75 مليون دولار يلحسها وزير الداخلية "إبراهيم حيدان" قيمة بطاقة شخصية    الودُّ عامرٌ بين الحوثي و«القاعدة» في اليمن    ارحموا الريال    الحكومة الشرعية تعلن إطلاق سراح عدد من السجناء بمارب و3 محافظات أخرى    مشروع كويتي ضخم في مارب    بعد إعلان الريال التعاقد معه.. مبابي: "فخور بالانضمام إلى نادي أحلامي"    فرار عنصر حوثي بعد قتل عمه في صنعاء رغم حصار منزله.. والمليشيات تتجاهل الحادثة!    الحوثيون يوقفون منشأة صرافة جديدة ويمنعوها من العمل في صنعاء    جدول مباريات وترتيب مجموعة اليمن و الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    كريستيانو: أشعر بالفخر الشديد بعد موسمي مع النصر    احتجاجات غاضبة في عدن وإغلاق عدد من الشوارع.. ماذا يحدث؟    لم تستطع أداء الحج او العمرة ...اليك أعمال تعادل ثوابهما    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    مسار السلام في اليمن .. اتجاه نحو العودة إلى نقطة الصفر واخر يفتح بصيص تفاؤل وبينهما مشكاة ضوء خافت    وثيقة تكشف عن مديونية كبيرة للبنوك التجارية والإسلامية لدى البنك المركزي    - 17مليار دولار ارتفاع ثروة أغنى أغنياء روسيا خلال السته الأشهر من 2024    محلل سياسي يطالب الدول الإقليمية أن تكون سندا للجنوب    الرئيس الزُبيدي يوجه بمخاطبة واستكمال إجراءات نقل مقرات المنظمات إلى عدن    - توقعات ما سيحدث لك وفق برجك اليوم الثلاثاء 4يونيو    وديا ... إنجلترا تضرب البوسنة    صاحب ومالك "قوات درع الوطن" يصر على العبث بأمن ساحل حضرموت    شقيقة "الحرازي" مدير شركة "برودجي" تكشف عن تفاصيل صادمة أصابت الجميع بالذهول والدهشة خلال جلسة الحكم بالإعدام    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    ميليشيا الحوثي تعلن استخدامها لسلاح جديد    صفعة قوية للحوثيين في قلب العاصمة صنعاء و تجار العاصمة يتحدون مع عدن    نهب وتدمير للاقتصاد الوطني.. كيف يعبث الحوثيون بالقطاع الزراعي؟    الحوثيون يزرعون الموت في الحقول: مزارع يمني يفقد ساقه في انفجار لغم(صورة)    "اليمنيون ذولا مثل الخليل العربي الأصيل": الفنان المصري احمد حلمي يُشيد باليمنيين ويُعبر عن حلمه بزيارة اليمن(فيديو)    "حوثي يقتل ابن عمه ويحرق سيارته: قصة جريمة قتل تكشف الظلام الذي يخيم على صنعاء"    ايثان يدعم مبابي    الوزير الزعوري ونائب محافظ عدن يضعان حجر أساس مشروع مركز الأطفال ذوي الإعاقة بمدينة الشيخ عثمان    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    قبائل يافع حضرموت: يرفضون دخول قوات عسكرية إلى ساحل حضرموت غير نخبتها    الرئيس الزُبيدي يوجّه بمخاطبة المنظمات الدولية لاستكمال نقل مقراتها إلى العاصمة عدن    ارتفاع مبيعات شركة هيونداي موتورز بنسبة 1.9 بالمائة    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    عودة التيار الكهربائي إلى مدينة مأرب بعد انقطاعه لساعات إثر خلل فني    مليشيا الحوثي تقتحم مكتب حكومي وتختطف أحد الموظفين    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    بحوادث متفرقة.. أربعة أشخاص ينهون حياتهم في إب خلال يوم واحد    محمد البكري و أحمد العيسي وخلال سبع سنوات دمرا حياة شعب الجنوب    الإطاحه بقاتل شقيقه في تعز    خبير آثار: ثور يمني يباع في لندن مطلع الشهر القادم    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    خراب    الوجه الأسود للعولمة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد وذيوله
نشر في الخبر يوم 17 - 12 - 2012

خشيت الملائكة قبل أن يوجد الإنسان أن يقع منه الفساد في هذه الأرض، وأن يصدر عنه سفك الدماء، وسجل الرحمن في القرآن هذه الخشية من قبل الملائكة مما سيقع من هذا الإنسان في الأرض سجله في الآية الكريمة: (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، وبين المولى في كتابه جواباً عن هذا السؤال، أو هذه الخشية المصوغة بصيغة سؤال بأن الحل يكون في العلم فقال: (وعلم آدم الأسماء كلها)، ومن بدء الخليقة والصراع دائر بين الفساد والصلاح والإفساد والإصلاح والعلم والجهل.
ولسوء حظ البشر في هذه الحقبة من الزمن أن الفساد أصبح عالياً دولياً كونياً مقونناً، وأصبح للفساد مخالب وأظفار وأنياب وسجون وجند وأتباع ومؤسسات وإعلام وأجهزة، وأما العلم الذي هو العلاج الجذري والحل السحري، فقد جرى أيضاً إفساده حتى يعمم الظلام وتسود شريعة الغاب ويترعرع الفساد والقتام.
فأولاً جرى فصل التعليم والعلم عن الدين، وصار الدين في الغرب وتوابعه في الشرق نقيضاً للعلم؛ بحيث صارت الجامعات علمانية والتعليم علمانياً، علماً أن أول آية نزلت من الوحي جعلت القراءة مشروطة بأن تكون (باسم ربك) فجرى فصل العلم والتعليم عن الدين؛ ففقد العلم بركته وأثره في المتعلمين والعلماء على حد سواء، فصرت ترى فلكياً كبيراً مثل «ساغان» ملحداً، وهو يرى آيات الله في الآفاق!
على أنَّ أخطر ضربة للعلم كانت نظرية «داروين»؛ إذ حاول أن يحل «نظرية التطور» محل حقيقة «الخلق»، ليتخلص من فكرة الإيمان والدين المركزية، وهي الخلق: (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)، (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض..)، (ألا له الخلق والأمر)، (الله خالق كل شيء)، (هل من خالق غير الله) والآيات بالمئات فلا نطيل في النقول.
لقد جرى ضرب المناعة ضد الفساد بنفي الدين، ثم جرى تنظير الفساد وتأصيله «وأدلجته» من خلال الفصل بين الأخلاق والاقتصاد والأخلاق والسياسة (من خلال نظريات ماكيافيلي وغيره!) والأخلاق والجنس إلى آخر أبعاد الحياة والنشاط الإنساني.
ثم جرى توثين الدين اليهودي والمسيحي وسلخه عن أصوله الربانية وتوظيفه في خدمة الرأسمالية، ومن قبلها في خدمة الاستبداد والفساد في أوربا القروسطية. لقد تكاملت الحلقة الجهنمية، وزادت إحكاماً بهيمنة الثقافة الغربية والأمريكية بالذات على سائر الثقافات وسائر أنحاء العالم، فتعمقت النظرة المادية للحياة، وأصبح الربح الرخيص السريع عن أي طريق هدفاً، وشمل هذا الكبار والصغار، الساسة والعسكريين والمثقفين والحزبيين فصار الكل معروضاً للبيع والشراء والتجارة، وجرى تخريب الذمم والضمائر وشراء الأقلام والعقول والنخب المثقفة والمفكرة وتعفنت الحياة «وشاطت»، وعمت رائحة الحريق الأجواء!
في هذا المستنقع القذر والخضم العكر، جرى إفساد السياسة في العالم العربي، والتقى الفساد والاستبداد فأحكمت حلقاتها وأظلمت وعمت البلايا وطمت! وكان الفساد وزيادة استشرائه السبب الأول في الثورات، وبالطبع ما رافقه من حماية لهذا الفساد بالعنف والبطش والقتل إن لزم كما حصل مع «خالد سعيد» في مصر، وجرى تشويه الشاب بعد قتله، فكأن النظام قتله مرتين، مرة بإعدام حياته ومرة بقتله من خلال اغتيال سمعته وسيرته وأخلاقياته؛ باتهامه أنه مات بسبب جرعة مخدرات!
لقد انتعش الفساد في مصر وعاش ربيعه الذهبي، ونشأت طبقة من الفاسدين المفسدين الذين دمروا مصر اجتماعاً واقتصاداً وسياسة وأخلاقاً وتعليماً وثقافة و..
وليس الضيق المعيشي الذي عاشه الناس لثلث قرن هي عهد مبارك (غير المبارك والأضداد موجودة في اللغة العربية وفي الحياة السياسية العربية) أقول ليس هذا هو نهاية المطاف. وإنما من أسف بدايته، فها قد سقط مبارك وهو ملقى كالقمامة على سريره في سجنه، وليست هنا المشكلة وليس هنا الحل، فقد ترك في الأرض آلافاً من مواضع العفن من شأنها أن تعفن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الذل الذي عاشه بنو إسرائيل تحت حكم فرعون طبعهم بالذل إلى العصر الحاضر وإلى آخر الدهر، من هنا قال القرآن: (ضربت عليهم الذلة..) إن مشكلة الفساد الأضخم هي الذيول. مثل ذلك كمثل نبت خبيث تقتلعه من الأرض، فتظن أنك انتهيت من معدن الشر وأصله واقتلعته من الجذور، فتفاجأ أنه ترك بذوراً في الأرض، أو كأنواع البصل والدرنات فقد ترك أبصالاً ودرنات، ستظل تنبت نبتاً شيطانياً خبيثاً إلى أجيال قادمة.
ألم تتحرر مستعمرات بريطانيا وفرنسا منذ عشرات السنين! فهل فعلاً تحررت، أم أنها ما زالت تابعة إلى الآن إن في إفريقية وإن في آسيا؟ وما زال الاستعمار يحكم من خلال الوكلاء الذين هم أسوأ من الأصلاء!
متى تتعافى مصر من فلول نظام مبارك وذيول مبارك وذيول نظام مبارك؟ في مجال الإعلام لن تتخلص مصر من الفلول في عشر سنوات، أما الفن فربما تحتاج عقدين من الزمان لإنشاء فن نظيف ليس على طريقة مدرسة «المشاغبين» وعادل إمام، والكاتب المتصهين علي سالم. والحيتان في دنيا البرنس والاقتصاد متى يمكن اقتلاعهم؟ «ونجيب سويرس» شريك مبارك والأنجال الأنذال يستنجد من خلال تلفزيون كندا في مقابلة أجراها معه في دبي (معقل الثوار!!) يقول: أدركونا قبل أن يستفحل الإسلاميون. هذا الملياردير صعد نجمه مع عهد مبارك فأحيلت عليه شركات الاتصال وغيرها طالما العائلة «المقدسة» مستفيدة!
وإذا فاز الدستور بأغلبية 70% مثلاً، فإن الفلول لن يتوقفوا عن إشعال الفتن في مصر.
والمحكمة الدستورية التي زرعها النظام العميل في مصر لتكون أداته في حراسة العلمانية مع العسكر بالطبع، استنساخاً عن تركيا، فإذا جاء أحد يقترب منها صاح الفلول ومن لف لف الفلول: لا مساس بالقضاء!
واحسرتاه على حرية القضاء! بل إن أحد الكتاب الشيوعيين في مجلة يديرها الشيوعيون في مصر يقول: إن عهد مرسي أسوأ ألف مرة من عهد مبارك! وصدق الكاذب! هذا بالنسبة له ولمجموعته من الفاسدين! وقل القول نفسه في الأجهزة الأمنية والجيش و..
لقد خلع «بن علي» «والقذافي» «وصالح» فهل انتهت المشكلات في بلدانهم أم ابتدأت؟! لقد تركوا ندوباً غائرة في شبكة العلاقات الاجتماعية، وحولوا المجتمعات إلى حالة بدائية من القبلية والعشائرية والفئوية والجهوية وسائر هذه التسميات فمتى تتعافى بلدانهم من آثارهم؟
كم شفي أناس من الجدري وترك الجدري ندوبه في وجوههم تشويهاً وأحافير! وأمثال هؤلاء مرض كمرض الجدري، حتى لو تعافيت منه ترك ندوبه! وغداً إذا طاح «المنشار» وطار، فهل انتهت مشكلات سوريا؟ لا بل إنها تكون ابتدأت، فالطائفة الآن تمسك القوة والسلاح والاقتصاد والمفاصل المهمة، وهي تستميت في الدفاع عن مصالحها ووجودها فيما تفهم أو كما فهّمت!
متى تنتهي جراح سوريا إذا انتهت من الأسد؟ متى يعاد إعمار دورها ومدنها ومرافقها وخدماتها التي دمرت؟ متى يعود ملايين مهجريها وكيف يبدأ رجال الأعمال أعمالهم، ورجال الإعمار الإعمار؟ من يعيد اللحمة إلى ما كانت؟ إن الطوائف التي ارتهنت إلى جانب النظام كيف تعيد جسورها مع باقي المواطنين؟ لقد تم تقطيع الجسور وتهديم القناطر.
إن سوريا ما بعد الأسد تحتاج إلى عشر سنين من العمل الدؤوب الجاد وعشرات المليارات لإعادة إعمار ما فعله شخص واحد جلس في المكان الخطأ! وكان هذا الجلوس في القمة قمة الفساد!
إن تغييب الشعب جعل الشعب يدفع الثمن غالياً جداً ومضاعفاً أضعافاً كثيرة. وكلما سارع الناس في علاج الفساد كانت التكلفة أقل والزمن لإعادة البناء أقصر والخطوات أسرع. إن الفساد خطير جداً، وأخطر منه ذيوله وبقاياه في تربة المجتمع بعد اقتلاعه.
هل علمنا الآن لماذا قالت الملائكة منذ بدء التكوين تسأل رب العالمين: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.