في 2006 وقّع المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك اتفاق المبادئ، وفي 2007 وقعا وثيقة ضوابط الحوار، أعقبها في ذات العام توقيع محضر مشاورات في عدن، وفي 2009 وقعا اتفاق فبراير، وفي يوليو 2010 وقّعا أيضاً. بإمكان التوقيع المستمر أن يكون تمريناً جيداً للأصابع أو إفراغاً لشحنات نفسية للتوتر، لكن أوضاع اليمن لاتزال متوترة على أكثر من صعيد.
منذ تشكيل لجنة الحوار الوطني بقوامها المنظوري الذي وصل إلى اللجنة المصغرة، لم يتوصل الطرفان إلى الجلوس على طاولة واحدة؛ قطبا مغناطيس يتبادلان موقعي السالب والموجب، وعلى الشعب ألاّ يفقد خاصيته الحديدية التي تضمن انجذابه إلى القطبين. المشكلة فيما يتعلق بالشعب أنه ترك القطبين يتجاذبا استقراره اليومي والمعيشي، فيما مسلسل الحوار يمضي في مجال مغناطيسي متوتر بين كافة القوى الوطنية.
سيقرأ الفقرة السابقة مسئول حكومي أو معارض حصيف ويشعر بعدم الإنصاف، لكن غالبيتنا يعرفون أن السلطة تستأثر لنفسها بقطب المغناطيس السالب معظم الوقت إن لم يكن باستمرار. ليس أدلّ على ذلك من انسحاب المؤتمر الشعبي من الحوار الوطني والشتائم الإعلامية على أصوات المعارضة المرتفعة. لم أصدّق أن رئيس الجمهورية سيصف أحداً من معارضيه ب"الكلاب المسعورة". لكن ذلك حدث مع توجيه واضح نحو قادة "الحراك الجنوبي"، وفي وقت كانت بطولة كأس الخليج مستمرة بسلام على أرض نعرف كم صارت ملتهبة وصعبة الإخماد.
نهاية الأسبوع قبل الماضي شن أعضاء المشترك في اللجنة المصغرة للحوار هجوماً مركزاً، على سياسات السلطة إزاء القضايا المسببة لأزمات البلاد، لكن الرد بافتتاحية الثورة جاء في اليوم التالي ليجرد لجنة الحوار والمعارضة بشكل عام من أية صفة تخولهم التحدّث باسم الشعب أو البلاد. إنه استقواء غير محسوب العواقب بشعب نعرف جيداً أن أصواته في الانتخابات السابقة ليست كما أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، كما نعرف كيف يتم إخراج المواطنين للاقتراع.
هل نتحدث عن المهرجانات التي تقيمها السلطة والمعارضة في المناسبات الوطنية؟ احضروها لتعرفوا كم أن كليهما لا يراعيان اللياقة في نقد الآخر. ما تتضمنه الخطب والبيانات في هذه المناسبات يدلّ على أن الحدّ الأدنى من الاحترام بين الطرفين غير مأخوذ بالحسبان.
يكفي أن نلاحظ كيف احتفلا بعيد الاستقلال 30 نوفمبر هذا العام. المعارضة "متطفلون على الشعب" في نظر افتتاحية الثورة، والسلطة "شمطاء وعليها أن ترحل من اليمن" في مهرجان أحزاب المشترك في تعز.
جولات من الملاسنات وفي المحصلة: "ديمقراطية لسانية"- حسب تعبير الكاتب "المنشق" نعوم تشومسكي.
منذ تولي الرئيس صالح السلطة وهو يتحدث عن الحوار، يفلح فيه ويخفق، لكن القضايا الآن لم تعد كما في السابق. هناك قضية تفرض نفسها في الجنوب وتطورات في المطالب إلى فك الارتباط، وشبه دولة في صعدة، وهناك التربّص الإقليمي والعالمي باليمن. ليس من الحنكة إذنْ التعاطي مع مفهوم "الحوار" كما كان أيام التفاوض مع الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى أو أزمة الفترة الانتقالية عقب إعلان الوحدة. الراهن مختلف تماماً في معطاه السياسي وأكثر تعقيداً.
وبالمقابل، منذ تشكيل تحالف اللقاء المشترك، صارت العلاقة بين المعارضة والسلطة كيدية أكثر من السابق، والعلاقة الشرطية في وضع التحالف والانفراد بالقرار، تمضي في صالح الفرد. نتائج معكوسة لعلم المنطق وعلم السياسة.
يقترب موعد الانتخابات في أبريل 2011 في ظل تصريحات السلطة بعزمها المضي منفردة في إجراء الانتخابات حسب موعدها، فيما المعارضة اعتبرت ذلك "إعلان حرب"، وما علينا سوى انتظار المفاجآت؛ لأن السلطة تستقوي بمقدرات الدولة والمعارضة تستعين على أمورها بالكتمان.
هكذا يبقى مفهوم الحوار الوطني بين القطبين الفاعلين سياسياً كمفهوم المجال المغناطيسي: أحدهما يبحث عن الشمال وآخر يبحث عن الجنوب، لكن أياً منهما لا يمتلك نباهة المغناطيس.
* المقال عن حديث المدينة وينشر بالاتفاق مع الكاتب.