بريطانيا تُفجر قنبلة: هل الأمم المتحدة تدعم الحوثيين سراً؟    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    متهم بقتل زوجته لتقديمها قربانا للجن يكشف مفاجأة أمام المحكمة حول سبب اعترافه (صورة)    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    إشاعات تُلاحق عدن.. لملس يُؤكد: "سنُواصل العمل رغم كل التحديات"    ما معنى الانفصال:    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    البوم    الرئيس الزُبيدي يستقبل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ونائبه    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    شهداء وجرحى جراء قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على شمالي قطاع غزة    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    دموع ''صنعاء القديمة''    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية:الأوضاع في اليمن؛ نحو الحل أو التأزم؟
نشر في عدن الغد يوم 01 - 12 - 2011

كتب/عبد الله سلام الحكيمي: وأخيرا تم توقيع كل من السلطة الحاكمة ومعارضة أحزاب اللقاء المشترك على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية "المزمَّنَة" مساء يوم الأربعاء الموافق ل23 من شهر نوفمبر الجاري في مدينة الرياض، بعد عشرة أشهر من الثورة الشعبية السلمية العارمة، ولا تزال، وبعد أشهر عديدة من الكر والفر والمماطلة والتسويف والمراوغات وفرض رؤية وشروط بقايا السلطة العائلية العسكرية البوليسية الحاكمة، تلك الرؤية والشروط التي تضمنتها "الآلية التنفيذية المزمنة" للمبادرة الناتجة عن سلسلة من المحاولات والجولات المكوكية المضنية والطويلة تجشمها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمر الذي عاد في زيارته الأخيرة متسلحا بقرار أممي ضاغط ومنذر ومتوعد، وتشير قراءة أولية لمواد ومضامين الآلية التنفيذية المزمنة أنها لم تكن معبرة، في مجملها، عن مدلول اسمها على نحو دقيق، من حيث شمولها لتعديلات واضحة لبعض أحكام مبادرة مجلس التعاون الخليجي من جهة، واستجابتها لكثير من المطالب والشروط التي أصرت السلطة على تثبيتها في الآلية قبل قبولها بالتوقيع على المبادرة وبذلك تكون قد خضعت لتعديلات للمرة الرابعة منذ إعلانها بصيغتها الأولى، وفيها لم يعد مطلوبا من الرئيس علي صالح نقل سلطاته وصلاحياته الرئاسية لنائبه ثم إعلان تنحيه عن السلطة بعد عملية النقل تلك بشهر واحد، بحسب نص المبادرة في آخر إعادة صياغة لها، بل اكتفت الآلية بمجرد نقل هلامي غير واضح المعالم والحدود لبعض الصلاحيات الرئاسية التنفيذية كما ورد في القرار الجمهوري رقم 24 لعام 2011م المتضمن تفويضا للنائب بإجراء حوار مع المعارضة للخروج من الأزمة والتوقيع نيابة عن الرئيس على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة التي لم تتضمنها المبادرة أصلا بل جاءت استجابة لشرط من شروط السلطة، مع بقاء علي عبدالله صالح رئيسا إلى حين انتخاب رئيس جديد، حيث استجابت الآلية لشرط آخر من شروط السلطة وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على نحو لم تتضمنه المبادرة أصلا، وإذا كانت المبادرة حين إعلانها قد أسست دورا لمجلس النواب استنادا إلى أنه كان لا يزال حينها مكتسبا لنوع من الشرعية حيث لم تنته مدته الدستورية المحددة بتاريخ 27 إبريل 2011م فإن الآلية حرصت على بعث الحياة فيه من جديد رغم حقيقة التمديد له مرتين، الأولى لمدة سنتين بحكم تعديل دستوري جعل مدة الرئيس سبع سنوات بدلا عن خمس ومدة مجلس النواب ست سنوات بدلا عن أربع سنوات، والثانية إثر اتفاق فبراير 2009م بين السلطة والمعارضة حيث مددت فترته لعامين آخرين تنتهي في 27 إبريل 2011م وللعلم فإن الحزب الحاكم يسيطر على ما يقارب ثلاثة أرباع أعضاء هذا المجلس!.

هذا ناهيك عن تغاضي كل من المبادرة والآلية، على نحو مقصود ومتعمد، وإغفال آية إشارة إلى مصير أبناء علي عبدالله صالح وأبناء أخيه وأقاربه المسيطرين على أهم وأقوى الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية في البلاد وحزم الضمانات والحصانات والحمايات لهؤلاء ومعهم مئات المسئولين والقادة الذين عملوا مع السلطة الحاكمة منذ 33 عاما من أية مساءلة أو ملاحقة أو محاكمة لجرائم قتل أو تعذيب أو فساد وغيرها من الجرائم، في سابقة تاريخية لا مثيل لها في التاريخ الإنساني الحديث. والواقع أن أكثر ما يثير دهشة واستغراب وحيرة الرأي العام اليمني خاصة والرأي العام الخارجي، السياسة والأسلوب الذي ظلت القوى الدولية عامة تحدد مواقفها وتعاملها إزاء السلطة الحاكمة في اليمن وخاصة خلال الثورة الشعبية (الملايينية) الثائرة سلميا للتغيير والديمقراطية والحياة الأفضل على امتداد شهور عشرة ولا تزال، ذلك الموقف والتعامل بأقصى درجات اللطف والنعومة بل والمداهنة والتواطؤ والحماية والدعم المباشر وغير المباشر، رغم سقوط أكثر من ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى من المتظاهرين سلميا ضد السلطة الحاكمة والعقوبات الجماعية المفروضة عمدا ضد الشعب من قبل تلك السلطة كقطع التيار الكهربائي ومنع وصول المشتقات النفطية وإيقاف مشاريع مياه الشرب وسائر الخدمات الأساسية لإجباره قسرا على التخلي عن ثورته والقبول باستمرار حكم النظام العائلي الأشد تخلفا وفسادا وقمعا وهمجية، على النقيض الكلي من موقفها وأسلوب تعاملها مع أنظمة حكم بلدان ثورات "الربيع العربي" سواء سياسيا ودبلوماسيا كما كان الحال في تونس ومصر، أو عبر ضغوطات العقوبات الاقتصادية والمالية والتدخل العسكري المباشر كما حدث تجاه نظام الحكم في كل من سوريا وليبيا!!.

وبصرف النظر عن حقيقة أسباب ودوافع ازدواجية المعايير وتعدد المكاييل وراء مواقف وأساليب تعامل القوى الدولية وحسابات المنافع والمصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية المحددة لمواقفها وسياساتها وتعاملاتها إزاء ما يحدث في عالمنا العربي، فإن القضية الرئيسية والسؤال الأهم فيما يتعلق بالأحداث العاصفة الدائرة –حاليا- في اليمن، مؤداهما يتحددان ويتبلوران فيما إذا كانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة تتوفر لها، أو لهما معا، الإمكانية والقدرة والفاعلية اللازمة لضمان النجاح في مساعدة اليمنيين في الخروج من الدوامة العاصفة التي تعصف باليمن وإخماد ثوران البركان الشعبي الهادر والانطلاق نحو آفاق إعادة بناء حياتهم الجديدة بعد تغيير الواقع والظروف المريرة التي حتمت على الشعب القيام بثورته العارمة المتأججة؟؟ وبمعنى آخر أكثر اختصارا هل المبادرة ولآلية طريق للحل.. أم سبب لتفجير أشمل وأخطر؟!.

وأيا ما تكون رؤيتنا ووجهة نظرنا حول اتجاه ومنحى تطورات الأحداث الداخلية في اليمن خلال المرحلة القادمة، فمن الواجب علينا بداية، التعبير عن التقدير والامتنان للدور المحوري والجيد الكبير والحريص الذي لعبته وتلعبه المملكة العربية السعودية في محاولة مخلصة لمساعدة اليمنيين في الخروج بأقل قدر من الخسائر من الأوضاع والأحداث الجسيمة التي تعصف بهم، وهو دور طبيعي لا مفر أمامها إلا أن تقوم به بحكم حقائق ومقتضيات الجغرافيا والتاريخ والمصالح والمصير والأمن المشترك الذي يربط البلدين عضويا، ذلك أن ما يجري في أي منهما يؤثر تأثيرا مباشرا على الأخرى، والتقدير موصول للقوى الدولية التي وقفت إلى جانبها ومعها للهدف نفسه على نحو أو آخر، وحتى لو اتجهت وجهة نظرنا وتحليلنا نحو آثار سلبية للمبادرة والآلية على التطورات المستقبلية للأوضاع في اليمن، فإن ذلك لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن ينتقص أو يسيء إلى الدور السعودي الحريص والمخلص، بل على العكس من ذلك تماما، إذ تظل السعودية الدولة الأكثر خبرة ومعرفة والأوسع تأثيرا ونفوذا بشئون اليمن ومشكلاته وخصائصه ومكوناته من بين جميع دول العالم قاطبة وسيظل دورها إيجابيا وحيويا ومطلوبا على الدوام يمنيا الآن وبعد الآن.

والواقع أن هناك جملة من الحقائق الأساسية والجلية تتعلق بالواقع اليمني وطبيعة الأحداث العاصفة الجارية فيه، لم تحظ بما تستحقه من اعتبار واهتمام حين صياغة إطار الحل، وأهمها وأبرزها:

1- إن السياسات والإجراءات الخاطئة والمدمرة التي انتهجتها السلطة الحاكمة على امتداد أكثر من ثلاثين عاما من سيطرتها على الحكم وإدارة شئون الدولة والمجتمع، وإشاعة الفساد وحمايته ونهب الأموال العامة وإقصاء الكفاءات الوطنية الكفؤة والنظيفة واستبدالها بعناصر هزيلة وفاسدة وتمكينها من الوظائف القيادية للدولة، مدنية وعسكرية.

2- وأن التوجه المكثف والشامل للسلطة الحاكمة نحو تدمير أسس ومقومات الدولة الوطنية دولة المؤسسات وسيادة القانون والمواطنة المتساوية والعدل، وإقامة "دولة عائلية" عسكرية بوليسية على أنقاضها من خلال تعيين الأبناء والأقارب والأنساب والأصهار وتمكينهم من السيطرة على مفاصل ومفاتيح ووسائل القوة والثروة والسلطة وصولا إلى ترسيخ وتأبيد سيطرة عائلة الرئيس على الحكم والدولة سيطرة كاملة مطلقة وخاصة في مؤسستي الجيش والأمن، في بلد "قبلي عشائري" لا زال قويا يرفض رفضا حاسما وقاطعا احتكار قبيلة بعينها للحكم والسلطة بالتوارث العائلي أو القبلي.

3- وأن تمادي واستفحال وتوسع الفساد ونهب الأموال والممتلكات العامة رأسيا وأفقيا والاستنزاف المريع للموارد والثروات الوطنية قد عطل عملية النمو والتنمية الشاملة في البلاد مما نتج عنه ارتفاع نسب البطالة والفقر في البلاد إلى معدلات مخيفة وغير مسبوقة في التاريخ اليمني وأصبح مئات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس لا يجدون أعمالا توفر لهم معيشة كريمة ولو بحدها الأدنى، ولا يستطيعون العيش حتى بمستويات الكفاف إلى حد أن أسرا متزايدة العدد باتت تبحث في القمامات عن كسرة خبز تسد بها جوعها وانقسم المجتمع بشكل حاد، ولأول مرة في تاريخه، بين غنى فادح وفاحش وفقر مدقع ومرير.. وأصبحت الوظائف الحكومية والعسكرية في معظمها مخصصة ومحتكرة لأبناء وأقارب كبار المسئولين والقادة وما بقي من فتاتها يخضع للبيع والشراء.

4- وبهدف سعي السلطة الحاكمة الدؤوب والمبرمج لتعزيز وترسيخ وتأبيد سيطرة العائلة على الدولة والمجتمع من خلال ضمان سيطرتها الكاملة على القوة العسكرية والمالية، راحت السلطة تمارس عملية واسعة من إفساد القيم والأخلاق وشراء الذمم والولاءات الشخصية للحاكم وعائلته، وتبث أخطر أساليب الإفساد والتدمير للحياة السياسية باختراق الأحزاب والمنظمات وتدبير الانشقاقات والصراعات داخلها وبين بعضها بعضا، وبثت وزرعت صنوفا وأشكالا لا تحصى من الأحقاد والفتن والاقتتال بين القبائل بعضها ضد بعض، وداخل كل قبيلة على حدة، وخاضت سلسلة من الحروب الداخلية المدمرة ضد من تعتبرهم خصوما حقيقيين أو محتملين لها لتهميشهم واستئصالهم، ونشرت حالة واسعة ومخيفة من الشكوك وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع وقواه وحتى داخل الأسر والعائلات، ونفذت سلسلة من التصفيات الدموية والاغتيالات لأبرز مناوئيها السياسيين أو القبليين أو العسكريين بوسائل متعددة مباشرة وغير مباشرة.

5- كل تلك السياسات والإجراءات والأساليب التخريبية والتدميرية الشاملة والمتواصلة والمبرمجة التي انتهجتها السلطة العائلية العسكرية القمعية، تراكمت وتفاعلت وتضافرت طوال أكثر من ثلاثين عاما، لتفجر أخيرا أعظم وأضخم وأقوى ثورة شعبية عارمة وسلمية شارك في مظاهراتها واعتصاماتها ملايين عديدة من أبناء الشعب اليمني على امتداد البلاد طولا وعرضا منذ مطلع شهر فبراير الماضي ولا يزالون حتى اللحظة مصممين على الاستمرار في ثورتهم بذات القوة والزخم والتصميم ودون وهن أو ملل، هذه الثورة ثورة شعبية تماما حركتها وفجرتها وأشعلت فتيلها عوامل داخلية بحتة وحاجات حياتية ملحة، ومعاناة وعذابات ومرارات قاسية حقيقية أثرت تأثيرا مباشراً ومحسوسا على الغالبية الساحقة من فئات وشرائح الشعب اليمني بدون استثناء، ولم تكن هذه الثورة الشعبية اليمنية، شأنها في ذلك شأن "ثورات الربيع العربي"، ناتجة عن تأثر أو تأثير أو بدافع عقيدة سياسية أو ايديولوجية فكرية بعينها على الإطلاق، بل كانت بمثابة هبة جماهيرية عامة وتلقائية وغير منظمة سلفا، ولهذا كانت أهدافها وغايتها مطلبية تتحدد بدولة نظام وقانون ومواطنة متساوية وخالية من الفساد والهيمنة العائلية أو المناطقية المتخلفة بكافة أشكالها.. دولة توفر للفرد والمجتمع حياة سعيدة كريمة آمنة ومستقرة.

وعلى ضوء ما سبق يتضح، فيما يبدو، أن المواقف وأساليب تعامل القوى الدولية مع أحداث الثورة الشعبية السلمية في اليمن، وصيغ الحلول المقدمة من قبلها لم تتمكن –للأسف الشديد- من وعي وإدراك واستيعاب مقتضيات ومفاعيل الحقائق الأساسية المشار إليها آنفا للواقع اليمني، مما جعلها تساوي تماما بين سلطة عائلية عسكرية بوليسية فاسدة تمسك بزمام الحكم والدولة وثورة الشعب بملايينه لإسقاطها وتغيير الواقع السيء المرير الذي ترزح تحت وطأته وإقامة دولة نظيفة عادلة ورشيدة، ليس هذا فحسب، بل راحت، تحت هواجس الشك والريبة من مفهوم وطبيعة الثورة تميل وتبذل أقصى جهدها للإبقاء على ما أمكن إبقاؤه من تلك السلطة الحاكمة وإعادة إنتاجها من جديد بنفس الرموز والشخصيات والسياسات، ولم يتسن لها، وسط كل ذلك أن تتلمس وتأخذ في اعتبارها مشروعية الثورة الشعبية وعدالة قضيتها وأهدافها وسلامة بواعثها ودوافعها، وهو ما خلق شعورا بخيبة الأمل والمرارة والإحباط لدى ملايين الثائرين المسالمين بسبب إحساسهم بأن القوى الدولية تتخذ موقفا معاديا لثورتهم ومطالبهم العادلة والمشروعة.

من زاوية أخرى، ولو افترضنا جدلا، أن علي صالح سيتنحى فعلا عن السلطة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية الممتدة 90 يوما بانتخاب رئيس جديد.. فإن رحيله، إن رحل بسلام، لا يكتسب أية قيمة أو معنى، مع بقاء أبنائه وأبناء أخيه وأقاربه مسيطرين على أهم وأقوى الوحدات العسكرية والأمنية وتحكمهم بثروات مالية هائلة كدسوها من أعمال الفساد والنهب على مدى أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، وفي ظل استناد عملية انتقال السلطة على مؤسساته في الدولة –كمجلس النواب واللجنة العليا للانتخابات والمؤسسات القضائية والحزب الحاكم والمنظومة الدستورية والقانونية – كانت تمثل ركائز ومقومات سلطة صالح العائلية ومعظمها قام على عملية تزوير وتلاعب بالانتخابات يعرفها الجميع.

وفي بلد كاليمن حيث من يسيطر على القوة العسكرية (الجيش) يسيطر تلقائيا وحتميا على الحكم والدولة؟! ثم ما هي الضمانات الأكيدة والواقعية -أي العملية- التي تحول دون قيام أنصار صالح المسيطرين على القوة ومؤسسات في الدولة مهمة كمجلس النواب والقضاء وغيرها، بافتعال أحداث مفاجئة وغير متوقعة، كتدبير أعمال اغتيالات لنائب الرئيس والمعارضة والقادة البارزين المناوئين لهم وتوجيه الاتهام والمسئولية إلى المغتالين أنفسهم بالقيام بقتل أنفسهم، كما جرت عادة تلك السلطة بتوجيه الاتهام وإلقاء المسئولية في قتل أكثر من ألف شهيد من شباب الثورة على شباب الثورة أنفسهم لتعمد تشويه صورة وسمعة السلطة! وخلق ظروف وأجواء مفتعلة من وراء ذلك للانقلاب على كل ما تم الاتفاق عليه في المبادرة والآلية؟!

وعليه يبدو واضحا أن مطلب الثورة الشعبية السلمية بإسقاط وتغيير كل تركيبة ورموز السلطة العائلية الفاسدة وأدواتها على الصعيد المدني والعسكري، مطلب واقعي ومشروع وضروري، ولا مبرر لأي تخوف من انهيار الدولة على الإطلاق، فاليمن ليس بدعا في تاريخ الثورات والانقلابات والتغيير السياسي والثوري الشامل على المستوى العالمي، فإن الاكتفاء بتغيير رأس السلطة، إن حدث فعلا، والإبقاء على كل تركيبة نظامه وسلطته يعد من قبيل الضحك على الدقون والاستخفاف بعقل الشعب.

إن بقاء أسرة علي عبدالله صالح مسيطرين على أهم أقوى الوحدات العسكرية والأمنية والسيولة المالية الهائلة مع إعادة إحياء مؤسسات الدولة، كمجلس النواب المنتهية ولايته، التي كانت تشكل أداة لخدمة وتحقيق أهداف السلطة العائلية الحاكمة، من شأنه تقييد حرية حركة نائب الرئيس وإبقائه خاضعا لهم ورهينة بأيديهم يملون ويفرضون عليه السياسات والمواقف التي يريدونها ويمنعونه، تحت التهديد والترهيب، من اتخاذ أية قرارات أو مواقف تضر بمصالحهم ومراكز نفوذهم، في كلا المرحلتين الأولى والثانية للفترة الانتقالية أي في حالة كونه نائبا وبعد أن يصبح رئيسا انتقاليا منتخبا.

وبناء عليه فإننا نعتقد بأن الثورة الشعبية سوف تستمر وتتصاعد دون ضعف أو وهن أو ملل، بصرف النظر عن مواقف قادة أحزاب اللقاء المشترك المعارضة، وخلال ذلك ستشهد تلك الأحزاب انتفاضات وحركة عصيان من قبل قواعد وكوادر وقيادات تلك الأحزاب الشابة والمتحمسة ضد قياداتها العتيقة التي تراها فاشلة وعاجزة عن مواكبة مسيرة الثورة وأهدافها وحيويتها، ولا يستبعد أن يدفع اليأس والإحباط والمرارة لدى بعض فئات وقطاعات الشعب أو غالبيتها ويضطرها إلى حمل السلاح لتحقيق هدفها الذي عجزت عن تحقيقه سلميا وهو وضع سوف يدفع، في حالة حدوثه، بالحركات والقوى التي سبق أن قاومت حروب السلطة بقوة السلاح في محافظات شمال الشمال والحراك الجنوبي إلى القيام بادوار رئيسية أوسع وأقوى، إضافة إلى تهيئة الظروف والأجواء الملائمة أمام المجاميع المسلحة المتطرفة والإرهابية لاستثمار وتوظيف الفوضى والتفكك الداخلي لتعزيز وتقوية نفوذها وتأثيرها، مع احتمال أن تنجرف البلاد نحو هاوية حرب أهلية شاملة ومدمرة.

ولهذا فإننا نتخوف حقا من أن لا تكون المبادرة والآلية الحالية طريقا ناجحا وجسرا ملائما للوصول إلى حل سليم ونهائي للمشكلة اليمنية، بل ربما تكون سببا مؤديا إلى تفجير الوضع الداخلي على نحو أشمل وأخطر مما هو متوقع، وذلك ما لا نرجوه ولا نتمناه، والمستقبل مرهون بالخيار الحسام بين الشعب اليمني وعدد من أسرة علي عبدالله صالح واقاربه لا يتجاوزون أصابع اليدين، يسيطرون على القوة والثروة ويسعون لفرض سيطرتهم على الشعب بالقوة والقهر والفرض.

25 نوفمبر 2011م

شيفلد/ بريطانيا

* عن "الوسط" اليمنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.