قبائل وادعة همدان تحذر من استهداف البلاد    منظومة الكهرباء مهددة بالتوقف الكلي في المحافظات الجنوبية وفق رغبة سعودية    كتاب متخصص في التأمينات والمعاشات للخبير التأميني عارف العواضي    صراع الحسم بين أربعة منتخبات عربية في كأس العرب    ريال مدريد يجهز للتخلص من 8 لاعبين في الميركاتو الصيفي    الدكتور الترب يعزّي في وفاة الشيخ صالح محسن بن علي    الجنوب العربي.. هوية الأرض والشعب والتاريخ بين الذاكرة والسيادة    تحرير حضرموت يكشف المستور في اليمن    البشيري : نمتلك قاعدة إنتاجية قوية في الملبوسات    إعلان قضائي    قوات جديدة تصل حضرموت والانتقالي يربط الأحداث باتفاق الرياض ومكتب الصحة يصدر إحصائية بالضحايا    شبوة.. حريق داخل مطار عتق الدولي    تدشين أعمال اللجنة الرئاسية المكلفة بتقييم ومتابعة تنفيذ خطط 1445- 1446ه بحجة    الأستاذة أشجان حزام ل 26 سبتمبر: 66 لوحة فنية متميزة ضمها متحف الزبير بسلطنة عمان    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "25"    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    مرض الفشل الكلوي (32)    صندوق النقد الدولي يعلّق أنشطته في اليمن ومخاوف من تبعات القرار على استقرار أسعار الصرف    هل افلح الحزب الاشتراكي في تأطير تجربته الأنسانية حيال مهمشي جنوب ما قبل الوحدة؟! (3-3)    تعز.. الجوازات تعلن استئناف طباعة دفاتر الجوازات وتحدد الفترة التي تم الوصول إليها في الطباعة    صنعاء .. اختتام دفعة القائد الجهادي الشهيد الغماري في الحاسوب والبناء الجهادي    طالبوا بوقف الإبادة الجماعية والهجمات الجوية الإسرائيلية.. مظاهرة في ستوكهولم احتجاجا على خروقات الاحتلال لاتفاق وقف اطلاق النار    هيئة الآثار والمتاحف تنشر القائمة ال30 بالآثار اليمنية المنهوبة    الصحفي والمراسل التلفزيوني المتألق أحمد الشلفي …    56 ما بين قتيل ومصاب في هجوم مسلح على حفل يهودي بالعاصمة الأسترالية سيدني    الفرح : ما يجري في المناطق المحتلة صراع لصوص    الجاوي: الجنوب لدى سلطة صنعاء أصبح مجرد ملف في أسفل الأرشيف    قائمة منتخب الجزائر لبطولة امم افريقيا 2025    الكالتشيو: الانتر يقفز للصدارة بعد تخطيه جنوى بثنائية    عدن.. محطة حاويات المعلا تعود للخدمة مجدداً بعد توقف لسنوات    ظل الأسئلة    أسياد النصر: الأبطال الذين سبقوا الانتصار وتواروا في الظل    الرئيس المشاط يعزي في وفاة أحد اهم الشخصيات بمحافظة الحديدة    فعالية طلابية في حجة بميلاد الزهراء عليها السلام    السلطة المحلية: تمكين المؤسسات الرسمية من أداء عملها شرط لاستعادة استقرار وادي حضرموت    الكثيري يترأس لقاء موسعا بالمكتب التنفيذي وعقال الحارات والشخصيات الاجتماعية بسيئون    العليمي: انسحاب القوات الوافدة الخيار الوحيد لتطبيع الأوضاع في حضرموت والمهرة    خبير طقس يتوقع موجة برودة قادمة ويحدد موعدها    ست فواكه تقلل خطر الإصابة بأمراض الكلى    محافظ عدن يفتتح سوق الوومن في مديرية صيرة    جيش الاحتلال ينفذ سلسلة عمليات نسف بغزة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على الوضع الصحي العام بالعاصمة عدن والمحافظات المحررة    الرئيس الزُبيدي يوجه بتبنّي حلول مستدامة لمعالجة أزمة المياه    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    عدد خرافي للغائبين عن ريال مدريد بمواجهة ألافيس    صنعاء.. هيئة الآثار والمتاحف تصدر قائمة بأكثر من 20 قطعة أثرية منهوبة    تعز.. بئر المشروع في عزلة الربيعي :جهود مجتمعية تنجح في استعادة شريان الحياة المائي    حضرموت أم الثورة الجنوبية.. بايعشوت وبن داؤود والنشيد الجنوبي الحالي    قوات الحزام الامني بالعاصمة عدن تضبط عصابة متورطة في ترويج مادة البريجبالين المخدرة    رونالدو شريكا رئيسيا في خصخصة النصر السعودي    واشنطن تسعى لنشر قوات دولية في غزة مطلع العام    منتخب الجزائر حامل اللقب يودع كأس العرب أمام الإمارات    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    ثلاث عادات يومية تعزز صحة الرئتين.. طبيب يوضح    لا مفر إلى السعودية.. صلاح يواجه خيبة أمل جديدة    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    رسائل إلى المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في المنفى مع «سلطان السامعي»
نشر في الخبر يوم 13 - 11 - 2015

في ليلة من شهر أغسطس، 2007، تلقيت اتصالاً هاتفياً. كنت طالعاً من مستشفى بالقرب من حي المهندسين، في القاهرة.
رددت على المكالمة:
هلو، مرحباً.
اسمع يا مروان الغفوري، احترم نفسك وقع رجال، أرسلناك القاهرة تدرس مش تتطاول على أسيادك وتعمل فيها بطل.
أها، مين سعادتك؟
أنا جاي القاهرة علشان أسحبك من هنا على رجلك، ومش شغلك من أنا.
يا راجل، متعب نفسك وجاي من صنعاء عشان تسحبني على رجلي. وقف منحتي وأنا بجي لك برجلي لصنعاء ووفر المشوار.
هاهاهاها، الله يقلعك. معاك سلطان السامعي، كيف حالك.
أهليين سلطان بيه. أنت هنا في القاهرة؟.
أيوه، أنا الآن في قهوة التكية بالمهندسين، ومعي عبد الله سلام الحكيمي وعبد الرحمن الحمدي وشعفل عمر. مستنينك.
حلو جداً، أنا كمان في المهندسين. دقائق وأنا عندكم.
في قهوة التكية قال لي سلطان السامعي:
كنت في عدن مع الرئيس. وزع أكثر من 250 سيارة على شخصيات جنوبية من اللي عاملين شوية دوشة، ولا افتكرني حتى بسيارة.
كانت هذه الكلمات جديدة على ذاكرتي، تلك التي تحتفظ بصورة أخرى للرجل.
كان سلطان السامعي، بالنسبة لي، أحد الأبطال الذين صنعوا خيالي السياسي المتحدي. كنت في القرية، في الجبل أو الوادي، أسمع عن سلطان السامعي، الشاب الذي يتحدى الأقوياء جميعهم. عندما غادرت القرية إلى المدينة، وبعد وقت قصير إلى القاهرة، كان سلطان السامعي اسماً في حقيبتي.
في مطار القاهرة، لأول مرة، أضعت حقيبة الكتب، وبقيت أسماء كثيرة في الذاكرة، وفي مكان ما في الطبقات السفلى من القلب.
كان سلطان السامعي الكتاب الذي لا أفقده ببساطة.
أنهيت البكالوريوس في الطب البشري ثم انتقلت من جامعة عين شمس إلى جامعة القاهرة. هناك بدأت مشواري مع أمراض القلب. بعد عام ونصف في برنامج المجستير تعرفت إلى الفلسطينية الشاعرة ساره ياسين، وأقمنا احتفالاً في صنعاء. حضر سلطان السامعي "فرحي"، كان صديقي، وكنت سعيداً لأنه كذلك.
ترك والدي الضيوف، ولم يكن يعرف منهم سوى مجموعة صغيرة، وذهب إلى سلطان السامعي. في اليوم التالي للفرح أخبرني أبي عن الحديث الذي دار بينهما. كان فخوراً وسعيداً، ولم يخبرني أنه تحدث مع أحد غير سلطان.
كان أبي اشتراكياً في شبابه، وكان معجباً بسلطان السامعي. في العام 2015 يقف والدي، بإخلاص، إلى جانب علي عبد الله صالح، وكذلك سلطان السامعي.
تباعدت المسافة بين الشيخ السامعي وبيني. وصارت سبعة أعوام، مع الأيام.
أحيطت مواقفه السياسية بغموض يصعب تحليله. في العام 2010 قرر صالح إجراء تعديل للدستور يتيح له البقاء في السلطة مدى الحياة. كان سلطان السامعي، كما حدثني أكثر من برلماني، من أوائل الذين وافقوا على مشروع التعديلات الدستورية، ذاك.
سياسي وبرلماني معروف أخبرني:
عندما رفضت التوقيع على المقترح/ المشروع أخبرني الزملاء بأنه لا داعي للتخوف، فقد وقع سلطان السامعي على المشروع. السامعي شخصياً فعل ذلك.
ومرت الأيام.
هذا المساء تواصل معي الشيخ السامعي بعد سنين طويلة من القطيعة. سعدت بذلك التواصل، وتحدثنا.
سألته:
لماذا خلقت كل هذه المسافة بينك وبين القوى السياسية الوطنية، وفي المقدمة بينك وبين حزبك؟
قال لي بثقة رجل لا يبدو نادماً على شيء:
"لأني ضد سياستهم الحمقاء منذ سنوات"..
سألته: حزبك السابق، الاشتراكي، هل هو أحد الحمقى؟
بلا تلكؤ أجابني: "من وافق على مبادرة الخليج ابتداءً فهو أحمق. ما يحدث الآن نتيجة طبيعية للمبادرة الخليجية، لأنهم حصنوا صالحاً وتركوه يعبث".
ذكّرته: لكنك كنت من الذين وافقوا على بقاء صالح في السلطة مدى الحياة.
"هذا كذب. نحن وقعنا على تعديلات دستورية كنا نحن في المعارضة نطالب بها. وبعدين أنا وقعت على مبدأ التعديلات دون ذكر مواد"..
خصوم سلطان السامعي، وأصدقاؤه أيضاً، يروون سيرة أخرى عن سلطان السامعي غير تلك التي حملتها وأنا أسافر على طائرة لأول مرة.
عندما ذكرتني الإعلامية رحمة حجيرة، قبل ثلاثة أعوام، بنضالها ضد نظام صالح طلبتُ منها أن تبيعني ذلك الماضي الساحر، وأن تنشغل بحاضرها ومستقبلها.
وخطر على بالي أن اشتري من السامعي ماضيه، وأترك له اختياراته الراهنة.
في رمضان، قبل عام ونصف، كنتُ مدعواً على الإفطار لدى مجموعة من الساسة. أخبرني أحدهم وهو يناولني السنبوسة:
"التقيت سلطان السامعي في بيروت. تغيرت ملامحه، لم يعد هو سلطان الذي نعرفه. قبل سفري بيوم قلتُ له: أنا راجع اليمن، هل نسافر سوياً؟ أجابني بالقول "أنا مسافر بلادي" وعندما سألته عنها قال ضاحكاً: إيران".
ضحك سلطان السامعي الليلة مرة أخرى، وقال معلقاً:
"إيش من كلام، أنا يمني"..
التقطت الخيط وسألته:
اليمني سلطان السامعي أين هو مما يجري في تعز؟
"نحن مع إيقاف الحرب المجنونة. عملنا أكثر من مبادرة لإيقاف الحرب. طرف الحوثيين وافق عليها ووقع عليها. أما الطرف الآخر، المقاومة، كانوا وافقوا ابتداء ثم غيروا رأيهم".
أجاب سلطان السامعي.

تساءلت أمامه:
الحرب في تعز أخذت طابع الجريمة. من المجرم رقم واحد بتقديرك؟ هل الحرب في تعز بين حوثيين ومقاومة أما بين أطراف؟ عملياً لو توقف الحوثيون عن إطلاق النار وانسحبوا ستنتهي الحرب في تعز. ماذا ينتظر الحوثيون؟
قال سلطان:
"كل الأطراف أخطأت، ابتداء بالحوثيين الذين نزلوا إلى تعز"..
وسألته:
هل أخطأ الحوثيون لأنهم نزلوا إلى تعز أم لأنهم دخلوا إلى صنعاء؟
قال، في نبرة منقعة بفقدان الأمل:
"بل لأنهم تمددوا بغباء في محافظات ليس لهم بها حاضن. خلقوا أعداء كثر. أنا نصحتهم من البداية لا ينزلوا تعز والجنوب. لكنهم كانوا يعيشون حالة نشوة انتصار في صنعاء".
استوقفته:
لهم في صنعاء حاضنة اجتماعية. هذا أمر نشاهده بالفعل. هل التهامهم لصنعاء يصنف ضمن التصرف الحكيم، باعتبار نزولهم إلى تعز حيث لا توجد حاضنة "تصرف غبي"؟
يتمتع حزب الإصلاح بحاضنة جماهيرية واجتماعية كبيرة في إب وتعز ومأرب
هل يعطيه ذلك الحق، في تقديرك، في أن يفرض إرادته بقوة السلاح لمجرد أنه نظر من النافذة فرأى الحاضنة؟
قال السامعي:
"الحوثيون أغبياء بلعوا الطعم. وبدون شك هناك مخطط لإضعاف كل القوى التقليدية ومنها الحوثيين، وهو الآن ينفذ".
سألته:
بلعوا الطعم أما أكلوا المزرعة كلها؟ تعتقد أن هناك من خدعهم؟ هل تعتقد أن ما يجري في اليمن مجرد لعبة خارجية؟
قال ضاحكاً:
"بلعوا الطعم وقده يخرج من شقهم. اللقمة كانت أكبر منهم"..
سألته بصورة مباشرة:
ما الذي يجري في المسراخ في تعز؟ قال متحدثاً عن نفسه:
أنا منعت المتحوثيين من دخول سامع وما يجري في المسراخ وراه الجابري الأهوج.
لماذا يجازف الجابري بتلك الطريقة التي قد تقضي عليه؟
"لا أدري. أنا ضد الحرب وضد تمدد الحوثيين" أجاب سلطان.
سألته عن عبد الملك الحوثي فهرب من الإجابة.
أعدتُ السؤال مرة أخرى وبصورة مباشرة فلم يجسر على الاقتراب من السؤال، أو لم يسمعه.
لكنه فضل اختيار إجابة أخرى: "قضية اليمن خرجت من أيدي كل اليمنيين"
قلتُ له: وهذا ينسحب على تعز، إذن؟ قال: نعم، لا يريدون طرفاً منتصراً.
فكرت بسؤال أخير. قلتُ له: خبّرني، ما رأيك بهادي.
انفجر ضاحكاً.
قلت له: ما المضحك في السؤال؟
قال: رأيي فيه مثل رأيك فيه.
وقلتُ له: يقولون إنك خائن؟
قال: لأنهم يريدونني كما يشاؤون.
قبل سبعة أعوام، في أغسطس من العام 2008، همس سلطان السامعي في أذني وهو يقف بمحاذاتي في نهار صنعاء القاسي:
"من يتزوج امرأة من غير وطنه .. خائن"
ولم أكن خائناً قط، أما سلطان، فابتلعته المنافي.
تذكرتُ سلطان القديم، الذي دونت اسمه على غلاف كتاب باللغة الإنجليزية وفقدته في مطار القاهرة قبل سنين بعيدة. سألتُ سلطان القديم بلا رسميات:
سلطان، هل سنقضي، أنت وأنا، باقي أعمارنا في المنافي؟
أجاب بثقة مفاجئة: أنا متفائل يا مروان، سينتهي هؤلاء جميعاً.
لم يقل لي من يقصد بهؤلاء، وما إذا كان واحداً منهم، غير أن كلماته تلك بدت لي ممكنة، وقابلة للتصديق.
المصدر | الخبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.