أمام الفظائع المريعة التي جرت و تجري في مصر المحروسة و أمام عيون العالم أجمع ، وحيث تراقب الدول الكبرى الرافعة ليافطات الحرية الكونية و الديمقراطية وحقوق الإنسان حمامات الدم المصري المستباح ببلاهة وعجز و تردد ، يصبح الحديث عن همجية عسكر و شرطة الدولة المصرية مجرد تحصيل حاصل يؤشر على واقع مؤلم و متدهور لا حدود لهمجيته التي لم يسبق ما يماثلها من أحداث منذ إنقلاب 23 يوليو 1952 و الذي جاء بالعسكر ليكونوا المماليك الجدد و ليتحكموا برقاب العالمين ، وليهشموا مصر العظيمة و يبددوا طاقاتها أمام منافعهم و شهواتهم حتى حولوا الجيش المصري لمؤسسة إقتصادية ريعية كبرى في حالة فريدة بين جيوش العالم الثالث ؟. لم نستغرب أبدا وحشية وهمجية الجنرالات وهم يخوضون حربهم الإرهابية ضد شعبهم ! ، فتلك هي حالة نمطية و اعتيادية لجنرالات العالم الثالث ولمواصفاتهم المعروفة و التي تتلخص في السيف و الكأس و الأنثى!! ولكننا تعجبنا أشد العجب من جمهور المصفقين لتلكم الجرائم الهمجية و الذين يحاولون تغطية سوءاتها وفضائحها بحبال من الأكاذيب المكشوفة و الساذجة حتى حولوا الضحية لإرهابي و تحول الذئب الفاشي ليكون حمل وديع! فأنظروا و تأملوا و تدبروا كيف يتم تزوير التاريخ و الوقائع بأرزقية و تألق و حرفنة و خداع لا مثيل له ، رغم أن التكنولوجيا الحديثة قد جعلت المعلومة متاحة للجميع إلا أنهم إستغلوا حتى التكنولوجيا البريئة في تسويق الأكاذيب و مهرجانات الدجل المنظم وفق سياقات هي القمة في الحرفنة و النصب و الإحتيال..! لقد تصورنا بعد مرحلة إنهيار الأنظمة الشمولية في الشرق القديم و التي اكلت الأخضر و اليابس ان تتمكن الجماهير من فرض إرادتها ، و أن تكون المنافسة السلمية وعبر صناديق الإقتراع هي الفيصل في حل الخلافات و تنظيم عملية تداول السلطة ، إلا أنه بعد رحيل الحرس القديم تبين بأننا نحرث في الهواء ( و كأنك يا بو زيد ما غزيت )! أو طبقا للمثل الشعبي العربي القائل ( تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي )! بل أن الأنظمة القمعية البائدة كانت تحرص على بعض المظاهر الشكلية وعلى عدم قطع شعرة معاوية مع الرأي العام المحلي أو الدولي من خلال تغطية فضائحها و إنتهاكاتها خلف الأسوار و السجون و معتقلات المخابرات! فإذا بالوارثين من العسكر قد قطعوا حتى تلك الشعرة المتجعدة المتهاوية وباشروا بذبح ذبائحهم البشرية أمام العالمين و ببشاعة رهيبة مؤكدين بأنهم يحاربون الإرهاب و أهله و يجتثون دابره من خلال إجتثاث الشعب بأسره ، بل بلغت بهم الصلافة لدرجة إستعانتهم بالبلطجية أو الشبيحة ليكونوا هم البديل الجاهز للقمع في حال تلكؤ الشرطة أو تمرد بعض عناصر الجيش عن أداء مهامهم القمعية!! و تلك خطة شيطانية لم تطرأ على بال الشيطان نفسه!! وبهذا فقد أثبت جنرالات القمع عن درجة هائلة من التأهيل و التدريب و الإستعداد لليوم الموعود وهو يوم الإنتقام من الشعب! بدون شك فإن المرحلة القادمة في مصر تحمل في ثناياها مفاجآت و إرهاصات عديدة ستجعل من وضع الشعب بازا لصيده في مأزق كبير ، فالقمع مهما بلغت حدته ودرجته لن يحقق أهدافه و تطلعاته بل سيرتد عارا وشنارا على ممارسيه ، ففي النهاية لايمكن للسيف أن ينتصر على الدم ، ولا يمكن للظالم أن يسود على المظلوم ، فاللباطل جولة وللحق صولة وأي صولة . لقد حاول ضباط 23 يوليو تطويع الشعب المصري و تحويله لخراف جاهزة للذبح ، فذهبوا هم وبقي الشعب يصارع البلوى فتصرعه و يصرعها ، كما حاول الطغاة عبر التاريخ تبييض صفحاتهم بالأكاذيب فلعنهم التاريخ ولاحقتهم لقبورهم الدماء التي أراقوها. واليوم و أمام مذبحة الشعب المصري المخزية اثبتت الأحداث بأن هذه المؤسسة القمعية لاعلاقة لها بالمجاهد أحمد عرابي ، ولا تربطها صلة بأولئك الأبطال المصريين الذين سطروا ملاحم الدفاع عن الثغور و الوطن و تحرير الأرض المحتلة، إنها مؤسسة فاشية تسير على خطى دكتاتور شيلي البائد ( بينوشيت ) وتسير على منهجه الدموي في معاكسة واضحة و بائسة لمنطق التاريخ وحركته السائرة دوما لصالح الشعوب الحرة ، همجية جنرالات الهزيمة في مصر قد أسفرت عن وجهها القبيح وهي تنبذ كل الخيارات و الجهود السلمية و تلوح بالدم و الفتك من أجل إنتصارات وهمية لن تدوم ، وسيلعن التاريخ كل سفاح أثيم.