وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    عصابة حوثية تعتدي على مواطن في إب بوحشية مفرطة    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق إلى الحتارش
نشر في الخبر يوم 27 - 05 - 2016

عندما سألت صديقتي عن شعورها عندما تمسك بالقصبة وتشفط دخان الشيشة إلى أعماقها، وهو سؤال عبثي ليس من باب التحرش بالصديقات لا سمح الله، فأنا لا أفعلها أبدا، لكنه من باب ما إذا كان التحرش الفكري هو سبب خيبات تعبئة الصدر بدخان ممزوج بنكهة فاكهة العنب الخفيف أو الأناناس.
ماكنت لأسألها لولا أني رأيت في عينيها جرأة لم أعهدها عليها من قبل، ربما كانت تمر بحالة صدق ونشوة ، فقالت : " أشعر مع شرب الشيشة باحتياجي للذهاب إلى الحمام مرات عدة، فالدخان الذي يمتزج بهواء الأمعاء يتحول إلى مغص خفيف ووخز في الأحشاء، أحيانا أشعر بالقرف من الحياة ومن أوجاعها. فأهرب إلى الشيشة التي تخلق لي حالة من رجع الصدى والانطواء المشبوب بالانتقام من الكون، فأسمع نفسي مع صوتها، وأرى كمية الحنق الذي يملأ قلبي من هذا العالم الذي لا يفهمني ولم أستطع إلى الآن فهمه، وأعلن تمردي على تعاليم المجتمع، وعلى كل شيء، أرى العالم يحترق على رأس حجر الشيشة، أشفط الدخان بجدارة فأنا صانعة السحب لتلك اللحظات.
أخبرتها مازحا أن احتياجها للشهرة هو ما يضاعف طلبها للشيشة، فقراءة نصوص تائهة لأدباء العرب المعاصرين هو من يجعل من الدخان مطلبا للحياة والتخلص من القلق، وكثيرا منهم من يسوِّق للقراء أن نفث الدخان من الفم أو من الأنف يحل نصف مشاكلهم، مع أن ثلة من مدخني السجائر تعرضوا للتحرش في صباهم، بشكل أو بأخر وهذا هو الفارق بينهم وبين مدمني الشيشة الذين تعرضوا بشكل أو بأخر لتحرش فكري من كُتاب ملاحم الدخان خريجي "مدرسة لاقطي البوري" . لا أدري لما تذكرت ساعتها قول الشاعر طه عدنان:
"حينما كُنتِ حالِمَةً
مثل قصيدةٍ رومانسيةٍ
قبل أن تُفسِدَكِ اللايكات
وغَزَلُ النّقاد
على الفيسبوك".
هذا المكان الموحش يذكرني بأشياء غريبة، هذه الحجارة والصخور ورائحة الموت، وانتظار قرار التحالف بالتقدم نحو صنعاء، اللعنة التي تحاصرني وأنا بين "فلقتي الفرضة وزب نهم" المطل من بعيد، تجعلني أشعر بالاختناق وأنا قابع هنا لعدة أشهر ، الشعور بالوحشةوالإحباط والخيبة هو ما بقي لي مع طول انتظار للمجهول. منذ أشهر لم أضحك من قلبي ضحكة مدوية، فقط أتذكر وأنا مع أصدقائي وقد تجاوزنا الفرضة وتقدمنا باتجاه خط صنعاء بجنون وبدون غطاء جوي ولا غطاء مدفعي، حوصرنا خلف بعض الصخور، وإذا بتلفون صديقي صلاح يومض، ينبئ عن بدء اتصال، قلت له اغلق الجهاز نحن في معركة سيفضحنا، وكلما أضاء كان صلاح يرفض الرد ،كنا متخفيان خلف الصخرة، ولحسن حظنا كان وضع التلفون على الصامت، فلو سُمع رنين صوت التلفون لانتهى أمرنا جميعا ،حيث لم نكن نبعد عن مليشيات الحوثي سوى أمتار، لدرجة أننا كنا نسمع تحركاتهم في وسط العتمة، التي لا ضوء فيها سوى لمعان النجوم أو ضوء الرصاص الذي لا يكاد ينقطع إلا ليبدأ من جديد .
بعد اتصالات متكررة أجاب صلاح وكان المتصل أخوه يبحث عن مساعدة ، فأجابه صلاح : "ساتصل بك لاحقا أخاف أن يسمعونا، أنا في ورطة، وقعنا في الفخ ، لكن أخاه لم يقدر الوضع واستمر في حديثه معاتبا : أنت صرت تستلم بالريال السعودي الآلاف وأنا هنا لا أجد عملا، أريد أن أتزوج!!، ارسل لي بالدعم، قال له صلاح انتظر عشر دقائق إذا ربك انجانا من هذه المحنة ساتصل بك، وإن لم أفعل فاعلم أنهم قتلوني، أمانتك زوجتي، إن قتلوني فتزوجها أنت.
***
كابدت الوحدة هنا، وأنا أنتظر مع رفاقي للشرعية والقيادات الجديدة للجيش والحكومة أن تتحرك وأن ترسل لنا الدعم للتقدم، وتخليص أهلنا في صنعاء من جور المليشيات، لكن الشرعية كانت تغط في نوم عميق لا تعلم أين أنا ورفاقي على الخارطة، مع أن كل الانتصارات التي نحققها نحن وغيرنا في مختلف الجبهات محسوبة لصالحها. "واشرعية وابنت اير ايري العطر مني والعراب لغيري" هذا كان لسان حالنا في جبهة الصخور الموحشة، هذا المكان لم يكن طبيعيا أبدا، ولا أتخيله إلا كهوف ومخابيء لقطاع الطرق.
زاد الضغط النفسي علينا في الجبهة ونحن نسمع أن ما تسمى بمقاومة الجنوب تقوم بترحيل الشماليين من عمال وموظفين على ظهور الشحانات الكبيرة وتتعامل معهم بلا إنسانية، صرخت في غيظ :لماذا خرجنا للحرب لماذا وقف أبناء تعز سدا وحاجزا ليمنعوا مرور الإمدادات إلى الجنوب ؟لماذا اشتعلت المقاومة على طول الخط المتجه إلى الجنوب ؟ إن لم يكن من أجل تخليص أبناء شعبنا المساكين من الظلم والجور وعصابات الكهوف، ما الذي جرى لتتحول المقاومة إلى مليشيات جهوية وتزيد من عذابات ابناء شعبنا المسحوقين؟
عادت بي الذكريات إلى سنة 1990، وأنا مازلت حدثا حينما ألقت الشرطة في مدينة تعز القبض على والدي، وقذفته في سجن قسم الجديري، كانت أول مرة أدخل فيها قسم شرطة ، حيث ارسلتني أمي حاملا الطعام لأبي، كان القسم كحضيرة حمير متسخ ورائحته معفنة، وكان العساكر يتكلمون بأصوات غير مألوفة، وبالكاد كنت أفهم، فتعجبت، سألت الضابط الجالس على كرسي من حديد ماذا عن أبي، فأشار لي نحو باب السجن المغلق ،كان باباً حديدياً في منتصفه فتحات مربعة فعرفت أنه السجن
– قلت للعسكري الواقف جوار الباب : أريد أن أعطي والدي هذا الطعام .
– قال هاته وأنا أعطيه، قلت : لا أريد أن أراه بعيني وأعطيه طعامه، وبعد جدل بيننا، فتح لي الباب، ورأيت غرفة بائسة أرضيتها متسخة، ونصفها من الاسمنت المكسر ونصفها من تراب، رأيت خمسة أشخاص، عليهم أثر القهر، ثيابهم متسخة ويجلسون على خزفة مصنوع من البلاستيك مخزفة محرقة الوسط والأطراف فناديت أبي، فأجابني ووقف وأتى نحوي، وقبل أن أعطيه الطعام قلت له: من هؤلاء أصحاب القسم، لم أفهم ما يقولونه، إنهم يتكلمون بلغة سريعةلم أفهم كثير منها رغم عربيتها .
– قال لا عليك يا بني، هؤلاء من "حق بلاد مطلع"، وعرفت فيما بعد أن أقسام الشرطة في تعز كانت بيد الزيود القادمين من صنعاء وما جاورها، يعملون في تعز التي تكثر فيها الرشاوي والهبات، ويسهل لهم العيش الرغيد، من الرشاوي وأموال السحت.
كانت مدينتنا بائسة لا ماء منذ سنوات ، كنت أصحو من النوم وافرك عيني ولا أجد الماء "اتمواص" واغسل وجهي، حتى المساجد كانت بائسة، ويأتي الماء التابع لمؤسسة المياه ساعة أو ساعتين في الشهر و أحيانا في الشهرين ، ذات يوم أخبرني صديقي المهندس أن السعودية ستنفط مشروع تحلية الماء في المخا، غير أن الرئيس صالح رفض ذلك وقال بالحرف الواحد : "كيف يصل الماء لتعز وصنعاء تظل بلا مياه تحلية" ؟
وفي إجازة عيد أخذنا والدي إلى صنعاء زيارة لبعض أهلنا، وهناك جلس أبي في جلسة قات مع الرجال، وجاء وقت العصر ودخلت الحمام وتوضأت للصلاة، وعندما جاء وقت المغرب ذهبت للوضوء فوجدت الماء متوفرا أيضاً عندها أخذتني الدهشة وعدت إلى المجلس واقتربت من أبي وقلت له: تدري يا أبي الماء موجود في الحنفية من عصر إلى مغرب، تقول كيف وليش حنفيتنا دائما فارغة من الماء؟ ضحك أبي وكل من في المجلس وقال لي : نحن في صنعاء يا ابني ولسنا في تعز !
أبي الذي أعجبته صنعاء يومها فقرر نقل عمله ونقل أسرتنا إلى صنعاء ،ففرص العمل متوفرة حتى بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي ، لأن أسرتنا كبيرة فقد قرر أبي البحث عن وظيفة أخرى هناك ؛ لأن تعز لا توجد بهافرص للعمل الإضافي كصنعاء التي كانت لأبي بمثابة مخرجا مناسبا لكثرة ديونه ومصروفاته. كنتُ ممتنا لأبي لأن الماء موجود في هذه المدينة، بالرغم من أن أجواءها لم تعجبني في البداية ، لكن التحاقي بمدرسة سيف بن ذي يزن كانت بداية استقراري، وبها كونت أولى صداقاتي مع الزملاء الذين يتحدثون كعسكر قسم الجديري في تعز والذين تعودت على لهجتهم بعد فترةقصيرة .
أحببت هذه المدينة بقدر حبي لتعز، وربما أكثر، وتعلمت لبس العسيب ورقصة البرع، وخرجت في دورات مع الأصدقاء، وتعلمت مضغ القات، وحتى مغازلة البنات، وكثيراً ما استمتعت بأصواتهن الحالية عبر الموبايل خاصة بعد أن توظفت و صرت أصرف أكثر من ثلث راتبي الشهري للاستماع إلى تلك الأصوات التي أخذت عقلي، حينها كانت أمي تريد تزويجي من ابنة خالتي، فطلبت منها أن أتكلم مع ابنة خالتي بالتلفون وأسمع صوتها قبل أن أقرر، وبمجرد ان انهيت مكالمتها، قلت لامي لا اريد ابنة اختك البتة . سافرت من صنعاء كثيرا وعدت بشوق إليها، كنت أنسى نفسي وأنا في دورات العمل خارج البلاد ولم يلفت انتباهي ما وجدت من نساء بنصف لباس في أماكن العمل والشوارع ، لم يكن محجبات كبنات البلاد إلا أن ذهني وحسي لم يكن عندهن، ولم أر فيهن أية إثارة تجذبني ، ربما أن الاثارة قادمة من رؤية لابسات البالطوهات السوداء في صنعاء، قد ارتبطت بالمعنى الغريزي في ذهني ؛ فكنت بمجرد العودة إلى صنعاء تعود لي الحالة من بوابة المطار ، حتى شعرت أن ثمة أمر مقلق فنساء كثيرات لم يثرن اهتمامي ، حتى نساء مدن يمنية أخرى لم يؤثرن في ،فقد زرت عدن والحديدة وعدت إلى تعز ولم تكن نساء تلك المدن يعنين لي ماتعنيه البنات في صنعاء.
قلت أسأل صديقي خليل هل هو مثلي أم أن حالتي تستدعي الذهاب لمعالج نفسي، فإذا به مثلي ، قلت له ما تفسيرك للأمر؟ فلم يجد جوابا. وأنا أحاول فهم هذه الحالة عادت بي الذاكرة إلى قصة قرية كانت تشتهر بالكذب والتهويل على غيرما اعتاد عليه أهل القرى المجاورة، تساءل الناس حول هذا الأمر، إلى أن جاء الجواب من رجل حكيم، قال لهم ليست مشكلة جينات فهم من أهلنا وبيننا نسبا وصهرا، وليست المسألة متعلقة بالثقافة فكل أنماط قرانا متشابهة وعاداتنا وتقاليدنا واحدة، وليست المشكلة من الماء، فكلنا نشرب من البئر نفسها ، وطبعا ليست من الهواء فهواء قرانا واحد "المشكلة تكمن في التربة" التربة هي الكذابة!! حتى من انتقلوا من قريتنا للعيش هناك صاروا مثلهم، فضج أهل القرى التربة التربة.
صنعاء فيها أشياء مختلفة مع أن البلد تعيش الظروف نفسها لكن رقصة البرع في صنعاء فرائحية أكثر من بقية المدن، الراقصون فيها من كل المدن الأخرى لكنهم هنا تعتريهم البرعة الصنعانية، مع أن أقدامهم هي هي التي جاءوا بها من محافظاتهم ، فهل صارت أقدامهم سعيدة في صنعاء رغم عيشها الضنك !
الغزل والعواطف والشجون واللعب فيها له دواعية، ولست أشك سوى "بالتربة !" نعم التربة بها قحب وسلى عجيبان، يقول المثل البلدي "لا يأتي القحب إلا من سلى" إلا في صنعاء يأتي من رائحة الأرض وعرف التراب.
كنت قبل سقوط عمران وصنعاء بأيدي المليشات الحوثية المسلحة ومليشيات الحرس الطائفي، أتجول مع صديقي عبده الطويل، كان شابا مرحا كثير المزح والضحك، أخبرني عن أساليب جديدة لكسب الصديقات.
– قاطعته قائلا : وهل هذا وقته يا جني؟
– أبعد هذا الحزن من وجهك وتعلم شيئا جديدا.
– قلت له : الحرب على الأبواب.
– قال : "ما نزل من السماء استلقفته الأرض".
ولما رأيت أنه منطقي بما فيه الكفاية، قلت له : اعتبر نفسك مدرب تنمية بشرية، وهات ما عندك.
– قال : أهم شيء أن تتقن أسلوب "الرومانطيزية ".
– المصطلح لا غريب ولا بعيد ولا معروف ، سألته ما الذي تعنيه؟
– قال: أنا أعلمك لدهرك، فخذ عني، أنا تربيت في الفرزة، وعايشت الناس كلهم من محوى الأخدام إلى ساكني حده. قلت له هات هات.
– الرومانطيزية مصطلح جديد عليك، فأنت من عصر الرومانسيه، وكلما تحدثت لصديقة تقول لها أحبك وقلبي عليك "يرجف" وكيف أودعك وأنا عليك شاجنن، أنت أسلوبك قديم، تجعل من تسمع تنام وتطفش، لازم لك من تجديد في الأسلوب، خش في الموضوع على طول، حدثها كم هي جميلة ومثيرة وفاتنة، ولا تنسى وصف مواضع الفتنة فيها، ستستحي وتقاطعك وقلبها معلق بكل حرف قلته لها، لا تصدق دواعي العذارى عندها، فقد أغنى نزار قباني مشاعر النساء ببحور شعره، هن بحاجة إلى أسلوب امرئ القيس عندما يحدث حبيبته " فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ "، لا تدعها تنتظر طويلا ،كن أنت قويا وشغوفا مثيرا.
– قلت له يكفي، الله يكفينا شرك أنا في وادي وأنت بواد آخر، ويكفي هذا الأسلوب لاتحول إلى كلب صيد وليس لعاشق، والله يا صاحبي هذه الفترة لم أعد افكر سوى ببيتنا التي بنيناها في صنعاء وأرى كيف سيأخذونها منا أنصار الرب عما قريب، أشعر بالاختناق كلما سمعت عن غزو أحفاد الملكيين لصنعاء، فقد صار حديث المقايل والمجالس.
زادت مخاوفي عندما سقطت عمران، وكل القوى السياسية متخاذلة، والرئيس هادي قال قولته اللعينة "لقد عادت عمران إلى حضن الدولة"، قلت في نفسي: لقد ضحكوا عليك واستخدموك وأنت نائم. المؤتمر حزب القبيلة والسلطة والجيش والوظيفة ، وكان بيد عفاش، والذي كان يرقص طربا، وسخر كل إمكانيات المؤتمر ومكوناته في عمران لمساندة الحوثيين، فساعة الإنتقام التي تمناها الزعيم قد اقتربت، وبدأت تتضح وجهته المضادة للجمهورية كنظام قائم.
الاشتراكي انتقم مما حصل في حرب 94 وسقوط اول معسكراته في عمران، واخرج أفراده للقتال مع المليشيات ومعظمهم من الأسر الهاشمية ذوي الإنتماء المزدوج، للجمهورية والملكية معا.
والإصلاح تم التخلص من قيادته القبلية هناك، وهي قيادات لم يكن لها قبول في وسط مجتمعها بسبب التحريض الدائم أو لكونهم كانوا مجرد قبائل محافظين على عادات لم تكن بمستوى البلد ، فالقشيبي المنتمي لعمران و"لجمهورية حاشد"، والتي لم تكن على وفاق مع "جمهورية الطيرمانات" في صنعاء دافع كثيرا وذهب ضحية كل القوى من الإصلاح إلى الاشتراكي والمؤتمر وهادي، لقد تمَّ قتله بطريقة بشعة، كان رجلا عسكريا يتسم بالعناد، وعندما وصل إليه متطوعون للدفاع عن عمران رفض تسليحهم من مخازن سلاح الدولة التي بحوزته، في خطوة لم تكن متوقعة، وهو في أسوأ ظرف في تاريخه، ولو أن قائدا عسكريا آخر مكانه كان قد انتوى المواجهة لجند حتى الكلاب ولم يكتف بالبشر، لكنه رفض تسليح من أتوه متطوعين من مختلف أنحاء البلاد، واعتبرهم غرباء على القبيلة والمحافظة، وتوزعوا في اللواء 310، في كل المواقع التابعة للواء 310 ما عدا الموقع الرئيسي الذي ينزل فيه القشيبي، وصمدوا بأسلحتهم الشخصية إلى ما بعد سقوطه شهيدا، بأيام انسحبوا من جبل ضين، والمواقع المجاورة.
التاريخ كفيل بإيضاح سقوط عمران كأول حصن من حصون جمهورية سبتمبر، وكيف تخلت القيادات العسكرية عن لواء من أهم الوية الجيش، ولم تكن خيانة وزير الدفاع الهاشمي الحسني كافية ولا مقنعة فالجميع أخطأ وشارك في إسقاط عمران.
سقطت العاصمة في ليلة لعينة، برعاية أممية، وجمال بن عمر هو عراب الانقلاب بلا منازع، ليلتها كنت في صنعاء وقد حملت سلاحي الشخصي مستعدا للحرب والمواجهة، كانت العملية القيصرية عسيرة، فمن خيانة الرفاق إلى بيع الإصلاح وهروبه من المواجهة لأنه وقع في فخ سيقتلونكم وكل العالم سيضربكم، لم يكن هناك قوة وطنية تحرك الجماهير، وانما أحزاب مخترقة من قبل الهاشمية السياسية تآمرت وانسحبت عن مواقعها لتحل محلها قوى التخلف وأحفاد الملكيين.
كنت أرقب إصلاحيي عمران وأشعر بقهرهم من حزبهم الإصلاح، كيف تركهم، وكيف تحولوا إلى مقاتلين دخلوا صنعاء مع الفاتحين، نكاية في حزبهم وفي هادي وفي رفاق آية الله الخميني الحداثيين.
لم تكن هذه القبائل تعرف العمل الحزبي فمن يريم إلى رازح لا توجد أحزاب وبرامج سياسية توجد قوة يمضي الناس خلفها وسلطة يقتاتون من فتاتها، وتتوزع القوة والسلطة بين ثلاثة الشيخ والفندم والسيد، والأحزاب كلها أوعية وأدوات تجميل للصورة البشعة التي طالما حاولنا إخفاء قبحها أو إخفاء وجوهنا من قتامتها. والمجتمع تبعا لمن غلب.
كل النظريات الحزبية من اليمين إلى اليسار فاشلة، لم تفلح في خلق وعي مجتمعي يجعل من المجتمع مدافعا عن حقوقه، وعن مؤسساته، وعن ذاته، وعن كرامته، كان كل شيء موجود في صنعاء إلا الكرامة هي من غابت، أخبرت جاري وهو يستمع لي ويضحك، ويقول أنت مستقل من أين تأتي بهذه الأفكار؟ وكنت أرد عليه : من كتاب الوطنية الذي درسته بالصف الخامس.
بعد هروب الرئيس هادي إلى عدن شعرت بالفرح لا لأجله، بل لأجل النكاية بالمحتلين الحمقى.
وفي ظهيرة أحد الأيام كنت عائدا من البقالة المجاورة لبيتنا في مدخل شارع القاهرة، كانت دورية من القبائل المسلحين يقفون على مدخل بيتنا، خفت أن أتقدم وأسألهم، وخفت من التراجع سأكون طريدة مكشوفة أمامهم، تقدمت كمن يتقدم إلى قبره برجليه، وسألتهم ، ما الذي يجري هنا؟ قالوا نبحث عن مختار حميد، فقلت أنا قالوا أهلا وسهلا أخذوني وأمي تنظر إليَّ من شباك بيتنا وتصرخ بهم :اتركوا ولدي ، ولم يسمعها أحد ، لم تكن غير نظرات الاستخفاف بهذه "اللغلغية" المسكينة التي كانت توزع خبزنا أنا وإخوتي على مساكين الحارة منذ سكنا فيها، وهي تقول عند الله ما يضيع، التفت إلى الحارة وأنا محمول على سيارة تويوتا مكشوفة، كانت الحارة قد تنكرت لأمي أيضا فلسنا سوى "براغلة"، حتى أبي المنافق السياسي الذي طبل للزعيم طويلا لم ينبس ببنت شفه، كان صديقا لأمناء العاصمة على الدوام، وصديقا للوزراء، وكنت أنا الضحية.
كنت أنتظر أن تتم مساءلتي في السجن أو لعله توقيف وسيتم الادعاء العام ، واذهب للنايبة ومن ثم إلى المحكمة، وليته كان. أول شيء سمعته في السجن : "اقحص له جعفر" جاء في ذهني كل جعافرة الدنيا ولم يدر بخلدي أن مؤخرتي كان اسمها جعفر، وأنا مربوط اليدين والرجلين على عمود خرسانة في سوط غرفة تنقصها التهوية والنظافة ، جاء مخلوق متسخ الثياب، معفن الرائحة ليعضني في مؤخرتي صحت مع أول عضة كلب، لكن العض لم يتوقف، بينما صراخي توقف. أدركت ساعتها أننا لم نعد كما كنا نقول:" دخلنا في جحر الحمار، لقد أصبح الحمار كله في جحرنا".
– بعد قحص المؤخرة التي كان اسمها جعفر، جاء ضابط بلباس شرطة وسألني عن العدوان السعودي؟ قلت له سدوا ما علاقتي أنا؟
– سألني لي من أين تأتي بالشرائح؟
– اجبت معي شريحتين واحدة سبأ فون، قاطعني تعترف؟ قلت نعم، لديَّ شريحة سبأ فون وشريحة يمن موبايل، تلفوني شريحتين.
– قال بلا مراوغة، شرائح تضعونها في الأهداف التي يضربها الطيران اليهودي السعودي.
– قلت له ليس لديَّ شرائح عدوان، تلفوني معكم فتشوه.
– وصفني باني محتال ودجال ولن تعترف.
– قلت بم أعترف؟
– أنت وضعت الشرائح في نقم أم في عطان؟
-قلت له وهل هناك شرائح توضع في جحر جبل؟
-أين توضع إذا؟ سألني.
-توضع في أهداف متحركة، كتلك التي وضعتها أجهزة الأمن لجابر الشبواني ومن قبله للحارثي في صحراء مأرب.
– قال اذا أنت تفهم بعمل الشرائح يا حقير، اعترف أحسن لك.
-قلت له أنا أقرأ وأعرف هذه الأشياء من القراءة وحدها، لكن أنت لا تقرأ، قاطعني، لا تحولها حصة ثقافة ومعرفة، هنا أنت متهم بالتعاون مع العدوان، ترسل معلومات من الفيسبوك وتويتر للعدوان وتزرع شرائح.
– قلت له أنا أزرع بقل في الحقل أما الشرائح فأنت اعلم بها مني.
في اليوم التالي شدوا وثاقي على نفس العمود، وجاء محقق جديد، كان وسيما نظيفا خير من العضاض وضابط الأمس، سألني ما إذا كان القيد يؤلمني أو تعرضت للتعذيب. أخبرته أني بخير ولم يحدث لي شيئ، كنت أسخر منه، فلم أدر هل رؤيته قاصرة أم أنه اعمى؟ اقترب مني وقال عظيم جدا، وابتسم، بدأ يتحسس قضيبي، رجوته لا لا ، لم يستمع لي واستمر يداعبه، كنت حينهاأتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعني ،أدركت كم أن هؤلاء القرود بلا أخلاق وبلا شرف، خفت من أشياء كثيرة، ربما تنتهي رجولتي بفعل هذا المخنث، وأعود لاطرد هذا الخاطر عن ذهني وأقول لا لا فيده كانت حانية عليه وهو يمسكه بعناية .
كان أسلوب تعذيب قذر لم أقرأ مثله حتى في كتاب تاريخ التعذيب ل" براين إينز " الذي جمع فيه أساليب التعذيب قديمها وحديثها، لم يذكر هذه الطريقة القذرة ، وفيه أن الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والمكسيك كان التعذيب فيها على شكل ضرب متكرر للسجناء – موجهاً خاصة إلى الأعضاء التناسلية.
لكن هؤلاء الهمج يبتكرون أساليب سفيهة كقرآنهم الناطق، ويبدو أنهم لوطة مخنثين، كان رأسي يدور من تزاحم الأفكار المجنونة. كانوا يعطونني وجبة واحدة في اليوم من بقايا الطعام وماء قذر للشرب، وبعد تناول الطعام، يعاد توثيقي على العمود، ولم يكن يُسمح لي بالذهاب لقضاء الحاجة، كنت أفعلها على نفسي، وفعلتها، أثناء ضربي بحزام جلدي.
كان الغبي يضربني ويقول لي أنت مع يزيد ضد الحسين، أنت ناصبي، أنت يهودي وهابي لعين. أخبرته أني حميري من تعز، ولا أعرف يزيدا ولا الحسين. فيقول لي أنت تسخر من ولاية علي وذريته من الكوثر، أنت لا تقرأ القرآن، هل قرأت إنا أعطيناك الكوثر، فقلت له نعم، فقال : هل عرفت من هي الكوثر؟
فأخبرته أن الكوثر نهر في الجنة، وليس سائلة صنعاء. قال لي كوثر هي فاطمة عليها السلام وقال لي وهابي "معراد" وابن مرملة أيضاً ، و سألني أين سلمان وأين هادي يخلصانك مني؟
وصاح قائلا أنتم خرجتم ضد عفاش، وجبنا لكم بدلا منه سيدي عبدالملك. فماذا تريدون أكثر يا تكفريين؟ تريدون الدواعش أن يحكمونا؟
يومها أحضروا لي وجبة أكل وحلوا وثاقي، وبينما أنا آكل طعامهم المعفن، سمعت أصوات انفجارات، اهتز السجن ويبدو أن بعض جدرانه اندثرت، سمعت أصواتهم يتنادون بالهروب، وإذا بانفجار ثان يزلزل المكان بعدها لم أسمع أصواتهم اللعينة، تركت الأكل ووقفت بكل ما أوتيت من قوة، وذهبت نحو باب السجن وإذا به مغلق بدون قفل، فتحت وخرجت متوكئا على الجدران، كان الغبار كثيفا، واعمدة الدخان ماتزال تتصاعد ، وجدت نفسي في العراء، حينها فقط عرفت أني في شارع مارب قريبا من الحتارش، في سجن مبنى الأمن القومي ، لم أصدق عيني وأحسست بخفة في جسدي فغادرت المكان مسرعا .
عدت إلى البيت بعد أربعة أشهر من التعذيب والاختطاف القسري، لم أكن أعلم بطول الفترة التي قضيتها في السجن إلا من أمي التي عدت إليها وهي لا تزال باكية لم يستقر لها حال، لقد عانت كثيرا وصارت تشكو من أزمة في التنفس، وضعف في عضلة القلب، حضنتني وبكت طويلا، أغتسلت وحلق لي أبي رأسي بمكينة كهربائية، وخلدت إلى النوم بعد أن شربت عصيرا، وظللت في البيت طوال أسبوع، وشعرت بخوف من إعادة اختطافي وأبلغت أهلي برغبتي في التوجه إلى تعز. نصحني والدي بالذهاب إلى مارب، فقلت له وماذا فيها مارب؟ قال ستجد فيها من يؤويك ويأخذ بيدك، صنعاء ليست آمنة لك.
في الصباح الباكر كنت بالطريق إلى مارب، ووصلنا بعد نقاط تفتيش كثيرة، كنت أشعر بالخوف من أن يمسكوا بي،وهناك التحقت بمعسكر المقاومة، وتعلمت بعض فنون القتال، وها أنا ذا عائد يا صنعاء، لقد اقتربنامن الحتارش، وحتما سأصلها وأعود إلى بيتنا في صنعاء.
خاطبت صنعاء من الجبال المحيطة بها كثيرا، قلت لها أنت يا صنعاء تشبهين ولادة بنت المستكفي، والتي تمنح القبلة لمن يشتهيها، تفتح بابها للقادمين، وعشاقها كثر وحتما سيفتح الباب يا صديقة. خاطبتها بعنف واسميتها قحبة المدن، فأي عاصمة هذه التي تسقط أمام عدو تاريخي لها في غضون ساعات، أي عاصمة ليس لها روح مقاومة، إنها مدينة لا تقاوم من جاء إليها، وستستقبلني ورفاقي أيضا، ستفتح ذراعيها لمن جاء محاربا أو عاشقا أو حتى عابر سبيل ، فتربتها لديها القابلية لكل ما سبق.
تأخر حسم معركة صنعاء. هكذا قلت لقائدي، الذي لا يملك جوابا، وسألته له متى سمعت أن الانتهازية قد حاربت في تاريخ الشعوب الموغل في القدم ؟
الانتهازية السياسية هي من أدخلت الحوثيين إلى صنعاء، وهي من حاورتهم في جنيف الأولى والثانية وفي الكويت،بحثا عن أدوار الشراكة المستقبلية وتبادل المواقع، ولذا هذه الانتهازية هي من أوقفتنا طويلا بين هذه الجبال القاحلة.
كلما راودتني نفسي بترك المعركة والانسحاب أتذكر بكاء أمي والمليشيات يلقون عليَّ القبض لوشاية جار سيء أبلغ عني ، جار كنت أتحدث إليه عن الوضع ، ولم أدر أنه أحد الوسيمين العميقين الذين يرسلون الناس إلى الجحيم.
هذه التسويات القادمة ليست عادلة وثأرنا كشعب على من ظلمنا يجب أن يؤخذ، هكذا كنت أحدث رفاقي، الذين يكاد يتخطف قلوبهم اليأس، فأصبرهم ويصبروني.
فاكثر ما نخافه هو توقف المقاومة ليحل محله سيناريو قبلي، ينهي القصة هنا في الهضبة؟ صلح وسيذبحون بقرة صفراء فاقع لونها تشبه الرئيس محمد علي الحوثي! ، ويتسامحون بجثث "الحمير" الذين قتلوا جميعا، وسيأكلون من "فرث" أمعاء البقرة. هذا تاريخ القبيلة وليست أحجيات من حكايات الجدات . ولعل أكثر ما يشد من أزرنا هو وجودنا نحن أصحاب الحق، إضافة إلى وجود أطراف إقليمية لن تقبل بهذا السيناريو.
وحان وقت التحرك إلى صنعاء، بعد فشل كل الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة في الكويت لإفشال تحرير صنعاء، كل مشكلات اليمن مصيرها الحل بعد تحرير صنعاء، كنا نتحرك كالسيل القادم من عل، وصلنا بني حشيش وهي خاوية على عروشها، كانت المليشيات قد اهلكتهم في الجبهات الداخلية، كانت أرضا موحشة، وفي الحتارش كانت الأرض مبتهجة بقدوم المطر والحرية. وهناك أخرج محمد وهو من الجيش الوطني رسالة كانت وصلته من خطيبته، التي كانت تحلم بزيارة الحتارش، سخرنا منه، ما الذي ستزوره الجنية تبعك في الحتارش؟
قالت له:
"في الطريق الى الحتارش
كان الاسفلت يشبه قطعة حلوى المارشميلو
والناس كحبّات التوت التي تساقطت بعد ليلة ممطرة.
كانت الشمس تحط على أكتافهم مثل نهرٍ أفريقي جارف، وكانت ابتسامتهم قد نضجت من شدة الشمس.
هنا كانت الحتارش التي حلُمت بها
كان جدّي يرددها دائمًا
" شلّوش للحتارش"
كنتُ طفلة وقلبي مثل عينِ أمي أبيض
وكانت تخبئ لي قطع " الهريسة" في " مقرمتها" لأنني طفلتها الوحيدة ولأن عمي لديه الكثير من الأولاد
بما يعني ألّا نصيب لي من هذه الحلوى
كنت آخذ طريقي للمدرسة وأرسم في الأرض لغة جديدة كي أصِل للحتارش
حتى كبرتُ واشتدّ حلمي وعرفت الحتارش
كانت الأماني نقية، والأرض رطبة تشدني من كعبي كي لا أنام . وعين أمي تحضنني.
في الحتارش الآن، لا يبدو فيها شيء عصري سوى أحذية الأُسر الكبيرة التي تختال في نظراتها.
قلت له بعد أن فرغ والجنود يضحكون، التقط صورة للحتارش وأرسلها لها، علها تعقل، بعد جنون.
متى تنتهي طريقنا إليك يا صنعاء يا حبنا الازلي ياعشقنا الدائم؟ كنت أتسأل لوحدي، وأردد أبيات البردوني عن صنعاء، في قصيدته السفر إلى الأيام الخضر، والتي أهداها لصنعاء، يقول فيها:
لتلك التي تفى وأخلق وجهها
وأرفع نهديها وأبدع فاها
أذوب وأقسو كي أذوب لعلّي
أوجج من تحت الثلوج صباها
وأنسج للحرف الذي يستفزّها
دمي أعينا جمريّة وشفاها
أذكر مرآسها ؛ عرق مأرب
وأنّ لها فوق الجيوب جباها
وأنّ اسمها بنت الملوك
وأنّها تبيع بأسواق الرقيق أباها
وأنّ لها طيش الفتاة وأنها عجوز
لعنّين تبيع هواها…
وأذكر حجم غيظه لها وعليها، وأرى حنقي وأنا ورفاقي لمدة أشهر ننتظر القدوم إليها وهي نائمة مستلقية للريح والشمس والمطر، لا تأبه لمن عاد أو لمن ذهب.
اما عظيم غضبه فكان في نهاية القصيدة، وكأنه كان معنا في الفرضة ينتظر أوامر التحالف، فقال بلسان حالنا جميعا:
أغني لمن ؟ .
للحلوة المرّة التي أبرعم من حزن الرماد شذاها
لصنعا التي تردي جميع ملوكها
وتهوى وتستجدي ملوك سواها
لصنعا التي تأتي وتغرب فجأة
لتأتي ويجتاز الغروب ضحاها.
لم تكن معركة صنعاء كما كنا نخشى، لم يصمد الهمج ومليشيات الموت والتفجير كثيرا، لقد فروا وتركوا صنعاء، ودخلنا عليهم المدينة من كل باب، لم نكن نحن القادمين من طريق الحتارش كل الآتين لتحريرها، كانت كل طرق اليمن تؤدي إلى صنعاء، التقت طلاع اليمنيين في التحرير، وتقرر تنظيف العاصمة من جيوب الحوثة الإماميين، أول شيء فعله الرئيس هادي، أعاد المارد إلى نصبه في التحرير، عادت دبابة سبتمبر التي أخفاها صالح والملكيين، حتى يطمسوا التاريخ.
ها أنا احكي لك كل التفاصيل وكل شعور واحساس وكل معاناة مرت بي الى هذه اللحظة، أتعلمين يا روحي لماذا أحبك يا أنت؟ لا أظنك تفهمين أن بين الحب والحرب ندوب كثيرة أخطرها تلك التي في قلبي، وأنا معلق في السجن والمخنث يلامس موضع الرجولة مني، تذكرتك وقلت لو فعلها وعدت إليك فارغا، لكنه كان طيبا، واضحك والعن كل طيبة له.
ها أنا بين يديك، لا أحتاج أن تهتمي بي أو تسألين عني، إنما النساء يأسرهن الإهتمام بالتفاصيل، أحتاج فقط أن أرى روحك طيبة نقية على الدوام، فاذا تنكرت الروح للطيية انتهى الحب ولا داع للغة الجسد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.