الثورة الفرنسية لم تكن عسكرية وإنّما شعبية مدنية، طلائعها نخب سياسية وثقافية ومفكرين، وقد استقرت على نجاح ومبادئ تؤمّن الدولة المدنية المتحضرة التي تحمي حقوق المواطنين والعدالة. كما أنّ الثورة البلشفية لم تكن عسكرية أيضا، وقد قادها مدنيون من أصحاب الفكر والعلم، وقد استقرّت على تحالف القطاعات الشعبية العمالية والزراعية والجنود لبناء دولة الشيوعية على أساس الاشتراكية ومبادئ الفكر الماركسي كمرجعية نظرية مرنة في التطوير والإضافة عليها، ثم إنّ ماوتستونغ ثورة، وكوبا جيفارا وكاسترو أيضا. ما أطلق عليها ثورات فلسطينية قبل عام 1948 لم تكن ثورات بالمعنى الفرنسي والروسي، وهي لا تغدو أكثر من كونها هبّات احتجاجية على الانتداب البريطاني لم تفلح بإنجازات تذكر. ثم إنّ الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1965 لم ترتقِ بأيّ وقت إلى مستوى ثورة بالفعل، وإنّما استمرّت بلباس ثورة متنقلة ومتناحرة واستقطابية ميّزها التفرد والتخبط وعدم الاستقرار، وهي تنتهي الآن إلى لا شيء رغم أن أسباب انطلاقها مستمرة وعلى أكثر سوءاً. أمّا الثورة العربية الكبرى فقد أجهضت في مهدها وقبل أن تبدأ تقريبا. ثورات العراق بعد العهد الملكي كانت كلها انقلابات عسكرية، ومثلها الثورات السورية ما بعد أعمال سلطان باشا الأطرش، وما صنعه القذافي انقلابا في حين كانت أعمال عمر المختار ثورة، والجزائر ثورة حتى إزالة أحمد بن بلا، والحبيب بورقيبة ثورة إلى أن انقلب عليها، وخلع زين العابدين ما زال ثورة حتى الآن، أمّا محمد الخامس فحاله كما بو رقيبة. وفي مصر، سعد زغلول ثورة وجمال عبد الناصر انقلابا. أمّا خلع مبارك فليس ثورة وإنّما إزالة حاكم، وإزالة محمد مرسي انقلاب هدفه تحرير مبارك وإعادة نظامه وليس ثورة، وهذا معنى وصف السيسي للجيش بالأسد الذي لا يأكل أبناءه في إشارة لمبارك العسكري أصلا، أمّا وصف مرسي للجيش بالذهب فإنّه صحيح طالما يُسرَق كأيّ شيء ثمين، وهذه المرّة من السيسي، وقبله السادات الذي مصيره لناظره قريب.