انتظمت أقدام الراقصين على أنغام الناي في حفل عرس شعبي أقيم في ساحة فضاء بناء على طلب العروسين في عودة للتقاليد الموروثة بعيداً عن الفنادق سبعة نجوم التي علبت الدبكة الشعبية الفلسطينية داخل الصالات واقتصرتها على فرقة يتم استئجارها للغرض. تشابكت أيادي الرجال، كلهم أبناء وطن وحدتهم الكلمة القادمة من «سجن عكا» واندمجوا مع محمد جمجوم وعطا الزير والجنازة، الحضور حمساوي، فتحاوي، وشعبية حبش وديمقراطية حواتمة. وأبناء فصائل مختلفه فالعرس لابن شهيد سقط على مشارف بيروت قبل ثلاثة عقود تاركاً خلفه زوجته الحامل بنجله الأول والأخير لتطلق عليه والدته اسم والده القسام ليكون اسمه القسام «تربيع». تمر ذكرى الاجتياح الذي دمرت فيه القوات الإسرائيلية عاصمة عربية وفتحت أبواب الموت والحقد والبغض والكراهية، حين سهلت اقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا لترتكب فيهما أبشع مجازر العصر على سمع ومرأى من شارون وجيشه، ولم تهتز ضمائر القتلة لصرخات الطفولة وبقر بطون الحوامل وإخراج الأجنة والتأكد من قتلها وتركها فوق الجثث. ارتفع الغناء وانهمر الدمع مع فرقة العاشقين.. بالطيارات أول غارة يا بيروت، ويرتفع رتم الراقصين وتسخن حدة الحوار بين الزجالين، حتى ظننت للحظة أن المعركة بين الحمساويين والفتحاويين قائمة. انتهت الرقصة بسلام وتصافح الحمساويون والفتحاويون أبناء العائلة الواحدة، ليكون السؤال: إذا كنتم أحبة أصدقاء في الأفراح والأتراح لماذا لا تعود اللحمة بين شطري الوطن: ليتصدى رجل بسيط توجهه إسلامي كما يبدو يا عمي «أهل رام الله ما بحبوش أهل غزة لأنو أهل غزة من أهل الله»، ليتصدى له رجل نامق.. «يا عمي أهل غزة بتاجروا بالدين، تراهم مع من يدفع أكثر وجيوبهم مليانة قروش». مستقل قال: حماس تعنى برجالها ولا أحد ينتمي لحماس يواجه فاقة فجلهم يعيشون في بحبوحة ولا تنسى شهداءها ولا أسراها ولا معتقليها. ومستقل آخر قال: أيضاً فتح تعنى برجالها وكلهم في بحبوحة عيش، أسراها ومعتقلوها وشهداؤها من أيام عرفات وأيام بيروت وأهل فتح فوق الفوق. مستقل ثالث: إذن من لم يكن حمساوياً ولا فتحاوياً ليذهب إلى الجحيم. ارتفع صوت الناي وانتظم الراقصون من جديد، وقائد الفرقة فعل بنصيحة الشاعر مريد البرغوثي جعل وجهه مقابل وقوف الجميلات، وترك ظهر الراقصين لهن، و»غمزة من عين البنت وانجن الولد» وبالتأكيد لم يكن قائد الفرقة «حمساوياً». خبر من القدس أوقف الدبكة، قطعان المستوطنين تقتحم الأقصى والجيش الإسرائيلي يمنع دخول المصلين. صديق قطري، أحضر فرقة فلسطينية ليوم عرسه فغنت «علي الغترة ولولح فيها» فاندمج الحضور ودبكوا وقلوبهم في القدس.