كل ما يقوم به علي عبدالله صالح استماتة للبقاء في الحكم، وكأي حاكم عربي أو ديكتاتور لا يستوعب الدرس. يقول إنه سئم من الحكم، مقولة تذكرنا بما قاله المصري حسني مبارك قبل أيام من إجباره على التنحي. يستخدم الأساليب نفسها؛ بلاطجة بزي مدني يعتدون على المتظاهرين المطالبين بتنحيه، توظيف المال العام لإقامة مهرجانات واستعانة بمؤيدين، قتل وإصابة العزل، عسكرة الدولة بكل قوامها المدني والأمني لحماية حكمه العائلي، وصف التظاهرات السلمية باعتبارها أجندة خارجية. نفس الاسطوانة المشروخة. ببساطة، مازال غير مستعد لفهم المتغيرات الحاصلة، ويتعامل نظامه مع التظاهرات المعارضة له على طريقة نظامي مبارك وبن علي. ربما لا أحد، بإمكانه إيقاف عدوى الثورة القادمة كتسونامي ضخم على المنطقة برمتها. كل ما يفعله مجرد تأجيل، وربما تسريع، لدور قد حان. ثمة مفهوم مثالي يرى أننا أدوات لفعل كبير. حركة في الزمن تدب، تغيير حتمي، ونكون مجرد أدوات لذلك المحرك الضخم. هناك عاصفة تغيير، لا يمكن لأي نظام التوقي منها، حتى الوعود بإصلاحات لم يعد مخدر فعال. كنت أشرب وصديق، شاي بالحليب، وتحدثنا عن بعض تعقيدات الوضع اليمني، قال: صدقني نظام الرئيس يسقط بينما نحن نشرب الشاي هنا. ووضع كوب الشاي بقوة على طاولة المقهى. لم تكن تلك مجرد فورة حماسة، بصورة ما يدخل النظام مرحلة السقوط الفعلي، وقد يعني ذلك، أن المحرك الضخم، الفعل الكبير، يسير نحو تغيير حتمي ويخلق أدواته. وبالتأكيد في اليمن ستتغير كثير من الأدوات الحادثة في مصر وتونس. لكل بلد خصوصياته، ولكل ثورة حالتها الخاصة. على الرئيس صالح الاستجابة للتغيرات، إنه لم يعد رجل المرحلة. هل يخاف أن تكون نهايته مخزية على الطريقة المصرية والتونسية، مثل تلك الخاتمة المخزية سببها التشبث المخيف بكرسي الرئاسة. وعلينا اليوم أن نمنحه ضمانات بعدم حدوث مطاردات له وعائلته يستطيع تمضية حياته بعيدا عن ضوضاء السياسة. نريد منه خروجاً تاريخياً يضمن تجنيب اليمن المزيد من الأزمات والفوضى. في خطابه أمام حشد من المشائخ ورجال القبائل، اتهم جهات تريد حدوث حرب أهلية. ربما، مثل تلك المخاوف طاغية، فراغ السلطة في اليمن، ليس غياب رئيس، لكن هو فراغ انتقال السلطة. ويستطيع صالح من مكان وجوده في كرسي الرئاسة، تأمين ذلك الانتقال بصورة سلمية. لا يريد الحاكم تغيير أدواته. أدوات صدئت، تجاوزها الزمن. قمع المتظاهرين السلميين، تخوين الشارع. لكن الشباب الذي يفتح صدره للرصاص يريد التغيير. يعيش الرئيس نفس سيناريو رئيسي مصر وتونس المخلوعين، أزمات داخل نظام حكمه نفسه. مجموعة من نواب الحزب الحاكم يقدمون استقالتهم. هناك، مثل تلك الإجراءات تفرض على الناس عدم الثقة بالرئيس. هل يحتاج إلى فرصة أخيرة. قال أحد الزملاء بسخرية، نمنحه فرصة أخيرة لمدة 33 عاما أخرى!! يبدو أن الرئيس صالح في أضعف مراحل حكمه. لا توجد اضطرابات مسلحة، هناك احتجاجات سلمية، وظروف ثورتين ألقت عدواها على كل المنطقة، لا يبدو أن اليمن ستكون استثناء. استجابة الرئيس للمتغيرات أصبحت ضرورة لنخرج نحن وهو والبلد بأقل الأضرار. لحظة مناسبة وحدت كل اليمنيين: المطالبة بتغيير النظام، وإسقاطه. شعار الثورة الفرنسية "الشعب يريد إسقاط الملك"، اقتبسه التونسيون ثم المصريون؛ الشعب يريد إسقاط النظام. وحان الوقت الآن دون تأجيل. لقد عودنا هذا النظام على التلاعب بكل شيء. ولا نعرف ماذا سيكون عليه الغد. مثل تلك اللحظة، ليس فقط لتغيير النظام، بل أيضا لإنقاذ بلدنا. بقاء الرئيس يقود البلاد نحو مصير أكثر إظلاماً.