قبل كل شيء، هذا ليس حديثا في السياسة ولكنه محاولة للفهم في زمن الجنون، كما سبق ان وصفته، وفي لحظة الجنون التي تحتل مساحات العقل الواعي لتغتال هذا الوعي تمهيدا لهذا الزمن المجنون. فجأة وأنا جالسة استمع الى بيان السيسي يعزل فيه اول رئيس مدني منتخب في انتخابات حرة نزيهة، فجأة عادت الى ذاكرتي كلمات لعمر سليمان ردا على سؤال وجهته له أمانبور مذيعة شبكة ال ABC إبان ثورة 25 يناير في مقابلة له معها في 31/1/2011، عما اذا كان يؤمن بالديمقراطية فرد قائلا: «الجميع يؤمنون بالديمقراطية لكن متى تفعل ذلك؟ عندما يكون لدى الشعب ثقافة الديمقراطية». ترى هل كان عمر سليمان اكثر وعيا منا جميعا؟ ذلك ان كل بلدان الربيع العربي تعاني مما عانت منه مصر خلال العام الماضي والله وحده يعلم الى اين تؤول الأمور. أستميحكم عذرا فما زلت لا افهم، ولا يظن احد منكم انني ادافع عن الدكتور محمد مرسي لشخصه او لمعتقده، ولكنني لا افهم كيف لشعب قهر ثلاثين عاما سبقتها اعوام من الاستبداد رغم ما فيها من محاولات لتحقيق العدالة، ثم امتلك الشعب ارادة ليثور على رموز كان العدل يقتضي ان يعدموا لا ان يحاكموا لما اقترفت ايديهم في حق الجغرافيا والتاريخ، وما اقترفوه في حق شعب ووطن ودولة، وما اقترفوه في حق امة بأسرها، ولا اقصد الأمة المصرية ولكنني اقصد الأمة العربية والإسلامية. لم تكن ثورات الربيع العربي ثورة جياع وإنما كانت ثورة استرداد للإرادة والكرامة. فكيف يمكن لعاقل ان يكسر قيد الحديد الذي كبل يديه دهرا ليلبس في لحظات قيدا آخر من حرير ما ان يوضع على يديه حتى يغيب عقله فيبدأ بالهلوسة، فيتصور ان من سحقوه يمكن ان يردوا إليه حياته، وتغيب ارادته ويسير خلفهم كما سارت الفئران خلف صاحب المزمار مغيبة العقل والإرادة. من يشرح لي فعلة السيسي في قائده الأعلى؟ هل يمكن أن توصف بغير الغدر وخيانة الأمانة وكل الكلمات التي جاءت في بيانه رغم كل الشعارات والمعاني السامية التي حاول ان يضع نفسه في سياقها ليبرر خيانته، كل تلك الكلمات جاءت ليبدو اكثر قبحا حتى في عيون الجالسين معه عندما قرأ بيانه، هكذا سيذكرك التاريخ. من يشرح لي ما فعله حزب النور السلفي ردا على خصومته مع الإخوان المسلمين. قيل لي ان العلمانيين اذا خاصموا فجروا في خصومتهم، فلم اصدق حتى رأيت هذه الحقيقة في مصر، لكن الإسلاميين لا يفجرون في خصومتهم. انكم تؤمنون بحرمة القيام على حاكم اعطي البيعة برضا الجميع، وحاول قدر ما استطاع ان يخاف الله تعالى ويتقيه في شعبه حتى مع خصومه ومع ذلك لم تمانعوا بعزل مرسي وبيد من؟ إنكم تخطئون مرسي في امور كثيرة، فليكن ولكن لا تنسوا انه قد اجتهد قدر ما استطاع، والله عز وجل سيأجره على اجتهاده. ولكن ماذا فعلتم انتم؟ لقد التقيتم احمد شفيق إبان الانتخابات الرئاسية عدة مرات وصفها شفيق مرة بأنها «مفيدة لكل الأطراف» ومرة اخرى «للتحدث في شؤونكم»، وبررتم أنتم لقاءكم به بأنه حقن للدماء، ثم قبلتم عزل رئيس منتخب رغم ان هذا قرار لا يمثل صوت الشعب كله، وهمشتم رأي مجموعة لا يستهان بها من شعب مصر، وأيضا بدعوى حقن الدماء. لكن تذكروا أنه سيأتي اليوم الذي تقولون فيه: أكلت يوم اكل الثور الأبيض. لقد خلق الله الأرض والكون ومن عليها في ستة ايام، وهو الذي امره بين الكاف والنون، واليوم تحكمون على عبد من عباد الله عز وجل بالفشل من عام واحد في الرئاسة حمل خلالها عبء السنين الستين التي سبقت رئاسته، يا عجبي!! ويا ليت ما تطلبون قادم في زمن تتمنونه. وصفوه بالمجنون الذي فقد صوابه، وبأنه مفصول عن الواقع، وبأنه غير مؤتمن على منصبه لأنه تمسك بشرعية ضحى المصريون بدمائهم وارواحهم لاكتسابها، ويبدو انهم نسوا ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان، قال له: «يا عثمان، إنه لعل الله يقمِّصك قميصًا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم»، وتفسير ذلك أن الله سيجعله خليفة، فإن قصد الناس عزله فلا يعزل نفسه عنها لأجلهم؛ لكونه على الحق وكونهم على الباطل. ظلم مرسي بعزله، ولكن الظلم الأكبر وقع على الشعب المصري الذي تلاعبت به كل قوى الشر مستفيدة من وجع وآلام وجوع الغلبانين والمحتاجين، ومن لا يصدق فليقرأ عن الجيل الرابع من الحروب الذي تحدث عنه بروفيسور ماكس مانوارينج Max Manwaring الذي خدم في المخابرات العسكرية الأمريكية وفي قيادة الجيش الأمريكي، والذي تحدث عن هذا الجيل من الحروب في معهد دراسات الأمن القومي في «اسرائيل»؛ بمناسبة المؤتمر السنوي لأمن نصف الأرض الغربي في 13/8/2012. هذا حديث لا يخص مصر وحدها، ولكنه حديث عن الشرعية والديمقراطية والحرية والعدالة في كل مكان يتحدث عنه الناس ولا يفقهوه. واختم بقول احدهم: كيف يمكن للناس ان يروا كلمة كافر بين عيني المسيح الدجال ورغم ذلك هناك من يصدقه ويتبعه، صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، أليس هذا ما حدث في مصر؟