لم يكن بمقدورنا المرور من طريق الضالع، بسبب خوف السائق وإلحاحات المسافرين علينا بعدم المجازفة، فاضطررنا إلى خوض رحلة شاقة لقرابة العشر ساعات عبر المرور من محافظات ذمار وإب وتعز ولحج وصولاً إلى عدن. ما بين تعزوعدن حكاية أخرى عن طريق تنتشر فيه المطبات والحفر التي أودت بحياة الكثير من المسافرين، وقصة مغايرة لعشر نقاط عسكرية تقع على امتداد الطريق الذي لا يزيد طوله عن مائة كيلومتر.
بدا سالم منهكاً ظهيرة أمس الاثنين، فهو يعيش لحظات صعبة وضغطاً شديداً، فخمس ساعات تفصله عن مرور الموكب الرئاسي من منطقة "العريش" التي يعمل فيها سالم وبحواره العشرات من العمال المناط بهم تركيب الأعمدة الكهربائية ورصف الشارع وطلاء الجدران الأسمنتية.
"العريش" التي تربط بين مديريتي خور مكسر والشيخ عثمان والتي يقع فيها أستاد 22 مايو الدولي الذي شهد يوم أمس افتتاح دورة كأس الخليج العربي في نسخته العشرين، كانت تعاني من إهمال ملحوظ من قبل السلطات المحلية التي تنبهت في اللحظات الأخيرة إلى الورطة التي ستقع فيها إذا استمر حال منطقة العريش الملتفة حول أستاد 22 مايو على ذلك الحال، فقررت بالنهوض بالوضع الحضري للمنطقة في اللحظات الأخيرة لانطلاق البطولة.
ظهيرة الأحد الفائت كان "المصدر أونلاين" في مطار عدن الدولي والمحاذي لمنطقة العريش، والتقطت عدسة "المصدر أونلاين" صورة للشارع الممتد أمام المطار والذي كانت وسائل الشق والزفلتة تقوم بإعادة تأهيله، ودرأ للإحراج الذي ستتعرض له حكومة بلادنا فور وصول رؤساء دول جيبوتي وأرتيريا ومشاهدتهما لذلك المنظر تم إخراجهما من البوابة الجنوبية للمطار، كون الشارع المقابل لبوابة التشريفات الرئاسية لا يزال رهن الردم والزفلتة التي انتهت في الثانية عشرة من أمس الاثنين.
اكتست مدينة عدن حلة جديدة وبهية، وذلك ما يلاحظه الزائر تماماً كملاحظته لهشاشة بعض الأعمال الإنشائية، فمثلاً شوارع العريش والستين والقاهرة والمنصورة ودار سعد تم رصفها بالبلاط دون وضع مادة الأسمنت مما يسهل نزعها باليد، إضافة إلى وجود عدد من المجسمات التي استعصى على الشركات المنفذة الانتهاء منها، وكمخرج لذلك المأزق تم لف هذه المجسمات الأسمنتية بالطرابيل الزرقاء، كما تم تغطية المساحات الترابية أو التي تشهد أعمال بناء باللوحات الإعلانية، وذلك للظهور بالصورة اللائقة بحسب تعبير الدكتور عدنان الجفري محافظ محافظة عدن. كما قامت السلطة المحلية بطلي جدران تلك السلسلة المتجانسة من المباني السكنية التي أنشئت من قبل المستعمر البريطاني.
عدن.. التي تشهد اليوم طفرة تنموية حال الجنود مراراً وتكراراً دون التقاط عدسة "المصدر أونلاين" صوراً تحكي عن روعة الإنجاز بمبرر أن ذلك ممنوع!
*** وزعت السلطة المحلية بعدن على جميع المحلات والأسواق التجارية والشعبية أوراق تهاني بهدف دفع التجار وبائعي القات وغيرهم إلى تدوين أسمائهم فيها وتعليقها على جدران محلاتهم كتعبير عن ابتهاجهم بفرحة عيد الأضحى وبطولة خليجي عشرين.
كما انتشرت اللافتات الدعائية للبنوك والشركات التجارية والهيئة الوطنية للتوعية على امتداد شوارع مدينة عدن، كتعبير عن ابتهاجهم بقدوم ضيوف اليمن، وفاقت اللافتات الترحيبية لكاك بنك عدد القادمين من دول الخليج العربي.
وغابت الشاشة العملاقة عن مدينة عدن، بعد أن كانت وسائل الإعلام الرسمية قد تناقلت سابقاً خبراً عن احتضان عدن لأكبر شاشة في العالم لنقل فعاليات بطولة خليجي 20.
*** "وجدي" كغيره من سكان مدينة عدن والتواقين لقيام الحكومة بتوسعة الطريق البحري الرابط بين خور مكسر وجولة كالتكس بالمنصورة.
فالطريق البحري والذي قامت سلطة الاحتلال البريطاني قبل أكثر من نصف قرن بردمه وشق طريق إزفلتي يسهل للسكان التنقل بين شمال وجنوب المدينة، صار عبئاً على سائقي وسائل النقل بسبب الحوادث المرورية اليومية التي يؤدي بحياة الكثيرين.
كانت أمنية الشاب وجدي العولي –سائق سيارة أجرة- تنحصر في قيام السلطة المحلية بإدراج توسعة الطريق البحري ضمن مشاريع خليجي 20.
كان وجدي يحكي ل"المصدر أونلاين" عن أمنيته تلك ظهيرة أمس الاثنين وفي خضم حديثه ارتطمت ثلاثة سيارات ببعضها البعض مما أدى إلى إعاقة مرور السيارات في الطريق البحري ما يزيد عن ساعة من الزمن، وبعد اقترابنا من مكان الحادث المروري منع جنود الأمن "المصدر أونلاين" من التقاط صور للحادث.
*** لطالما اعترضت عناصر الحراك الجنوبي على إقامة خليجي 20 في عدنوأبين، ولطالما حذرت قيادات الحراك منتخبات الخليج العربي والعراق من مغبة القدوم إلى اليمن، وعلى نفس السياق أكدت الحكومة اليمنية بأن كل شيء تحت السيطرة.
مع حلول عيد الأضحى المبارك أصدر الحراك الجنوبي بياناً أوضح فيه خطته للاحتجاجات والاعتصامات التي أكد بأنها ستبدأ السبت الفائت، ولكن ما الذي حدث؟
بحسب مصادر مطلعة فإن النظام الحاكم تمكن من إبرام صفقة تهدئة مع قيادات الحراك الجنوبي.
وشملت الصفقة والاتفاق المؤقت عناصر تنظيم من القاعدة بمحافظة أبين، وخلص كليهما إلى تنسيم بالونة الاحتجاجات والمظاهرات التي تقوم بها قيادات وعناصر الحراك الجنوبي، في حين التزمت القاعدة بوقف نشاطها حتى نهاية العام الجاري.
وتضيف المصادر بأن الاتفاق الذي قوبل بموافقة من مختلف قيادات الحراك الجنوبي، لقى رفضاً من قبل حسن باعوم مما أدى إلى اعتقاله مؤقتاً!
*** من المثير جداً مشاركة رؤساء دولتي جيبوتي وأرتيريا في حفل افتتاح بطولة كأس الخليج العربي، باعتبار أن الكثير من المحللين يرون بأن تجمع دول صنعاء جاء كنتيجة حتمية لعدم انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، فهل عدم حضور ملوك وأمراء مجلس التعاون لحفل افتتاح البطولة دفع الرئيس علي عبدالله صالح إلى دعوة حلفائه في دول تجمع صنعاء؟ ***
كيف تمكن عارف الزوكا منع عناصر الحراك من الدخول للملعب؟ اعتاد رئيس الجمهورية بين فينة وأخرى على الاستعانة بحلفائه المخلصين لتولي زمام ما يعتقد بأنه من المهام الجسيمة والامتحانات العسيرة.
هذه المرة كان ولا يزال النظام يخشى من تسرب عناصر الحراك الجنوبي إلى الملاعب الدولية التي تحتضن فعاليات بطولة خليجي 20. ولدرأ ذلك كلّف الرئيس شخصياً عارف الزوكا للقيام بإعداد وتنفيذ خطة شاملة تكفل بعدم دخول أي من عناصر الحراك إلى الملاعب الدولية.
قبل بضعة أيام نقلت وسائل الإعلام الرسمية تصريحاً رسمياً مفاده بأن اللجنة المنظمة انتهت من إعداد وطباعة تذاكر الدخول لمشاهدة المباريات، وأن اللجنة ستقوم بتحديد نقاط للبيع المباشر للجماهير الرياضية، ولكن ذلك لم يحدث مما أدى إلى ترديد إشاعة تؤكد بأن توجيهاً رئاسياً صدر بالسماح للجماهير الرياضية بالدخول إلى حفل ومباراة الافتتاح مجانياً.
تلك الإشاعة رددها الشارع الرياضي بعد انتهاء عارف الزوكا من توزيع تذاكر حفل ومباراة الافتتاح على الجمهور الرياضي الموثوق بحبه واعتزازه بالوحدة اليمنية.
كانت خطة الزوكا تكمن في الاتصال المباشر بالجمهور الرياضي عبر قيادة وأعضاء المديريات المحلية لمحافظة عدن، وعبر هذا الوسيط الموثوق به سلفاً تم توزيع التذاكر على الجمهور الرياضي. كما قام الزوكا بالتواصل مع إدارة الأمن بالمحافظة والتي قامت بمده بالكشوفات الخاصة بنزلاء الفنادق السياحية والمشتملة على بيانات الأشخاص القادمين من دول الخليج العربي، وعبر إدارة الفنادق قام الزوكا بتسليم الجمهور الخليجي تذاكر الدخول وبلغت عدد تلك التذاكر الموزعة على الجمهور الخليجي 400 تذكرة، أغلبهم يمنيين مقيمين في السعودية والإمارات.
بالأمس نجح عارف الزوكا وتمكن من إعاقة عناصر الحراك الجنوبي من ما وصفه بالدخول لتشويه سمعة اليمن.. سألته عن الغد فأجاب: "لدينا استراتيجية أخرى للتوزيع".
عند لقائنا به صباح أمس الاثنين، قام عارف الزوكا بمنحي عشر تذاكر لدخول حفل ومباراة الافتتاح، ولكن طاقم صحيفة "المصدر" وموقع "المصدر أونلاين" والزميل أحمد الشلفي مراسل قناة الجزيرة، وطاقم الجزيرة الرياضية، وعشرون صحفياً وإعلامياً يمثلون عدداً من وسائل الإعلام لم يحالفهم الحظ لحضور الحفل الكرنفالي بعد أن حال الجنود بيننا وبين ذلك كما هو حال مئات الجماهير الرياضية قلة منهم خليجيون بحجة ازدحام أستاذ 22 مايو بالجمهور الذي توافد إلى الملعب من ساعات الصباح الأولى.
