ينفي نواب محافظة حجة بشدة أي وجود لظاهرة العبيد في دوائرهم، وعندما تحاججهم بأقوال هؤلاء المستعبدين أنفسهم يردون بإجابة واحدة: "هؤلاء أشخاص فقراء يحسبون أنهم سيحصلون على مساعدات". لكن هل يستطيع أحد أن ينكر كيف يتم تقاسم العبيد والجواري بين الورثة مثلهم مثل الأرض والحيوان. النائب عن مديرية أسلم الشيخ عبدالكريم محمد مشعوف الأسلمي ينفي حصول هذا الأمر في دائرته مطلقاً.. وعبدالكريم هو نجل الشيخ الراحل محمد مشعوف الأسلمي، وممثل الدائرة 250 في مجلس النواب.
كان والده أحد رجال الحركة الإسلامية القدامى في اليمن وكان إلى ذلك من قدامى المشائخ الذين عاصروا مجالس شورى ما بعد الثورة: الشورى، الوطني، الشعب التأسيسي، الشورى، الوحدة.
وفي عام 1993 انتخب المواطنون نجله عبدالكريم ممثلاً لهم في مجلس النواب كمرشح عن حزب الإصلاح. لكن الشاب الذي واصل دراسته الجامعية بكلية الهندسة جامعة صنعاء وعضو البرلمان غيَّر قناعته سنة 97 وخاض غمار المنافسة البرلمانية تحت لواء المؤتمر الشعبي العام ومذ ذاك وهو يترشح باسمه.
يشغل حالياً مقرر لجنة الخدمات في مجلس النواب وقال إنه قرر أن لا يترشح في الدورة القادمة إلى البرلمان من جديد.
يتحدث في هذه المقابلة مع المصدر أونلاين عن عدد من القضايا الراهنة والضرورية: العبيد والجواري، العمل البرلماني، اتفاق 17 يوليو، وقضايا أخرى ساخنة...
* هل فعلاً يوجد عبيد وجوارٍ في تهامة وبعض مديريات حجة، ولا تزال تجارة الرق موجودة في اليمن؟ - بكل تأكيد لا يوجد أي عبيد في تهامة وليس هناك أي تجارة بأي شكل من أشكال الرقيق.. ما هو موجود فعلياً؛ هي فئات من المجتمع كان أجدادهم في الماضي عبيداً والظاهرة كانت في كل مكان، كما تعلمون، لكن بعد قيام الثورة وصدور القرار الجمهوري الذي أنهى فكرة الاستعباد تم تحرير جميع العبيد.. ما هو مثار الآن؛ هم بقايا تلك الفئات الذين تم تحريرهم، ولكن للأسف الشديد، هؤلاء الناس موجودون كطبقة اجتماعية في مستوى أقل من الطبقات الأخرى وبقيت مهضومة فعلاً، تعاني الفقر والحرمان بشدة وينتشر داخلها التخلف والجهل بشكل كبير، وهم في الواقع بحاجة إلى تدخل حقيقي، سواءً من قبل الدولة أو من منظمات المجتمع المدني لرفع مستوى هذه الشريحة الاجتماعية.
أؤكد أنه لا يوجد أي استعباد لهذه الطبقة، فهم أحرار مثلهم مثل الآخرين.. كثير منهم تعلموا وصاروا مدرسين ووجاهات. لكن تبقى الأغلبية طبقة مسحوقة. والحقيقة أن الفقر موجود في تهامة وهناك كثير من الناس يعانون الظروف نفسها.
* لكن الصحافة ووسائل إعلام مرئية ومسموعة نقلت الواقع، وقابلت حالات من هؤلاء العبيد.. هل تستطيعون أن تنكروا مثلاً كيف يتم تقاسم الورثة التركة ويكون العبيد والجواري جزءاً من هذه التركة مثلها مثل الأرض والحيوان وسائر وسائل التملك؟ - هذا الكلام مبالغ فيه وجميع الوثائق التي ظهرت في الفترة الأخيرة، التي تقوم بتقاسم العبيد، هي وثائق من الماضي، ليست وثائق حديثة، في الفترة التي كان هناك فعلا عبيد عندما كانوا يعتبرون العبيد كسلعة تباع وتشترى وتوَّرث.. لكن لا يوجد أي وثائق حديثة تؤكد هذا الأمر.. وأتذكر تلك الحادثة التي حصلت في كعيدنة، وهي حادثة شاذة جداً ومرفوضة تماماً، والذي قام بها، سواءً بحسن نية أو بسوء نية، حتى الوثيقة التي اشترى بموجبها، والتي تثبت أن الشخص كان مملوكاً، هي وثيقة قديمة جداً، وبالتالي فهذا الموضوع نحن ضده، وإذا ثبت مثل هذا الشيء فنحن نطلب من الصحافة إظهار مثل هذه الوثائق وإبرازها.
* تلك إحدى الإثباتات. وتمت العملية بنظر وإشراف وقلم قاض، فالمسألة لم تعد مجرد وشاية. - أنا لا أختلف معك أبداً في موضوع قناف، نحن ندين ما حصل تماماً ولا نقبل به ولا نرضاه أبداً.. لكن لا نقبل القول بأن هذه الحالة جزء من ظاهرة عامة أو أنها تعبير عن واقع اجتماعي قائم. نحن ضدها تماماً، وهي حالة شاذة، ولا تكفي لأن تقول الصحافة أن العبيد في هذه المناطق تباع وتشترى ودليل أنها حالة شاذة؛ هو أن جميع الجهات المعنية تحركت بما فيها النائب العام والسلطات المسؤولة والجهات الحكومية وحققوا في الموضوع وأوقفوهم، ولم يقل أحد بمثل هذا الأمر أبداً.
* في أعدادها الأخيرة، نشرت صحيفة "المصدر" مقابلات بالصور، وبالأسماء، وهي موثقة بالصوت مع عدد من المسؤولين الحكوميين في مديرية أسلم وغيرها، وأفاد مدير مكتب الصحة في المديرية بأن هناك حوالي 5000 عبد وجارية في المديرية. كيف نفهم تصريح هذا المسؤول مثلاً عن حجم الظاهرة التي تنكرونها؟ - أنا قرأت تصريح الشخص المذكور. هو مع احترامي الشديد له، لا يملك الخبرة والدراية الكافية عن الموضوع، ومن تكلم عنهم هم بقايا عبيد الماضي كما ذكرت.. ونحن في المديرية نطلق على هذه الفئات مسمى عبيد، وهم أنفسهم يطلقون على أنفسهم هذه التسمية ولا يتذمرون منها، لكن من يملكهم؟ من يبيعهم؟! لا أحد أبداً. هم في النهاية كواقع قانوني وحقيقي أحرار. وكما قلت كشريحة مهمشة موجودة في المجتمع هم موجودون ولكن ليسوا مملوكين لأحد.
* لنكن صريحين.. هؤلاء العبيد لا يزالون يمارسون الأعمال الشاقة، ويُتعامل معهم في السخرة ويخدمون أسيادهم، كأي رجل مملوك لسيده، ويتوارثون العبودية.. أليس كذلك؟! - حقيقة هم لا يزالون موجودين ويعيشون في تجمعات كبيرة جداً ويشتغلون عند بعض المشائخ، لكن لا يعملون إلا بأجرة مثلهم مثل الآخرين، وتعطى لهم حقوقهم تماماً، وإلا كيف يستطيع أن يعيش! هو يعمل كعامل كأي شخص. وكثير منهم كما جاء في المقابلات، التي نشرتموها، ذهب إلى السعودية ولم يجد عملاً ثم عاد ورجع هناك يشتغل.
* لكن هم يقولون إنهم يفرون من عند أسيادهم ويهربون إلى السعودية "تهريب"، حسب المقابلات التي أشرت إليها، أنا لا أجادلك، ولكن أناقشك وأرد عليك بكلامهم، ومن واقع المقابلات التي أجريت معهم وأكدوا هم ذلك.. لماذا يجب علينا أن لا نصدقهم؟! إنهم يشكون.. - إذا كان هذا عبداً، كما يذكر هو، فهل سيستطيع أن يتكلم بمثل هذا الكلام عن الشيخ ويقول إن الشيخ طمّاع وظالم، كما جاء في المقابلة، والشخص الآخر الذي يقول إنه عبد لبني عامر، وبني عامر قبيلة كبيرة وتعدادها يزيد عن ألف نسمة فهل يعقل أن يكون شخص عبداً لقبيلة بهذا التعداد.. من هو سيده بالضبط؟! هناك جهل، عند هذه الطبقة المسحوقة، وعندما يأتي أي شخص يتحدث عن تحسين أوضاعهم هو يطرحون هذا الكلام.. هم يتمنون أن تأتي أي جهة لتحسين أوضاعهم المعيشية. هم فعلاً قد يكونون إلى حدٍ ما مضطرين للعيش بجانب المشائخ وأصحاب الأرض، ليس لأنهم مجبرون بل لأن لقمة العيش هي التي تجبرهم، لأنهم لا يجدون عملاً إلا عند ومع هؤلاء.. فعندما يذهبون بحثاً عن مصادر عمل في أماكن أخرى لا يجدون، لكن هنا يجدون عملاً، وبالتالي يبقون.
* إذا سلمنا جدلاً بأن هؤلاء المساكين من فئات عبيد الماضي، الذين تقول إنهم ينحدرون من سلالة العبيد، فما هي الكوابح التي تعيق عملية اندماجهم في المجتمع، أليس لأن الناس يتعاملون معهم كعبيد أم إنهم هم يشعرون بالنظرة الدونية نحوهم لماذا؟ - هناك عدة عوامل جعلتهم باقين على مثل هذا الوضع؛ العامل الأول ضعف التنمية عند أجهزة الدولة، لا يوجد لديها برامج تنموية هادفة تستهدف مثل هذه الشرائح والفئات المهمشة اقتصادياً وتعليمياً، حتى مستواها الثقافي متدنٍ جداً لدرجة أنهم هم أنفسهم مقتنعون بأنهم عبيد مع أنه لا أحد يملكهم، هم يطلقون على أنفسهم عبيد مع أنه لا يوجد لهم أي مالك، ولكن المجتمع أيضاً ساهم في بقاء مثل هذا الشريحة بعدم تعاونه معهم، وبالتالي ينظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية. أيضاً هم بأنفسهم لا يعملون شيئاً لتطوير مستواهم للخروج من هذا الواقع المزري. طبعاً البيئة المحيطة بهم لا تساعدهم على الانتقال من واقعهم هذا.
* المعلومات المتوفرة لدينا، أن هذه الشريحة أو هؤلاء العبيد لا يستطيعون الحصول على ثبوتيات الهوية (بطائق شخصية) لكن نجد أغلبهم يمتلك البطاقة الانتخابية، وبالتالي يتم أيضاً استخدامهم يوم الاقتراع لترجيح كفة أسيادهم المرشحين. - ليس صحيحاً على الإطلاق.. الذي أعرفه أنه لا يمكن قطع بطاقة شخصية لأي مواطن إلا إذا تأكد أنه يمني، ولكن الذي تعمل به الأحوال الشخصية والمدنية، أنها تطلب معرفين وشهوداً يعرفون بأي مواطن يطلب البطاقة. وهكذا الحال في المديريات كلها. وهو إجراء سارٍ على الجميع، سواءً مع هذه الفئة أو مع غيرها. وهو إجراء قانوني سليم ومعمول به في كثير من دول العالم.
البطاقة الشخصية تستدعي معرفين، لأنها تعتبر هوية وإثبات جنسية. هناك مئات الآلاف من اللاجئين الذين تدفقوا على اليمن من جهة القرن الأفريقي يحاولون أن يحصلوا على الجنسية اليمنية، ومن حق الجهات المختصة أن تتأكد من أن هذا الشخص يمني أو غير يمني.
* السبت الماضي أثيرت قضية العبيد والجواري في اليمن داخل قاعة البرلمان، وطالب النائب عبدالعزيز جباري بإرسال لجنة تقصي الحقائق.. هل أنتم مع لجنة لتقصي الحقائق عن هذا الظاهرة؟ - أنا بكل تأكيد مع تشكيل مثل هذه اللجنة، لأننا نأمل منها أن تتقصى الحقيقة.. مثلاً في مديرتي لا توجد عندي حالة استعباد أو رق، لكن إذا وجدت مثل هذه الحالات في مديريات أخرى، فأنا أرفضها تماماً ولا أقبل بها لأنها مخالفة لشرعنا، ولأخلاقنا، وللمواثيق الدولية.
نحن نعرف أنه منذ الثلاثينات وبعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصبح الناس كلهم أحراراً، وبالتالي إعادة أي شخص الآن للعبودية يعتبر مخالفاً لهذا القانون، وحتى للشريعة الإسلامية التي جاءت لتحرير الناس، وطالما وصلت البشرية جمعاء في شتى أنحاء العالم إلى مرحلة لإنهاء الرق بالكامل فإن إعادة الرق يعتبر مخالفاً للشريعة وللقوانين العالمية.
* هناك منطقة اسمها "المخلاف" في مديرية أسلم، هذه المنطقة يدور حولها الكلام، وتفيد المعلومات أن فيها وجوداً مكثفاً للعبيد، ما هي خصائص هذه المنطقة لكي يوجد كل هؤلاء العبيد فيها؟ - المنطقة هذه هي كانت خصبة زراعياً، وفيها أراضٍ كبيرة صالحة للزراعة، ومصادر غنية بالمياه، وكان معظم الناس يتجهون إليها لكون مصدر الرزق فيها متوفراً بسهولة وبالتالي العيش.. مثلاً عندنا في منطقة "الجبال" وبسبب وعورة الأرض وقلتها لم يوجد فيها عبيد في الماضي، وإنما موجودون في "المخلاف" بحكم توفر الأرض وبالتالي العمل بالنسبة لهم.. وكما هو موجود الآن مثلاً في وادي "مور" يوجدون هناك بكثرة نتيجة توفر فرص العمل.
* طيب.. أنتم نواب حجة وتهامة، لماذا لم تضغطوا باتجاه تشكيل لجنة طالما وأنتم متأكدون من انتفاء الظاهرة؟ - نحن منذ أمس تقدمنا بطلب إلى هيئة رئاسة المجلس موقع من عدد من الأعضاء، ونطالب بتشكيل لجنة لأنه ضروري ومهم، ولا بد من تشكيل لجنة ونستمر في هذا الطلب حتى يتحقق الغرض.. وإذا ثبت لدى اللجنة وجود حالات من هذا النوع، وهي موجودة بشكل خفي ونادر وقليل، فنحن نرفض هذا الأمر ولا نقبله ولن ندافع عنه أبداً.
* دعنا ننتقل إلى البرلمان، لأسألك باعتبارك عضواً في المجلس لثلاث دورات متتابعة، منذ عام 1993، ونحن على مسافة قريبة من انتهاء فترة التمديد لهذا المجلس، إلى أي مدى أنت راضٍ عن أداء البرلمان؟ - على الإطلاق.. أعتقد أن المجلس لديه من الأدوات الرقابية والصلاحيات الشيء الكثير، ولو أتيحت له الفرصة لاستخدامها لتغيّر الشيء الكثير في بلادنا ولتحققت قفزة نوعية في مجال الرقابة والتنمية ومكافحة الفساد.. ولكن المجلس للأسف لا يقوم بهذا الدور، ليس لأنه لا يرغب في ذلك، ولكن لأن قوى سواءً من خارج المجلس أو من داخله تعمل على تهميش دوره أو تعيقه، محاولةً أن تجعل له دور محدوداً جداً ونظرياً.. والحقيقة من يتحمل هذه المسؤولية والوزر الأكبر هي هيئة رئاسة مجلس النواب التي لا تسمح للمجلس أن يلعب دوره الطبيعي، وبالتالي تريده أن يكون هامشياً وضعيفاً.
* كثير من النواب يطرحون هذا الكلام منذ زمن، لكن إذا كان هذا صحيحاً فلماذا أنتم أنفسكم من انتخبتم هيئة الرئاسة مرة ومرات، وأنتم أنفسكم الذين تشكون منها؟ - الوضع ليس بهذه البساطة.. في الواقع معظم الأعضاء عبروا عن رغبتهم في تغيير الرئاسة وعدم رضاهم عنها، ولكن كما قلت من يتحكم في أمر البرلمان وقرارته، هي قوى خارجية من خارج المجلس لها سلطة أكثر بكثير منها، وهؤلاء بكل صدق وبكل أمانة هم مفروضون فرضاً على المجلس وعلى أعضاء المجلس، رغم أن الأعضاء عبّروا عن تذمرهم وضيقهم من هيئة الرئاسة هذه حاولوا تغييرهم، ولكن في النهاية تم فرضها كما فرضت أشياء كثيرة.
* يقال إنك في السنوات الأخيرة لم تعد فاعلاً داخل القاعة كما كنت زمان، رغم أنك من أنشط الأعضاء الذين يبذلون مجهوداً جباراً في اللجان، ماذا حصل؟ - أنا في المجلس منذ برلمان 1993 ومررت بتجربة طويلة في العمل البرلماني، ووصلت في النهاية إلى اقتناع أن ما يدور في المجلس بالنهاية هو كلام للإعلان والاستهلاك الدعائي، لكن لا يغير في الواقع أي شيء.. الديمقراطية عندنا، خاصة في المجلس، شكلية وليس لها أي دور حقيقي في تغيير الأحوال، ولكن الشخص يأتي فقط يتكلم أو يثير موضوعاً من باب إسقاط الواجب ويذهب، لكن هل هناك تأثير حقيقي؟ لا يوجد. أنا من ناحيتي قررت عدم الاستمرار في المجلس في الدورات القادمة، وعزمت على أن لا أترشح للبرلمان مرة ثانية.. وآمل أن من سيأتي سيكون أكثر وأفضل فاعلية منا، لأنني توصلت إلى اقتناع بأن المجلس لا يملك أمره وإنما يسيّر من الخارج.
* هذا تصريح شجاع.. - مقاطعاً.. لا أقول هذا لكي يقولوا إنني كذلك، ولكن لأني أؤمن بأن التغيير هو سنة الحياة، ودائماً هو لصالح الناس، وأن التمسك بالمواقع هو الذي يؤدي إلى تأخر الناس وبقاء الأحوال السيئة كما هي عليه.. أنا متأكد أنني سأكون ناجحاً في مكان آخر أفضل من هذا الذي أنا فيه الآن.. ومتأكد أن الذي سيأتي مكاني سيكون عنده من الحماس والنشاط والفاعلية أكثر مما عندي، وهذا هو السر في التغيير، فهو دائماً في صالح الناس وليس ضدهم أبداً.
* أنت دخلت مجلس النواب خلفاً لوالدك المرحوم الشيخ محمد مشعوف الأسلمي، ولك إلى الآن ثلاث دورات، هل نستطيع المقارنة بين أفضلية هذه المجالس ال3 التي مررت بها؟ - مجلس 93 اعتبره من أكفأ المجالس التي مررت بها، وذلك لوجود التوازن السياسي الذي كان، حيث كان الاشتراكي موجوداً بعدد كبير، وكذلك الإصلاح، وأيضاً المؤتمر بعد أكبر إلى جانب الناصري والبعث والمستقلين، فكانت هذه سر قوته وفاعليته. لكن بعد حرب صيف 94، وبعد أن سيطر لون واحد على داخل المجلس ضعف بدرجة كبيرة جداً. ولذلك أنا دائماً أعتقد أن القوة عندما تتوازن وتتوزع بين الناس يكون هذا في صالح الشعب، واحتكار القوة وكل شيء يؤدي إلى الجمود والتأخر، وبالتالي يكون عبئاً على الشعب.
* بعد هذا الطرح.. هل لا زال النائب عبدالكريم الأسلمي في حزب المؤتمر؟ أقصد لا تزال عضواً في كتلة الأغلبية؟ - بكل تأكيد لا زلت في المؤتمر الشعبي العام ومقتنع بالتوجهات العامة لهذا الحزب، باعتباره حزباً وسطياً بأفكاره ومبادئه ونهجه.. يوجد عندنا بعض الشخصيات داخل المؤتمر تمارس سلوكيات مغايرة لمبادئه ومختلفة عن المنهج النظري للمؤتمر. لكن هذا لا يعني أن سلوك هذه الشخصيات يعبّر عن المؤتمر. وهؤلاء يسيئون إلى المؤتمر أولاً وإلى أنفسهم، ويحمل المؤتمر تصرفاتهم غير الجيدة للأسف وهذا أمر غير عادل.
* تابعنا الأسبوعين الماضيين، الاتفاق بين أحزاب المشترك والمؤتمر الشعبي العام، هل أنت متفائل؟ - لست متفائلاً للأسف الشديد لأنني لا ألمس الجدية من الطرفين، صراحة، تجاه هذا الاتفاق الذي أنجز في فبراير 2009 ويفترض إذا كانت هناك نية أو جدية أن يتم الاعتكاف على تنفيذ بنوده طوال هذه المدة، ولكن تم إهماله كل هذا الوقت ثم تذكروه الآن عندما وجدوا أنفسهم أمام مأزق حقيقي، والطرفان كلاهما في مأزق، بعد أن ظهرت قوى جديدة بدأت تسحب من تحتهم البساط جميعاً، وهذه القوى الجديدة صارت مؤثرة وفاعلة في الشارع وبالتالي أدركت الأحزاب بما فيها المؤتمر، أن الاتفاق ضروري لكي تعاد لهما مكانتهما، مع أن هذا الاتفاق، من وجهة نظري، لا يسمن ولا يغني من جوع. إذا أرادوا اتفاقاً حقيقياً يضمن استقرار الوضع في اليمن كاملاً، فيجب أن يتفقوا مع المؤثرين في الساحة؛ وهم قوى الحراك الجنوبي في الجنوب ومن يقود التمرد في الشمال. هذا أمر موضوعي، لأن هؤلاء فعلاً أصبحوا يمتلكون التأثير والتحكم في هذه المحافظات، وهم من يملكون السماح بإجراء الانتخابات أو عدم إجرائها. أما أحزاب المشترك فلم يعد بيدها شيء ومعظم عناصرها ، خاصة في المحافظات الجنوبية، خرجت من أيديها والتحقت بالحراك الجنوبي.
* هذا الكلام مهم. هل تتكلم بناءً على معلومات لديك أو معطيات واقعية، خصوصاً وأنت تنتمي إلى إحدى المديريات المجاورة لصعدة، وبالتالي تلمس هذا التأثير يمتد الآن إلى داخل مديريتك فعلاً؟ - بكل تأكيد، حركة الحوثيين للأسف أصبحت مسيطرة على الوضع في صعدة بنسبة عالية جداً، ولها امتداد تأثيري في محافظة عمران، ولها تأثير أيضاً في الجوف وكلنا نعرف هذا، ولها تأثير أيضاً في محافظة حجة. وهناك من هو متأثر بأفكار هذه الحركة.. والجهات المعنية للأسف لا تبادر إلى عمل الحلول بل تتصرف دائماً بمبدأ رد الفعل أو على نحو: ما بدا بدينا عليه.
* بمعنى أنك ترى أن الانتخابات إذا أجريت في موعدها بدون الاتفاق مع هذين الطرفين، يستحيل إجراء الانتخابات في هذه المحافظات التي ذكرت؟ - في محافظة صعدة سيكون مستحيلاً أن تجرى انتخابات ديمقراطية.. في أجزاء من عمران سيكون صعباً، وفي أجزاء في من الجوف.. في حجة ممكن تجري الانتخابات على اعتبار أنه لا يزال الموضوع هادئاً، بمعنى لم يتحول الأمر إلى تمرد عسكري كما هو في المحافظات الأخرى بقدر ما هو تعاطف واضح وملموس، ولكن مع ذلك ممكن تجري انتخابات فيها.
* لماذا لا تجري الانتخابات ونتوقع أن يدفع الحوثي بمستقلين وبالتالي يحقق الفوز؟ - لا أدري بماذا يفكر الحوثي.. نحن نأمل أن يتحول إلى حركة سياسية مدنية، وأن يتخلى عن العنف ويدخل الانتخابات مثله مثل الآخرين.. لكنني أشك في هذا التوجه، لأنني ألمس أشياء أخرى وله أهداف أخرى ونوايا ليس من بينها أن يصير جزءاً من النسيج السياسي في البلد، لأشياء خاصة به، ولعدم ثقته بالوضع السياسي الراهن في البلاد..
* إجمالاً. كيف ترى.. هل ستجرى الانتخابات أم لا؟ - لا أستطيع أن أقرر.. ولكن لا تتوفر بيئة آمنة وهادئة للانتخابات. لا نستطيع أيضاً أن نثق في عدم مقاطعة الناخبين، كما لم يعد هناك وقت كافٍ للتهيئة والترتيب والاتفاق ومعالجة الأوضاع... لكنني أتمنى أن تتم الانتخابات حتى نكتسب الشرعية الدستورية، شرط أن تكون نزيهة وشفافة، وأن لا تتكرر أخطاء المرات السابقة، وأن لا تفرز دائماً نتائج لا نستطيع أن نثق بها ولا تعبر عن الشعب وإرادة الناخبين. * في نهاية اللقاء، هل لك أن ترشح 3 أسماء من البرلمان كأبرز من كانوا فاعلين وبرلمانيين حقيقيين؟ - أقدر تقديراً عالياً الأستاذ صخر الوجيه، والأخ علي عشال، والأستاذ القدير عبدالعزيز جباري، هؤلاء ال3 كانوا أكثر الأعضاء فاعلية في هذا المجلس، كانوا فاعلين، وطرحهم وطني ويمتلكون قدرات عالية.
* هل تريد أن تقول أن هؤلاء ال3 يسري تقييمك لهم كأبرز والنواب على امتداد المجالس النيابة الثلاثة (93، 97، 2003)؟ - كان لكل مجلس من يبرز لدى الرأي العام.. ففي المجلس الأول (93) نجد البرلماني القدير الأستاذ يحيى مصلح مهدي، كان قوياً وفاعلاً وبرلمانياً حقيقياً.. وفي المجلس الماضي مثلاً لا يمكن لأحد أن ينسى الدكتور سعد الدين بن طالب ومواقفه القوية في قضايا النفط والغاز وغيرها.. مثل هؤلاء الأشخاص لن ينساهم تاريخ اليمن.
* من ترشح من اللجان؟ - لا أريد أن أكون متحيزاً، ولكن أستطيع لجنة الخدمات، وأيضاً لجنة التنمية والنفط.
* من ترشح أيضاً من المحافظات، أقصد من هي المحافظات التي كان نوابها فاعلين؟ - حسب ما ألاحظ أن الزملاء في حضرموت ينسقون تنسيقاً جيداً فيما بينهم بعيداً عن انتماءاتهم الحزبية، وذلك لصالح تنمية محافظاتهم وقضاياهم، وهذا في حقيقة الأمر دور مشهود كانوا يعجبوني كثيراً..
* تقييمك لأداء الكتل السياسية؟ - كلها ضعيفة جداً.. كتلة المؤتمر توجه من الخارج وكذلك الإصلاح.. لكن يمكن كتلة الاشتراكي تكون هي الأفضل.