ساهم الحدث المصري العاصف في إعادة مسار ما يسمى الربيع العربي إلى بؤرة الاهتمام الإعلامي والبحثي الغربي من جديد بعد اشهر من شبه النسيان. خلال أسبوعين كانت كافة مراكز الأبحاث والدراسات المؤثرة على صناعة القرار في الولاياتالمتحدة وأوروبا وبقية العالم تقدم عشرات الدراسات والتحليلات حول مصر ومآلات الربيع العربي. على مستوى الإعلام قفزت أحداث مصر إلى واجهة الصحف والمجلات الكبرى في العالم مثل الإيكونومست والتايم والنيوزويك والغارديان والاندبندنت والفاينانشال تايمز ونيويورك تايمز وغيرها. تحليلات الصحف والمراكز البحثية الدولية اتسمت بمستويات من الحياد والهدوء مختلفة تماما عن سطوة العاطفة والاتهامات والإشاعات والتحريض التي عانت منها وسائل الإعلام العربية، ولعل القاسم المشترك الأعظم بين كافة هذه التحليلات الغربية هو الاتفاق على أربع قضايا رئيسية. 1- "الانقلاب-الثورة" سمها ما شئت والتي حدثت في 30 يونيو وضعت مصر في منعطف سياسي وأمني خطير وهي لم تحل شيئا من الأزمة السياسية المصرية بل فاقمتها. التخوف من عودة الحكم العسكري وتعطيل الديمقراطية وإضعاف مكانة الرئيس المنتخب كلها عوامل ستجعل من الصعوبة بمكان على اي شخص أو حزب أو مؤسسة سياسية أن تحكم مصر حتى لو كان ذلك بناء على انتخابات حرة ونزيهة. وكما يقول بول سالم المدير التنفيذي لمعهد كارنيجي الذي يعتبر أفضل المراكز البحثية المختصة بالشرق الأوسط :" وضع تدخّل الجيش حداً لرئاسة مرسي ولكنه وفّر أيضاً ل الإخوان مخرجاً لأزمة تراجع شعبيتهم ووهبهم شعاراً للتعبئة من جديد، وحوّل التركيز من فشل قيادتهم إلى الطريقة التي تمت بها إزاحة رئيسهم المنتخب." 2- أخفق الأخوان المسلمون في تجربة الحكم في مصر ولم يتمكنوا من استغلال الفرصة الذهبية التي أتاحها لهم الربيع العربي. هنالك نوع من الإحباط في التحليلات الغربية لهذه الحقيقة وخاصة في صفوف مراكز الأبحاث التي كانت تؤيد سياسات أوباما في منح الإسلاميين فرص الحكم والقيادة في العالم العربي على أمل أن يؤدي ذلك إلى تأسيس نموذج عربي للإسلام السياسي المستنير والقادر على الحكم والذي بدوره يمكن أن يخفف من حجم الغضب الموجه نحو الغرب من قبل الإسلاميين والذي يظهر في عمليات إرهابية مختلفة. 3- لم يحقق الربيع العربي حتى الآن الأمال والطموحات الكبيرة التي ارتبطت به في ايام واسابيع الانطلاقات الرومانسية. صحيح انه من السابق لأوانه إصدار الأحكام على عملية قد تستغرق وقتا طويلا ولكل المؤشرات مقلقة لأن المجتمعات العربية نفسها لم تحقق تقدما ملحوظا نحو دول مدنية تعددية. في واقع الأمر تسبب الربيع العربي أحيانا في حدوث انهيارات واستقطابات عديدة في دول باتت الآن تخوض حربا أهلية مثل سوريا. 4- لا يزال الغرب غير قادر على تطوير مقاربة منهجية للتعامل مع الدول العربية التي تمر في مرحلة التحول الديمقراطي بسبب شدة المتغيرات وعدم وضوح مسار التطور في هذه الدول وطغيان الطابع الانقسامي والاستقطابات السياسية والفكرية والطائفية مما يجعل الإصطفاف إلى اي جانب محفوفا بالمخاطر حول مستقبل علاقة الدول الغربية المختلفة بالدول العربية التي تمر في مرحلة التحول. الإطلاع على التحليلات الغربية يكون أحيانا أمرا مفيدا لرؤية الصورة الشمولية بدون الاستقطاب العاطفي الذي يجرفنا في معظم الأحيان، ولكن المهم عدم انتقاء ما يناسبنا ويعزز مواقفنا المسبقة وتجاهل المواقف الأخرى لأن المصداقية تتطلب تقبل الرأي الآخر دائما.