بدأ نائب الرئيس المصري حسني مبارك محادثات يوم الاثنين مع المعارضة بشأن اجراء اصلاحات شاملة فيما يشير الى ان الضغوط الهائلة من المحتجين في الشوارع والحلفاء الغربيين والجيش بدأت تنهي حكمه المستمر منذ 30 عاما. وبعد أسبوع من الاحتجاجات الحاشدة على الفقر والفساد والقمع في عهد مبارك (82 عاما) الذي يسانده الجيش قال نائبه المعين حديثا عمر سليمان في كلمة بثها التلفزيون ان الرئيس طلب منه بدء اتصالات مع القوى السياسية لبدء حوار بخصوص الاصلاح.
وذكر التلفزيون في وقت لاحق أن المحادثات بدأت. كما ذكر سليمان أن الحكومة الجديدة التي عينها مبارك وأدت اليمين يوم الاثنين ستحارب البطالة والتضخم والفساد.
لكن الخصوم من أول الشبان العلمانيين المعارضين الى معظم الحركات الاسلامية يريدون أن يتنحى مبارك ويأملون حشد مليون شخص في الشوارع يوم الثلاثاء بعد أن شجعهم تأكيد الجيش أنه لن يطلق النار عليهم أثناء تعبيرهم عن مطالبهم "المشروعة".
وفي ميدان التحرير بوسط القاهرة حيث يظل الاف المحتجين مستيقظين خلال الليل في تحد لحظر للتجول قال المحامي أحمد حلمي (45 عاما) ان وقت التنازلات قد فات وان الامر الوحيد الذي سيقبله المحتجون هو أن يستقل طائرة ويرحل.
ولا يبدو مرجحا أن يحكم مبارك وقتا طويلا في ظل نظام جديد تجرى في اطاره انتخابات حرة في أكثر الدول العربية سكانا.
وقال المحلل عمر عاشور متحدثا لقناة الجزيرة الفضائية انه يعتقد أنها بداية النهاية.
وكان قائد الجيش قد أعلن قبل كلمة سليمان أن مطالب المحتجين " مشروعة" وقال ان الجنود لن يطلقوا النار على المحتجين المسالمين الذين دعوا الى خروج مليون محتج الى الشوارع اليوم الثلاثاء للضغط على مبارك ليتنحى.
وطالما ساندت الولاياتالمتحدة مبارك كدعامة راسخة في مواجهة التشدد الاسلامي وصديق لاسرائيل بمليارات الدولارات من المعونات العسكرية. وقالت واشنطن يوم الاثنين بوضوح انه يتعين على مبارك أن يلغي قانون الطواريء الذي استمر يحكم في ظله منذ عام 1981 وأن يجري انتخابات حرة. كما أرسلت واشنطن مبعوثا هو فرانك ويزنر السفير الاسبق لدى مصر لمقابلة الزعماء المصريين.
ومن المتوقع أن تضع القوى الغربية التي فاجأتها سرعة تراجع دولة مبارك البوليسية أمام محتجين غير مسلحين على رأس أولوياتها الحيلولة دون استيلاء الاسلاميين بالكامل على السلطة.
ويعتقد بعض المحللين ان الجيش يسعى الى وسيلة لانقاذ ماء الوجه لجعل مبارك يرحل بطريقة تحافظ على هيبة الجيش .
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي كانت له مصر من الاصدقاء العرب القليلين في المنطقة انه يخشى من احتمال أن تحول جماعة الاخوان المسلمين مصر الى دولة دينية مثل التي قامت في ايران عام 1979.
وكانت الجماعة المحظورة قد ظلت في خلفية الصورة خلال احتجاجات يقودها شبان من سكان المدن طوال الايام السبعة الماضية. وتقول الجماعة انها تسعى إلى ديمقراطية تعددية.
ودعا الاخوان أيضا الى احتجاجات حاشدة.
وكان سليمان مديرا لجهاز المخابرات وعينه مبارك يوم السبت نائبا في أول مرة يقدم على هذه الخطوة منذ بداية حكمه. وكانت تلك الخطوة أول اشارة الى أنه ربما يفكر في تسليم السلطة في نهاية المطاف.
وقال سليمان في كلمته ان مبارك كلفه يوم الاثنين "باجراء الاتصالات على الفور مع جميع القوى السياسية لبدء حوار حول كافة القضايا المثارة والمتعلقة بالاصلاح الدستوري والتشريعي على نحو يخلص الى تحديد واضح للتعديلات المقترحة والتوقيتات المحددة."
وعين مبارك حكومة جديدة مع وعد بتنشيط الاقتصاد لكنه لم يحظ برضا عشرات الالاف من المحتجين في أنحاء البلاد الذين يتحدون حظرا للتجول خلال الليل ولم يتحرش بهم الجنود.
وربما كانت قيادة الجيش أكثر حرصا على الحفاظ على نظام للحكم مستمر منذ 60 عاما بسانده الجيش من اطالة حكم مبارك.
وقالت القوات المسلحة انها لن يستخدم العنف ضد "هذا الشعب العظيم" لكنها ستوقف المخربين واللصوص.
وجاء في بيان تلاه المتحدث باسم الجيش أن " قواتكم المسلحة ادراكا منها بمشروعية مطالب الشعب وحرصا منها على القيام بمسؤوليتها في حماية الوطن والمواطنين كما عهدتموها دائما نؤكد.. أن حرية التعبير بالطرق السلمية مكفولة للجميع."
وجدد البيت الابيض والاتحاد الاوروبي دعوتيهما لمبارك لقبول ارادة الشعب لكنها لم تصل الى حد دعوة حليفها المخضرم صراحة الى التنحي.
لكن المصريين في الشوارع ليست لديهم مثل هذه التحفظات.
وهتف الاف المحتجين في القاهرة مطالبين بخروج مبارك. بينما هتف حشد في مدينة المحلة الكبرى المشهورة بصناعة النسيج في دلتا النيل أن عهد مبارك قد انتهى.
وقال حسن شعبان (35 عاما) خلال التجمع الحاشد المستمر في وسط القاهرة ان أوان التراجع قد فات ولم يعد ثمة خوف مضيفا أن أي رئيس بعد مبارك لن يجرؤ عل قمع الشعب.
ومنذ خاضت قوات مبارك الامنية المكروهة معارك مع المحتجين الشبان يوم الجمعة نزل الجيش الى الشوارع في استعراض مكثف للقوة بمساندة دباباته المصنوعة في الولاياتالمتحدة. لكن الجنود الذين يحظون باحترام واسع النطاق من الشعب وقفوا ينظرون في صبر تاركين الناس يعبرون عن غضبهم من الفقر والاستبداد.
وفي واشنطن التي ساندت مبارك بالمال والسلاح كحليف حيوي في مواجهة التطرف الاسلامي في الشرق الاوسط قال المتحدث باسم البيت الابيض بوضوح ان الرئيس المصري ينبغي أن يستمع الى شكاوى شعبه وأن يمنحه الحرية. لكنه رفض أن يقول مباشرة ان مبارك نفسه يجب أن يرحل.
ودعا وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي المجتمعون في بروكسل الى " انتقال منظم الى حكومة ذات قاعدة واسعة تؤدي الى اصلاحات ديمقراطية حقيقية ضرورية."
واندلعت الاحتجاجات غضبا من القمع والفساد والفقر والافتقار الى الديمقراطية وألهمها بعض الشيء سقوط زعيم تونس القوي يوم 14 يناير كانون الثاني ويدور الحديث حاليا عن تأثير متتابع مذل الذي أطاح بحكومات جمهوريات سوفيتية في شرق أوروبا.
وقال وزير الخارجية الفنلندي ألكسندر شتوب "يحدث أمر تاريخي في العالم العربي. لكن من السابق لاوانه القول ما اذا كانت هذه لحظة مماثلة لوقت سقوط سور برلين عام 1989."
وقتل زهاء 140 شخصا في اشتباكات مع قوات الامن في مشاهد بدلت وضع مصر كبلد مستقر وسوق ناشئة واعدة ومقصد جذاب للسياحة.
ورغم بدء الاحتجاجات بدون زعماء أو تنظيم واضحين اتحذت المعارضة خطوات للتنظيم.
وفال الاخوان المسلمون انهم يسعون لتشكيل لجنة سياسية موسعة مع الدبلوماسي المتقاعد محمد البرادعي للحديث مع الجيش.
وتسابقت حكومات أجنبية الى ضمان سلامة مواطنيها الموجودين وسط الاضطرابات في مصر. ولجأ فوج سياحي الى فندق ماريوت في وسط العاصمة المصرية للاحتماء.
وقال محاسب من هونج كونج يدعى ألبرت سو "كنت قد سمعت الكثير عن تاريخ مصر والاهرام ولذلك خاب أملي كثيرا لاني لا أستطيع مشاهدة كل ذلك. لكني لا أريد سوى الخروج."
وسحبت شركات يعمل بعضها في مجال التنقيب عن النفط والبعض الاخر في تجارة الجملة أو صناعة السيارات العاملين الاجانب فيها بعد أن تسببت المواجهات في توقف الحياة الاقتصادية. وأغلقت الاسواق المالية والبنوك أبوابها لليوم الثاني على التوالي.
وتواصل الاسواق الدولية أيضا متابعة الموقف في قلق. وواصلت الاسهم العالمية التراجع بعد أن فتحت على انخفاض وصعدت أسهم أسواق الدول المتقدمة. بينما ارتفع سعر برنت خام القياس الاوروبي الى أقل قليلا من 100 دولار للبرميل بسبب مخاوف من احتمال امتداد الاضطرابات الى دول منتجة للنفط في المنطقة.
وخفضت موديز انفستورز سرفيس التصنيف الائتماني لمصر الى (Ba2) بسبب مخاوف من الاضطرابات وقالت ان الحكومة قد تضر أوضاعها المالية الضعيفة بالفعل بزيادة الانفاق الاجتماعي لتهدئة المحتجين."