واقع مأساوي؛ أصبح الحليم فيه حيراناً، وأضحى المتفائل فيه متشائماً، وبات النور مشوباً بظلمة؛ بسبب هذا الخليفة الذي وصفته الملائكة في سورة البقرة بقولهم: «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..»؛ فنرى واقعاً ينضح بالفساد بشتى أنواعه ناهيك عن سفك الدماء.. ولعل الخالق سبحانه وتعالى يريد أن «يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ». وما يهمنا في هذا المقام هو الفساد الأخلاقي، الذي أصبح سمة بارزة في مجتمعنا اليمني؛ ابتداءً من البيت، مروراً بالشارع، وانتهاءً بأماكن العمل. ومن أجل ذلك وبعيداً عن اتهام أشخاص وتبرئة آخرين نضع هذه التساؤلات على هذا الواقع و«الحليم تكفيه الإشارة»: ألم تلاحظوا أسَراً فسدت أخلاقها من حيث سلوكيات أبنائها وبناتها؟ ألم تلاحظوا شباباً خنّعاً لا خير فيهم؟ ألم تجدوا سلوكيات قبيحة تُعمل في شوارع مدننا وحاراتنا؟ هل كل الموظفين يقولون ويفعلون أم يقولون ما لا يفعلون؟ هل لاحظتم معلماً أو مديراً محترماً وآخر غير محترم في مدارسنا أو مؤسساتنا؟ هل وجدتم دكتوراً يعمل بأمانة وإخلاص وآخر يعمل باستهتار وخبث في مستشفياتنا أو جامعاتنا؟ هل رأيتم محامياً كان همه الأول والأخير الحصول على المال بعيداً عن الجري وراء الحقيقة؟ ألم تكن الوساطة والمحسوبية سيدة المواقف؟ ألم تقرأوا عن إعلاميين يكتبون مراءاة وخداعاً، بعيدين كل البعد عن الرسالة الحقيقية التي يحملونها؟ ألم تلاحظوا الصراعات الحزبية في الجامعات والمقايل والأماكن العامة واضحة؛ وأصبح الحقد السياسي نكتة سوداء في قلب اليمن الأبيض، الأمر الذي يورّث تخويناً وانتقاماً بصورة واضحة أو بأخرى؟. وإذا انتقلنا إلى شقائق الرجال: هل رأيتم مرأة تريد أن تطبق القانون في عملها وهي بعيدة كل البعد عن القانون والصواب؟ ألم تلاحظوا نساءً مخلصات في أعمالهن ويستلمن مخصصات مالية أقل من نساء لا يعملن؟ ألم تلاحظوا نساءً كاسيات عاريات مائلات مميلات؟!! وغير ذلك من الأسئلة التي لا حصر لها. وهذه التساؤلات تقودنا إلى معرفة الحقيقة التي أقولها ومعي الكثيرون: (بلى وجدنا ولاحظنا وقرأنا)؛ بسبب غياب الإنسان القدوة في مجتمعاتنا، هذا الغياب أنتج خصاماً وتخويناً وفساداً أخلاقياً في البيت أو الشارع أو العمل، وورّث بيتاً مشوّهاً في أخلاقه وسلوكه، وأظهر شباباً لا خير فيهم، وأنتج موظفاً قلما يُكنّ له الاحترام والتقدير. هذا هو الواقع المأساوي القبيح الذي يضيع فيه الإنسان القدوة بقصد أو بغير قصد، لكن المأمول هو السيف القاطع الذي ينظر للأمل القادم بروح المسؤولية والأمانة نابعاً من قوة العزيمة وحُسن الاقتداء بمن سلف، الذين كانوا كالبدر ليلة اكتماله في الصلاح والقدوة؛ ابتداءً من الرسول صلى الله عليه وسلم، القدوة الأولى؛ إذ يقول تعالى فيه مادحاً :«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب - 21)، فتراه يقول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»، وهذا من صميم الإسلام الذي حرص على أن يكون الإنسان قدوة حسنة، وجعل للإنسان إذا اقتدى به أحد مثل جزاء من اقتدى به ثواباً أو عقاباً بالإضافة إلى جزائه هو على فعله.. وثانياً لابد من تأمل سير الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم أجمعين – جاء في صحيح البخاري قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخيّر أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم)؛ لأنهم كانوا قدوة حسنة لمن خلفهم. ومثلهم لابد من تأمل سير الصحابة والصالحين والتابعين التي من خلالها يجد الإنسان الواعي النور المبين في وصولهم إلى قلوب الناس بالقدوة الحسنة، وكانوا كالنجوم يهدون السائرين، وقد ضرب لنا القرآن الكريم أمثالاً في النساء لنتأمل المرأة القدوة الصالحة من الفاسدة، فعلى سبيل المثال، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مثلاً للذينَ كفروا امرأة نوحٍ وامرأةَ لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادِنا صالحينِ فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين، وضربَ اللَّهُ مثلاً للذين آمنوا امرأةَ فرعونَ إذ قالت ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجِّني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين، ومريم ابنةَ عمرانَ التي أحصنت فَرْجَها فنفخنا فيه من روحنا وصدَّقت بكلماتِ ربها وكتبِهِ وكانت من القانتين} (التحريم10 - 11 - 12)، فكيف نصنّف نساء الواقع المعاصر، مقارنة بما ورد في الآيات؟. من ناحية أخرى المأمول من الإنسان القدوة أن يكون حسن السيرة والسريرة، متخلياً عن الأنانية، ومتحلياً بالصدق والتفاهم والتعامل باحترام متبادل، مبتعداً عن النميمة والغيبة، مقاوماً لمشاعر الغيرة والحقد ويحاول استبدالها بمشاعر إيجابية، ويعمل على التخلص من الفكر العنصري والتمييز على المستوى الشخصي، ويحرص على تربية الأبناء والبنات على القدوة الصالحة، ويكون قدوة للصغار والكبار معاً، مع الحرص على صلة الأرحام وبر الوالدين، واحترام خصوصيات الآخرين وعدم التعدي عليها، وأن يتصدى للمضايقات التي يمارسها البعض في الطريق العام، ويرفض كل أشكال الفوضى، ويتعامل بهدوء وذوق، وأن يكون متسامحاً محافظاً على لسانه دائماً في البيت أو الشارع أو العمل، في أي مكان خاص أو عام, وفى أي موقف، مع التذكر دائماً أن الله سبحانه وتعالى مطلع علينا جميعاً. بهذه الفضائل وغيرها يكون الإنسان قدوة حسنة يحبه الله والناس أجمعين، ونحن بحاجة ماسة إليها، ولم يتبق إلا أن نستشعر الفضائل التي تجلب الإنسان القدوة الصالح والفاضل ونبتعد عن الرذائل التي تنتج الإنسان المنكر والبغيض، كحامل المسك ونافخ الكير، فأي الطريقين أسلم؟! [email protected]