لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تشهد المحافظات الجنوبية حالة الهدوء والاستقرار الذين طغيا على المشهد العام فيها طوال أسبوعين من عمر البطولة الخليجية . حقاً إنه سحر كرة القدم الذي يجعل البشر يعيشون حالة لاإرادية تحط عن كواهلهم أثقال الحياة اليومية بكل تصدعاتها وتجبرهم على الاستمتاع بجماليات اللعبة دون سواها
لقد توحدت قلوب ملايين البشر في عدن وأبين ولحج والضالع وبقية المحافظات بما فيهم "الحراكيون" الذين تناسوا مشروعهم ودعواتهم الانفصالية ولم يعد يشغل بالهم سوى منتخب الوطن ، فوقفوا خلفه وشجعوه وان كان خذلهم وأستكثر عليهم فرحة تذوق الانتصارات.
ماذا لو أن فخامة الرئيس فكر في اقتحام حياة البسطاء مثلاً ؟ الأكيد انه سيصبح أكثر يقيناً من حقيقة ما يمكن أن تفعله هذه الساحرة المستديرة بهم وسيطرح حينها فكرة استضافة كأس العالم 2026 في ارض السعيدة وليس إقامة بطولة كروية لدول القرن الأفريقي فحسب ، والأكيد أيضاً ان فخامته سيدرك تماماً ما ينشده الناس في محافظات الجنوب الغاضبة وهي في تصوري ذات المطالب والهموم التي يتقاسمها كل المواطنون في مختلف المدن اليمنية .
المواطنون الذين يمثلون خط الدفاع الأقوى في وجه اي محاولات رخيصة للمساس بأمن واستقرار الوطن او حتى ضد أطماع الوصول لكرسي الحكم سواء بالطرق السلمية او غير السلمية.
يطمح الفرد منا الى توفير مواطنة متساوية في كل أمور الحياة ، تماماً كما حدث في مدرجات ملعب 22 مايو التي ضمت في جنباتها الغني والفقير .. الكبير والصغير .. المدير والعامل البسيط ، الذين جمعهم عشق الكرة وشعورهم بالانتماء لهذا الوطن الذي يحمل شعاره احد عشر لاعباً على مستطيل اخضر لايتجاوز طوله ( 120 ) متر .
الأمر ببساطة يتطلب توفير حد أدنى من الحياة الكريمة للجميع علاوة على بعض وسائل الترفيه التي قد تصرفهم عن الانشغال بالأمور السياسية ونقد الأوضاع الى الاهتمام بمعشوقتهم الكروية وبعض التفاصيل الأخرى التي لاتشكل قلقاً للحاكم.
لا أشك أن الرئيس يعي تماماً في هذه اللحظة بالذات حاجة الناس الى منشئات رياضية وبنية تحتية أكثر من حاجتهم الى صفقة أسلحة روسية أو أمريكية بمليارات الدولارات.
في ظل عدم وجود عدو حقيقي يمكن محاربته خصوصاً إننا نبتعد عن العدو الصهيوني بآلاف الأميال وكذا بعد التوقيع على اتفاقيات ترسيم الحدود مع دول الجوار ، لا يحتاج الناس حقيقة إلى جيش قوي بقدر حاجتهم لمنتخب كروي قوي ومنافس يستطيع أن يرفع علم اليمن عالياً في المحافل العربية والقارية ، .
ربما هي أشياء بسيطة لن تكلف خزانة الدولة كثيراً قياساً بما تنفقه عبثاً على أمور تافهة لكنها حتماً ستسهم إلى حد ما في التخفيف من احتقانات الناس وسخطهم على النظام الحاكم
الفندم محمد عقب حفل ختام بطولة خليجي 20 ظهر المقدم ركن محمد محمد عبدالله صالح امام باب المقصورة الرئيسية لملعب 22 مايو جالساً في المقعد الأمامي لسيارته ال "لاندروفر" البيضاء اللون التي طوقت من جميع جهاتها بجنود مدججين بمختلف الأسلحة وعيون صارمة تتنقل من زاوية لأخرى في حالة استعداد قصوى كما لو كانوا متأهبين في انتظار معركة حربية توشك أن تقع ، بدا الأمر اقرب الى البهرج الخداع المقصود منه لفت الانتباه اكثر من كونه حرص أمني اقتضته ضرورة المشهد لاسيما أن الوصول الى امام تلك البوابة يستدعي المرور بأكثر من حاجز امني وتفتيش دقيق في أكثر من مكان.
هذه الصورة استفزت بعض ضيوف اليمن من الأشقاء الخليجيين والعرب الحاضرين الذين لم يتردد أحدهم بسؤالي عن هوية هذا الشخص وحين اخبرته من يكون رد متسائلاً : " طيب ليه كل هالزحمة اللي مسويها".