تعددت المشاكل، وزادت الهموم، واغرورقت الدموع، وكثرت الآلام، وهبّت الأحزان من كل حدب وصوب على الشعب اليمني بجميع شرائحه؛ بعد ثورة تغييرية ارتضاها منذ العام 2011م، وأصبح جلّ الشعب خائفاً، ولا يملكون إلا أن يكدوا ويتعبوا في هذه الدنيا، ونسي بعضهم أو تناسوا الآخرة والسلوكيات والفضائل التي تقرّبهم من ربهم أولاً ثم من الناس أجمعين، وإلى الآن يتمنى هذا الشعب المكافح أن يجني ثمار الثورة اليانعة بكل سهولة ويُسر. ولكن الواقع يقول: الثمار اليانعة تحتاج إلى استراحة محارب مقرونة بوقفات نفسية تأملية من أجل ألا نخسر خيري الدنيا والآخرة، وألاّ نخسر أنفسنا وإخواننا الذين نعيش معهم في هذه الأرض الطيبة، ومفاتيح هذه الاستراحة أسئلة واقعية تفرض نفسها قائلة : أيها الإنسان اليمني: هل فكرت يوماً بنفسك؟ هل أنّبت ضميرك على تقصيرك؟ هل حزنت على واقعك الدنيوي كخوفك على مستقبلك الأخروي؟ هل وفّرت وقتاً من أوقاتك للاستراحة القلبية والوقوف أمام خطيئاتك وسيئاتك وبادرت بالتوبة إلى ربك قبل أن تطلع الشمس من مغربها؟ هل صبرت على ما ابتلاك الله تعالى من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات؟ هل صدقت في أقوالك وطابق خبرك واقعك؟ هل اتقيت الله تعالى وأتبعت السيئة الحسنة وخالقت الناس بخلق حسن؟ هل توكلت على الله حق توكله؟ هل استقمت على الطريقة وبادرت بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان؟ هل وهل وهل....إلخ. أسئلة كثيرة وكثيرة وأشياء أخرى لا يتسع المقام لذكرها، لكن إذا تأملنا الأسئلة السابقة وإجابتها جيداً فخير وبركة؛ لأن الشرع الإسلامي أجاب عليها إجابة مقنعة، وأراد منا أن نتأمل القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين بينا تفاصيلها وعواقب من راجع نفسه وتفكر فيها وأحبّ أن يجني ثمارها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً من حديث أبي هريرة عند مسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، يقول الإمام الألباني: والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسَى الأشْعريِّ عند مسلم: «إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها»، وفي هذا الحديث: طلب من اللطيف الرؤوف الغافر لعباده أن يتوبوا، ليتوب عليهم. وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، فبدأت الآية بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، والنون؛ والتقدير: واللَّهِ لنبلونكم، والمعنى كما يقول العلماء: لأمتحننكم لنعلم المجاهد والصابر مما يصيبه من الْخَوْف وَالْجُوع وَنَقص الأمْوَال وَالأَنْفُس وَالثمَرَات، وختم الآية بقوله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ : أي بالثواب الجزيل على الصبر. كما أن الله تعالى أمرنا بالاستقامة والمبادرة بالأعمال الصالحة من أجل ألا نخاف ولا نحزن فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما جاء عند مسلم : (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا). وكذلك قال الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما – كما جاء عند الترمذي: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة)، وفي هذا بيان لأن نترك ما نشك في حِلِّه، ولنعدل إلى ما لا نشك فيه؛ لأن الصدق: معناه في أصل اللغة: مطابقة الخبر للواقع. كما أمرنا الرَسُول صلى الله عليه وسلم – كما جاء في حديث مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عند الترمذي بقوله: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)؛ فبعد التقوى لابد من عمل الحسنات، ثم معاملة الناس بخلق حسن، والخُلُق كما عرفه العلماء: هو الصفة الباطنة في الإنسان، والمعنى: عامل الناس بالأخلاق الحسنة بالقول وبالفعل. ولا ننسى أن الله سبحانه وتعالى ورسوله أرشدانا باليقين والتوكل في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)، وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً، وتروح بطاناً). ولذلك كان الجزاء من نفس العمل. كل ما سبق أوردناه بمثابة استراحة محارب ليفكر به هذا الشعب ويتأمله وليحارب نفسه قبل كل شيء ويردها إلى الصواب إذا زلت، وما أجمل الفضائل إذا توافرت في الرجال والنساء والأطفال الذين يطمحون لبناء ونهضة اليمن الجديد! وما أحسن تربية أولادنا على هذه الفضائل التي ستكون لنا ذخراً في الدنيا والآخرة! وما أفضل أن يرجع اليمنيون بشكل عام والمتحاورون بشكل خاص إلى الدين الإسلامي ومشكاته المضيئة! وما أطيب روائح التغيير المنبثقة من القرآن الكريم والسنة النبوية مصداقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). [email protected] رابط المقال على الفيس بوك