باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله سلام الحكيمي: القوى العسكرية التي أيدت الثورة فرضت طوق عسكري محكم على شباب الثورة في ساحة التغيير
نشر في يمنات يوم 23 - 10 - 2012

لم يكن هذا الحوار لصحيفة "الأولى" مجرد حوار... بل كان مكاشفة من قبل السياسي والإعلامي المخضرم عبدالله سلام الحكيمي، من شيفلد (بريطانيا) الذي كان واحداً من الذين تمكنوا من الإفلات والهرب إلى عدن بعد فشل حركة الانقلاب عام 1978. إضافة إلى ذلك فقد كان هذا الحوار موجزاً تاريخياً وتحليلياً للأحداث التي عاشها الناصري السابق من المهجر.
ونرى اليمن ومستقبلها المرتقب في عيون الحكيمي وكأنه يقرأها من فنجان، فمن الثورة المغدورة والمبادرة والانتخابات والحوار والأحزاب، في قراءة تحليلية مع الحكيمي في هذا الحوار.
حاوره عبر الإنترنت: صبري الدرواني
بداية كيف ترون اليمن اليوم، خصوصاً في ظل معركته الثورية والأمنية المصيرية؟
واقع اليمن في ضوء أعظم الملاحم التي سطرتها أعظم وأنضج وأكمل ثورة شعبية سلمية عارمة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، لا يبدو أنه يسر أو يبعث على التفاؤل، فالثورة التي توفرت لها كافة المقومات والشروط الموضوعية لبناء اليمن الجديد الحديث والحضاري والمتطور تعرضت لعملية غدر والتفاف بالغ الخطورة من قبل ثلاثي قيادات أحزاب معارضة وقوى عسكرية وقبلية متكاتفة، عملت بمختلف السبل والوسائل وبالتماهي مع رغبات وتوجهات القوى الدولية والإقليمية النافذة على تعويق المسار الثوري المتصاعد وتجميده وتجييره لخدمة حسابات ومصالح ذلك الثلاثي المتآلف والقوى السياسية الخارجية المتماهي معها، وإعاقة عملية الحسم الثوري الناجز الذي كان قاب قوسين أو أدنى، ونجحت تلك القوى في حرف مسار الثورة عن عملية تغيير ثوري جذري وشامل إلى مجرد عملية سياسية (صفقة) توافقية مع السلطة الحاكمة العائلية الفاسدة والتشارك معها في الحكم ومنحها بذلك مشروعية كانت الثورة قد أسقطتها عنها منذ بدايات التحرك الثوري الشعبي العام، وبهذا أصبح واقع اليمن اليوم عبارة عن استمرار لمعزوفة السلطة الحاكمة التي بدأت منذ حوالي 34 عاماً، لم يتغير فيها لا نوتتها ولا عازفوها ولا معزوفتها، فقط استبدال "المايسترو" القديم "بمايسترو" جديد من نفس الفرقة العازفة ذاتها، نفس القادة، نفس المسؤولين، نفس الوجوه التي اعتمدت عليها سلطة الحكم العائلي الفاسدة طوال أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، مع تدوير مواقعها ووظائفها، لا شيء تغير تغييراً حقيقياً ملموساً على الإطلاق، ولعلنا لا نجنح نحو المبالغة والتهويل إذا قلنا إن واقع اليوم بات أكثر سوءاً من سابقه. في السابق كان هناك مركز قوى واحد يتمثل بالحاكم وأسرته وأقاربه وسائر المستخدمين يولغ في الفساد ويتمادى في تخريب بنية ووظيفة الدولة الوطنية التي تم ضربها في مهدها، أما اليوم فقد تعددت مراكز القوى والنفوذ والغلبة، وحالفت المصالح بينها سواء الجانب الحزبي أو العسكري أو القبلي الذين يتعاملون مع الدولة والوطن باعتبارها أرضاً مشاعة لمن يملك القوة والنفوذ والمال والسلاح!! وهذا الواقع ينذر بمصير مروع وكارثة داهمة.
كيف رأيتم انضمام بعض القوى والمراكز للثورة في 18 مارس؟ وما مدى تأثيرها في الثورة وتأثر الثورة بها؟
الحقيقة أن إعلان اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية وقائد الفرقة الأولى مدرع، ومعه عدد من كبار القادة العسكريين عن تأييدهم للثورة الشعبية السلمية، ثورة الشباب، والاستعداد للدفاع عنها، وإعلان تشكيل المجلس العسكري المعبر عنهم، جاء في أعقاب المجزرة المروعة، أو ما عرف بمجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس 2011م بساحة التغيير بصنعاء والتي راح ضحيتها ما يقارب الستين شهيداً ومئات المصابين من شباب الثورة، وهو ما جعل الكثيرين يشعرون بأن أولئك القادة العسكريين ومن لحق بهم وأيد موقفهم من كبار مشائخ القبائل وتحديداً مشائخ "حاشد" من أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وهم جميعهم عسكريون ومشائخ، لهم ارتباطات وثيقة بالإخوان المسلمين منذ سنوات طويلة مضت أو "التجمع اليمني للإصلاح" بعد ذلك، أقول إن الكثيرين شعروا بأن هؤلاء انتفض ضميرهم الديني والوطني والإنساني من هول الجريمة المروعة، وأعلنوا موقفهم المؤيد للثورة، لكن طبيعة التطورات اللاحقة لذلك الموقف وما نتج عنها من صفقات ومساومات وتنازلات خطيرة من خلال التفاوض مع رأس السلطة الحاكمة الفاسدة ورموزها، باستغلال اسم الثورة وركوباً لمواجهتها والتي لعب منها القيادات السياسية لأحزاب اللقاء المشترك في ظل النفوذ وهيمنة قيادات "التجمع اليمني للإصلاح" دوراً إجهاضياً للثورة والحسم الثوري بدعم ومساندة وضغوط القوى العسكرية والقبلية التي أعلنت تأييدها وحمايتها للثورة، كل ذلك فرض علينا إعادة القراءة من جديد لمعرفة حقيقة البواعث والدوافع الكامنة وراء إعلان تلك القوى تأييدها للثورة، لتبرز أمامنا علامات استفهام كبرى تحتاج إلى إجابات عميقة.
وفي سياق إعادة القراءة تلك نتبين بوضوح وجلاء أن القوى العسكرية التي أعلنت تأييدها وحمايتها للثورة، لعبت دوراً خطيراً في فرض طوق عسكري أمني محكم على جماهير الثورة وشبابها في ساحة التغيير وبالتالي محاصرتها وتثبيتها داخل حدود الساحة، وإلى شارع الستين أحياناً إذا اقتضت الحسابات السياسية والأغراض التكتيكية لقيادات الإصلاح، وبضمان أحكام السيطرة على الجماهير حتى لا تخرج عن سيناريو المخرج السياسي وحساباته، وبذلك حيل بين جماهير الثورة وشبابها وبين التصعيد الثوري في اتجاه الحسم الثوري النهائي والكامل عبر تدفق ملايين الثوار وزحفها لإسقاط السلطة الحاكمة في وكرها السياسي دار الرئاسة، ويجب علينا هنا أن نمتلك الشجاعة الأدبية ونعترف بأن شباب الثورة كانوا أكثر من بصيرة وإدراكاً حينما ظلوا يصرخون في هتافاتهم المدوية بأن الثورة ليست بحاجة، ولم تطلب من أحد حمايتها فالشعب وحده بملايينه الهادرة على امتداد الوطن بأكمله هو القادر على حماية ثورته والانتصار لها، لكن التحالف الثلاثي (غير الشريف) لقيادات "الإخوان المسلمين- الإصلاح والقيادات العسكرية وكبار مشائخ قبائل حاشد المرتبطين بالإخوان أو بالإصلاح، بحكم امتلاكه للقدرات المالية الهائلة والقوى العسكرية والقبلية النافذة استطاعت محاصرة الثورة والالتفاف عليها والغدر بها من خلال (الصفقة السياسية) التي توصلت إليها بالمساومة والتنازل وأنصاف الحلول وما نتج وترتب عليها من مجمل الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفاسدة الحاكمة التي يثور الشعب بملايينه ضدها ولإسقاطها بالكامل، ويمكننا اليوم، وبكل حسرة وأسف، أن نطلق على أعظم وأشمل وأنضج ثورة شعبية يمنية في التاريخ اليمني صفة "الثورة العظيمة المغدورة".
هل يمكن أن نعرف من وجهة نظركم من هي القوى الفاعلة الآن على الساحة اليمنية؟ وما هو تصوركم للتحالفات القادمة في المستقبل؟
الواقع أن رؤية فاحصة لمعالم وطبيعة الخارطة السياسية القائمة اليوم في اليمن توضح لنا القوى السياسية والاجتماعية الرئيسة والفاعلة على الساحة اليمنية وذلك على ضوء ما أفرزته الثورة الشعبية السلمية العارمة من تفاعلات، وحقائق وأوضاع في كافة مجالات حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، ويمكننا أن نحدد أبرز القوى الفاعلة على الساحة اليوم على النحو التالي:
أ‌) القوى العسكرية والأمنية: وهي بحكم طبيعة المجتمع اليمني القوى الأكثر تأثيراً ونفوذاً وهي منقسمة اليوم إلى قوتين أو معسكرين متقابلين ومتواجهين، وكل طرف من طرفها له شبكة تحالفات ومناصروه على الصعيد القبلي والاجتماعي أو السياسي الحزبي، ولكل منهما مصادر تمويلاته المالية والإعلامية وخاصة من القوى الخارجية، ولا شك أن هذا الانقسام الرأسي والأفقي للمؤسستين العسكرية والأمنية بتحالفاتهما ومناصريهما ومصادرهما يشكل فتيل تفجير برميل البارود الضخم في البلاد على هيئة حروب ومواجهات طاحنة ومدمرة.
ب‌) القوى الاجتماعية القبلية: وهذه الأخرى منقسمة في تحالفاتها ومناصرتها بين القوتين أو المعسكرين المتواجدين المنقسمين داخل الجيش والأمن كما هو مبين آنفاً، هناك قبائل "حاشد" الموالية للمشائخ من آل الأحمر، وهناك بالمقابل قبائل "بكيلية" موالية للشيخ ناجي عبدالعزيز الشائف وآخرون من مشائخ "بكيل" وهذه بحكم طبيعة التركيبة القبلية وأعرافها تجد نفسها تلقائياً في موقف مضاد لنفوذ وهيمنة "حاشد" وسيطرتها على الدولة أو على الأقل التأثير فيها، وسائر قبائل "مذحج" و"حمير" تتوزع بين القوتين القبليتين في الغالب، وإن كان الأكثر فيها يجنح أحياناً نحو التزام الصمت وشبه الحياد بين القوتين القبليتين الرئيستين.
ت‌) القوى السياسية والأحزاب: وهذه القوى والأحزاب السياسية تنقسم من حيث تاريخها وطبيعتها إلى قسمين: قوى وأحزاب تقليدية أو يمكن تسميتها بالأحزاب التاريخية وهي تندرج حتى الآن ضمن إطار تكتل "أحزاب اللقاء المشترك" وأبرزها (الإصلاح) المعبر عن "الإخوان المسلمين" سياسياً، والحزب الاشتراكي، والتنظيم الوحدوي الناصري، وحزب الحق، وحزب البعث العربي الاشتراكي، ويعتبر حزب "الإصلاح" أكثرهم قوة وانتشاراً ونفوذاً بحكم الانضباط التنظيمي الحديدي والدقيق لحزب الإخوان المسلمين السري، محلياً وعالمياً، وامتلاكه لثروات مالية هائلة واستفادته الكاملة من كامل تراث وتجارب وخبرات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولعل أهم ما يجعله الأقوى والأكبر والأوسع شعبية أنه منذ بدأ نشاطه التنظيمي السري في اليمن أوائل خمسينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، ظل متوارياً تماماً أحياناً، وغالباً تحت كنف ودعم السلطات الحاكمة التي كانت تحتاج لخدماته في مواجهة ومحاربة سائر الأحزاب السياسية القومية واليسارية والوطنية، ولهذا لم يتعرض طوال فترة حياته ووجوده وحركته إلى أية ضربات أو تصفيات من قبل السلطات الحاكمة وهو ما حفظ له تماسكه وتوازنه وتنامي قوته وانتشاره، وخاصة بمساعدة السلطات الحاكمة وذلك على العكس من سائر الأحزاب التقليدية التاريخية المشار إليها آنفاً التي تعرضت عبر مسيرتها إلى مختلف الضربات والتصفيات والاستهداف الشامل، ذلك ما يخص القوى والأحزاب التقليدية التاريخية بصفة عامة. أما القوى والأحزاب أو شبه الأحزاب السياسية الجديدة الحديثة، فيمكن لنا تحديد أبرزها بما عرف ب"جماعة الحوثيين" الذين يبدو أنهم يميلون مؤخراً إلى أن يطلقوا على أنفسهم اسم "أنصار الله" وقوى الحراك الجنوبي السلمية الناشطة على مستوى المحافظات الجنوبية، وإضافة إلى هاتين القوتين السياسيتين هناك أيضاً "التجمع الوحدوي اليمني" الذي يمكن اعتباره من القوى والأحزاب الجديدة والحديثة، والواضح أن "حركة أنصار الله" أو الحوثيين استفادوا إلى أقصى حدود الاستفادة من الحروب الست الطاحنة التي شنتها سلطة صالح على مدى 5 أو 6 سنوات متقطعة، وقدمت لهم فوائد جمة، وخدمتهم إلى أبعد الحدود في إثبات وجودهم وتنامي قوتهم وتوسيع نطاق حركتهم السياسية لتشمل كثيراً من محافظات اليمن، شمالاً وجنوباً وكأي قوة جديدة فتية عادة ما تنتشر على حساب القوى والأحزاب التقليدية التي غالباً ما تكون قد شاخت وترهلت إلى حد ما، أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال الخاص بتصوري للتحالفات القادمة في المستقبل أقول بتوخي أقصى قدر من الإيجاز نظراً لطول مساحة الجواب على هذا السؤال أقول إن ائتلاف "تكتل أحزاب اللقاء المشترك" الذي قام في ظل مرحلة سياسية سابقة وفقاً لمقتضياتها وأهدافها يبدو أنه قد وصل إلى درجة العقم وعدم الفعالية وقد تجاوزته الأحداث والتطورات، وقد سرعت من بلوغ هذه النهاية الأخطاء السياسية الكثيرة التي ارتكبها "الإصلاح" وتنظيمهم الطليعي السري داخله "الإخوان المسلمون" لفرض نفوذه وهيمنته واستئثاره بالقرار والنفوذ والتأثير لصالحه على حساب سائر الأحزاب والقوى المتحالفة معه في اللقاء المشترك وتهميشها وتحجيمها والاستقواء عليها بشبكة تحالفاته الوثيقة عقائدياً وسياسياً بالقوى العسكرية النافذة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، وبالقوى القبلية الموالية له بقيادة مشائخ قبيلة حاشد من آل الأحمر والمرتبطين بهم، ولقد كانت ممارستهم القمعية الاستفرادية داخل ساحات الثورة الشعبية دليلاً ساطعاً على نزعتهم الاستئثارية والإقصائية المخيفة، ولعل محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان وهو الشخصية الوطنية البارزة التي تحظى بشبه إجماع وطني من قبل ذات القوى العسكرية المحسوبة على الإخوان المسلمين يؤكد تلك النزعة المدمرة، ولهذا أعتقد أن اللقاء المشترك يعتبر الآن بحكم التكتل الذي استنفد كامل مهامه، ولا شك أن تحالفات سياسية واجتماعية جديدة في طريقها إلى التشكل والتبلور يمكن رؤية امكانية قيام تكتلات تضم الاشتراكي والناصري والبعث وأنصار الله وحزب رابطة ابناء اليمن والتجمع الوحدوي اليمني وبعض القوى القبلية الرافضة لهيمنة الإخوان المسلمين وحاشد، وربما يشمل أيضاً المؤتمر الشعبي العام في حالة إعادة تشكيل قيادته السياسية على أساس ديمقراطي سليم.
أخيراً لعلك سيدي تلاحظ أني لم أتحدث هنا عن قوى شباب الثورة باعتبارهم أبرز وأهم وأكبر القوى السياسية الجديدة والحديثة والفتية، وقد تعمدت ذلك لرغبتي في تناولهم بحيز منفرد خاص بهم وحدهم وتقديراً وعرفاناً بدورهم التاريخي الكبير وأهميتهم في مرحلة لا شك قادمة.
كيف تنظرون إلى مستقبل المؤتمر الشعبي العام، خصوصا بعد عقد مؤتمره العام برئاسة صالح؟ وما إمكانية نجاحه خلال الانتخابات القادمة؟
المؤتمر الشعبي العام الذي جرى تأسيسه والإعلان عن قيامه في 24 أغسطس 1982، لا يمكن اعتباره حزباً أو حتى تنظيماً سياسياً لأنه أولاً أسس ونشأ بقوة قرار سياسي صادر عن سلطة حاكمة وليس وفقاً لأسس ومقومات وشروط إنشاء الأحزاب المتعارف عليها.
ثانياً: إنه أُسس ونشأ في ظل مرحلة سياسية سادتها الشمولية الأحادية الديكتاتورية للسلطة الحاكمة بمعنى في ظل مرحلة كانت تحرم دستورياً إقامة الأحزاب أو التعددية الحزبية والحريات العامة، وكان الانتماء لأي حزب سري يعتبر بنص دستوري جريمة تعرض مرتكبها للإعدام، وثالثاً: إن السلطات الحاكمة الشمولية الأحادية الديكتاتورية كانت بحاجة إلى إقامة تنظيم سياسي، لاحظ أن كلمة "حزب" محظور تداولها آنذاك ليكون مجرد أداة سياسية تعبر عن الحاكم وتروج لسياساته، وتواجه خصومه وبناءً على ذلك أُنشئ "المؤتمر الشعبي العام" من خليط سياسي حزبي واسع ومتنافر وإن كان ممثلو " الإخوان المسلمين" في تشكيلاته وهيئاته قد شكلوا نسبة كبيرة قياساً بالآخرين الذين كان منهم الاشتراكيون والقوميون واليساريون والمستقلون وإلى حد ما الليبراليون ولكن بنسب أقل بكثير جداً من نسبة الممثلين للإخوان المسلمين.
على ضوء كل ذلك فإن طبيعة المؤتمر الشعبي العام وظروف تأسيسه ونشأته ومسيرته يمكننا بكل موضوعية وحيادية إلى أن نطلق عليه "تنظيم السلطة الحاكمة" أو الواجهة السياسية للحكم أياً كان شكله وطبيعته، ولهذا فإن بقاءه واستمراره وتأثيره لا يقوم بذاته كأي حزب من الأحزاب السياسية طبيعية النشأة والوجود بل يعتمد على مدى استمرار أي سلطة حاكمة في تبنيه ودعمه واحتضانه، ولهذا فبعد إزاحة الحاكم السابق علي عبدالله صالح عن قمة السلطة ارتبك المؤتمر الشعبي واختل توازنه وتماسكه كثيراً ووجد معظم الوزراء وكبار المسؤولين المحسوبين عليه في "حكومة الوفاق الوطني" حولوا ولاءهم وارتباطاتهم من الرئيس المخلوع إلى الرئيس الجديد، خاصة وأن الأخير كان وربما لا يزال الرجل الثاني في قيادة المؤتمر، وهكذا.. ولعل ما يبقى المؤتمر قابعاً في المنطقة الرمادية المترقبة كون علي عبدالله صالح وفقاً للمبادرات والاتفاقيات التساومية الصفقاتية الموقعة، لا يزال يحاول الاستماتة في التمسك بموقعه كرئيس للمؤتمر، رغم مخالفة ذلك للوائح الداخلية له، مستقوياً بأقاربه وأفراد أسرته الممسكين بقيادة الوحدات العسكرية النافذة حتى الآن، وهو ما يبقي الكثير من قيادات المؤتمر وكوادره على تعلق بأمل واحتمال عودة سلطته من جديد!! وفي اللحظة التي يتم فيها إزاحتهم وخروج صالح من الحياة السياسية العامة في البلاد، فإن "المؤتمر الشعبي العام" هذا سيتلاشى ويغيب تماماً، وتلقائياً إلا في حالة واحدة فقط، وهي أن يتولى الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي رئاسته، حينها سيصبح المؤتمر كما كان منذ لحظة تأسيسه واجهة سياسية للرئيس والسلطة الحاكمة، أما مسألة نجاحه أو عدم نجاحه في الانتخابات القادمة فذلك مرهون كلية بتولي الرئيس الجديد رئاسة المؤتمر بدلاً عن صالح، ونحن جميعاً نعرف كيف تدار الانتخابات وكيف تتحدد نتائجها سلفاً في الغالب الأعم.
المبادرة الخليجية رآها البعض كبادرة خلاص لليمنيين من شبح حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ترى ما مدى صحة مثل هذا الكلام؟ وما هي رؤيتكم تجاهها؟ وهل يمكن أن نقول إنها قدمت الكثير حتى الآن؟
بالنسبة للمبادرة الخليجية ومع احترامي لدول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أو لإدراك مدى حرصها واهتمامها بشؤون اليمن وقضاياه، فإن موقفي من تلك المبادرة كان، ومنذ وقت مبكر وحتى قبل صيغتها الأخيرة بعد التعديلات العديدة فيها ولا يزال أنها لم تبن في أساسها على قاعدة أن هناك ثورة شعبية سلمية شاركت فيها ملايين عديدة من الشعب اليمني، وشملت كافة انحاء البلاد، مطالبة بإنهاء وإسقاط سلطة حكم أو لفت إلى الفساد والعبث وأدخلت الشعب في مستنقعه المتعفن، ودمرت أبسط مقومات وبنى ومؤسسات الدولة الوطنية حديثة الوجود، وأقامت على أطلالها المتناثرة سلطة فساد عائلي قرابي فج ومتخلف وجاهل، بل صيغت كحل سياسي لأزمة سياسية عابرة يمكن حلها وإنهائها بجملة من المساومات والتنازلات وأنصاف الحلول بين طرفين سياسيين كانا يمثلان نفسيهما ولا يعبران عن الثورة وأهدافها، صحيح أن الطرف الممثل لقيادات "أحزاب اللقاء المشترك" المعارض والذين فرضوا أنفسهم كممثلين غير شرعيين للثورة الشعبية السلمية ووقعوا على المبادرة إلى جانب السلطة الحاكمة التي يطالب الشعب بإسقاطها، يتحملون المسؤولية الأكبر في صياغة تلك المبادرة من حيث أن دول مجلس التعاون الخليجي كان دورهم مجرد جمع الطرفين المتحاورين وتقريب وجهات نظرهما، فإن المشكلة لم تتوقف عند هذا الحد، بل جاءت ما سميت ب"الآلية التنفيذية المزمنة" للمبادرة التي رعاها وأخرجها السيد جمال بن عمر ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة لتفرغ بعض النقاط الايجابية القليلة في المبادرة من محتواها بالمخالفة والتصادم الصارخ مع مبادئ القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية النافذة المتعلقة بحقوق الإنسان، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والمحاسبة والمساءلة القانونية المرعية ولتزيد الطين بلة، لهذا كان موقفي الذي عبرت عنه مراراً في حينها عبر المقابلات الإعلامية والتصريحات والمقالات السياسية المنشورة، يرى بأن المبادرة الخليجية في ضوء إفراغ الآلية التنفيذية المزمنة لأهم نقاطها الإيجابية ليست صيغة للحل، بل صيغة لتفجير الوضع في اليمن على نحو أخطر، ولعل مجمل التطورات اللاحقة لهم تؤكد صواب ودقة موقفي ورؤيتي من حيث الحفاظ أو الإبقاء على كافة مؤسسات وهياكل وبنية وتركيبة السلطة الحاكمة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، كما هي دون تغيير إلا من إجراءات شكلية ترقيعية هنا وهناك، وظل واقع الفساد كما سبق عهده، بل أكثر استفحالاً وبرزت العديد من مراكز القوة والنفوذ والتأثير العسكري القبلي الحزبي المتصارعة وحولت مسرح البلاد إلى غابة تنافس وتنازع وتسابق للفوز بالمغانم والمكاسب، والامتيازات، ولم يعدهم الدولة، إن جاز القول بوجود دولة، إجراء التغيير والإصلاح الشاملة والجذرية، كما كان يفترض بل أصبحت إدارة المصالح والغنائم والمكاسب والامتيازات بين مراكز القوة والنفوذ، والغلبة تلك على حساب الشعب وبمضاعفة معاناته الحياتية والمعيشية والخدماتية والاجتماعية... الخ. بمعنى آخر أن البلاد والشعب أصبحا المغيبين الرئيسين في سياسة السلطة وإجراءاتها لصالح استمالة وإرضاء مراكز القوى والنفوذ والغلبة المتزايدة العدد والعدة! أما القول إن المبادرة وآليتها التنفيذية خلصت اليمنيين من شبح حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فإنه في الحقيقة أكبر مغالطة دأبت القوى المتوافقة والمتقاسمة في ما بينها لمغانم السلطة، وامتيازاتها المختلفة على دوام تكرارها وبثها بهدف التهوين والتقليل من فداحة الخطأ الاستراتيجي المدمر الذي ارتكبته عبر مفاوضتها وتنازلاتها ومشاركتها في الحكم مناصفة مع السلطة الحاكمة الفاسدة، وإضفاء الشرعية الدستورية القانونية السياسية عليها رغم أنف الثورة الشعبية السلمية العارمة ومطالبها المشروعة العادلة، حيث لم تلحظ أو تسجل أية مؤشرات مباشرة أو غير مباشرة على احتمال نشوب حرب أهلية على الإطلاق، بل على العكس من ذلك تماماً استطاعت الثورة الشعبية العظيمة بمقدرة فذة وأصيلة أن توحد كافة القوى والفئات السياسية والاجتماعية شعباً وقبائل وعسكريين، وشباباً وطلاباً، نساءً ورجالاً شيوخاً وشباناً في بوتقة الثورة وداخل ساحاتها وتفاعلاً مع أنشطتها وفعالياتها المتعددة وحركتها السياسية الواحدة، فلأول مرة في تاريخ اليمن كله يشارك رجال القبائل في حركة الثورة وساحاتها رغم سجل الثارات التاريخية العميقة فيما بينها عاشت مع بعضها البعض وأكلت من إناء واحد دون أن يحمل أي فرد منهم أي سلاح ناري يذكر، واستطاعت الثورة من خلال مسيرتها المتصاعدة أن توحد الشعور والهدف الوطني الواحد بين شرائح ومكونات المجتمع من أقصى البلاد إلى أقصاها، واندفعت قبائل من الشمال تلقائياً لتمنع تحرك وحدات عسكرية متجهة إلى أقصى الجنوب لضرب تصاعد الثورة فيها، وذلك بشكل تلقائي وبدافع وطني عميق وموحد على نحو لا نجد له مثيلاً في التاريخ الوطني من قبل، ولهذا لم يكن هناك، إبان أحداث الثورة ومسيرتها المتصاعدة طوال عام ونصف عام متواصلة أي أثر لمؤشر أو احتمال حرب أهلية أو حتى معارك ثارات محدودة وطبيعية، لقد قرر الشعب إرجاء وتجميد كافة المشاكل البينية الاجتماعية والانخراط الكامل في حركة ثورة الشعب المطالبة بالتغيير والحياة الجديدة المزدهرة، ولكن ومع الأسف الشديد فإننا نرى ونلمس اليوم مساعي حثيثة واستعدادات مريبة وتكوين وتسليح المليشيات المتطرفة وتسخير قرارات الدولة وخطواتها وإجراءاتها لإعداد البلاد وتهيئتها ودفعها إلى فتن ومنازعات مسلحة وحروب أهلية ذات طابع عنصري مذهبي طائفي مريض ومتخلف وهو ما أصبحت قوى الشعب وطلائعه وقواه الواعية والنزيهة تعيه وتدركه وتحذر من تبعاته وتعمل بكل السبل والوسائل لإفشال مخطط الزج بالشعب والبلاد في أتون تلك الفتنة المدمرة والمهلكة.
الثورة ترى إلى أين وصلت؟ وما هي المعوقات الرئيسة من وجهة نظرك التي وقفت حجر عثرة أمامها؟
إن الثورة الشعبية السلمية العارمة التي ابتكرت أسلوب التظاهرات والاعتصامات المليونية في الساحات وزعزعت به أركان ومقومات سلطة الحكم العائلي الفاسد من جذورها، قد حظيت بالدعم والمساندة المالية واللوجستية من قبل (التجمع اليمني للإصلاح) في مراحلها الأولى لأن ذلك الأسلوب كان مفيداً ومحققاً للحسابات والأهداف السياسية التكتيكية للإخوان المسلمين الذين وظفوا الثورة كورقة سياسية ضاغطة ضمن مسار العملية التفاوضية التي كان يجري الإعداد لها سراً، ثم بعد أن تم التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأصبح تكتل أحزاب اللقاء المشترك شريكاً في الحكم، نظروا للثورة من زاوية أن استمرارها وتصاعدها يشكل تهديداً للمكاسب السياسية التي حققوها، ومثلما حوصرت الثورة داخل حدود ساحة التغيير في حين الضرورة إلى شارع الستين لصلاة الجمعة فيه في مبتداها بالتعاون والتنسيق الوثيق بين قيادات الإخوان المسلمين وقيادة الفرقة الأولى مدرع والقبيلة الموالية لهم، فقد تواصل ذلك الدور فيما بعد بهدف دفع الشباب إلى إخلاء الساحات بالمضايقات والضرب والقمع وتقليص الدعم المالي واللوجستي لهم، على مراحل، لأنهم لا زالوا يشعرون بالحاجة إلى توظيف قوى الثورة كأداة ضغط سياسي لاستكمال تحقيق باقي أهداف وأجندات ومصالح الإخوان والقوى المتحالفة معهم، إذن يمكن القول إن أسلوب المظاهرات والاعتصامات الحاشدة الذي اعتمدته الثورة منذ بداياتها قد لا يكون بمقدورهم مواصلته والاستمرار عليه نظراً للحصار والاستهداف العدائي من ناحية ولتكالب ونفوذ وتأثير الثلاثي المتحالف المشار إليه، من ناحية أخرى مما يستوجب على شباب الثورة وطلائعها الواعية أن تفكر وتبتكر وسائل عمل ثورية أخرى وجديدة وتتلاءم مع المرحلة الجديدة، فالحقيقة أن الثورة على مدى عام ونصف العام من حركتها الهادرة خلقت ورسخت جملة من المتغيرات والحقائق الجديدة التي تجذرت عميقاً في الوجدان والضمير الشعبي الوطني، ولم يعد سهلاً ولا ممكناً تصفيتها واجتثاثها بأي حال من الأحوال فهي في الواقع حراك وتفاعل دائم ومستمر في الواقع المادي والفكر والإحساس، لكن مع بالغ الأهمية أن يبادر شباب الثورة من خلال تكتلاتهم وائتلافهم ومجالسهم المتعددة إلى الخروج بصيغة عمل ثوري سياسي جديد يقوم على وحدة الموقف والحركة بينها جميعاً، وحدة تقوم على إعطاء الأولوية لأهداف ومصالح الشعب، والثورة واقتناعهم بتغليب انتمائهم للثورة قبل انتماءاتهم وولاءاتهم الحزبية المختلفة، ذلك أن العائق الأكبر الذي أثر سلباً على مسار ومصير الثورة أن قوى الشباب ظلت منقسمة ومشتتة وخاضعة لولاءاتها وانتماءاتها الحزبية التي مزقتهم في الغالب ودفعت بعضهم ضد بعض.
الحوار الوطني ينظر إليه الجميع كحل وحيد لإخراج اليمن إلى بر الأمان، هل ترون أن هناك نوايا صادقة من قبل كل الأطراف المعنية بذلك؟ وما هي قراءتكم للحيثيات التي ما زالت اللجنة الفنية للحوار في خضمها؟
الواقع أن قضية الحوار الوطني ومؤتمره سبق أن ناقشته بإسهاب في عدة مقالات صحفية منشورة قبل أشهر خلت على صفحات صحيفة "الوسط"، ولا أريد أن أكرر ما سبق أن طرحته سابقاً، ولكني فقط أريد أن أؤكد على حقيقة لا أعتقد أنها محل جدال، وهي أن مثل هذه المؤتمرات الوطنية التي يتمثل فيها رموز كافة المكونات السياسية والاجتماعية والشخصيات البارزة لأي مجتمع، وتفرض الضرورات الوطنية الملحة التئامها في مرحلة تحول جذري حساس، وخطير للخروج بصيغة حل أو إنقاذ وطني ترسم معالم الكيان الوطني البديل وطبيعته ورسالته وعلاماته وأهدافه، لا يمكن انعقاده وضمان نجاحه إلا في ظل سلطة حكم وطنية نزيهة توفر لها الاستعداد الصادق وامتلكت بالفعل الإرادة السياسية الجارة والأكيدة بإجراء التغيير التاريخي الجذري والشامل في إطار توجه وطني موحد لبناء حياة المستقبل الجديد المشرق والملح، ذلك هو الشرط الموضوعي الأساسي المطلوب توافره أولاً وقبل كل شيء لتوفير الأرضية الصلبة والمناخ الصحي والملائم لجدوى ونجاح انعقاد مؤتمرات الحوار الوطني، وبدون تهيؤ هذا الشرط الموضوعي المسبق لن يكون أي مؤتمر حوار وطني بأكثر من ظل باهت بطبيعة تركيب السلطة الحاكمة وقواها المهيمنة، وأجنداتها ورؤاها الضيقة العقيمة. وبإسقاط هذا المعيار الموضوعي الضامن لجدوى وجدية ونجاح مؤتمر الحوار الوطني لا يزال غير متوفر وشبه غائب وبعيد المنال، فالسلطة الحاكمة لا تزال هي نفسها السلطة الحاكمة القديمة برموزها وقادتها ومؤسساتها وفسادها وعقليات قادتها وأساليب إدارتها العقيمة وعوامل الخلل، والاختلالات التي أدت إلى فشلها الذريع وأشعلت أسباب ودوافع الثورة الشعبية الهادرة لإسقاطها تمارس فعلها وتأثيرها، بل إنها باتت أكثر تأثراً وخضوعاً وإرضاءً لمراكز القوى والنفوذ العديدة التي نشأت وتغولت في واقع ما بعد الثورة أو خلالها حزبية كانت أم عسكرية أم قبلية أم مناطقية... الخ.
كل ذلك يتراقص على فوهة بركان الانقسام الرأسي والأفقي الخطير للمؤسسة العسكرية والأمنية والوطنية والقوى والفعاليات السياسية والاجتماعية الدائرة في فلك ذلك الانقسام والمتمحور حول قطبيه، ولكل هذه الاعتبارات والحقائق الماثلة للعيان على أرض الواقع فإني لا أرى أي جدوى أو ضمانة نجاح لمؤتمر الحوار الوطني، خاصة في ظل الواقع السياسي المؤلم المتمثل بوضع اليمن تحت الوصاية والإدارة الدولية والمباشرة والانتهاك الواسع والفاضح لأبسط مظاهر ومقومات السيادة الوطنية الفاعلة، وضمن هذا السياق فإن النقاط ال20 المعلنة من قبل لجنة التواصل والتحضير الفنية للحوار الوطني ستظل كلاماً محلقاً في الفضاء، وليس له على الأرض مكان، لأن القوى والأطراف المشكلة لتركيبة السلطة الحاكمة هي في ذاتها من سيجهض تلك النقاط أو على الأقل الالتفاف حولها وإفراغها من مضامينها الحقيقية.
كيف تقرؤون مسلسل الاغتيالات الأخير؟ وما هي قراءتكم لمحاولة اغتيال ياسين سعيد نعمان في هذه المرحلة بالذات؟ وما تداعياتها على البلد؟
الحقيقة أن جملة مسلسل الاغتيالات التي لا تزال تتواصل يوماً بعد يوم، فإن محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان تقف في مقدمتها وفي الصدارة منها بالنظر إلى توقيتها الزمني وظرفها التأريخي ومدلولاتها العديدة، وأيضاً طبيعة أسلوب تنفيذها، فإذا أخذنا في الاعتبار الوزن والقيمة الوطنية الكبرى لشخصية الدكتور ياسين وما يمثله من رمز وطني بارز وجامع ومجمع عليه وطنياً ويحظى بسمعة واحترام طيبين في المحيطين الإقليمي والدولي، وأضفنا إلى ذلك الدور البارز الذي لعبه ويلعبه على الصعيد السياسي الوطني وفي بلورة وإصدار النقاط العشرين للجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، ووقوفه الصارم في مواجهة نزعات الإقصاء والتهميش ونزوع بعض القوى الحزبية والعسكرية والقبلية إلى الاستئثار بالسلطة والهيمنة الأحادية على الحكم بالاستقواء والغلبة وفرض الأمر الواقع بالتناقض والتصادم مع مقتضيات وترتيبات وشروط التوافقات السياسية والمرحلة الانتقالية في ضوء المبادرة والآلية خصوصاً، فإن محاولة اغتياله تصبح أهدافها واضحة كل الوضوح والقوى التي تقف وراءها مكشوفة، ومحددة بما لا يدع مجالاً للشك وهي ذات القوى الساعية بتهور وجنون للانفراد بالسيطرة الأحادية على مقاليد الحكم في البلاد، والتي سبق أن تطرقت إليها بالحديث سابقاً، ولعل أهم ما يجدر التوقف أمامه ملياً أن الطريقة والأسلوب التي نفذت محاولة الاغتيال وفقاً لها. ولعل أهم ما يجدر التوقف أمامه ملياً أن الطريقة والأسلوب التي نفذت محاولة الاغتيال وفقاً لها تتشابه بل وتتطابق تماماً مع الأسلوب والطريقة التي اعتمدتها عمليات التصفيات والاغتيالات التي نفذتها سلطة الرئيس المقصي علي عبدالله صالح ضد خصومها السياسيين، وخاصة القيادات السياسية والعسكرية للحزب الاشتراكي اليمني عقب قيام دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 مباشرة مما يدل دلالة واضحة وأكيدة على أن فرق الاغتيالات تلك ومخططيها وقادتها ومنفذيها لا يزالون نشطين وحاضرين وبكامل جهوزيتهم حتى الآن بما في ذلك تغطيتهم وحمايتهم عسكرياً وأمنياً كما كانوا في السابق دون تبديل أو تغيير أو هؤلاء مثلما كانوا بعد الوحدة عامل تأزيم وتفجير للوحدة، سوف يظلون عامل تأزيم وتفجير وإشعال لجحيم الفتنة والاقتتال اللانهائي في البلاد، ما لم يتم عزل قياداتهم وتصفية عناصرهم واستبعادها نهائياً وبشكل كلي من المراكز والمواقع الحساسة والخطيرة في الوحدات العسكرية والأمنية والسياسية للدولة، وعلى نحو مريع وعاجل لا يقبل الإرجاء أو الإبطاء، وإذا كان هؤلاء يعتقدون أن ترهيب وتهديد واستبعاد الدكتور ياسين سعيد نعمان من مواقع التأثير والقرار الفاعل سيمكنهم ويتيح لهم فرصة استكمال هيمنتهم وسيطرتهم على مقاليد الأمور في البلاد بدون منغصات، فهم بالتأكيد واهمون وسذج، ذلك أن استهداف الدكتور ياسين سيفتح على الفور أبواب جهنم كلها دفعة واحدة.
هناك من يقول إن الوطن في هذه المرحلة بالذات بحاجة لأمثال الأستاذ الكبير عبدالله سلام الحكيمي، هل يمكن أن نعرف الأسباب التي أدت لخروجكم من الوطن، وكذا الأسباب التي حالت دون عودتكم؟ ومتى يمكن أن يسمع اليمنيون بوصولكم إلى أرض الوطن؟
الواقع أن الأسباب التي سببت خروجي من الوطن، قصة طويلة يطول شرحها، لكني سأحاول اختصارها إلى أقصى حد ممكن، ولم أكن أريد التطرق إليها لأنها في اعتقادي مسألة شخصية ليست لها أهمية تستحق الذكر، لكن لم أجد مفراً من الإجابة على هذا السؤال حتى لا يفهم البعض أني أتهرب من ذكرها بسبب أو لآخر، والقضية تبدأ في الحقيقة من حدوث الحركة الانقلابية التي أعدها وقادها الناصريون في 15 أكتوبر عام 1978، والتي لم يحالفها التوفيق، وأدت إلى إعدام 21 من قياداتنا العسكرية والمدنية البارزة الذين استشهدوا في محاكمات صورية بعد أيام على قيام الحركة، وكنت واحداً من الذين تمكنوا من الإفلات والهروب إلى عدن بعد شهرين تقريباً من فشل الحركة، منذ ذلك الحين وبعد عودتنا من الخارج أواخر عام 1979، بقيت دائماً عرضة للملاحقات والمضايقات مثل باقي رفاقي، وفي عام 1981 أخرجت من البلاد قسراً بتعييني في السفارة اليمنية في الهند والصومال، وفي العام 1987 تركت الوظيفة بفعل المضايقات وعشت في القاهرة حتى إعلان قيام الوحدة عام 1990 حيث عدت إلى البلاد، كان علي عبدالله صالح مسكوناً بنزعة الانتقام والثأر رغم أن حركة الناصريين لم تتسبب بإراقة قطرة دم واحدة وبقيت باستمرار عرضة لإجراءات تعسفية ومضايقات ومنعت من مزاولة الوظيفة وكنت الوحيد في دولة الوحدة الممنوع من العمل ولا أزال حتى اليوم وتصاعدت المضايقات والاستهدافات بسبب رفضي الجازم لأساليب الترغيب والإغراءات التي قدمها علي عبدالله صالح لي باستمرار، وخاصة عقب حرب صيف 1994 وموقفي الرافض لها ولنتائجها، ولأني كنت منذ عام 1980 فرداً مستقلاً ولم أعد منتمياً إلى حزب أو قبيلة توفر لي قدراً من الحماية، فقد غيرت نمط حياتي جذرياً بحيث أصبح ليلي نهاراً ونهاري ليلاً والتزمت في الغالب الأعم بالبقاء داخل بيتي مزاولاً مهنة الكتابة، إلى أن جاءت الحرب الأولى في صعدة عام 2004 وبشكل فجائي وبدون سابق إشعار استدعيت إلى معهد الميثاق وقيل لي بأني صرت عضواً في لجنة الوساطة بقرار رئاسي وتم شحننا بالسيارات دون أن يسمحوا لنا حتى بأخذ ملابس احتياطية وتوديع أسرنا، وكان لي موقف إزاء تلك الوساطة التي ناهز أعضاؤها الستين شخصية أو يزيد، وتبين لي أنها ليس أكثر من وسيلة خداعية لانتزاع موقف مناهض للحوثيين من ناحية واستخدامنا كطعم للإيقاع بالسيد حسين بدر الدين الحوثي، رفضت كل ذلك وعبرت من خلال المقالات عن تفنيدي ورفضي لبواعث ومشروعية تلك الحرب وهو ما أدى إلى إحالتي مع بعض الكتاب إلى المحاكمة وفجأة وبمناسبة حلول ذكرى جلوس علي عبدالله صالح على كرسي الحكم، دعيت للمشاركة في ذلك الحفل باعتباري كنت عضواً في مجلس الشعب التأسيسي في بداية حكمه ثم عضواً في لجنة الحوار الوطني آنذاك، أثارت تلك الدعوة دهشتي واستغرابي إذ لم يحدث عادة دعوتي لمثل تلك المناسبات، وثم إني أنام بعد شروق الشمس في العادة! وترددت في الذهاب لكن بعض اصدقائي نصحوني بضرورة الحضور حتى لا أبدو بأني رافض لدعوة الرئيس وذهبت رغم أني كنت لا أزال ساهراً، إلى دار الرئاسة، وهناك قيل لي إن اسمي غير مدرج في قائمة المدعوين فقلت لا بأس سأذهب قالوا لا ركن السيارة وانتظر سنسأل، واقتادوني إلى غرفة صغيرة ليس فيها كراسي كأنها كانت تحت الأرض قليلاً وهناك تعرضت لبروفة من الأساليب التي درجت عليها سلطة صالح في إهانة وبهذلة الناس وكسر شوكتهم ولأكثر من ساعة يتردد العسكر علي؟! ما اسمك؟! بطاقتك؟! اسمك سلام أو سلاب طيب انتظر بانشوف وهكذا وبعد انتهاء حفل الجلوس المهيب أطلق سراحي، منذ تلك اللحظة قررت الاستعداد للسفر خارج البلاد والقيام بدوري على نحو أكثر حرية وأماناً وفعلاً قضيت خمس سنوات في القاهرة إلى أن بدأت أجهزة الأمن المصرية تضايقني وتلاحقني وتهددني بعد اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، وقد كادت الأجهزة المصرية أن تعتقلني وتسلمني إلى السلطات اليمنية ومن ألطاف الله أني تمكنت في اللحظات الأخيرة من مغادرة مصر متوجهاً إلى بريطانيا في شهر مارس عام 2010 ومن ذلك الحين لا زلت فيها.
أما عن أسباب عدم عودتي بعد إزاحة علي صالح فلعل ما أشرت إليه من أوضاع البلاد والفوضى وهيمنة مراكز القوى والنفوذ المتعددة التي تحدثت عنها آنفاً كلها وغيرها مما هو سائد الآن لا يشجعني على اتخاذ قرار العودة، فأنا إنسان لا أملك إلا قلمي وموقفي ولا أستطيع أن أدبر لحمايتي حراساً، لا، ولا يوجد مكان في منزلي المتواضع والمكتظ خاصة وأن أفكاري ومواقفي لا تروق، بل تزعج مراكز القوى والنفوذ والغلبة المهيمنة اليوم على كامل المشهد السياسي وأرى أن دوري أقوم به بشكل أفضل وأكمل في ظل استمراري بالبقاء خارج البلاد إلى أن يجعل الله لنا وللشعب مخرجاً وظروفاً أفضل تمكننا من العودة لقضاء ما تبقى من أعمارنا في بلادنا وقرانا، والله المستعان.
كيف تقيمون دور الحزب الناصري في الساحة الوطنية؟ وما مدى تقديركم لحجم القاعدة الشعبية للحزب؟ هل يمكن أن نقول إن الروح الناصري ما زال يستهوي الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي، بالرغم من تجميد العضوية به منذ مطلع الثمانينيات؟ وما مدى ارتباطكم بالتنظيم في صنعاء؟
في الحقيقة أن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري يعتبر منذ سنوات عديدة مضت ولا يزال حتى اليوم أحد الأحزاب السياسية المنضوية في إطار (تكتل أحزاب اللقاء المشترك) التي مثلت المعارضة السياسية لسلطة حكم علي صالح. واللقاء المشترك أو بالأصح قيادات أحزابه قبلت بالانخراط في عملية سياسية حوارية توافقية مع سلطة صالح، من خلال قبولها وتوقيعها على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وأصبحت تلك الأحزاب بمقتضى ترتيبات تلك الاتفاقيات، شريكة بالمناصفة في الحكومة وسائر السلطات مع المؤتمر الشعبي العام بزعامة علي صالح. ولقد كنت ولا أزال أعمل من خلال المقالات والمقابلات والتصريحات الإعلامية المختلفة، ضد الانخراط في مثل تلك الصفقة السياسية، وما تمخض عنها من اتفاقيات، وترتب عليها من أوضاع، ونبهت مبكراً إلى خطورة تلك الصفقة، وما قد تتسبب به من تفجير هائل للوضع السياسي في البلاد، ولكني بحكم مرور 8 سنوات على مغادرتي البلاد، لم أعد في وضع يمكنني من تقدير حجم القاعدة الشعبية للتنظيم الشعبي الناصري، من واقع معرفة واقع أدائه التنظيمي والشعبي والسياسي في الساحة اليمنية، لكنني أعتقد من ناحية أخرى أنه بحكم برنامجه السياسي ورؤيته الفكرية يمتلك قدرة كامنة على التوسع والتأثير الجماهيري بتوفير بعض الشروط والمتطلبات الأساسية التنظيمية والسياسية والجماهيرية، إن عقدت قيادته العزم والإرادة اللازمة لذلك.
أما في ما يتعلق بشخصي، وعلى الرغم من إنهاء انتمائي ونشاطي التنظيمي الحزبي، وبقائي مستقلاً في الغالب الأعم منذ أواخر عام 1980، إلا أنني أستطيع القول بثقة إن الناصرية من حيث هي فكر وتجربة سياسية لا تزال مقنعة لي، ولا تزال تستهويني وتحدد معالم رؤاي ومواقفي بشكل عام في إطار عدم التعصب والغلو والانغلاق. وأصدقك القول يا سيدي إنني لم أجد بديلاً للإطار الفطري والمعالم الفكرية والسياسية للناصرية، يقنعني كبديل لها حتى الآن.
وفي الحقيقة لم يعد هناك أي رابط تنظيمي حركي يربطني بالتنظيم الوحدوي الناصري سوى أواصر وذكريات أخوة نضالية عملية جمعتنا ببعض ذات يوم، وأنا شخصياً مرتاح جداً لهذا الوضع، لأنه يمنحني مجالاً أوسع وحرية أرحب في التعبير عن آرائي وقناعاتي ومواقفي دون كوابح الالتزام الحزبي القائم على مبدأ الإلزام والالتزام كما يقولون.
سبق أن ترشحتم لمنصب رئاسة الجمهورية لعام 2006، هل لديكم النية للترشح لنفس المنصب خلال الانتخابات القادمة؟
الحقيقة أنه بالنسبة لترشحي أو الرغبة في ترشحي لانتخابات رئاسة الجمهورية لعام 2006، لم يكن في الواقع قراراً جدياً أو رغبة حقيقية للترشح آنذاك، فأنا أعرف تماماً كيف كانت تدار الانتخابات في بلادنا، وكيف يجري التأثير والتحكم بنتائجها مسبقاً بمختلف أساليب التلاعب والتزوير، لكني رأيت أن أغتنم المناسبة وأستغلها بإعلان عزمي على الترشح لتلك الانتخابات للنفاذ من حالة الحصار والتضييق التي فرضت عليّ في مصر، والاستناد على ذلك في حرية التعبير عن آرائي وأفكاري ومواقفي بدون قيود. وفعلاً قدمت برنامجاً انتخابياً متكاملاً يمثل قناعاتي وآرائي ومواقفي السياسية كافة، وغطيته بنشاط إعلامي صحفي وتلفزيوني واسع ومكثف، ثم أعلنت عدولي عن الترشح بمبرر عدم توافر أبسط الشروط والمعايير اللازمة لضمان قدر معقول من النزاهة والحيادية والشفافية لكافة مراحل وخطوات العملية الانتخابية، مما يوقعها يقيناً في براثن التلاعب والتزوير. وأما بالنسبة لمسألة ترشحي للانتخابات الرئاسية القادمة، فلا زلت أعتقد حتى الآن، أنها لن تكون أفضل وضعاً من سابقاتها، هذا إن لم تكن أسوأ، وقد شرحت لكم آنفاً معالم الوضع المتردي في البلاد من جميع جوانبه، ولا توجد حتى الآن أية مؤشرات حقيقية تشير إلى إمكانية التغيير الحقيقي الشامل والجذري، أو توجه جاد لبناء الدولة الحديثة الديمقراطية؛ دولة المؤسسات والقانون والمواطنة المتساوية، وبالتالي فكل العمليات الانتخابية لن تكون أكثر من انعكاس لطبيعة الوضع القائم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، والبلد كله معرض لكافة الاحتمالات الأكثر سوءاً من وجهة نظري.
ما مدى تقييمكم لأداء عبد ربه منذ توليه الرئاسة؟ وما مدى قربه من جميع القوى في الوطن، خصوصا بعد دفعات من قراراته الرئاسية؟
الواقع أنه في ما يتعلق بالرئيس عبد ربه منصور هادي، فإن الذاكرة تقودني إلى أوائل العام 2009، حيث أطلقت من القاهرة مبادرة إنقاذ وطني في اليمن، وكنت أول من طرح نقل السلطة كاملة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى نائبه السيد عبد ربه منصور هادي، الذي سيتولى إدارة مرحلة انتقالية من خلال إعلان دستوري وحكومة وحدة وطنية حقيقية تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي في اليمن، وبعد أن أصبح رئيسا انتقالياً للجمهورية بموجب المبادرة الخليجية وآليتها، ورغم موقفي المعارض لهما منذ البدء لأسباب ومبررات عديدة سقتها في حينها، إلا أنني قمت بحملة إعلامية وسياسية مكثفة للوقوف إلى جانبه ومساندته ودعمه بإيضاح معالم الطريق أمامه، وبلورة أهم مضامين مشروع وطني نهضوي لبناء اليمن الجديد؛ يمن الغد المشرق، ومواجهة العقبات والمعوقات التي تعترض مسيرته ومشروعه، لكننا ومن خلال مجمل قراراته وخطواته ونهجه في بداية مرحلته، أصبنا بصدمة من خيبة الأمل، حيث بدت معظم تلك القرارات والإجراءات المتخذة وكأنها تهدف إلى إعادة إنتاج مكونات السلطة السابقة عليه بتدوير رموزها وشخصياتها وقياداتها العسكرية والمدنية من ناحية، وتكريس هيمنة وسيطرة الإخوان المسلمين والموالين لهم من القادة العسكريين والرموز القبلية المشائخية من ناحية ثانية، وتفصيل بعض التعيينات الهامة والحساسة مع ما رافقها من خطب وتصريحات سياسية وإعلامية في اتجاه إعداد البلاد ودفعها إلى مواجهات وحروب ذات خلفيات مذهبية وطائفية عنصرية مناطقية لا توجد أدنى مصلحة وطنية للشعب في تفجيرها، بل قد تؤدي إلى تفكك وتمزق وتشظي النسيج الوطني ووحدة البلاد الوطنية برمتها. ولقد عبرنا عنه ونبهنا وحذرنا من التداعيات الكارثية لقرارات وخطوات كتلك، وأعتقد أن مفاعليها السلبية الخطيرة قد بدأت بالتداعي فعلاً بدءاً بمسلسل الاغتيالات والتصفيات الدموية، وأخطرها محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان، والخلافات الحادة والواسعة التي بدأت تعصف بتكتل أحزاب اللقاء المشترك، منذرة بقرب انتهائه وحله، وقرع طبول الحرب من قبل تكتلات قبلية في قلب العاصمة، وبرعاية رسمية من الحكومة ضد كل من قوى الحوثيين في الشمال والحراك الجنوبي في الجنوب.. كل ذلك وغيره ينذر بأوخم العواقب وأخطرها على الصعيد الوطني. من هنا شعرنا بمسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية التي أوجبت علينا دق ناقوس الخطر، مناشدين الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يقود دفة المرحلة السياسية الانتقالية وفقاً لمشروعه الخاص والمستقل، وليس إرضاءً ومحاباة لهذا الطرف أو ذاك، وبعيداً عن الوقوع في حبائل المشاريع والأجندات السياسية الخارجية ومصالحها، وأن يسارع وفوراً وبدون إبطاء إلى اتخاذ قرار وطني تاريخي جريء وشجاع يتضمن إزاحة كل قيادات المعسكرين المنشقين داخل الجيش والأمن، ودون محاباة أو انحياز لهذا الطرف ضد الآخر، بل إن الطرفين يجب إزاحتهما، والشعب كل سيكون القوة الجبارة الضامنة لتنفيذ مثل ذلك القرار الوطني التاريخي. وبدون ذلك، فإن احتمالات نشوب حرب أهلية طاحنة لن تكون مستبعدة، وهو شخصياً من سيتحمل مسؤوليتها التاريخية.
بحكم تجربتكم السياسية الطويلة والعميقة بالبلد، كيف تنظرون للدور السعودي في اليمن في الماضي والحاضر، وخصوصا منذ بداية ثورة فبراير 2011؟
المملكة العربية السعودية كدولة وكشعب شديدة الالتصاق باليمن، سواءً من حيث الجوار والامتداد الجغرافي الواسع، أو من حيث الترابط والتداخل الاجتماعي والثقافي في العمق الممتد عبر مراحل تاريخية طويلة وموغلة في القدم، وهي إلى ذلك دولة محورية ومهمة وذات تأثير ونفوذ إقليمي ودولي واسع النطاق، ولا شك أنها أكثر الأطراف الخارجية إدراكاً وإلماماً واستيعاباً لدقائق وحقائق الواقع اليمني باختلاف مجالاته، وأكثرها حضوراً ونفوذاً وتأثيراً فيه، وهي كدولة كبيرة لها رؤاها وسياساتها المبنية والمعبرة عن مصالحها الوطنية وحساباتها الاستراتيجية المحددة لأسلوب إدارتها لعلاقاتها الخارجية مع مختلف الدول المجاورة أو الإقليمية أو الدولية، شأنها في ذلك شأن أية دولة أخرى من دول العالم. والدور السعودي خلال مرحلة التاريخ المعاصر، يتحدد ويتكيف وفقاً لطبيعة كل مرحلة سياسية تمر بها إحدى الدولتين أو كلتاهما، ونوع التحديات والمخاطر التي تحس بها وتستشعرها إحداهما قادمة من الدولة الأخرى، وطبيعة النظام الحاكم القائم في إحداهما من حيث طبيعة نهجه وتوجهه السياسي تجاه البلد الآخر سواءً كان صديقاً أو معادياً. وفي ضوء ذلك تحدد الدولة الأخرى طبيعة سياستها وأسلوب تعاملها إن سلباً أو إيجاباً، ويصبح من حق كل دولة اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الوقائية في مجابهة ما قد تتعرض له من مشاكل ومخاطر قد تأتيها من الدولة المجاورة، خاصة في حالة كونها دولة معادية، والعكس بالعكس، تلك هي القاعدة الأساسية التي تحكم طبيعة علاقات الدول ببعضها بعضاً، وكيفية التعامل إزاء بعضها بعضاً في مختلف الظروف والتطورات الناشئة، ولا توجد دولة على امتداد العالم، وعبر مختلف مراحل التاريخ، تصر على اتخاذ سياسة معادية دائمة وأبدية تجاه أية دولة أخرى، بغض النظر عن طبيعة سياستها ومواقفها في حالة تقلباتها وتطوراتها.
وفي ضوء ذلك، فإن سياسة السعودية ودورها في التاريخ المعاصر تجاه اليمن مر منذ ثلاثينيات القرن الماضي بحالات مد وجزر وصراع واستفزاز، وعلاقات تارة متأزمة وأخرى ودية، بحسب تطورات الأوضاع السياسية وتقلباتها في كلا البلدين، وصولاً إلى انفجار الثورة الشعبية السلمية العارمة في فبراير عام 2011، والتي امتدت وتواصلت لقرابة العام والنصف العام. وينبغي علينا حينما نريد تقييم السياسة والدور السعودي إزاء اليمن، أن نضع في اعتبارنا أن السعودية ظلت تحت نظام حكم ملكي على امتداد ما يقارب 300 من السنين هي عمر الدولة السعودية منذ الدولة السعودية الأولى التي تأسست عام 1740، فالدولة الثانية، وأخيراً الدولة الثالثة التي لا تزال قائمة لحوالي 80 سنة حتى اليوم، وطبيعة النظم الملكية في منطقتنا العربية، كما نعلم، تحرص كل الحرص ودائماً على الرتابة والاستقرار والهدوء، وتشعر ببالغ القلق والخوف من حدوث اضطرابات وتمردات وتفجرات اجتماعية كالانتفاضات والثورات، سواءً حدثت داخلها أو في الدول المجاورة والمحيطة بها، وترى في ذلك نذير شؤم وخطراً داهماً وماحقاً. تلك طبيعة ومنهج نظام الحكم الملكي في منطقتنا العربية. يضاف إلى ذلك أن الذاكرة السياسية التاريخية للنظام الملكي الحاكم في السعودية تختزن أحداثاً مؤلمة وعاصفة داهمتها، وكلها قادمة من الخارج، فالدولة السعودية الأولى مثلاً دمرها وقضى عليها غزو عسكري قامت به من مصر محمد علي باشا، في حين دمرت الدولة العثمانية وقضت على الدولة السعودية الثانية. هذه التجارب والذكريات المأساوية المحفورة في عمق ذاكرة النظام الملكي السعودي الحاكم، جعلتها شديدة الحساسية ومفرطة في الشكوك والهواجس إزاء كل ما ينذر بالقدوم عليها من خارجها، ولهذا نراها تعبر عن أقصى مشاعر القلق والمخاوف إزاء كافة أشكال وصور الاضطرابات والانتفاضات والثورات العاصفة إذا تفجرت في أي من البلدان المجاورة لها، تحسباً لاحتمال تطاير شراراتها إلى داخل مجتمعها. ووفقاً لهذا المنهج في الرؤية، يمكننا أن نفهم على نحو (................) ومروراً بالانقلابات والتقلبات السياسية التي أعقبتها، وانتهاء بثورة فبراير عام 2011 أخيراً، وفي ما يتعلق على وجه الخصوص بالثورة الشعبية الأخيرة، فإن السعودية شعرت وهي تراقب وترصد مسار ما سمي بثورات الربيع العربي، وخاصة في تونس ومصر، وسقوط أنظمة الحكم القائمة فيهما، والثورة المتصاعدة في اليمن، بقلق عميق جداً من حيث احتمالات امتدادها وتوسع نطاقها إلى المساس باستقرارها السياسي والاجتماعي والهدوء العام السائد فيها، وخاصة ما يجري من أحداث الثورة العاصفة في اليمن، فتحركت، سياسياً، ضمن إطار دول مجلس التعاون الخليجي، في محاولة ما تصورته احتواء مخاطر الأحداث والتطورات المتفجرة، والوصول بها إلى مرسى آمن ومعقول، لكنها، ومعها دول مجلس التعاون، لم تحدد صيغة حل سياسي، وتقم بفرضه بالقوة على قوة الثورة والسلطة، ولا كان ذلك في مقدورها، ولكنها وجدت قيادات سياسية معارضة أعطت لنفسها حق تمثيل قوى الثورة، مستعدة للقبول بصفقة سياسية من التنازلات والمساومات مع السلطة الحاكمة، فشجعتها وقربت وجهات النظر بين الطرفين، وصولاً إلى قبولهما وتوقيعهما على المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية لها اللاحقة، ولو لم تجد الاستعداد والقبول لدى تلك القيادات السياسية من الطرفين، ما كان يمكنها، ولا تستطيع أن تفرض شيئاً على شعب ثائر، ولو رغبت في ذلك. من هذا الموقف أعتقد أن السياسة والدور السعودي في اليمن كان دائماً يهدف إلى ضمان أن يكون أي نظام حاكم في اليمن صديقاً وليس معادياً لها، وذلك حق مشروع لها ومعقول لا يقتصر على السعودية وحدها، بل يشكل هدفاً مشتركاً لمختلف الدول في العالم في إدارة علاقاتها وسياساتها بالدول الأخرى، مع اختلافات في التفاصيل والأساليب. ولهذا فإني أعتقد أننا في اليمن لنا مصلحة وطنية وفوائد واسعة ألا نكون معادين سياسياً للسعودية، بل أصدقاء متعاونون معها على قاعدة المصلحة الوطنية بالتأكيد، وتحكم حكم قيادات وطنية نزيهة ومسؤولة وشريفة المسعى والمقصد.
كيف ترون دور أنصار الله في الساحة الوطنية، وخصوصا منذ بداية الثورة؟
الواقع أن حركة "أنصار الله" المعروفين بالحوثيين، تعرضوا إلى ظلم وقمع وحروب ظالمة ل6 سنوات متقطعة، شنتها السلطة العائلية الفاسدة، دون مبرر أو موجب، وخلفت وراءها حجماً هائلاً من الضحايا والدمار على مستوى المواطنين والجيش والأمن والقبائل. وقد أحسنت اللجنة الفنية التحضيرية للحوار الوطني صنعاً إذ طالبت من ضمن ما طالبت به في نقاطها ال20، بالاعتذار لصعدة والمناطق المحيطة بها، وإعادة بناء ما دمرته الحرب، والتعويض عن الأضرار الهائلة للحرب بالنسبة للمواطنين. كما أحسن "أنصار الله" صنعاً بالمقابل بموافقتهم على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني القادم، مسقطين بذلك حجة وذريعة يمكن أن يستخدمها خصومهم ومناوئوهم لشن الحروب عليهم مجدداً، تلك كانت خطوة سياسية بارعة وموفقة. أما في ما يتعلق بدورهم في الساحة منذ ثورة فبراير 2011 الشعبية، فالواقع وبحسب متابعاتي عن بعد يمكن ملاحظة الدور البارز لهم في أحداث وفعاليات الثورة في مختلف الساحات والمحافظات اليمنية، وكان تحركهم هادفاً وإيجابياً، ولعل ذلك يأتي في إطار خطواتهم الحثيثة والمدروسة للتبلور والتشكل لقوة سياسية منظمة على مستوى الساحة الوطنية كلها، دون الانحصار في صعدة وبعض المحافظات الشمالية تحديداً. وأعتقد أن مستقبلهم واعد ومبشر من حيث كونهم قوة حديثة جديدة وفتية ومتدفقة الحيوية والحماس والتطلعات المستقبلية، وأعتقد أنه خلال فترة زمنية ليست بالطويلة، وإذا أحسنوا أداء دورهم بحس سياسي مسؤول وهادف ومتوازن وإيجابي، سيصبحون إحدى القوى السياسية الرئيسية الكبرى في الساحة الوطنية، وهذا أمر إيجابي ومفيد للغاية بإسهامه في إثراء الحياة السياسية وتحقيق القدر الضروري والمطلوب بين التوازن الدقيق والفاعل بين قواها وأطرافها.
كيف ترون مدى تعاطي أنصار الله مع بقية القوى الوطنية، وخصوصا حزب الإصلاح منها، وكذلك العكس؟
الواقع أنه ليس بالنسبة لتعاطي "أنصار الله" مع بقية القوى الوطنية، وخصوصاً حزب الإصلاح منها، والعكس، فإني أستطيع أن أقول بأقصى من الأمانة والموضوعية، إن المشكلة في التعامل والتعاطي السياسي بين "الإصلاح" المعبر عن "الإخوان المسلمين"، وكذا الحال مع بعض القوى السلفية، تكمن في غلو وتطرف بعض من القيادات العليا، بل ربما معظمها، في مشاعر العداء والكراهية المتأصلة في ثقافة تلك القيادات الإخوانية وبنيتهم الفكرية ضد المذهب الزيدي وأتباعه من ناحية، وضد الهاشميين من ناحية أخرى، وربما شاركتهم في هذه النزعة بعض أو معظم قيادات بعض الجماعات السلفية، وأعتقد أنه قد آن الأوان الآن أن نتخلص جميعنا من كافة مظاهر وأفكار وثقافات الإقصاء والاستئصال للآخر المخالف سياسياً أو معتقداً أو مذهباً، ونحل محل كل تلك الثقافات والأفكار السلبية المدمرة، ثقافة التعايش والتعاون والقبول بالآخر والتسامح مع الحق الكامل لأي إنسان أن يعتقد الاعتقاد الذي يراه، وأن يعبد الله وفقاً للطريقة والمذهب الذي يتبعه دون إكراه أو قسر بالقوة والسلاح. هذه دعوة صادقة ومخلصة للجميع إخواناً وأنصار الله وسلفيين، دون تمييز، لأنها دعوة خير وسلام وتعاون ترضي الله سبحانه وتعالى، وتحقق خيرنا وسلامنا واستقرارنا جميعاً.
الحروب الجانبية التي اشتعلت مؤخرا في مناطق شمالية، وبالذات بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، كيف نظرتم لها؟
أتمنى من كل قلبي وأدعو الله مبتهلاً ألا تكون تلك الحروب الجانبية التي أشعلت في الآونة الأخيرة في بعض المحافظات الشمالية، وأيضاً في عدن والمحافظات الجنوبية، ناتجة عن أجندات ومخططات ومؤامرات قوى دولية مهيمنة لإشغال عالمنا العربي والإسلامي بالحروب والفتن والصراعات المذهبية والطائفية، ولتمزيق وحدته وتدمير منجزاته، وإبقائه ضعيفاً متخلفاً متناحراً إلى ما لا نهاية. ذلك أن مثل تلك الحروب الجانبية ليس فيها أية مصلحة وطنية، بل على العكس من ذلك تضرب الوحدة الوطنية وتخلق الأحقاد والكراهية والتباغض بين أبناء الشعب المسلم الواحد.
هناك من يرى مؤشرات حرب سابعة على أبناء المناطق الشمالية من خلال دق طبولها من قبل البعض، خصوصا في ظل بعض التصريحات الأخيرة لبعض القيادات السياسية والقبلية من أمثال الشيخ صادق الأحمر. ما مدى صحة مثل هكذا كلام؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تخلفها الحرب إن نشبت؟
لقد أثار عقد مؤتمر قبلي في عاصمة الدولة لقرع طبول الحرب فيه وإطلاق الوعيد والتهديد بشن الحروب وقطع الرقاب والألسن وسفك دماء مكونات أساسية من مكونات مجتمعنا اليمني في الشمال والجنوب، تحت دعاوى وحجج إقامة الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية والحريات وحماية الوحدة، وغيرها من الشعارات الفارغة التي لا يؤمن بها كبار مشائخ القبائل أصلاً، وحضور ومشاركة قادة عسكريين كبار وعلماء ومسؤولين ومحسوبين على حزب "الإخوان المسلمين" ومشائخ القبائل الموالية لهم، أثارت قدراً واسعاً وعميقاً من الاستهجان والاستغراب والإدانة على الصعيد الشعبي والسياسي، خاصة أن انعقاده تم رسمياً برعاية رئيس الحكومة، واعتبر ذلك كل من يعارض ويخرج عن طاعة الرئيس عبد ربه منصور، فإن دمه مهدور! وسوف يواجهون بالقوة والسلاح والحرب! والواضح جلياً أن انعقاد هذا المؤتمر المحرض والدافع إلى تفجير الحروب وسفك الدماء، قد تم بمباركة ودعم ومساندة الدولة، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول أهدافه والغرض منه، وقد يكون بالفعل تمهيداً لحشود قبلية تؤازر قوات الجيش في شن حروب جديدة في صعدة وما حولها، ذلك احتمال وارد. وأياً كان الأمر فإن حرباً جديدة في صعدة من شأنها كما يؤكد بعض المراقبين أن تجعل من الحرب هذه المرة لا ينحصر مجالها في صعدة وما حولها، بل سيمتد إلى قلب العاصمة ومحافظات عديدة أخرى، وعلى الذين يسعون إلى إرضاء القوى الدولية المهيمنة بتنفيذ أجندتها ومخططاتها على حساب شعبهم ووطنهم، وبالإضرار بهما وبمصالحهما، أن يدركوا يقيناً أنهم مهزومون ومغلوبون أمام قوة شعبهم وثورته العظيمة المتواصلة..
في رسالة لأبناء الجنوب في الذكرى الأخيرة لحرب صيف 94، رأيتم أن يكون هناك استفتاء جنوبي نزيه هو من يقرر مستقبل الجنوب. هل يمكن أن نعرف رؤيتكم للحل تجاه القضية الجنوبية انطلاقا من ملابسات الواقع الجنوبي الآن؟
الواقع أن رؤيتي وموقفي إزاء ما يسمى بالقضية الجنوبية كان واضحاً ومحدداً وثابتاً منذ سنوات عديدة مضت، ولا يزال، وتتلخص باختصار بأن شعب الجنوب وحده دون سواه صاحب الحق والشرعية في تقرير مصيره ومستقبله، وكل الدعاوى والأطراف التي ترفع شعارات الوحدة أو الموت، والوحدة معمدة بالدم، والوحدة مقدسة، والانفصال وفك الارتباط واستقلال الجنوب، والفيدرالية... إلى آخر هذه الشعارات، لا تعبر ولا تمثل شعب الجنوب، بل تعبر عن آراء وقناعات رافعها. والحل المنطقي والوحيد للقضية الجنوبية ينحصر بالخطوات التالية:
الخطوة الأولى: دعوة شعب الجنوب إلى استفتاء فوري تحت إشراف وإدارة الأمم المتحدة ليختار إما البقاء والاستمرار في دولة الوحدة أو استعادة دولته السابقة..
الخطوة الثانية: إذا دلت نتائج الاستفتاء أن شعب الجنوب اختار البقاء والاستمرار في دولة الوحدة، يتم بعد ذلك الحوار والتفاهم على شكل وطبيعة الدولة الجديدة وكيف تبنى..
الخطوة الثالثة: وفي حالة دلت نتائج الاستفتاء على أن شعب الجنوب اختار العودة أو استعادة دولته المستقلة، يتم وضع الجنوب انتقالياً تحت الوصاية والإدارة الدولية إلى أن يتم الإعداد والتهيئة لانتخابات سلطاتها ومؤسساتها المختلفة، وتصبح الدولة جاهزة لممارسة مهامها، وذلك على غرار ما جرى في تيمور الشرقية حينما انفصلت عن إندونيسيا.
هذا هو رأيي وموقفي الواضح والثابت إزاء القضية الجنوبية وأسلوب حلها حلاً عملياً سلمياً وصائباً يحفظ ما تبقى من وشائج الأخوة والود بين الجنوب والشمال، بدلاً من الحروب والدماء والدمار والمعاناة المهلكة. فالوحدة شكل سياسي يمكن إقامته وبناؤه في أية لحظة، لكن المشاعر والضغائن والكراهية والأحقاد المتجذرة بفعل القتل وسفك الدماء يصعب معالجتها ومحوها لحقب طويلة وممتدة من الزمن.. فلنختر الحياة وليس الموت، الأخوة وليس الكراهية.. الود وليس الحقد.. التسامح وليس التباغض.. فما من وحدة طبيعية سوية يمكن إقامتها أو الحفاظ عليها أو فرضها بالقوة والسلاح والعنف على الإطلاق.
تنامت الطلعات الجوية الأمريكية لطائرات بدون طيار مؤخرا، والتي خلفت ضحايا مدنيين في عدة محافظات، كل هذا في ظل تزايد التواجد العسكري في اليمن، سواء على البحر أو البر كقاعدة العند وسقطرى وشيراتون. كيف تقرؤون المسألة وتعامل السلطة في صنعاء مع ذلك؟
ما تقوم به الطائرات الأمريكية بدون طيار من قتل الإنسان، وما تخلفه من ضحايا سواءً كانوا أبرياء أم مهتمين، تعتبر استباحة فجة ومهينة للسيادة والكرامة الوطنية اليمنية، وأفعالاً جرمية لا تقرها شرائع الأديان ولا المواثيق والمعاهدات والقوانين الإنسانية ولا الأعراف البشرية المرعبة جملة وتفصيلاً، ولهذا فهي تندرج في إطار الجرائم المرتكبة ضد الانسانية والقيم والأخلاق الحضارية السامية، وهي عمل من أعمال وتجليات جنون القوة وغطرستها دون مراعاة أو خضوع لحكم القانون ومبادئ العدالة الأولية التي تعتبر كل أعمال القتل خارج نطاق القضاء جرائم يعاقب عليها القانون. والواقع أن تلك الأعمال الإجرامية التي تستبيح وتنتهك حرمة أرضنا وسمائنا ومياهنا وسيادتنا الوطنية وشرفنا وكرامتنا، وتسرح وتمرح كيفما تشاء في وطننا، قد سحبت وأسقطت تماماً كل أشكال وصور الشرعية والمشروعية الوطنية والدستورية والقانونية والأخلاقية عن حكامنا الذين كانوا من قبل يشجعونها على مواصلة عدوانها وجرائمها كيفما شاءت وأينما شاءت ووقت شاءت، وهم سيكذبون على شعبهم بأن قوتنا الوطنية هي من ينفذ، واليوم يقولون إنهم يعطون تصريحاً وموافقة مسبقة على كل اعتداء وجريمة تقوم بها القوات الأجنبية أولاً بأول، وبالدور طبعاً! فهل اختار الشعب قادة ليكونوا حكاماً وزعماء له، أم مستخدمين تحت إمرة الأجنبي..؟ إنها من علامات آخر الزمان وقيام الساعة حقاً.
من أية وجهة تقرؤون ملابسات موقف الرئيس هادي وحكومة الوفاق من إيران، خصوصا بعد الإعلان عن خلية تجسس إيرانية مؤخرا يراها البعض وهمية؟
الموقف الرسمي من العلاقة مع إيران والإعلان عن كشف خلايا تجسسية بالجملة تابعة لإيران في اليمن، ليس جديداً، فقد سمعنا من قبل وباستمرار تصريحات لكبار قادة الدولة مشابهة ومماثلة لها، بل وأعلنوا إحالتها إلى المحاكمة، ثم ما لبث أن أهيل عليها التراب ولفها النسيان في سراديبه العميقة المظلمة إلى غير رجعة. وهكذا يعودون اليوم لعزف نفس المعزوفة القديمة. وهذا في الواقع تصرف معيب في مصداقية وأخلاقية الدولة، أية دولة كانت، وهو أمر مثير للضحك والسخرية حقاً أن نتقمص الكرامة الوطنية لنصارع طواحين هواء وهمية، والقوات العسكرية المدججة بالسلاح تنتشر في قواعدنا وأرضنا وبحارنا وسمائنا، وتنتهك وتستبيح سيادتنا وكرامتنا الوطنية صبح مساء، وبالمرئي والمسموع والملموس، ثم يلهوننا بحزاوي من حزاوي الأطفال الساذجة. والأمر كله في اعتقادي لا يخرج في الأخير عن تنفيذ إملاءات وتوجيهات لحكامنا من قبل القوى الدولية المهيمنة التي تتولى حماية وضمان استمرار أولئك الحكام في الحكم على قدر امتثالهم وخضوعهم الدقيق في تنفيذ الإملاءات والتوجيهات الصادرة إليهم. إنهم في خدمة الأجنبي في كل حين، لكنهم ليسوا في خدمة شعوبهم طرفة عين للأسف الشديد.
أخيرا، ما هي الكلمة التي تودون أن توجهوها لليمنيين قيادة وأحزاباً وقوى وشعباً؟
الكلمة التي أود أن أوجهها لليمنيين قيادة وأحزاباً وشعباً، هي كل ما ورد في هذه المقابلة الطويلة، ولعلها لا تكون مملة. لكم جزيل شكري وتقديري واحترامي على هذه الفرصة التي أتحتموها لي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.