اتضح لنا جلياً وبما لا يدع مجالاً لمجرد الشك، وخاصة بعد التصريحات الرئاسية، أن أسباب إصرار السلطة الحاكمة في اليمن على إقامة خليجي 20 في الوقت المحدد هي سياسية بامتياز. فرغم الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن بصناعة سلطوية، ورغم الكلفة المالية الكبيرة لإقامة البطولة، إلا أن السلطة أصرت وتمسكت بإقامتها، لترسل من خلالها رسائل سياسية مفادها أن الوضع لا يزال تحت السيطرة يا عالم، وأن ما يدور في الجنوب من حراك وغيره هو مجرد هراء ومحض كذب لا أساس له من الصحة.
ولأجل إقناع الجميع بذلك عملت السلطة الحاكمة على عسكرة المناطق الجنوبية، وخاصة منطقتي أبين وعدن عسكرة تامة، فتم التجييش والتعبئة إليهما بإعلان من رئيس الجمهورية شخصياً، حيث أعلن عن نشر ثلاثين ألف جندي لتأمين إقامة خليجي 20 عوضاً على أن المحافظتين وكباقي محافظات الجمهورية تعجان بانتشار كثير من الأجهزة الأمنية: أمن سياسي وأمن قومي وأمن مركزي وأقسام شرطة ومعسكرات.. الخ من الأجهزة التابعة للسلطة.
وانظروا كم سيصبح العدد الكلي لكل أولئك الذين يؤمّنون خليجي 20، وهو الوضع الذي أعطى رسائل عكسية تماماً للرسائل التي أرادت السلطة إيصالها من خلال تلك البطولة. فالوضع في ظل انتشار أمني كثيف كذلك الذي كان خلال البطولة، أقرب إلى ما يشبه حالة حرب، مما يعني أن السحر قد انقلب على الساحر وأن هناك في المناطق الجنوبية مشاكل سياسية ناتجة عن مشكلات حقوقية ظلت تتراكم يوماً بعد يوم على مرأى ومسمع من السلطة الحاكمة. بل إن السلطة الحاكمة هي من صنع تلك المشكلات ما أدى إلى تحول المشكلات الحقوقية إلى سياسية، والفضل في ذلك يعود للسلطة الحاكمة، فهي صاحبة الحق الحصري لكل مشكلات وأزمات اليمن بدون منازع.
وكان الأحرى بل والأوجب على السلطة أن توجه المليارات التي تم العبث بها نحو التنمية الحقيقية في بناء المصانع وغيرها من البنى التحتية الكفيلة بالقضاء على البطالة والفقر والمرض والجوع، وبذلك يكون الوضع تحت السيطرة الحقيقية لا الوهمية، فمن غير المعقول أن تقوم السلطة الحاكمة بتنظيم بطولة لكرة القدم بمئات المليارات على حساب بطون الجوعى والمرضى والفقراء. بطولة أتت بكلفتها المالية على ما تبقى من الاقتصاد اليمني وتفيد منها المتفيدون وازداد الأثرياء منها ثراءً، وازداد بها ومنها الشعب فقراً وجوعاً.
أخيراً يا رجال السلطة الحاكمة: لا مخرج لهذا البلد إلا بإعادة كل الحقوق المغتصبة إلى أهلها، وإعمال القانون على الجميع، دون استثناء، فهل فيكم أو منكم رجل رشيد.