مقتل "باتيس" في منطقة سيطرة قوات أبوعوجا بوادي حضرموت    مايكل نايتس يكشف ل«العين الإخبارية».. كيف دحرت الإمارات «القاعدة» باليمن؟    تتويج الهلال "التاريخي" يزين حصاد جولة الدوري السعودي    جدول مباريات وترتيب إنتر ميامي في الدوري الأمريكي 2024 والقنوات الناقلة    مصادر سياسية بصنعاء تكشف عن الخيار الوحيد لإجبار الحوثي على الانصياع لإرادة السلام    لهذا السبب الغير معلن قرر الحوثيين ضم " همدان وبني مطر" للعاصمة صنعاء ؟    نادي الخريجين الحوثي يجبر الطلاب على التعهدات والإلتزام بسبعة بنود مجحفة (وثيقة )    لو كان معه رجال!    الحوثيون يسمحون لمصارف موقوفة بصنعاء بالعودة للعمل مجددا    ميليشيا الحوثي تجبر أعضاء هيئة التدريس وموظفي جامعة صنعاء بتسجيل أبنائهم بالمراكز الصيفية    بالصور .. مقتل وإصابة 18حوثيا بينهم قيادي في كمين نفذه أحد أبطال الجيش الوطني في تعز    مفاجأة وشفافية..!    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يستطيع المؤتمر التحول نحو المعارضة وما مصيره بعد رحيل صالح عن السلطة؟
نشر في المصدر يوم 18 - 12 - 2011

بإعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني الأربعاء 7/12 بموجب المبادرة الخليجية يكون المؤتمر الشعبي العام الذي يحكم اليمن منذ أربعة عشر عاما على أعتاب الدخول في مرحلة جديدة من تأريخه السياسي الممتدة لأكثر من ربع قرن، وهي مرحلة اختبار مدى صمود الحزب وقدرته على التحول إلى حزب سياسي معارض بعد تربعه على سدة الحكم لأكثر من نصف عمر الجمهورية اليمنية.
صعوبة هذا التحول في المسار التاريخي انه في حال حدوثه سيتم في ظل غياب علي عبدالله صالح عن موقعه كرئيس للدولة وفي رأس السلطة وموقع الرجل الأول فيها، وهذا سيؤثر كثيرا على أداء المؤتمر الشعبي العام وتماسكه التنظيمي ومستقبله السياسي، حتى ولو ظل زعيما ورئيسا للحزب، لأن الحزب منذ ميلاده نشأ مرتبطاً بشخص الرئيس ويدور في ظله، ووفق رؤيته الشخصية، وما تحقق للحزب من حضور شعبي وانجاز سياسي خلال الفترة الماضية لم يكن بفضل برامج وأفكار ونظريات المؤتمر، بل كان ناتجا عن أسلوب إدارة البلاد الذي انتهجه صالح طوال فترة حكمه بحيث أصبح المؤتمر يمثل الواجهة الشعبية والإطار السياسي لصالح، وكان صالح اليد الأولى والعقل الأول الذي استطاع ان يحافظ على بقاء المؤتمر في وجه العواصف والمتغيرات التي مرت بها اليمن بحكم كونه رئيسا للبلاد.
وبحكم هذه العلاقة المصيرية بين الحزب والرئيس فإن فصل احدهما عن الآخر قد يؤدي إلى الوفاة السريرية او الشلل للطرف الآخر، وبالتالي تلاشيه عن الحياة السياسية، ما لم تستجد ظروف وأحداث جديدة.
التحول نحو المعارضة كخيار للمؤتمر بدأت ملامحه تظهر في تمهيد نفسي أطلقه عبدربه منصور هادي نائب الرئيس الأمين العام للمؤتمر في وجوه قيادات المؤتمر وأعضاء لجنتيه العامة والدائمة التي انعقدت الأربعاء الماضي تزامنا مع إعلان تشكيلة الحكومة حين دعاهم الى اثبات قدرة الحزب على العمل سواء في السلطة او المعارضة.
ظهور المؤتمر بداية استدعتها ظروف لم تعد مقبولة الآن
يعد المؤتمر الشعبي العام من الأحزاب التي توصف بالفوقية، وهي الأحزاب التي تنشأ في ظرف معين من قبل نخبة بعيدا عن حاجة الشارع لها، ولا تستند الى أية جذور فكرية او أيديولوجية، وتخدم حاكم سياسي تنتهي بانتهائه، كالحزب الذي أنشأه السادات في مصر أثناء حكمه وانتهى بمصرعه.
كما يصنف المؤتمر كحزب ضمن ما يسمى بالأحزاب الشخصية حيث يخضع أعضاء الحزب لنفوذ زعيمه، ويستمد قوته ووجوده من شخصية الزعيم أكثر مما يستقيها من قوة مبادئه وتلاحم أنصاره. وأهم عنصر يميز أحزاب الأشخاص هو الولاء لشخصية الزعيم، فهو الذي ينشئ الحزب ويضع برامجه ويوجه نشاطه، ومن ثم يستطيع الزعيم أن يغير في برامج الحزب دون أن يخشى عدم ولاء أتباعه أو أعضاء حزبه. وتكون النتيجة العملية لهيمنة الزعيم على مقدرات الحزب، هي أن يتحول الحزب إلى قطاع خاص لزعيمه، وأن يتوارثه أبناء الزعيم على انه جزءاً من ممتلكاته، وأن يصبح الزعيم معصوماً عن الخطأ والانحراف، وأن يتعصب الأتباع لشخص الزعيم، يحبون من يحب ويحقدون على من يكره، ويقضون أيامهم في تمجيد أقواله والدفاع عن مواقفه والهتاف بإسمه. .
وجاءت فكرة تأسيس المؤتمر كما يقول المؤرخ محمد حسين الفرح في عهد الرئيس الحمدي عندما تم تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي العام في اجتماع ضم مجلس القيادة برئاسة الحمدي في 9 فبراير 1977م بمدينة الحديدة على اعتبار ان المؤتمر سيكون ميدانا للمشاركة الشعبية الواسعة في سبيل إصلاح الوضع السياسي والديمقراطية وتجربة التعاونيات، وستقوم اللجنة التحضيرية بإنجاز ودفع قضية الميثاق الوطني، وكان من المقرر أن ينعقد المؤتمر الشعبي العام الأول في الحديدة في 15 نوفمبر 1977م، غير ان اغتيال الحمدي أعاق هذا الانعقاد، وجاء الغشمي وجمد العمل بفكرة المؤتمر.
وعندما صعد صالح إلى الحكم أصدر في 25 ديسمبر 1978م قرارا بتشكيل لجنة لوضع مسودة ميثاق العمل الوطني، وتم تشكيل لجنة الحوار الوطني في مايو 1980م وبعد انجاز المشروع اجري استفتاء شعبي على الميثاق وصولا إلى انعقاد وتأسيس المؤتمر الشعبي العام بمشاركة كافة القوى و الشخصيات الاجتماعية والتيارات السياسية والعلماء والمشائخ والتجار والمستقلين والضباط في أغسطس 1982م، وانتخب علي عبدالله صالح أمينا عاماً.
وكانت فكرة إيجاد المؤتمر لدى صالح استكمالا لنهج الحمدي ومحاكاة لتأسيس الحزب الاشتراكي في الجنوب ولذلك انتخب امينا عاما مثلما انتخب علي ناصر أمينا عاما للاشتراكي، وظل الحزبان في الشمال والجنوب هما الاطاران السياسيان الحاكمان وجرمت الحزبية بأحكام دستورية.
وبعد قيام الوحدة واجه المؤتمر خيارات عدة منها الاندماج مع نظيره الاشتراكي، أو حل نفسه وقيام حزب جديد، أو بقاءه والسماح بإقامة أحزاب أخرى، وكان الخيار الأخير هو المتاح، ونظرا لخروج الكثير من القيادات المؤسسة للمؤتمر وانضوائها في أحزاب جديدة تنتمي إليها فكريا، حدث نوع من الخلل في البنية الهيكلية للمؤتمر فعوضها بضم كثير من الشخصيات البارزة في الجهاز الإداري للدولة وعدد من قيادات الحزب الاشتراكي التي انتقلت إلى صنعاء عقب أحداث يناير 86م.
وبانتهاء حرب صيف 94م كان المؤتمر قد بداء تحقيق ما يطمح إليه، وهو إقصاء الحزب الاشتراكي كأكبر خصم سياسي بعد التأزم في العلاقة بينهما بعد الوحدة وأثناء الائتلاف الثلاثي مع الإصلاح، وأفرزت مرحلة ما بعد الحرب تشكيل حكومة ائتلافية ثنائية بين المؤتمر والإصلاح لم تخلو من التقارب والتنافر بين الحزبين.
وتعد الانتخابات البرلمانية الثانية في 97م هي بداية التحول في المؤتمر نحو الانفراد بالسلطة، إذ أصبح بعدها حاكماً منفردا وانتهت مرحلة شراكته في السلطة مع الأحزاب الأخرى، وقد دخل تلك الانتخابات وهو مستعد للانفراد، وهو ما جاء في تقرير الأمين العام الأسبق للمؤتمر الدكتور عبدالكريم الارياني إلى دورة اللجنة الدائمة في مايو – يونيو 1996م حين قال أن تنسيق المؤتمر مع اي حزب سياسي في الانتخابات سيكون وفق شرطين الأول فوز المؤتمر بالأغلبية والثاني توحيد التعليم.
ومنذ 97م انتهج المؤتمر نهجا يضمن له البقاء في السلطة أطول مدة منفردا في الحكم مع هامش قليل لبقية الأحزاب الأخرى، فعمل على سن التشريعات والقوانين التي توفر له ذلك، وكان هذا التفرد مصدر قلق للمهتمين بالديمقراطية الناشئة في اليمن، من تحول المؤتمر الى حزب شمولي مستفرد بالسلطة ويستقوي بها، بيد ان هذا الانفراد كان إيذانا بمرحلة جديدة من النضال السلمي لدى أحزاب المعارضة للوصول للسلطة.

مكونات " المؤتمر بين الولاء والبقاء"
جاء تأسيس المؤتمر كما أسلفنا في عهد الحمدي ليشكل متنفس اجتماعي وسياسي بعد مرحلة تجريم الحزبية في عهد الرئيس عبدالرحمن الارياني رحمه الله، الذي قال قولته المشهورة: نرفض الحزبية .. سواء أطلت علينا بمسوح الرهبان، او بقرون الشياطين.. الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة.
وبالتالي كان تشكيل المؤتمر من كل قطاعات الشعب في عهد الحمدي أمرا محموداً باعتبار تلك الفترة بداية جيدة لميلاد العمل الحزبي العلني، ، وسار صالح على ذات النهج في جعل المؤتمر إطارا سياسيا يضم كافة القوى في المجتمع، وظل محافظا على هذا الوضع، لذلك يرى البعض ان هذه الصيغة جعلت من المؤتمر لا يرقى إلى مستوى الحزب السياسي بل يعد تنظيم سياسي.
ولذلك خلا المؤتمر من وحدة الانتماء الفكري التي تعد شرطا من شروط تكوين الأحزاب السياسية، اما الديمقراطية داخل مؤسساته كشرط ثاني من شروط الأحزاب، فقد ظلت مرتبطة بمدى الولاء لشخص الرئيس، وأصبح هم الحفاظ على البقاء في السلطة من قبل قيادة المؤتمر بديلا عن الانتماء الفكري في الأحزاب الأخرى.
وبالنسبة لمكونات المؤتمر الشعبي العام منذ نشأته فقد تمثلت في مكونات عدة كالشخصيات الاجتماعية ومشائخ القبائل وقادة الجيش، وعدد كبير من الموظفين والأكاديميين وكثير منهم شخصيات تركت أحزابها وانضمت إليه.
وسعى المؤتمر طوال السنوات الماضية مستخدما أدوات الدولة الى عملية استقطاب واسعة للقيادات والكوادر المؤثرة في الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وعمل على دمجها في أطره التنظيمية، مستفيدا من تفرده بالسلطة منذ انتخابات 97م و 2003م النيابيتين في استيعاب تلك الشخصيات المستقطبة وإغرائها بالمناصب الحكومية ومنحها الامتيازات، ولذلك فإن غالبية قيادات وكوادر المؤتمر داخل الحزب وفي الحكومات التي شكلها لم تكن من إنتاج المؤتمر فكرا وتوجها، بل جاءت من أحزاب سياسية أخرى تتقاطع مع المؤتمر في الفكر والتوجه سواء أكانت ناصرية أو اشتراكية أو إصلاحية أو بعثية.
هذا التكوين لم يكن يعكس ميزة في المؤتمر كتنظيم يستوعب كافة الأطراف، بل كان عاملا سلبياً تجلى في توجه المؤتمر لاحقاً، اذ ضاع الانتماء الوطني وتبني القضايا الوطنية ككل، وبرز التمسك الشديد بالسلطة للحفاظ على المصالح والبقاء، واستخدم في ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وأصبح الانضمام للمؤتمر فرصة للثراء والتنقل في مختلف المناصب الحكومية والحزبية، ما أدى إلى تفاقم ظاهرة الفساد المالي والإداري داخل الدولة وأجهزتها، وتوسعت هذه الظاهرة حتى أصبحت سمة من سمات المؤتمر.
ومنذ أول انتخابات برلمانية والمؤتمر يحقق المركز الأول في قائمة الفوز من خلال حصوله على المقاعد البرلمانية، وهذا الوضع أصبح في نمو مضطرد مع كل عملية انتخابية، لكنه لا يعكس زيادة الإقبال الشعبي عليه وقناعة الجماهير بالمؤتمر، بل يعكس سياسة الإطباق التي لفها المؤتمر حول الشعب والسلطة، عن طريق أجنحته المختلفة التي تمثل أدواته التنفيذية في المحافظات والمديريات، وتتمثل بالمشائخ والشخصيات الاجتماعية ومسؤلي الوحدات التنفيذية وأجهزة الأمن والجيش وموظفي القطاع الحكومي، والتي أعطيت صلاحيات واسعة في الدولة والحزب، فعملت على ترهيب وترغيب الآخرين للانضمام والتصويت له في العمليات الانتخابية مستخدمة إمكانيات الدولة وتمتعها بالنفوذ الكبير الذي جعل منها قوى ثقيلة تقوم بالوظيفة الحزبية والحكومية في آن واحد.
لقد اوجد المؤتمر الشعبي العام في بنائه التنظيمي كياناً تربطه بأعضائه المصلحة، وتحكمه علاقة المنفعة، وأصبحت قيادات وكوادر المؤتمر على اقتناع ان استمرار مصلحتها يكمن في تمسكها واستمرارها بالمؤتمر، وان تخليها عنه يعني فقدانها لمكانتها ومصلحتها، فاشتدت قبضة المؤتمر على الحكم، وازدادت نسبة الغرور والغطرسة في التعامل مع قضايا الشعب، وفي العلاقة مع الأحزاب السياسية الأخرى، واستخدمت كل إمكانيات الدولة وطاقتها في سبيل مصلحة المؤتمر، وأصبح الولاء للحزب هو معيار التصعيد والتوظيف في مختلف مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وادى هذا الى إقصاء الاخر وإبعاده عن مواقع التأثير، وبدت الدولة والمال العام كما لو كانت ملكا شخصيا للمؤتمر، فدفعه الى التمسك اكثر بالحكم وبدت معالم التوريث في الظهور، ما ادى الى افساد الحياة السياسية والاجتماعية للشعب، وافضى الى موجة الاحتجاجات الشعبية وظهور التصدعات في جسد الدولة.

صالح والمؤتمر .. علاقة بدأت بالأفول
الحديث عن المؤتمر الشعبي العام هو حديث عن شخص الرئيس صالح، وعن السلطة ذاتها، لأن المؤتمر الذي أوجده صالح نشأ في كنف السلطة منذ البداية، وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما، فالمؤتمر من خلال مسيرته الحزبية وما اكتنفها من سلبيات وايجابيات، تعد نتاجاً لسياسة صالح وتعكس طريقته في ادارة الدولة، فصالح مع عدد محدود من الشخصيات المقربة منه هو من يخطط ويضع السياسة العامة للدولة، والحكومة التي يشكلها هي من ينفذ تلك السياسات والبرامج، ويتولى المؤتمر في بقية أجهزته الحزبية الدفاع عن تلك السياسات في الإعلام والبرلمان وامام الرأي العام المحلي والدولي.
ولم يكن المؤتمر يستطيع الصمود في الحكم والبقاء فيه لو لم يكن صالح موجود، فهو يعد المرجع النهائي لأي خلاف داخل الحكومة، او داخل المؤتمر او فيما بينهما، ويعمل على ضبط الإيقاع والموائمة داخل اجنحة المؤتمر وتياراته المختلفة، ولعب دورا أساسيا في الحفاظ على تماسك المؤتمر.
وأثبتت المحطات الانتخابية التي شهدتها البلاد منذ مطلع التسعينات، ان وجود صالح على راس المؤتمر هو العامل الاكثر إسهاما في نجاح المؤتمر، وان وجود صالح في رأس السلطة هو العامل لذالك النجاح، من خلال تسخير الدولة لصالحه في استرضاء الشخصيات او ترهيبها وشراء الولاءات، وقد ساعدت الفترة الزمنية الطويلة التي حكم بها صالح الى ارتباط شخصيته بأذهان، الغالبية من الشعب نتيجة الحضور الدائم في مختلف وسائل الاعلام مما جعله شخصية لا يتصور البعض ان تتخلى عن منصبها بسهولة او تستمر الدولة بدون وجوده.
لقد اجاد صالح طوال رئاسته للحكم سياسة التدرج في المراحل، وفي كل مرحلة يحافظ على قدر معين من علاقاته بالأحزاب السياسية بالداخل بما يمكنه من الانتقال الى مرحلة اخرى، ومضى في سلم الحكم ليتخلص متى ما سنحت الظروف من طرف او شريك، محققا مكاسب جعلته يتمسك بالحكم اكثر ويتخلى عن الشعب تدريجيا، فتخلص بعد انتخابات 93م من حليفه الاشتراكي ، وبعد 97م من الاصلاح، وبعد انتخابات 2003م من الحوثيين وما تبقى من هامش ديمقراطي.
وتعد مرحلة ما بعد انتخابات 2003م هي الاكثر تحولا في مسيرة صالح واتجاهه مع الحزب نحو التفرد المطلق في الحكم، بغض النظر عن حاجة الشعب لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، إذ اكدت نتيجة الانتخابات استحالة إزاحة الرئيس والمؤتمر من السلطة عبر صناديق الإقتراع، ولو كان ذلك ممكناً فسيكون على المدى البعيد، وبدأ صالح في تكريس شكل من أشكال الديمقراطية وهي تلك التي تعيده وحزبه مرة اخرى الى الحكم، وتقوم على سلطة ولكن بدون مسؤولية.
لقد بدت الدولة في عهد صالح مختزلة في شخصه، دون أي اعتبار آخر للدستور أو القانون، ورسخت أجهزته الأمنية والحزبية مفهوم خاطئ لدى الشعب جعل من الرئيس رمزا للاستقرار والأمان والديمقراطية وبدونه سيفقد الشعب كل هذه المعاني، بيد أن ما حققه الرئيس لم يكن يصب في الصالح العام وفي بناء الدولة الحديثة بقدر ما كان يستفيد منه في البقاء على كرسي الحكم وهو ما تؤكده المشاريع التنموية التي يتلازم الحديث عنها والرجوع إليها قبيل كل عملية انتخابية. وسعت تلك الأجهزة إلى تأصيل ذهنية الاستحواذ والتملك السياسي عبر إشاعة ثقافة الخوف من الجديد المجهول وانتشار ثقافة الحفاظ على الوضع الراهن رغم سوءه وهو ما حصل قبيل الانتخابات الرئاسية في 2006م وحطمته الثورة الشعبية الحالية.
وفي سعيه للبقاء في السلطة حاكما، وإبقاء المؤتمر الحزب الأول، سعى صالح إلى جعل التنظيم المؤسسي للدولة متمركزا في دار الرئاسة، وجعل السلطة العسكرية والأمنية تخضع مباشرة للرئاسة، وأوجد تداخلا كبيرا بين المؤسسة العسكرية والأمنية وبين سلطة الحزب الحاكم. ولذلك لعب كثيرا على الورقة الأمنية وجعل منها أداة تهديد في وجوه معارضيه داخليا وفي وجه المجتمع الدولي خارجيا
الرئيس نفسه يدرك هشاشة البنية التنظيمية للمؤتمر، ومدى الدور الذي يضطلع به داخل المؤتمر، وقد كشف الرئيس بذاته هذه الهشاشة أكثر من مرة وهو يعلن عدم رغبته في الترشح للرئاسة، مما يجعل قيادات المؤتمر تمارس مختلف وسائل الضغط عليه كي يتراجع عن قراره، ومن ضمنها المظاهرات والمسيرات والمناشدات من مختلف وسائل الدولة والمجتمع المدني.

هل يستطيع المؤتمر الآن الفوز بدون صالح!؟
المؤتمر الشعبي العام بدون صالح سيجعله في اختبار حقيقي لذاته كتنظيم، ومدى قدرة التيارات المختلفة فيه على الصمود في المرحلة القادمة أمام الأحزاب الأخرى، ومواجهة قطاعات الشعب التي خاضت الثورة الشعبية و نجحت في تنحية صالح وحزبه وإنهاء معالم عهده، فكيف سيتعامل المؤتمر مع الشعب خلال الفترة القادمة؟ خاصة وأن خطاب الحزب الحاكم طوال الفترات الماضية بشكل عام والمواسم الانتخابية بشكل خاص تركز حول الرئيس، وانه صاحب المنجزات العملاقة والتاريخية، وأن فوز المعارضة يعني استهداف لتلك المنجزات، وأنها إذا فازت ستحول اليمن إلى الصومال أو العراق، وأن التصويت للمؤتمر وللرئيس ضمان للأمن والاستقرار والتنمية والمستقبل الأفضل.
و من خلال إدارة صالح للبلاد يتضح أنه جعل إمكانيات الدولة، بما فيها الوزارات السيادية كالأمن والدفاع والمالية وغيرها لمصلحته، وبالتالي لمصلحة المؤتمر الشعبي العام، واستطاع ببراعته إقامة علاقات جيدة مع بعض المنظمات و الشخصيات كالمشائخ والعلماء، وعلى الرغم من اختلافها معه حزبياً، لكنها ظلت مخلصة لشخص الرئيس نتيجة ود قديم تشكل بينهما، فخالفت موقف احزابها واعلنت تأييدها للرئيس، كموقف الشيخ عبدالله الاحمر رحمه الله الرئيس السابق للهيئة العليا للاصلاح ورجل الأعمال محفوظ شماخ والشيخ عبدالمجيد الزنداني المحسوبان ايضا على الاصلاح من الانتخابات الرئاسية الثانية في 2006م حينما اعلنوا تأييدهم ودعمهم لصالح، وخذلانهم لمرشح المعارضة فيصل بن شملان، مما دفع بكثير من العلماء والشخصيات الاجتماعية ورجال الاعمال الى اعلان تأييدهم لصالح، وكان ذلك التأييد لشخص الرئيس وليس للمؤتمر كحزب.
الآن وقد غادر صالح السلطة وتنحى بموجب المبادرة الخليجية، ومع تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتقاسم الحكومة بين المؤتمر والمعارضة، فإن ذلك سيفقد المؤتمر كثير من الامتيازات التي كانت بيده سابقا، وتمثل أدوات قوة بالنسبة له، فيبدو المؤتمر الآن في وضع حرج، إذ أنه فقد الرئيس كصمام أمان داخل الحزب، وفقد مؤسسات ووزارات حكومية كانت بيده يستقوي بها على المعارضة كالإعلام والداخلية والمالية، ومع إعادة هيكلة الجيش وانتخاب رئيس توافقي يكون صالح قد توارى تماما عن المشهد السياسي وانتهى التزاوج بين رئاسته للدولة والمؤتمر الشعبي العام.
على مستوى القيادة هناك قيادات كفاءة تستطيع أن تقود المؤتمر تنظيميا، كعبدربه منصور هادي والدكتور الإرياني، لكنها لن تستطيع أن تخطو نحو الإمام في ظل انعدام وسائل الترغيب والترهيب التي كانت يتبعها صالح لتنفيذ سياسة المؤتمر، وهي سياسة دفع الأموال الضخمة في سبيل الحصول على أصوات الناخبين، وتسويق الحزب في الإعلام الرسمي والتهديد بالمخاوف المستقبلية، فالمعارضة أصبحت شريك في السلطة وباتت إحدى أقدام المؤتمر في المعارضة، والتأريخ الطويل لإنجازات المؤتمر لم يعد ذو قيمة أمام الوضع الذي وصلت إليه البلاد الآن، فما هي السيناريوهات المحتملة للمصير الذي ينتظر المؤتمر الشعبي العام!؟
سيناريوهات المستقبل
أمام هذه الصورة سيكون هناك عدة سيناريوهات محتملة:
الأول محاولة تفجير الأوضاع عسكريا للحيلولة دون إجراء الانتخاب التوافقي لرئيس الجمهورية القادم المتمثل في شخص عبدربه منصور هادي.
الثاني لملمة صفوفه من جديد وإظهار نوع من التماسك التنظيمي وحشد الشخصيات ومراكز النفوذ للتصدي للمعارضة و ومحاولة هزيمتها سياسيا مرة أخرى والعودة إلى الحكم من جديد عن طريق الاستفادة من الإمكانيات التي لا زالت بيده، من خلال البقاء في وضع التوافق مع المعارضة، والتمترس خلف هادي الذي لن يكون سوى واجهة، بينما الحاكم الفعلي سيكون صالح وسيظل أسلوبه قائما في التعامل مع المعارضة والشعب، سواء تولى قيادة المؤتمر ام لا..
الثالث ذوبان وتلاشي المؤتمر وفقدانه القدرة على البقاء بسبب تنحي الرئيس عن الحكم وخروج الحزب من المؤسسات الحكومية وتخفيف منابع المال العام الذي يستخدمه في المحافظة على فوزه انتخابيا وسيكون خروجه تدريجيا من السلطة كلما فقد مواقع التأثير والنفوذ بالدولة.
وكل تلك الاحتمالات تجعل المؤتمر يعول على ما يلي:
استغلال مكانة صالح لدى طبقة كبيرة من الشعب وأن من الواجب الوفاء له باعتباره صاحب منجزات سابقة.
احتمال اندلاع الصراع بين أحزاب اللقاء المشترك وحلفائه وفض التحالف السياسي بينهما خاصة إثناء توليها لإدارة الوزارات الحكومية المسنودة إليها.
الحصول على دعم مادي بديل عن المال العام لمواجهة الانتخابات وشراء الأصوات من دول وأنظمة ترى في بقاء المؤتمر خيارا افضل من صعود خصومه نحو الحكم.
تفكك وتلاشي الزخم الثوري في الساحات بسبب النتائج التي وصلت إليها الثورة ولم يستفد منها الشباب بقدر استفادة أحزاب المعارضة.
إمكانية بدء حركة من التحالفات السياسية مع أطراف جديدة للالتفاف على وصول المعارضة للسلطة.
عدم القبول الشعبي بأحزاب المعارضة كونها الوجه الآخر للسلطة وذات برامج وتوجهات متناقضة.
ظهور تطورات جديدة على الساحة الدولية تعيد ترتيب الأوليات حول العالم وتصرف أنظاره بعيدا عما يجري في اليمن.
غير ان هذه الاحتمالات تقف أمامها عوائق كثيرة من أهمها:
التأريخ المعروف للمؤتمر الشعبي العام في عدم الوفاء لحلفائه السياسيين.
القناعة الشعبية بضرورة التغيير وان فترة حكم المؤتمر لم تكن سوى سنوات مليئة بالفقر والبطالة والظلم والاستحواذ على المال العام.
استمرار التفاهم والمرونة والانسجام في علاقة أحزاب المشترك فيما بينها، وتأكيدها على ان التحالف السياسي بينها سيمتد الى سنوات طويلة وان خروجها من هذا التكتل سيكون في خدمة السلطة وسيؤثر على بقائها.
عدم وجود شخصية مرجعية تعود إليها القيادات المؤتمرية كصالح وإن ظل هو رئيس للمؤتمر فسيكون فارغ اليد فاقد للأدوات التي تمكنه من فرض رأيه وترجيح قراره كما لو كان في السلطة.
تشير الترتيبات الأولية للمؤتمر كتعيين مجور امينا عاما إلى عدم وجود نية حقيقية للمؤتمر في الارتقاء بنفسه الى مستوى المرحلة التي يعيشها، فمجور لا يمتلك أي خبرة حزبية كافية، ولا يحظى بالقبول التنظيمي داخل الحزب، وله تأريخ من الفساد المالي أثناء إدارته للحكومة، وتنعدم فيه مؤهلات القيادة الحزبية الذكية كتلك التي يمتلكها الارياني او باجمال مثلا.
بشكل عام لا تزال الوقائع والأحداث حبلى بالمفاجآت، ومن الصعوبة التكهن بما ستؤول إليه الأمور، وما هي الخريطة الجديدة للقوى التي ستتشكل على ارض الواقع في المستقبل؟ في تقديري أن نجاح الانتخابات الرئاسية التوافقية التي ستعزل صالح تماما عن الحكم سيكون المؤشر الأول لبدء مرحلة جديدة لترتيب الأولويات والحفاظ على الحياة والبقاء بالنسبة للمؤتمر والرئيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.