مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفاق السياسي الدولي يجمّل "ديمقراطية" السلطة
نشر في المصدر يوم 06 - 11 - 2010

استعرضنا في الحلقة السابقة ستة من أبرز وأهم ملامح ومعالم طبيعة وتركيبة وأداء تركيبة السلطة الحاكمة في اليمن. وفي هذه الحلقة؛ وهي الحلقة الختامية من هذه الدراسة، نستكمل ما تبقى من تلك الملامح والمعالم الرئيسية، لنخرج بصورة واضحة، إلى حد ما، تثبت أن تلك السلطة هي في الواقع أبعد ماتكون عن الديمقراطية ونظامها وفلسفتها وثقافتها وممارساتها، وذلك على النحو التالي :

نشر ودعم وتوسيع نطاق الفساد وحمايته:
اعتمدت السلطة الحاكمة في اليمن، منذ سيطرتها على مقاليد الحكم قبل 32 عاماً نهج زرع الفساد ونشره ودعمه وتعميقه وتوسيع نطاقه ليشمل كافة نواحي ومجالات ومؤسسات الدولة والمجتمع، على نحو مدروس ومنظم ومتعمد ومخطط بعناية فائقة، عبر اعتماده عدة أساليب ووسائل فعالة ومتضافرة ومتكاملة معا، من أهمها وأبرزها:

* التدقيق والتحري الشديدين في انتقاء واختيار وتولية كبار قادة ومسئولي الدولة ومن يلونهم في المسئولية، ممن تتوفر فيهم صفات ومعايير الفساد أو القابلية للفساد والمقدرة الكفؤة على تعميم الفساد والإفساد، دون خشية من أية عواقب لأنهم محميون تماما.

* اتباع منهج تدميري رهيب يقضي بالإفقار العام والمنظم للفرد والمجتمع، باعتبار أن الفقر أفتك سلاح في تدمير المبادئ والقيم والأخلاق على المستويين الفردي والجماعي، وإدخالهما في دوامة عاصفة من إشغالهما بهموم ومشاغل ومعاناة وعذابات الحياة المعيشية والكريمة التي لم تعد في متناولهما بل باتت نائية بعيدة، وبالتالي تدمير وتحطيم دورهما ومسئولياتهما في العمل السياسي والاجتماعي العام والانصراف عن المشاركة الفاعلة في رسم وبناء حاضره ومستقبله المشرق. وهكذا صار الفرد والمجتمع، نتيجة هذا المنهج التدميري التخريبي، يعيش حالة من العزوف والإحباط واليأس وفقدان الأمل والسلبية العامة، وهي حالة عملت السلطة على فرضها على الفرد والمجتمع اليمني.

* ومع اتساع نطاق الفقر والعوز بمستويات غير مسبوقة من قبل، اتبعت السلطة أسلوباً لا يتسم بالأخلاق ولا المسئولية ولا الوازع الوطني والديني، يقضي بإفساد الأخلاق القويمة، وتخريب الضمائر الحية، وتدمير المثل والقيم السامية والرفيعة، وشراء الذمم والولاءات الشخصية غير المشروعة، عبر تخصيص "هبات" تفوق مالية شهرية من رئاسة الجمهورية لآلاف من المثقفين والكتاب والصحفيين والشخصيات الاجتماعية والسياسية، هبات تفوق أضعافا مضاعفة ما يتلقاه هؤلاء من رواتب أو مرتبات وظائفهم الرسمية، وقد تصل عند البعض من أولئك الموهوبين إلى مئة ضعف رواتبهم حسب مستوى تصنيف كل واحد منهم، في حين تعمدت السلطة بإصرار على إبقاء مستويات المرتبات للموظفين العموميين في أدنى مستوياتها لا تفي حتى بسد احتياجات "حياة الكفاف" لعشرة أيام فقط !

الاستيلاء والسيطرة على مؤسسات إيرادية تنموية والمال العام :
ركزت السلطة الحاكمة في اليمن منذ سيطرتها على مقاليد الحكم قبل 32 عاماً، على تحقيق هدف الاستيلاء على مؤسسات تنموية وإيرادية كبرى والسيطرة عليها ونهب الأموال العامة بشتى السبل والوسائل والأساليب، نذكر منها أو بالأصح أهمها، على سبيل المثال لا الحصر، الآتي:

* الاستيلاء التام، بدون حياء أو تغطية أو مواربة، على "المؤسسة الاقتصادية العسكرية"، هذه المؤسسة النموذجية الرائدة التي أسسها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في بداية فترة حكمه "القصيرة" زمنا، العظيمة عطاء وإنجازا، عبر "الاقتطاع" من مرتبات جنود وضباط الجيش والأمن لمؤسسة تعاونية هدفها تحسين وتطوير مستوى حياة الجنود والضباط وضمان عيش كريم ولائق لهم وأسرهم وأبنائهم وأحفادهم من بعدهم، عبر توفير المواد االتموينية ومستلزمات الحياة لهم بأسعار رمزية لا تستهدف الربح بل تقديم الخدمة. هذه المؤسسة التي عملت السلطة الحاكمة الحالية منذ بداية حكمها على إفساح المجال أمامها للاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي وممتلكات الدولة، وأيضا المواطنين في كافة محافظات البلاد، الشمال أولا ثم الجنوب أيضا لاحقا، ومنحت إعفاءات جمركية وضريبية كاملة. ثم قامت تلك السلطة بالاستيلاء عليها بشكل كلي وتام. ولقد تبين ذلك بوضوح عقب الإعلان عن قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م، حيث تساءلت "قيادة وزارة الدفاع" التي لم تجد للمؤسسة الاقتصادية العسكرية أي وضع قانوني أو مستندي أو مالي ضمن هيكلية الوزارة ومؤسساتها ! فتساءلت وطرحت تساؤلها بقوة حول "ماهية الوضع القانوني والإداري والمالي" لتلك المؤسسة، وبطبيعة الحال لم تتفجر "فضيحة " أو تثور أية مشكلة أو أزمة، إذ اكتفت السلطة الحاكمة بمجرد شطب كلمة "العسكرية" واستبدالها بكلمة "اليمنية" فقط لاغير وبكل بساطة ! ولاتزال هذه المؤسسة العملاقة الضخمة، منذ مايزيد عن 30 عاما وحتى اليوم، تراكم ثرواتها المالية والاقتصادية الهائلة عبر الاستيلاء على أراضي الدولة والمواطنين والتمتع بالإعفاءات الجمركية والضريبية التامة، والتحصن بحماية السلطة ودعمها، لاتزال لغزاً محيراً للشعب والمنظمات والأحزاب والهيئات السياسية والاقتصادية والمدنية، ولا يمكن لأحد، مسئولاً كان أو جهة رسمية أو رقابية أو شعبية، أن يتجرأ ويغامر بالاقتراب منها أو فتح ملفاتها أو معرفة مصير أموال وعوائد الجنود والضباط المساكين الذين دفعوا في تأسيسها من عرقهم ودمائهم ومعاناتهم! ومثل هذا المصير الغامض والمريب شمل أيضا "مدينة الشهداء" التي أمر الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي ببنائها لأسر الشهداء! والجميع يعلم المصير "المشين" الذي آلت إليه إلى جانب رفيقتها "المؤسسة الاقتصادية العسكرية".

تدمير وبيع مشاريع القطاع العام بأبخس الأثمان :
تعمدت السلطة الحاكمة في اليمن، منذ سيطرتها على الحكم قبل 32 عاماً، وعلى نحو أخص بعد الحرب الأهلية في 1994م، على تعيين مسئولين يتم انتقاؤهم بعناية لإدارة مشاريع وشركات القطاع العام، تتحدد مسئوليتهم أساساً في تدمير وتخريب تلك المشاريع والشركات كمدخل لبيعها بأبخس الأثمان ولعصابات "مافيا الفساد" بحجة أنها مشاريع فاشلة أو متعثرة رغم حقيقة أنها لم تكن كذلك قبل تخريبها وتدميرها ! ولم يقتصر "دراكولا" الفساد الرهيب على المشاريع والشركات العامة، بل تعداها ليشمل بيع الأراضي الشاسعة المملوكة لجامعة صنعاء، والتي تم شراؤها بأمر من الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي من المواطنين لتغطية التوسعات المستقبلية للجامعة، وكشاهد عيان، بل ومشارك بحكم عملي آنذاك في إدارة الجامعة، لازلت أذكر تماما كيف كان رئيس لجنة الشراء المكلف، الشهيد علي قناف زهرة، ومقرر اللجنة الشهيد سالم محمد السقاف، أمين عام الجامعة، وبقية أعضاء اللجنة المكلفة، يفترشون الأرض ويتفاوضون مع ملاك الأراضي ويدققون في وثائق ملكياتهم ويتفقون معهم على البيع. والشراء ويستلمون الثمن ويوقعون على عقد البيع كل تلك الخطوات تتم من أولها إلى آخرها في نفس الموقع بعيدا عن التعقيدات والدهاليز البيروقراطية! هذه الأراضي الشاسعة التي صارت "شرعا وقانونا" ملكا خالصا لجامعة صنعاء، صيرتها السلطة الحاكمة ملكا ل "المؤتمر الشعبي العام" المحسوب "حاكما" والذي قام بدوره ببيعها ل "مستثمرين"!

استنزاف أموال المؤسسات والشركات الإيرادية ونهبها :
وعلى جانب آخر، وضمن سياق نهج الفساد والإفساد العام والمنظم والمحمي، دأبت السلطة الحاكمة منذ بداية سيطرتها على مقاليد الحكم في اليمن، مشطرا ثم موحدا، على اختيار وتعيين مدراء أو رؤساء لكل المؤسسات والشركات الإيرادية الناجحة وذات الربحية العالية، بما في ذلك البنوك العامة، باتفاق مسبق معهم، على اقتطاع نسبة مئوية معلومة من إيرادات وأرباح ورؤوس أموال تلك المؤسسات كل عام تحت مسمى "نسبة رئاسة الجمهورية"! وتوريده إلى الرئاسة فورا، بعد تغطيته وتمويهه بأساليب الفساد والتلاعب المعتادة، مقابل إفساح المجال أمام أولئك المدراء أو الرؤساء بالفساد والتلاعب ونهب الأموال العامة كيفما يشاؤون وفي ظل مظلة الحماية المبسوطة على أدائهم ومسئولياتهم ! وحتى في حالة فشل أي واحد منهم في التغطية بذكاء على فساده وتلاعبه بالمال العام وفاحت رائحة فساده بشكل واسع يتم تغييره بآخر مماثل، إلى حين أن يتم تعيينه في منصب آخر أكثر أهمية أو يبتعث "سفيرا" للراحة والاستجمام!!

ولعل أكثر أساليب الاستيلاء على الشركات والمؤسسات الإيرادية ونهبها والسيطرة عليها، فجاجة وجرأة ماحدث بالنسبة ل "بنك التسليف الزراعي التعاوني" الذي أطلق عليه مؤخرا الحروف المختصرة "كاك بنك". هذا البنك الذي تم تأسيسه في عهد الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي، أيضا، بهدف تشجيع ودعم ومساندة النشاط الزراعي والمزارعين لزيادة وتطوير الاقتصاد الزراعي والسمكي التعاوني في البلاد، تم الاستيلاء والسيطرة عليه في السنوات الماضية، عبر إدارة تم اختيارها بعناية فائقة لإدارة هذا البنك، وجرى تحويله بقدرة قادر وبمجرد الهوى والرغبة التي تخفي أهدافها الحقيقية من "مؤسسة تنموية تعاونية" كما ينص على ذلك قانون إنشاء البنك الذي لازال ساري المفعول، إلى "مؤسسة مصرفية تجارية" بالمخالفة لقانونه ونظامه الأساسي الساري! وراح يمارس أنشطة "مصرفية" بحتة ابتداءا من التحكم بصرف مرتبات موظفي الدولة، مروراً بإدخال جهات مصرفية خليجية كشركاء، وانتهاءً بتأسيس شركات تجارية متعددة والضغط على مؤسسات مصرفية وتجارية عامة للمساهمة فيها، بدون قانون يسمح بذلك أو ينظمه، إضافة إلى إنشاء صناديق مثل "صندوق التشجيع الزراعي والسمكي" تجبى إليه رسوم مالية على مادة "الديزل" بواقع ريالين ونصف لكل لتر ديزل تحت مبرر تقديم الدعم والتشجيع والحوافز للمزارعين والصيادين، وقد وصلت جملة تلك الرسوم المتحصلة خلال السنوات الماضية إلى ما يزيد عن 700 مليار ريال يمني، دون أن تعرف أي جهة إدارية أو محاسبيه أو يعرف أي فرد متخصص شيئا عن مصير تلك المبالغ الهائلة وكيف تم صرفها، بل وهل صرفت للمجالات المخصصة لها أم لا؟! إن هذه الإيرادات الخيالية تذهب كما ذهبت أموال وإيرادات وملكيات المؤسسات والشركات المماثلة السابق ذكرها آنفا !! ولا يستبعد أن يقوم هذا البنك وغيره بممارسة نشاطات محظورة ومنافية للقانون المحلي والدولي مثل تبييض وغسيل الأموال وتجارة المخدرات وغير ذلك مادام في حصن حصين من المحاسبة والرقابة القانونيين، وهكذا الحال في استنزاف ونهب أموال المؤسسات الإيرادية الهامة في البلاد، يجري في مؤسسة الطيران اليمني (اليمنية) و"شركة التبغ والكبريت" و"مؤسسة الموانئ" و"شركة الأدوية" وغير ذلك من المؤسسات والشركات الإيرادية الناجحة..

فرض الإتاوات والمشاركة بالباطن على المستثمرين :
ولم تترك السلطة الحاكمة تلك، المستثمرين والنشاطات الاستثمارية الخارجية والمحلية، دون فرض الإتاوات والمشاركة في الباطن بنسب في مشاريعهم الاستثمارية بدون مقابل، تحت دعوى توفير الحماية لهم ولاستثماراتهم داخل البلاد ! وهنا لا يجد المستثمر، الذي ليس لديه إلمام بحقيقة الأوضاع في اليمن، أمامه سوى احد طريقين لا ثالث لهما ؛ فإما أن يقبل بالشروط غير المعلنة المفروضة عليه أو يعود أدراجه إلى حيث أتى، وإذا أصر على التحدي والمضي قدما فتحت في وجهه أبواب جهنم من تسليط مدعين بملكية الأرضية التي اشتراها لإقامة مشروعه وخطفه من قبل قبائل موجهين من السلطة، وأيضا خلق العقبات والعراقيل إلى أن يفقد استثماراته وأمواله أو جزءا منها في محاكم لا تتمتع بالنزاهة والاستقلالية ولا يحترم في البلاد حكم القانون وسيادته! هذا إضافة إلى ما يتعرض له رجال الأعمال من الصناعيين والتجار والمستثمرين المحليين من تعسف وإجراءات ظالمة جائرة بفرض مبالغ مالية طائلة عليهم تسليمها للسلطة بين فترة وأخرى سواء في مواسم الانتخابات أو لكسب ولاءات البعض وشراء ضمائرهم وولائهم، وأن لم ينفذوا تلك الإتاوات يتعرضون لشتى صنوف الأذى وإلحاق الأضرار الفادحة بهم عبر مطالبات ضرائبية جائرة ومبالغ فيها وإحالتهم إلى قضاء مسيطر عليه وموجه من السلطة، وإصدار أحكام غير عادلة ضدهم، واختلاق مشاكل وأزمات مفتعلة وتخويفهم بالخطف أو القتل أو السلب !

السعي الدؤوب لتأبيد الحاكم وتوريثه الحكم :
بات واضحا منذ سنوات طويلة مضت أن السلطة الحاكمة في اليمن، وإن لم تمتلك يوماً رؤية أو مشروعاً وطنياً لنهضة وتقدم وازدهار البلاد والعباد، إلا أنها كانت تمتلك منذ اليوم الأول لسيطرتها على مقاليد الحكم عام 1978م، مشروعاً فردياً قبلياً اسرياً فئوياً يتمحور، في كل مفاصله وملامحه ومراحله، حول هدف ضمان استمرارها في الحكم وتأبيد بقائها فيه وإحكام السيطرة عليه بمختلف السبل والوسائل والإجراءات والسياسات والمواقف، مشروعة وغير مشروعة، من خلال ضمان وفرض استمرار شخص رئيس الجمهورية في الرئاسة مدى الحياة من ناحية، وضمان انتقال الحكم وتوريثه لأحد القادة المنتمين إلى أسرته، والذي تجسد في السنوات القليلة الماضية بشخص ابنه العميد أحمد على عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. ومن أجل هذا الهدف وفي سبيل تنفيذه وضمان تطبيقه، تمحورت وتبلورت كل سياسات وبرامج وقرارات وإجراءات ومواقف السلطة منذ سيطرتها على الحكم قبل 32 عاماً وحتى اليوم، ولا نريد هنا الدخول في تفاصيل وطبيعة كل ذلك، لأنها كلها باتت اليوم واضحة وضوح الشمس، بل نكتفي بإشارات خاطفة لأهمها وأبرزها :

* نشر وتعميق وتوسيع دائرة ونطاق الفساد والإفساد والفوضى المنظمة، وإفقار الفرد والمجتمع، وتدمير القيم والمثل والأخلاق العامة، وشراء الذمم وتخريب الضمائر على أوسع نطاق بما يوصل في المحصلة النهائية إلى تيئيس المواطنين وإحباطهم وإفقادهم أية بارقة أمل أو تطلع بمستقبل أفضل.

* تدمير وضرب وتشتيت كل القوى والفعاليات والمنظمات السياسية والمعارضة وتجريدها من كل مقومات ووسائل النفوذ والتأثير والفاعلية لتصبح مجرد واجهات شكلية عاجزة وتقبل بالدوران في فلك النظام ولا تخرج عن إطاره أو تتجه لإحداث التغيير السياسي المنشود.

* إحكام قبضة وسيطرة أفراد أسرة الحاكم من القادة على وحدات ومفاصل وقوى الجيش والأمن على نحو كامل وفعال، والتخلص من كل الشخصيات القيادية الكفؤة التي تتأفف عن القبول بالانخراط في بوتقة الفساد والاهتمام بمصالحها الشخصية، والاعتماد على شخصيات مستكينة "حالها حال نفسها" لا يشتم منها أي موقف خطير لتجميل الصورة لا للتأثير عليها! وهكذا ضمنت السلطة الحاكمة، وخاصة بعد الحرب الأهلية المدمرة في صيف عام 1994م وما تمخض عنها من إقصاء شريك الوحدة وتصفيته وإزاحة واستبعاد عشرات آلاف من العناصر العسكرية والمدنية المحسوبة عليه، من إحكام قبضتها المطلقة وسيطرتها الكاملة على الجيش والأمن باعتباره الأداة القوية والوحيدة القادرة على حماية الحكم وضمان استمراره وبقائه إلى الأبد، بعد أن أصبح تحت قيادة "الأسرة الحاكمة" وسيطرتها ونفوذها الكامل الشامل !

* ومع استمرار المحاولات والجهود الدؤوبة لضمان تأبيد حكم الرئيس ومن بعده ابنه، فإن السلطة الحاكمة شهدت مراحل تطورية في مسيرتها، في البداية اعتمدت على الموالين من أفراد القبيلة الأكبر "حاشد" إلى جانب وإضافة إلى القبيلة الأصغر "سنحان" المنتمية إليها "الأسرة الحاكمة"، ثم جرى تقليص الدائرة لصالح "سنحان"، وبعد ذلك تقلصت الدائرة أكثر لصالح "أسرة الرئيس"، وأخيرا تقلصت الدائرة أكثر لمصلحة الاعتماد على أبناء الرئيس وشقيقيه من دون إخوته دون أن يعني ذلك إزاحة وإقصاء الأخيرين نهائياً من دائرتي القبيلة الأصغر والأسرة، بل إبقاؤهم في مراكز ومواقع ذات قوة ونفوذ ثانويين غير أساسيين!!

كل ذلك مع استمرار كافة الأساليب والوسائل والسبل التي اتبعتها السلطة منذ صعودها إلى سدة الحكم قبل 32 عاما متواصلة من الفساد والإفساد والفوضى المنظمة والإفقار العام وإفساد الأخلاق والقيم والمثل وشراء الذمم، حيث بات من المستحيل وضع حد لها وإيقافها لأنها كانت رافعة السلطة ووسيلتها الفعالة لضمان سيطرتها وبقائها واستمرار وتدمير كل ما يشتم منه تهديد أو خطر ولو متوهما ضدها لأن التخلص من تلك الأساليب والوسائل والسبل المدمرة ووقفها من شأنه أن يؤذن بانهيار السلطة وسقوطها النهائي.

وبعد هذا الاستعراض الضافي لطبيعة وملامح ومعالم السلطة الحاكمة في اليمن ومنهجها في الحكم، عبر أربع حلقات هي قوام هذه الدراسة حول «صندوق الاقتراع.. المفترى عليه»، فإننا نتوجه إلى القوى الدولية النافذة والحاملة لراية ورسالة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في العالم، مستصرخين ضمائرها الحية وقيمها ومثلها الرائدة بسؤال محدد وبسيط يقول:

بالله عليكم وقلدكم الله.. هل السلطة الحاكمة في اليمن وطبيعتها وأداؤها ووسائلها وأساليبها القمعية الديكتاتورية الشمولية الفاسدة والمتخلفة التي استعرضناها في سياق هذه الدراسة، تستحق أو هي بالأحرى جديرة بمواقفكم المعلنة وشهاداتكم التي تصدرونها تترى مشيدة بديمقراطية هذه السلطة وقيم الحرية وحقوق الإنسان التي تقولون وتشهدون أنها ترعاها وتحققها.. أم إن المسألة لا تعدو عن كونها خدمة لمصالح بلدانكم الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية وغيرها ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم بعدها ؟

إن الإجابة تقف حائرة ضائقة مشدوهة تائهة وسط النفاق السياسي المحيط بها.

المصدر أونلاين

الحلقات السابقة:
الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.