شاباً في مدينة تعز بعد يومين من الاعتداء على دكتورة وابنتها    الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن    الفريق السامعي يدين استهداف مقر صحيفتين بصنعاء ويعتبر ما حصل جريمة حرب    بيان مهم للقوات المسلحة اليمنية الساعة 12:40ص    حديث عن الإصلاح    مانشستر سيتي يكتسح اليونايتد بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي    ريال مدريد يشكو التحكيم الإسباني للفيفا    شبوة.. تدشين مخيم لجراحة العيون يجري أكثر من 400 عملية مجانية    هيئة المواصفات والمقاييس تنفذ حملة رقابية على محطات تعبئة الغاز المنزلي    الجنوب مفتاح الحل وضمان استقرار المنطقة    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    جماهير تريم تؤيد قرارات الرئيس الزُبيدي    اجتماع يناقش سير تنفيذ قرار توطين الصناعات ومشاريع التمكين الاقتصادي    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يلتقي تنفيذية انتقالي المهرة    لنعش قليلا مع قصص الحيوانات بعيدا عن السياسة    تقرير اسرائيلي: اليمن ساحة صراع لم ينتهِ.. الحوثيون وباب المندب نقطة المواجهة    النائب العام يعد بالإفراج عن دفعة ثانية من السجناء في الأيام المقبلة    كلمة رئيس الإصلاح ..الحنكة ومنطق الحكمة    محافظ صعدة يتفقد مشروع سد اللجم في مديرية سحار    أبو رأس.. فاتح صعدة والجوفين    توزيع ادوات مدرسية لمعلمين ومعلمات المعلا    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    انتقالي الضالع ينظم محاضرة توعوية بعنوان بالعلم وحب الوطن نبني الجنوب    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يلتقي بخبير الطاقة والنفط والغاز المهندس عمر الحيقي    الخطوط الجوية تعلن استئناف الرحلات بمطار عتق    خبير في الطقس: موجة رطبة ستدخل اليمن مصحوبة برياح وغبار    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    57 دولة عربية وإسلامية تجتمع في الدوحة.. هل تستطيع ردع إسرائيل    أتلتيكو يستفيق ب «الغواصات الصفراء»    نابولي يعود بالنقاط الثلاث من فيورنتينا    أحلام تُطرب جدة    يوفنتوس يعمق جراح إنتر برباعية    الكشف عن 85 جريمة مجهولة    منظمة صحفيات بلاقيود: مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    في محراب النفس المترعة..    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدين مَرَضي
نشر في الخبر يوم 05 - 03 - 2015

كان جورج بوش الابن سكيراً، وفجأة تاب، نزل عليه الوحي، قال بوش إن «الله أمره أن يغزو العراق»، لأن صدام حسين لديه أسلحة دمار شامل، قال عنها توني بلير إنها يمكن أن تصل إلى أوروبا في 45 دقيقة.
فعلها بوش، وذهب إلى لعراق بسلاح قبيلته الفتاك، ودمر العراق تنفيذاً لرغبة «إله الحرب»، أو «رب الجنود» المذكور في الكتاب المقدس، الذي أمر بوش الابن بشن «حرب صليبية» مقدسة ضد الأشرار. كنت مع كثيرين أتساءل: لماذا بحق السماء يأمر الرب جورج بوش أن يغزو العراق، بحجة وجود أسلحة دمار شامل، وهو يعلم أنها غير موجودة في العراق. وجاءت الإجابة بعد سنوات على لسان أحمد الجلبي، أحد زعماء العصابة التي دمرت العراق، والذي علق حينها على حقيقة أنه كذب في مزاعمه أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل، بقوله: ليكن، أهم شيء أن المارينز اليوم في بغداد. أما كولن باول صاحب فرية «المفاعلات النووية العراقية المتحركة»، فقد كان أكثر حصافة من الجلبي، إذ آثر الصمت بعد أن اكتشف أن ال»سي آي إيه»، فبركت القصة من ألفها إلى يائها.
قبل جورج بوش، قتل بيتر سوتكليف الذي أطلقت عليه الصحافة البريطانية لقب Yorkshire ripper «سفاح يوركشير»، 13 امرأة. كان سوتكليف يتعامل مع «بائعات الهوى»، ضمن معادلة «الجنس مقابل المال»، ولما أحس بالمال المهدر نقم على النساء، وقتل منهن 13 وخطط لقتل 7 أخريات.
وفي المحكمة قال إنه يريد قتل كل النساء لأن لديه رسالة من الله بذلك. هكذا بكل بساطة تاب الرجل، ومسح العار الذي لحقه بدم 13 امرأة، قدمهن قرباناً إلى الله تكفيراً عن ذنوبه، بعد أن كافأه الرب بالنبوة. طبعاً سوتكليف حكم عليه بالسجن مدى الحياة، ونقل إلى مشفى للأمراض العقلية، ليكمل نبوته هناك. أما جورج بوش فهو حر طليق، يحظى باحترام أمثاله من المجرمين، على الرغم من أن رسالته الإلهية قتلت وشردت الملايين من المسلمين، وجعلت العالم أقل أمناً، إذ ما زلنا نعاني من آثار وحيها إلى حد الآن. جورج بوش حر طليق مع أنه أكثر إجراماً من سوتكليف.
وإذا ما تركنا الحالات الفردية، لمناقشة الظاهرة، فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا، هو: لماذا يرجع أصحاب السلوك الشاذ عن سلوكهم إلى نوع
من التدين المرضي، الذي يكون مصحوباً بلوثة عقلية ونفسية، تؤدي إلى نتائج كارثية؟
هل هو تغير جذري في السلوك، أم أنه مجرد استمرار للسلوك الإجرامي الذي انتقل من الإجرام الإباحي المتهتك، إلى «الإجرام المتدين»، ومن الجريمة العارية، إلى الجريمة المغلفة بعباءات الأنبياء؟
ومن جماعتنا، نحن المسلمين، كانت حياة بومدين تذهب إلى الشواطئ، وتتصور ب»البكيني»، وتعيش حياة عابثة، مع صديقها أوميدي (أحمدي) كوليبالي، ثم فجأة تابت مع صديقها وتزوجته، وأرادت أن تكفر عن ماضيها، فاشتركت في مخطط لقتل الصحافيين الستة في «شارلي إيبدو» في باريس، قبل أن تهرب إلى سوريا، ويقتل زوجها على يد الشرطة الفرنسية. ويعود مع نموذج «كوليبالي – بومدين» السؤال الملح: لماذا عندما يتوب هؤلاء يختارون توبة مدوية، تكون نتائجها أفظع من نتائج الموبقات التي ارتكبوها قبل هذه التوبة؟ لماذا يختار هؤلاء القتل وسيلة للتكفير عن سوابقهم؟
لا شك أن حياة هذه النماذج المتهتكة في ماضيها، لا تقارن في ضررها مع حياتها الجديدة التي قررت فيها هذه النماذج أن تكون «أشخاصاً صالحين». تهتكها شخصي، ويخصها هي، بينما توبتها شكلت كوارث لها ارتداداتها التي لن تنتهي في المدى القريب. أما كان العالم سيكون أكثر سلاماً وأمناً لو أن جورج بوش – مثلاً – ظل عاكفاً على كأسه، يمارس غواياته الشخصية، من دون أن يتوب التوبة التي انتهت بنا إلى عراق مدمر وأفغانستان محطمة، وملايين القتلى والجرحى والمشردين، ناهيك عن مسلسل الرعب الحالي في سوريا وغيرها من البلدان التي يمكن أن يربط ما حل بها بشكل أو بآخر بنتائج توبة رجل ترك الخمرة ليسكر بالدماء.
هناك بالفعل نوع من التدين المرضي، لا علاقة له بسلامة الإيمان بالله، بدليل أن أصحابه ينتهون إلى طريق مسدود، وينتجون بتدينهم كوارث لا يقول بها دين. معظم الذين قاموا بعمليات إجرامية، سواء كانت مصنفة إرهابية أم لا، عانوا بشكل أو بآخر من السلوكيات المنحرفة، واللوثة الذهنية، والاضطراب النفسي الذي حاولوا تغطيته بجلباب الدين، والأعمال التي أرادوا بها التخلص من معاناتهم الطويلة مع الماضي وذكرياته. ومن بين المسلمين الذين قاموا بأعمال صنفت إرهابية، متطرفون لا علاقة لهم أصلاً بالمساجد، وقد رد أحد الأئمة المسلمين في بريطانيا، على طلب الشرطة بأن يكون للمسجد دور في توعية الشباب المسلم بعيداً عن التطرف، رد بقوله: المشكلة أنهم لا يأتون إلى المساجد. وهذا صحيح إلى حد كبير، فهؤلاء لهم شبكة علاقاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعيداً عن المساجد خشية انكشاف أمرهم.
خلاصة الأمر، لا يمكن لمن كان يدفع المال للبغي مقابل الجنس أن يقنعنا بأنه قتلها توبة وتقرباً إلى الله، لأن البغاء ذنب والقتل جريمة، ولا يصح عقلاً التكفير عن الذنوب بالجرائم. لا يمكن الاقتناع بذلك إلا إذا اقتنعنا بأن بوش الابن يستطيع أن يتوب عن الخمرة بأن يسفك دماء الملايين. هذا لا يصح، والصحيح أن تلك النماذج من البشر، هي نماذج إجرامية مارست الجريمة العارية شطراً من حياتها، ثم مارست الجريمة بمسوح دينية شطراً آخر من هذه الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.